أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد البورقادي - تخليق الفكر كسبيل لبناء المواطن المُعَوْلَم..















المزيد.....

تخليق الفكر كسبيل لبناء المواطن المُعَوْلَم..


محمد البورقادي

الحوار المتمدن-العدد: 5215 - 2016 / 7 / 6 - 17:15
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يطرح موران فكرة خلق المواطن المعولم أو "عولمة مواطناتية كوكبية " تكمّل حقوق المواطن العالمي وتسهم في تحقيق ممكنات ارتقاءه عن طريق خلق فرص التفاعل مع السياق العالمي وليس بتقليصها وقصرها فقط على مواطني الغرب ، فالعالم الانساني ليس سلعة يشتريها فقط من يملك ويحرم منها من لا يملك بل إنه ملك الجميع . كما أن الأخلاق تدفع إلى التكافل والتماسك قبل العامل الأكبر وهو الانسانية المشتركة ، ولإنجاز ذلك لزم التفطن إلى "سياسة كوكبية " لأن القمع والتجاهل ليس من شأنه الاصلاح ولن يقضي على دواعي الظلم واللاتكافئ والتفاوتات الفاحشة التي ترزح تحت وطأتها أغلب شعوب الأرض ، بل إن القمع لن يزيدها إلا تفاقما وبالتالي فوحدها سياسة تقوم على الصعيد العالمي يمكنها أن تعالج التناقضات المصيرية للمواطن المعولم ، ولن يتمكن المجتمع المدني والعالمي "في شكل المنظمات الحقوقية" من تحقيق هذا الإنجاز العظيم وحده .ولكن فقط و بواسطة التحالف والتوليف بين المؤسسات الدولية الكبرى وتنسيق البرامج والعمل الجاد على موضعتها ، يمكن تفادي الأسوأ في المستقبل والقضاء على أشكال وعواقب رواسب العولمة على مواطني الدول العاجزة أو المقهورة إن صح القول.
كما يستعيض موران عن مبدأ التنمية المستدامة التي ترنو إلى التنمية الاقتصادية والتقنية ، بمفهوم آخر وهو التنمية الانسانية لأنها الأمثل لتكوين مجتمع عالمي على أساس اتحاد حضاري ، إذ يدعو من خلال ذلك إلى تأسيس ما أسماه "بالإناسة السياسية" أو "سياسة الإنسانية على الصعيد الكوكبي" ، ذلك أن الوجود الإنساني لا يقوم على التقدم المادي والكمّي فحسب ، وإنما هناك ثروات لا تقاس بالمعايير المادية التي من ضمنها الشهامة والشرف والضمير . والتقدم إن لم يدخل هاته الجوانب في حساباته فهو تخلّف يهوي بالانسان إلى الهاوية ، والتنمية على هذا الأساس ،أي بدون تضمين للفاعل القيمي، هي تنمية لاعقلانية إذ تعوزها مقومات الأخلاق والنفس والروح التي أغفلتها في مقابل الكمّ والتقنية.
إن الفردانية التي تدعو إليها العولمة تحث على التوحش والتدمير وتؤثر الاحتكار ولا تنطوي على الخير والرفاه المعمم ، لأن الانسان أناني بطبعه ولا يحب لغيره ما يحب لنفسه والعولمة بانفتاحها وبإمكانياتها الهائلة وضعت أمام هذا الكائن ممكنات انطلاق أنانية طبعه إلى أقصى الحدود. فألّبت نوازعه لموضعة هذا التصور بشكل لايطاق مما حوله لوحش ضاري تم إطلاقه على العالم.
