أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - الروح ترتدي ثوبا ابيضا














المزيد.....

الروح ترتدي ثوبا ابيضا


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 5217 - 2016 / 7 / 8 - 01:24
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الروح ترتدي ثوبا ابيضا
نعيم عبد مهلهل

الروح من خلق الرب فأتخيلُها على شكل غيمة ، تسكن أجسادنا عمرا ، وتغادرنا الى الأبد لتعود الى المطلق الذي قوق رؤوسنا ، وعدا ذلك لايمكن لي ان اتخيل تفسير للروح .
تلك كلمات زميل لي في المدرسة التي قضينا فيها سنوات التعليم بقرية نائية من قرى المعدان في عمق الاهوار .
يسمونها قرية ( المحاريث ) جمع محراث ، والمحراث هو غصن شجرة يابس وطويل وثخين يحركُ فيه الجمر داخل التنور الذي يصنع فيه الخبز حتى يزيد من قوة اشتعاله واغلب هذا الجمر هو من المطال ، وهو عبارة عن روث ( فضلات الحيوانات ) يتم عجنها على شكل اقراص مدورة وتخلط بمادة التبن ثم يتم تعريضها امام الشمس لتصير صلبة وتسخدم للتدفئة شتاءً ، ولتجميرها في قاع التنانير الطينية من اجل صناعة الخبز .
لا أدري حين اقف أمام تنور الخبز ، واتأمل امي في البيت وهي تحرك المحراث لتثير في الجمر اشتعال قوي ينضج الخبز فيه ، أو وأنا اتأمل نساء المعدان في القرية يفعلن ذات الشيء ، أتخيل أن النار وبعض من امواج حرارتها الصاعدة وتبدو لي مرئية على صورة طيفية لاشكال هيلامية تتعانق فيما بينها او تتشاجر وهي صاعدة الى ذلك المطلق إنما هي من بعض اطياف ارواح لكائنات ما ، عاقلة او غير عاقلة ، حد الذي يدفع معلم يساري آخر ، يعلق على شهية الرغيف الخارج من التنور قوله ، ظهر الرغيف بصورته الكونية وارواحنا متعلقة فيه لأنه الحياة .
وحين نذكره بقول المسيح ( ع ): ليس بالخبز وحده يحيا الأنسان
يرد : ولكن الجياع معه يعيدون صناعة ارواحهم.
أعادة صناعة الروح هو ما كان يشغلني في ليل الأهوار واتخيل الصياد الذي يمنع الروح عن السمكة عندما يتركها تقفزع ذعرا في قاع المركب الى ان تموت ، وأفسر بسريالية غريبة تعدد الارواح وتنوعها فأظن ان هناك روح جامدة قد تخبو وتتجدد مرة اخرى مثل الشمس والنجوم والاقمار ونار التنور ، وهناك ارواح عاقلة تعرف قدرية الروح فيها والمسافة الزمنية بين الولادة والموت . وهناك كائات حية ولكنها غير عاقلة مثل السمكة والطير الذي يمارس نفس رد فعل السمكة حين يفصل رأسه عن جسده ذبحا بالسكين او بطريقة يمارسها الاطفال مع صيد الزرازير والقبرات ويسمونها ( ملص الرقبة ) اي فصل الرأس عن الجسد من خلال جرها باليد بقوة .
ذاته المشاعر بقيت تلاحق ظل تفكيري كلما اقرأ خبرا عن موت صديق او اديب او ممثل مشهور أو مع فقدان الاصدقاء والجيران في جبهات الحروب وأنا استعيد عبارة هائلة لواحد من الاصدقاء قولها :الحروب تحول ارواح البشر من لحظة هيام كتابة قصيدة الغرام الى مجرد خشبة هائمدة يرفعها الناس ليهال عليها التراب بعد ذلك في مقبرة .
لهذا أيام جنديتي في ربايا القمم العالية في بنجوين وكلا حسن وتاريار لم اتخيل صورة مجسمة لارواحنا سوى على صورة نعش الخشب .
ولكنه ولكن ذلك الطيف المرئي بضبابية شكله الهيلامي اقترب اكثر في تصوراته وتحديد ملامحه يوم عدت الى بيتنا في الناصرية ولم اجد روح ابي التي كانت تظلل حياتنا بالحكمة والعمل والحنان .
مات ابي . واختفى جسده من على سريره المنفصل الذي انعزل فيه عن والدتي منذ زمن بعيد ، رفعوا نعشه عن الارض دون ان اكون موجودا ، وحتى اجده لاعانقه في وداع اخير ، رحت افتش في ارجاء المنزل عن تلك الاضواء الهيلامية التي كانت تخرج من التنور المتقد يوم يحركه محراث امي او محاريث نساء المعدان ، لكني وجدت التنور هامدا فحزن امي وتقوس ظهرها لم يعد يسمحان لها بأيقاد التنور مرة اخرى.
فعدت الى القرية افتش عن واحدة تشعل تنورها في ظهاري الصيف لتبان لي تلك الاشكال الصاعدة من لذة احمرار الجمر فيتشكل معها وجه ابي على شكل روح ترتدي ثوبا ابيضا ، فأتخيل أني اقيم معه الآن تفاصيل وداع متأخر فتشعرني حرارة تلك الاشياء بدفء حضنه يوم اركض اليه جريا وانا احمل شهادة النجاح في المدرسة الابتدائية والتي تغيرت طقوسها عندما انتقلت الى المرحلة المتوسطة حيث كان يكتفي بتقبلي بحرارة ، أما امي فقد ابقت طقوس الاحتضان في لحظة جلب شهادتي للبيت حتى عندما تخرجت من معهد المعلمين.



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجومٌ خضرٌ في نعشٍ أسود
- شهداء العطر الاخضر
- ناموسيات قُبلاي خان
- الكرادة
- لقالق سمرقند ومنائر الجبايش
- سفرة مدرسية الى التوراة
- مرثية الى بود سبنسر
- شيوعيٌ بثوب أسود ...!
- أحمرْ والحْسِينْ . أخضرْ والعَباسْ
- أسرار الشذر الأزرق
- الأهوار وناي عدنان شنان
- النزول جنوب بابل
- مديح الى حمدية صالح
- الأهوار والقنصل الكهنوتي
- فشافيش اكبادُ الجواميس
- الأهوار ( يوم في فنيسيا )
- الحُب بحروف بيل غيتس
- أور (عواء الثعالب لايُحبُ البساطيل )
- الأهوار ( المجلات وجدار الطين والحرمس )
- بان كي مون ..لمناديلا صوتٌ في الاهوار


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - الروح ترتدي ثوبا ابيضا