أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - محنة البطريق ـ فوضى الادوار2















المزيد.....

محنة البطريق ـ فوضى الادوار2


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 384 - 2003 / 2 / 1 - 06:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


 

             خاص: الحوار المتمدن

  تنقلب الادوار في مراحل التحولات العاصفة والمتسارعة والفجائية، كالحروب، الانقلابات، الكوارث، التحولات الكبرى، ويبدو المجتمع كما لو انه خرج من السيطرة.

 

 وانقلاب الادوار أو الوظائف قد يحدث بطيئا أو سريعا، بصورة عادية أو بصورة قسر واكراه، على نحو طوعي أو على نحو قمعي اجباري.

 

 ان الامر يتوقف على طبيعة( الدور) نفسه. لكن ما هو الدور؟.

 الدور حسب تعريف لينتون عالم  النفس الاجتماعي هو  الجانب الدينامي لمركز الفرد أو وضعه أو مكانته في المجتمع.

 

 والدور ايضا كما يعرفه الدكتور جليل وديع شكور( هو  مجموعة الانماط الثقافية المرتبطة بحالة معينة ـ الموقف ـ وهو مجموع السلوك والقيم التي يفرضها المجتمع على شخص وعلى كل الاشخاص الذين يحتلون نفس الحالة ـ دور الاب، دور المعلم..ـ  وتتعدد الادوار عند الفرد الواحد وفق الحالات التي يمثلها.)

 

 والفرد يتعلم منذ الصغر القيام بأدوار متعاقبة حسب العمر والموقع داخل الاسرة والمجتمع: دور الابن، التلميذ، دور الاب، الزوج، الموظف..الخ.

 

 وهذه الادوار قد تكون طويلة / دور الاب / أو قصيرة كدور مسافر في طائرة / أو تكون مرحلية ـ دور الجندي ـ  / وقد تكون ادورا بيولوجية كدور الانثى أو الذكر، أو مكتسبة كبقية الادوار والوظائف.

 يمكن ان يقوم الفرد الواحد بعدة ادوار اجتماعية في آن واحد كدور العامل والزوج والصديق والمسافر، ويمكن ان تقوم عدة جماعات بأداء دور واحد في الانتاج أو في الحرب أو في النادي أو في الملعب..الخ..

 

يتم في الظروف الطبيعية الانتقال من دور الى اخر في جو سلمي وحسب القوانين والدساتير التي تحدد الوظائف والادوار الاجتماعية.

لكن هذه الادوار تشهد انقلابا حادا وسريعا وعاصفا في مراحل المنعطفات السياسية أو في أزمنة الحروب والكوارث أو في مناخات الازمة أو في ظل دول بوليسية.

 ماذا يحدث للأدوار الاجتماعية في ظروف القمع والحرب والازمات الطارئة؟.

 ان انهيار نظام المعايير وهو الاطار المرجعي الذي يضبط ايقاع المجتمع، وسيادة العدمية الاخلاقية، وهيمنة منطق التبرير، يؤدي الى انهيار آخر أكثر خطورة هو انهيار الادوار.

 الدور مرتبط عضويا بالمعايير، وهذه تحدد حالة ووظيفة الفرد داخل المجتمع، وفي حالة انهيار قيم المتجمع وسيطرة قيم أو معايير أخرى تنشأ حسب الحالة والظرف أو أهواء ورغبات دولة بوليسية أدوار جديدة، وتنقلب أدوار قديمة.

 

 قد ينقلب دور الاب فجأة الى محارب ومن محارب الى أسير أو دور هارب، وقد يتحول   معلم المدرسة الى ضابط أو مدير سجن، ويتحول المربي الى  سائق دبابة....الخ..

 

 وحتى في ظروف السلم الاجتماعي أو مراحل الهدوء قد تقلب سلطة فاشية ادوار الناس وتمسخ وظائفهم الاجتماعية المعروفة. فليس غريبا مثلا، ان يتحول صالون حلاقة الى وكر مخابراتي او مأوى دعارة، او عامل فندق الى مخبر، ورجل دين في جامع الى  شرطي...الخ.

 كما انه أمر مألوف، كما حدث في العراق في الثلاثين سنة الاخيرة، ان تنقلب أدوار على نحو فجائي غير مسبوق، فيتحول جندي هارب من الجيش الى رئيس دولة، ويصير بائع عربة جوال نائب القائد العام، ويتحول عريف في الجيش الى جنرال ومحافظ، أو يصير خريج سجون واصلاحية وزيرا للتربية والتعليم، ويتحول بائع طيور الى وزير تجارة ...وهلم جرى.