لكن سياسة الإنسانية التي يدعو إليها موران تشجب كل مظاهر الطمع والجشع والتوحش التي سقط فيها الإنسان جراء اعتلال وعيه وفكره ، بل تقوم على إعادة اقتسام الخيرات الكوكبية والحفاظ عليها ليس فقط لاستبقاء النوع الإنساني الذي أدمته عواقب الظلم والجور والحرمان وأفقدت احترامه وأهدرت كرامته ، إنما لإدماجه مع رفاه النسق العالمي وبناء ممكنات نهله من خيراته وفق عدالة اجتماعية عالمية جديدة تجعل من التضامن أساسها ومن الإنسان رمزها المقدس.
إن افتراض إحقاق التقدم الغربي على حساب التقدم الشرقي (حتى لو تراجعت ممكنات التقدم الشرقي) لا يعدو عن كونه انتصار لإنسان على إنسان آخر ، وهذا الانتصار هو موهوم وليس حقيقي ولا يعد انتصارا في العالم الإنساني بقدر ماهو غدر وخيانة ، لأن الانتصار يجب أن يكون مشتركا وإنسانيا ضدا على عدو غير إنساني (أي خارج علاقة الإنسان بالإنسان )، ولذلك فافتراض ارتباط تقدم الإنسان بإلحاق الضرر بمثيله كافتراض قتل الزوج لأبنائه وزوجته وزعمه بعد ذلك أنه حقق انتصارا ، فلا يصح ذلك ، لأن الإنسان ،كاختصار لمجموع الإنسانية في شخصه ، هو نسق موحّد وكلّ لا يتجزأ كما أكدت على ذلك الديانات السماوية وأتبثه العقل من جهته. فهو مختزل في الواحد مفرّق في الإنسانية كلها ، وعليه فإن المشاكل التي تقع في بعض أجزاء هذا الإنسان الكلّ المركب على المستوى العالمي وفي سياق ما، فهي تقع بحال أو بآخر على بعضٍ منه كجزء يتكون منه النسق العام ، ولهذا يجب حل تلك المشاكل بإرادة جماعية مسئولة ومن طرف الأجزاء السليمة الباقية في مجموع النسق (أي الأجزاء المسئولة عن إحداث المشاكل).
إن الحاجة إلى الإصلاح الداخلي للأذهان والأشخاص باتت ضرورة ملحة على عاتق سياسات الدول ، فهذا الإصلاح هو وحده الكفيل بخلق اتحاد كوكبي منسجم الأطراف ، والتي من خلاله سيتم القضاء على مطامح الربح الطاغية والنهم المتوحش الذي تبرر غايته وسيلته وسيساعد في الكفّ عن إطلاق العنان للجوانب الأكثر همجية وانحرافا في الكائن البشري ، أو تنظيمها وضبطها على الأقل ، وإن لم يتم هذا الإصلاح في أقرب الآجال سيظل الإنسان العالمي في تعرض مستمر للظلم والجور وسيمسي فريسة لطغيان القوى الاجتماعية الجبارة وهيمنتها على العالم . إن هذا ليس بالأمر الهين ولكنه ليس بالأمر العسير كذلك، ولذلك فلنعلم أن لا شيء مستحيلا تمام الاستحالة ، فكم من غير ممكنٍ تحول إلى ممكن وكم من ممكنٍ غدا غير ممكنا وللتاريخ شواهد على ذلك ، وبالتالي فالتحول قد يكون بعيد الاحتمال فحسب ، ولكنه ليس بالأمر المستحيل إن عززته الإرادة وعاضده التحدي والتشبث بالأمل.
