عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 5214 - 2016 / 7 / 5 - 22:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
و لكنّ غداً عيد
هناك أطفالٌ لم يتفحّموا بعد .
هناك شبابٌ لم يموتوا بعد .
ذهبوا الى سوق ٍ آخر .. و مجمّعٍ آخر .. في حيٍّ آخرَ ، و مدينةٍ أخرى .. ليشتروا الثياب والعطور ، و ما شابهَ ذلكَ .. و يحتفلوا بالعيد .
و هذا الطفلُ ، وذلك الشاب ، ليسوا أعداءَ لنا ، لا لشيء ، باستثناء كونهم .. لم يُقتَلوا بعد .
لو أنّ طفلاً منهم ضحك في وجهنا أوّل ايّام العيد .. هل سنقولُ لهُ لا تضحك ، لا عيد لكَ .. لأنّ اقرانكَ تفحّموا .
لو أنّ شاباً أو شابّةً منهم ، ارادا أن يقولا لبعضهما : كلّ يومٍ ، وأنت بخير .. كلّ غياب ، ونحنُ معاً .. هل سيكون في ذلك خيانة لأقرانهم الذين استشهدوا قبل ايام .
لا احتفال . لا كرنفال . لا مغالاة في البهجة والفرح . لا صخبَ بداعي التفاؤلَ ، ولا العاب ناريّة يستوردها المُتنفذّون ، وعلينا اطلاقها ، وكأنّ فاجعةً فادحةً لم تحدث بيننا قبل ايّام.
لا .. لكلّ هذا .
ولكنّ العيد .. عيد .
الذين تسبّبوا في فجيعتنا ، وحدهم ، هم الذين ينبغي حرمانهم من العيد . من الفرح . و من النوم فوق جروحنا الغائرة في العَظم .
ولكنّ هؤلاء ليسوا بيننا . وأطفالهم وبناتهم وأبناءهم يلعبون و يعبثون ، بمالنا و دمنا ، بعيداً عن هذا المسلخ .. هناك في دول الرخاء والأمن والدعة ، حيث يعيشون اعيادهم ، على حسابنا في كلّ لحظة .
فلماذا نحرمُ الأحياء المتبّقين منّا ، من عيدٍ عابرٍ ، نقول لبعضنا فيه : أنا والله أشعرُ بالغصّة والمرارة لما حدث و يحدثُ لنا .. و لكن : عيدٌ مُباركٌ يا أنت .. و كلّ لحظةٍ تستطيعُ ان تعيشها .. وأنت بخير .
انّ التضامن مع المفجوعين لا يكون بإطلاق الدعوات الى مقاطعة أيّة فرصةٍ للأمل .
وماذا لو قلت لي ، أو قلت لك : كلّ عامٍ وانت بخيرٍ يا صاحبي ، وصديقي الجميل .
لمن اقولُ ذلك اذاً ، ونحنُ وحيدونَ ، معزولونَ ، خائفونَ .. وليس لنا سوانا .
هل تدرونً ما حلّ بي ، أنا الذي رأيتُ من الفواجعِ ما رأيتُ ، طيلة ستّين عاماً ، وأنا اتصفّحُ وجوه الذين ماتوا في تفجير الكرادة البربريّ ؟
أنا كنتُ كذلك الذي يُفجَعُ بموتِ عزيزٍ ، لأوّل مرّة .
ولكنّ العيد .. عيد .
فلا تحرموا أحداً من انتظارهِ ، والحلم بالنهار التالي .. حيثُ (ربما) قد يكونُ هناك .. في أيّامه الثلاثة الرتيبة .. شيءٌ من الفرحُ ، والضوءُ ، والأمل .
ربما . من يدري . فقد يكونُ التشبّثُ بقشّة الفرحِ العابر ، المُلفّقِ ، هذا .. هو وسيلتنا الوحيدة للبقاء ، و سلامنا الممكن الوحيد .
من يدري .
ربما لن يكونَ هناك عيدٌ قادمٌ أصلاً لنحتفل ، أو نحتجبَ فيه عن العيش .
نحنُ نموتُ .. و نشقى .. و يقتلنا الاخرونَ دونَ سببٍ .
لهذا يأكلنا الغضب .
ولكنّ غداً .. عيد .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