هذا الانقلاب في الادوار احدث فوضى اجتماعية وسياسية وثقافية، لأن هذه ليست أدوارا فحسب، بل هي تشكيلة من القيم، ومن المؤسسات، ومن القوانين والاعراف والمعايير.

 

 والانسان لا يتعلم على دور ما  بهذه السرعة. انها عملية نفسية وتربوية معقدة ومتكررة وطويلة. لذلك قاد هذا الانقلاب الطاريء للأدوار الى تشوه اجتماعي وثقافي واخلاقي عميق، والى دخول المجتمع العراقي في مرحلة المأزق والدوامة التي قد تنفجر أو هي على وشك الانفجار بالحرب أو بدون الحرب لأن هذا الاحتقان بحاجة الى تفريغ لكي تعود القيم والادوار الى حالتها الطبيعية.

 ان الفاشية هي حالة وبائية تنقل معاييرها الى ضحاياها بصورة سرية وهادئة ويبدو هذا التسلل غير ملحوظ  وخفي  احيانا وبارز بعض الاحيان،  حين تستخدم الضحية نفس معايير عدوها أو تتماهى مع مفاهيمه، لأن الانسان المقهور كما يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابه القيم( سيكولوجيا الانسان المقهور) لا يعود يرى امامه من مثال حياتي ومن معيار لتحقيق الذات سوى اسلوب حياة المتسلط وقيمه ومثله العليا.

   التماهي هنا بالمستبد هو نوع من الفرار من مواجهة وضع مأزقي بالتداخل والاندماج معه، أو انه ـ حسب الوصف الرائع للمفكر فرانز فانون في كتابه المعذبون في الارض ـ هو نوع من الاعجاب الخفي من الضحية بجلادها.

 ان اعتقاد الضحية، على مستوى الوعي أو على مستوى اللاوعي، بأن تبني قيم المستبد هو فرار ونجاة من وضع سايكلوجي واجتماعي ضاغط ومحرج هو نوع من دفن الرأس في الرمل. الارهاب الفكري يمكن ان تمارسه ضحية بأشد قسوة وشناعة من قسوة وشناعة السلطة لأن هذه الضحية بحاجة الى تفريغ خزين هائل من قهر متراكم ومن ذل معتق. وهذه الضحية المتحولة الى" جلاد" تعتقد بممارسة اساليب جلادها الاول بمهارة ودقة انه حلت مأزقها النفسي والوجودي وتخلصت من مشاعر المهانة التي تعصرها يوميا دون ان تعلم انها اضافت مأزقا جديدا لن تكون قادرة على حله حلا منطقيا، بل  ستعيد انتاجه على نحو آخر وهكذا والى اخره من الاجترار المتواصل.

 

 وهذه الضحية لا تستطيع ممارسة " دور" المستبد على المستبد لأن جلادها الاول زرع في داخلها الجبن من القوة، بل هي تلجأ ـ حسب فرانز فانون ـ الى مبدأ الانتقاء والتعويض. اي انتقاء ضحية " هالكة" لممارسة دور الجلاد عليها، وهذا الاختيار يشكل أسوأ وأحقر سلوك بشري تمارسه ضحية ضد أخرى. فهي لا تقترب من ضحية قوية.

 وسلوك الضحايا اليومي يعطي أمثلة لا حصر لها.

 

لكن هل انقلاب الادوار يشمل المؤسسة الحاكمة ام انه يشمل ضحاياها؟. ماهي معايير الضحايا وكيف يتم توزيع الادوار بينهم اذا كان المجتمع مهشماً ومعاييره محطمة، والادوار مقلوبة؟.

 

 ماهي البنية السياسية  والفكرية والاجتماعية والاخلاقية التي ينظر من خلالها الضحايا الى الحياة والحرية والسلطة والمستقبل؟. ماهو نظام المعايير البديل؟ وماهي الادوار الجديدة؟.

 

 ان نظرة تأمل عميقة ـ وحتى سطحية ـ الى ضحايا السلطة تعطي الدليل الواضح على ان انقلاب الادوار لم يعد ظاهرة مؤسساتية فاشية، بل هي ظاهرة موجودة على الجانب الاخر من معادلة صراع السلطة.

 ان المشهد التالي الذي غالبا مايتكرر على شاشة التلفاز هو احد الادلة الصارخة على انقلاب بل تشوه الادوار الاجتماعية والسياسية والتربوية والاخلاقية التي  كانت الاطار المرجعي الذي شكل البنية النفسية لأجيال عديدة.