إن العالم يرتع في اضطراب وفوضى لم يسبق أن عاش مثلها قبل بهذه الكثافة والشدة ، فالعولمة حين أطلقت جرعاتها التحررية الملبرلة في كل النطاقات على مستوى العالم ، لم تتمكن من التحكم فيها وتوجيهها بالقدر المستحب . لقد فقد منظروها القيادة بعد ما سعوا جاهدين بكل الوسائل لانغراسها ، فالاقتصاد المعولم المفتقر إلى الرقابة يعاظم من معدلات الجريمة المنظمة والمتاجرة في المخدرات والأسلحة . والإرهاب الرمزي والمادي الذي تمارسه الولايات المتحدة كحاضنة للعولمة صار الآن أكثر تعولما وأكثر تنظيما وانتشارا ، حيث استفاد بفضل التمكين المعلوماتي من تنسيق حركاته ومضاعفة احتماليات نجاحاته . إنه (أي الإرهاب) يتغدى من أشكال الحرمان والبؤس التي تَكبِتُ على نفوس المضطهدين في فلسطين وفي بورما وفي العراق وفي كل الدول الإسلامية المقهورة ، ويوظف لتحقيق أهدافه كل المبتكرات العلمية طمعا في تقويض مضجع أولئك الذين تسلطوا على إرادات ومصائر شعوب بأكملها ، فلم يكن لنزعة أمريكا الدكتاتورية من صدى إلا اشتداد نزعة أخرى مضادة تكنّ أشد العداء لها ، تلك الأخيرة ،التي يؤجج هيجانها الهستيري النزعات المانوية والشيطانية لأمريكا وسرطانها الاسرائيلي ، أيقظت منطلقات الصراع القديم وبعثته من جديد ن وهو الصراع الإسلامي المسيحي (أو الصليبي).
كذلك مما ساهم في تأجيج هذا العداء تجاه الغرب ، تلك الصورة المشوّهة التي ينقلها الإعلام الغربي حول الإسلام ، والتي تصفه بالهمجية والعنف ، فقد تمكنت وسائل الإعلام من تظليل الرأي العام العالمي وتكييف وعيه الثقافي بما خلق رأيا عالميا (يكاد يكون موحّدا ) مغلوطا حول جاهلية الإسلام واحتقاره للإنسان ، لعل هذا ما عمّق صورة للإسلام بالغة التشويه لم يجد بعض الشرقيين لدفعها سبيلا إلا من خلال الإرهاب والعنف والتآمر المضاد.
إن الحكمة تقتضي التبصر بعواقب الفعل قبل الشروع في فعله ، والوعي الإنساني إن لم يستفد من خيبات مآلات طموحاته ، فقد يعجز عن التخطيط السليم لبلوغ الأهداف القادمة ، وقد يضعف ، إن لم يستفق قبل فوات الأوان، عن إصلاح ما ارتكبه بحماقته وتسرعه ، ولذلك فإن الحكمة العليا المضمرة في الفطرة تستلزم إيجاد ممكنات التكافل الداخلي بين البشر وبين الجماعة الإنسانية المشتركة في المصير الكوكبي عوض التفنن في التآمر ونشب الصراعات ، التي لا تهدد فقط مصير القوى المغلوبة بل من شأنها كذلك إن عظم استفحالها المساس بكبرياء وعظمة القوى الغالبة .فلا ينبغي للولايات المتحدة ،على حد تعبير موران ،أن تقتصر على رفع شعار "نحن جميعا أمريكيون" بل يجب أن ترفع وبالموازاة مع ذلك شعار" نحن لسنا أمريكيون فقط" (نفس المرجع السابق).
فالمواطن الكوكبي لن يتحقق في ظل الكراهية والحقد وفي كنف التصارع الايديولوجي العالمي الطاحن ، والمنطق الاقتصادوي الربحي ، وإنما يتحقق من خلال إدماج المبدأ الأخلاقي الواعي في كل مخططاته وممارساته ، "فلن يتحقق عالم نبيل بوسائل دنيئة " ،ولن تبنى عرى وأواصر الاتساق والتوافق في ظل وجود قطب عظيم يسعى إلى التصارع الوحشي وإلى الهيمنة والتبئيس ، فهل كان صائبا اعتقاد مارتن لوثر حين قال بأن "قدرتنا العلمية تغلبت على قوتنا الروحية ، فاستطعنا توجيه الصواريخ ولكن لم نستطع توجيه البشر" .
إن زعمنا بذلك (أي باحتمالية بناء المواطن الكوكبي ) ، ليس زعما طوباويا أو يوتوبيا لا ترقى استعدادات البشر لمستوى سقفه ، ولكن القول بذلك ، إن لم يضمن الخلاص النهائي والخروج من الأزمات المتراكمة العالمية ، فإنه على الأقل يضع بعضا من ممكنات الصعود والترقي ويقرّ بالوجود الحقيقي لتلك النزعات والتناقضات التي يستلزمها التعقد الكوكبي.
فالفكر البشري كما يحمل في داخله دواعي الشرور والجنون والجهلنة ، ينطوي كذلك على ممكنات العقلنة والتبصر والحكمة والتفهم ، إذ يُنَشّط كل جانب بحسب اختياره ووفقا لرغباته واستعداداته ، أما أنه قد طفح الكيل بما خلفه استدعاء الجانب المظلم من الفكر البشري ، فقد حان الأوان أكثر من أي وقت سلف بأن يتم تفعيل جانبه المشرق الأخلاقي والذي بفضله سيتمكن من القفز الوثاب نحو الخلاص منقذا نفسه وغيره من السقوط في الهاوية.
إن الإنسانية الآن تمتلك من الإمكانيات المادية والتقنية ما به تقدر على حل عدد كبير من المشكلات البشرية من قبل الجوع والفقر والبؤس في العالم ، ومع ذلك يبدو وكأنه من المستحيل تحقيق ذلك بسبب ضغط البيروقراطيات وأشكال الفساد والقواعد الاقتصادية والعلاقات بين الدول ، فهل يجوز لنا القول بأن إنسان اليوم يعيش لحظات احتضاره الأخيرة وموته التاريخي المحتوم ، أم أن عقله سيقوده إلى الانبعاث من جديد ؟ ولكن متى ذلك ؟ أو متى سيستحيل حقيقة هذا المستحيل الممكن ؟
إن البعيد عن الاحتمال لا ينفي عدم وقوع الاحتمال ، فالتناقضات والتعارضات القائمة الذات على المستوى العالمي ، وإن كان احتمال تجاوزها ضئيلا ، إلا أنه لا يُخصي فرص وإمكانيات فعل ذلك إن توفرت الشروط الضرورية لإحداث هذا التحول ، والتي من بينها ما يعرف "بتخليق الفكر" أو مراقبة الفكر ووضع الضوابط الخلقية لانطلاقاته ، هذا الفكر الموجّه أو المنظم هو ما به تُخَلّق السياسة وتضبط ، وما به يخرج الفرد من أناته إلى نحنه (أي النحن المجتمعية) ، ويمتد من طموحه إلى طموحات الإنسانية جمعاء ، فيسهر على إيجاء ممكنات الاتصال والتمفصل في ما بينها بما يخدم مصلحة الكل والجزء في نفس الآن ، باعتبار أن الكلّ هو نسق وظيفي لا يتجزأ ،وكل جزء له وظيفة معينة تتكامل مع باقي وظائف الأجزاء الأخرى لتضمن استمرار الأجزاء كلها وبالتالي النسق العام العالمي.
فكلما جُوَّد تخليق الفكر ،بإحداث سيرورات بنائه ، صار أكثر كفاءة إلى أن يبلغ أعلى درجات التخليق والتي تنجلي في إيثار "النحن" على "الأنا " ، والعمل على إجهاض الرغبات والمطامح الفردية إن كانت لا تتناسب ومطامح النحن المشتركة ، ولعل ما يحصل في كنف العائلة من تضامن يُؤثر به ربّها غيره على ذاته هو خير مثال ينبغي أن يعمّم ويخرج من إطاره الضيق الجزئي إلى إطاره العام الكلي لينتقل التضامن من النسق الخاص إلى العام.