 هذا المشهد هو:

 مناضل يساري يقف في صورة تذكارية امام البيت الابيض مع فريق عمل أمريكي  بعد اجتماع عن الحرب القادمة في العراق!

 الى جانبه رجل دين معمم لم يكن حتى فترة قصيرة، وعلّم اجيالا على ذلك، يؤمن باية سلطة زمنية وبشرية، ولا يقبل بغير حاكمية  الله على الارض يقف الى جوار اليساري الذي علم اجيالا على العداء للامبريالية والرأسمالية المتوحشة،  وكان على مدى حقب زمنية يدفع الشباب الى الموت في السجون  تحت الاحذية واعقاب البنادق وليس في انتفاضة شوارع!

 

 معهم في الوسط مقاول، والى جانبه  ضابط سلطة في الحرس الجمهوري حتى وقت قريب!

 يمكن بقليل من الخيال وضع نماذج اخرى !

 الغائب من الصورة هو الشعب!

هذا الحضور الغريب للأدوار، هذا الانقلاب الفج، وهذا الغياب المقابل للناس والارادة، هو مثال بارز على انقلاب الادوار الساخر.

 وهذا المشهد لم يكن ليحدث في اية حركة مقاومة أو معارضة اخرى في العالم تكون فيها الحدود واضحة والمرجعيات بينة، والادوار محكومة بقانون اخلاقي او نواميس أو تقاليد سياسية.

خارج الصورة:

 جلاد سابق يصبح عضوا في مؤسسة" ثورية!" أو مؤتمر للتغيير!

هارب بالدخل يتحول الى" مناضل" من أجل الحرية  !

 مثقف يساروي يرفع رايات الحرب ويصفق للقتلة!

خارج الصورة ايضا:

 مناضلون شرفاء، ومثقفون نجباء، ليس لهم اي دور غير دور الصمت أو دور المتفرج على مشاهد يوم القيامة وهي تزحف نحو الوطن!

  هذه ليست نهاية الصورة.

 يمكنكم وضع نماذج أخرى على الجانبين!

 ان المستقبل ليس غيبا أو صورة مشوشة، بل هو صورتنا الحالية، والمستقبل هو خطواتنا اليوم. لكن ما يجعل هذا المستقبل غامضا ومشوشا ومضطربا هو الرؤية المشوهة.

 هي " الانا الثانية" التي خلقتها ثقافات وأوضاع وعقائد واوهام.  ومن غير الممكن رؤية القادم من الايام بذات مزيفة صنعتها قوى قهرية متعددة الرؤوس.

 وليس امامنا من خيار اليوم غير تحرير هذه الذات من الرؤية المشوهة التي جعلت أكثر صور انقلاب الادوار ممكنة ومقبولة ومفهومة وطبيعية!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القسم الثالث : محنة البطريق ـ الرؤية المشوهة.

 

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة البطريق وعلامات التحول 1
- الكتابة والاحتيال
- بغداد لن تتزوج الجنرال
- الروائي محسن الرملي ـ الحرب والفتيت المبعثر
- الروائي صدام حسين ـ مسخ الكائنات
- الروائي حيدر حيدر ـ وليمة لأعشاب الظلام!
- الشاعر دينيس دوهاميل ـ كيفية مساعدة الاطفال اثناء الحرب
- الروائي صنع الله ابراهيم ـ رواية وردة والمسكوت عنه
- الى المتماوت رعد عبد القادر ـ مات طائر بغداد المغرد
- الشاعر الشيلي بابلو نيرودا ـ تعالوا انظروا الدم في الشوارع
- الشاعر ولتر تونيتو ـ كفن لبلاد الرافدين
- الروائي الالماني هرمان هيسه ـ اذا ما إستمرت الحرب
- الشاعر عباس خضير ـ الحرب والاعتقال والمنفى والذهول
- الشاعرة اليزابث. ر . كري ـ عشية الحرب
- الشاعر ديفد ري،David Ray ـ الى طفل في بغداد
- الشعر الاجنبي والحرب ـ موسم قتل العراقيين
- القاص مهدي جبر ـ وداعا طائر التم
- الروائي نوري المرادي ـ خضرمة ـ الموسم الخامس.
- إحتفالية بالروائي عبد الخالق الركابي ـ سابع ايام الخلق
- الروائي مهدي عيسى الصقر..و.. ـ أشواق طائر الليل


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - محنة البطريق ـ فوضى الادوار2