قد لا ينتفي وجود الأخلاق حين يضمحل وجود أو ثقل "النحن" في فكر الانسان ، فتكبر بذلك أناته إلى أن تهيمن على نحنه كما حصل في المجتمع الأوروبي الغربي حين طغت أنانيته على طبعه فازداد نهمه وانقطاعه عن النحن المشتركة ، لذلك فالنحن يجب أن يكون هو المركز والقائد وهو الماثل في أذهان الفكر البشري ليضبطه أو ليعقله عن جماحه إن صح القول.
إن فكرة الاختلاف بين الأنوات في الدين واللغة والعادات هي دليل مدحوض ولا يشرعن بحال كم التمايز المفتعل الحاصل بين البشر ، باعتباره (أي الاختلاف ) لا يساوي شيئا أمام جامع الوحدة الإنسانية العامة ، وأمام المشاعر الواحدة المشتركة ، ولذلك فإن هذا الاشتراك كفيل بما يكفي للتغلب على معظم الاختلافات والتصورات التي يبتدعها الأنا من أجل تقويض مبدأ النحن وضحده من حساباته ، ولذلك فالفكر الأخلاقي أو "المخلّق" هو المحرار والضابط الذي ينظم تفاعلات وتمفصلات الأنوات وهو ما به يُفَضّ تعقّد المجتمع المركب العالمي ويحُدّ من تضارب حريات أفراده ، لأن الحرية وحدها بدون رهان أخلاقي تصبح جريمة على حد قول هيجل ، فينبغي إذن أن يعمل الأنا للنحن كما يريد هو أن يعمل الآخرون له أو كما قال كانط :"اعمل للآخرين ما تريد أن يعمل الآخرون لك".
لكن السياسة الآن هي من تسيطر على الأفكار وهي من تنتج القيم وتعيد إنتاجها بما هي وعاء للسلطة ، هاته الأخيرة التي تتناقض أهدافها طبعا مع القيم الأخلاقية ، من حيث تروم ربط الإنسان بالسوق وبالعالم الاستهلاكي ، ولأن "الحكومة ليس لها ضمير" كما صرح ألبير كامو ، فخطابها بذلك هو أحادي متطرف هدفه الرئيس هو النمو الاقتصادي وتحقيق الأرباح بأقل التكاليف الممكنة وبشتى الوسائل الممكنة أيضا ولو على حساب الأخلاق والمعرفة التي تُقنّن هكذا توجّه.
ينبغي على الإنسان أن يتحلى بالتواضع والاعتراف بأنه خطاء وأن عليه أن يتنصل من غروره وكبرياءه ،وأن لا يتعالى بذاته (إن تمكنت في سياق ما وتحت ظروف ما ) عن الذوات الأخرى ، وأن يرجع إلى نهج التسامح والتضامن فهو جوهر الإنسان وما به تَمايزه ورفعته وكرامته . وبغض النظر عن مرجعيات هاته الأخلاق سواء كانت دينية (في اعتقاد معتنقي الديانات السماوية ) أو لائكية كما أكد جون بول سارتر الذي وإن اعتقد بعبثية الوجود ورفض وجود الذات العليّة ، فقد أقرّ بضرورة انوجاد أخلاق لائكية تتمركز حولها ممارسات الإنسان لتحقق الصالح العام الخاص في الآن ذاته.
ولعل هاته الأخلاق هي ما يصنع الحرية الحقيقية وليس انعدامها ، لأنه لا يمكن تصور حرية بدون أخلاق ، فهاته الأخيرة هي ما تصنع الحدود لها وتأطرها وبدونها لا توجد حرية ، فنحن كما ادعى مارتن لوثر "قد تعلمنا أن نطير في الهواء كالطيور، وأن نسبح في البحار كالأسماك ، ولكن لم نتعلم حتى الآن كيف نمشي على الأرض كالإخوة".
إن المفاهيم الأخلاقية والإخائية لا تفرض من طرف السلطة كما يحدث في نظام المساعدات الاجتماعية ، "فلو أن التصرف الأخلاقي هو مجرد اتباع للأوامر ، لاستطعنا برمجة الكمبيوتر على التصرف بأخلاق " كما يقول صامويل جونسون ، ولكنها تغرس بالتربية وتستدخل بالثقافة الجمعية كآلية جوهرية لتشكيل البناء الأخلاقي في الانسان ، ومن تم فهي من إنتاج المجتمع بالدرجة الأولى والتي تمتد من خلاله لتتشكّل كأرضية تتمأسس عليها كل الأنساق المجتمعية ، ولا يكفي لتحقيق ذلك النية السليمة وحدها والأمل والتمني ، فجهنم مليئة بأصحاب النيات الصافية كما يقال ، ولكن يجب أن ننصت لقول هرقليطس :" إذا أنت لم تسع وراء الشيء المؤمل ، فلن تفلح في الوصول إليه "، ويطرح موران تعاضدا مع ذلك ، ضرورة تهيئة الأرض لتكون كالبستان المشترك بين بني البشر والذي يجب أن يسود فيه التعاون بين الطبيعة والثقافة ليقود الاثنان معا دفّة القيادة ، ويصرح أيضا بأن تحضير الأرض وتحويلها لبستان هي مهمة ثقيلة لم نتجاوز بعد فيها مراحل البداية ومن تم لزمنا قطع أشواط طويلة وبتضحية عظيمة وقيادة أخلاقية واعية لنتمكن من فلح هذا البستان وجعله جنة حقيقية يمكن أن يعاش فيها بسلام وعدالة وحب.



#محمد_البورقادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الحداثة المُعَوْلَمة ..
- السلطة القمعية عند ميشيل فوكو وميشيل كروزيه
- السلوك الجمعي وشروط إحداث الثورة..
- السلطة والعنف : أي علاقة !
- السلطة القمعية وشروط بناء الفرد الخاضِع والمُنمَّط..
- العولمة كسيرورة إنتاج لسياسات الطرد والإقصاء الاجتماعي ..
- واقع الفرد في ظل هيمنة العولمة والسلطة..
- جون جاك روسو وشروط تشكيل العقد الاجتماعي..
- نصائح للشباب: الإكثار من فعل الخير..
- اختلالات النسق الجامعي..
- إنسان اليوم في ظل الحضارة المادية..
- ماذا يُطْبَخُ للمجتمع المغربي تحت غطاء المقاربة التشاركية وا ...
- نظرة موجزة حول شروط إنتاج الإرهاب..
- حياتي كلها فداك يا أمّي ..
- نصائح للشباب : أقبل قبل المغادرة وتيقّظ قبل الفوات..!
- نصائح للشباب :الدخر ليوم الميعاد
- التعلق بغير الله خُذلان ..
- شقاوة الحب..
- داعش : شروط الإنتاج..
- التموقع الإقتصادي العربي في عالم العولمة..


المزيد.....




- لمعالجة قضية -الصور الإباحية المزيفة-.. مجلس رقابة -ميتا- يُ ...
- رابطة مكافحة التشهير: الحوادث المعادية للسامية بأمريكا وصلت ...
- كاد يستقر في رأسه.. شاهد كيف أنقذ رجل غريب طفلًا من قرص طائر ...
- باتروشيف: التحقيق كشف أن منفذي اعتداء -كروكوس- كانوا على ارت ...
- إيران أغلقت منشآتها النووية يوم الهجوم على إسرائيل
- الجيش الروسي يعلن عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف القوات الأوكر ...
- دونالد ترامب في مواجهة قضية جنائية غير مسبوقة لرئيس أمريكي س ...
- إيران... إسرائيل تهاجم -دبلوماسياً- وواشنطن تستعد لفرض عقوبا ...
- -لا علاقة لها بتطورات المنطقة-.. تركيا تجري مناورات جوية مع ...
- رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية تمنح بوتين بطاقة -الر ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد البورقادي - تخليق الفكر كسبيل لبناء المواطن المُعَوْلَم..