أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد البورقادي - واقع الفرد في ظل هيمنة العولمة والسلطة..















المزيد.....

واقع الفرد في ظل هيمنة العولمة والسلطة..


محمد البورقادي

الحوار المتمدن-العدد: 5214 - 2016 / 7 / 5 - 09:27
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يلعب السياق السياسي والاقتصادي دورا بالغ الأهمية في تشكيل النسق الاجتماعي العالمي ، وذلك عن طريق انخراط آليات تحكمه في مختلف بناءات هذا ال"اجتماعي" ، والتي تقودها أيديولوجيات عالمية تتغيا تنميط العالم وفق نمط أحادي يخدم مصالح القوى المهيمنة بما ينتج ويعيد إنتاج مقومات سيطرتها العالمية .
إن سياسات العولمة التي حررت السوق العالمية وعمقت التفاوتات الطبقية وضاعفت من حجم الاحتكارات العالمية ، جعلت من خمس سكان العالم يستحوذ على جل الخيرات والثروات ولا يتركون للأخماس الباقية إلا الفتات على حد تعبير مارتن (مارتن وشومان ، 1998) ، ولذلك هناك شرائح بأكملها ومناطق بأكملها تعتبر عبئا على رفاه السلطات والتي تضيق السلطات بوجودها وباحتياجاتها ناهيك عن حقوقها. فالنظام الرأسمالي الليبرالي قلص إلى حد كبير من فرص التضامن والتماسك الاجتماعي لدرجة أصبحت فيها مراعاة البعد الاجتماعي واحتياجات الفقراء أمر لا يطاق ،وأن دولة الرفاه كما يقول شومان تهدد المستقبل ، أنها كانت مجرد تنازل من طرف رأس المال إبان الحرب الباردة ، وأن ذلك التنازل لم يعد له الآن ما يبرره بعد انتهاء هذه الحرب.كما أن السياسات الليبرالية التي تنهجها دول الغرب وعلى رأسها أمريكا بهدف تفقير واستغلال ثروات البلدان الضعيفة على حساب رفاهها وتسلطها، قد أسهمت في تأجيج بؤر التوثر والصراع عند عدد كبير من الجماهير التي تعاني من الفقر والتهميش حيث كان لجوءها للعنف هو وسيلتها المتبقية لإسماع صوتها ومجابهة ورفع تلك التحديات التي تواجهها.

التموضع العولمي للشباب :

تشكل فئة الشباب الشريحة الأكبر عددا في المجتمعات النامية ، التي تعتبر أساسا مجتمعات شابة ، وهي الشريحة الأكثر حساسية على المستوى الاجتماعي لناحية وضعها ومسارها ومصيرها ، فهي الفئة الأكثر توجها نحو المستقبل ، إلا أنها في الآن عينه الأكثر استقطابا للأزمات ، وتعرضا للتحديات ، واستهدافا من طرف الانفتاح الاعلامي وأسواق الاستهلاك ، واحتمالات الاستمالة من قبل النزعات المتطرفة ، إنها قلب دوامة الأحداث المتسارعة التي تحملها العولمة والأكثر تأثرا بانعكاساتها من حيث تزايد فرص واحتمالات التهميش والإقصاء وتهديد البطالة . إن الشباب هم الكتلة التي تحمل أهم فرص نماء المجتمع وصناعة مستقبله، كما أنهم في الآن عينه يشكلون التحدي الكبير في عملية تأطيرهم وإدماجهم في مسارات الحياة الاجتماعية والإنتاجية ، إنهم يشكلون العبء الذي تخشاه السلطات وفي الوقت نفسه تقصر عن وضع الاستراتيجيات الكفيلة بإدماجهم في الدورة الاقتصادية.فالشباب بحاجة دائمة إلى الإحساس بالقدرة على الفعل والسيطرة عل الواقع واختبار الذات ومجابة التحديات ، وهو ما لا يتوفر للشباب في بلاد كثيرة (خصوصا في البلدان النامية )، حيث عكس ذلك يهمشون أو يساقون إلى السلبية والاستسلام قسرا ، مع ما يتولد عن ذلك من اكتئاب وانعدام الإحساس بالحياة ، ومما عجّل من تفاقم حدة هذه الأعراض مجتمعة انفتاح الشباب على ما يجري في العالم بفضل التحولات المستجدة التي ساقتها العولمة ، عن طريق الانفتاح الإعلامي بكل أشكاله والتي تتغلغل إيديولوجياته إلى نفوس هؤلاء الشباب بشكل يتجاوز وعيهم وحسهم النقذي الانتقائي أحيانا.
ولاشك أن هذا الانفتاح اللامشروط هو ما به تُراكم نوازع الاقتداء بهذه النماذج و تُراكم الإثارات الداخلية التي تُحاصر في الواقع وتُطرد ويُمنع عليها التعبير من خلال الآلة البوليسية المعروفة ، ويقابل ذلك إغراق السوق العالمية بكل مظاهر الاستهلاك التي تبرزه وسائل الإعلام في أبهى الحلل ، بما ينجم عنه تفرد القلة فقط بحصرية امتلاك وسائل الانغماس فيه بينما يتصعّد الإحباط وما يرافقه من حرمان وغبن عند الغالبية الساحقة التي لا تملك وسائله ، تلك المشاعر السلبية الناجمة عن قصور إمكانيات الظفر بممكنات الاستهلاك تزيد من تعاظم الغيض والغضب المقموع الذي إما أن ينفجر عند أول مناسبة في سلوكات عنيفة أو قد يتحول إلى الاستكانة والغرق في الاكتئاب والبؤس بما يقتل حيوية الشباب وطاقاتهم. فمع تدني الفرص وتأجيل الدخول في عالم الإنتاج (أو انعدامه) الذي يوفر مقومات بناء الحياة ، تطول فترة حالة (الشباب المعلق) بانتظار آمال متزايدة التباعد عن إمكانية التحقيق.
إن هذا المأزق الوجودي الذي يعيش تناقضاته الشباب المقهور يمس قيمته الذاتية وأناه المتعالية مما يجعله في وضعية مولدة للتوتر الداخلي والذي يقتضي الهروب منها عن طريق العنف الذي يبقى الوسيلة الأخيرة لتفريغ الغليان الداخلي الذي يسحقه. فكما يقول حجازي "إذا اتخذت الخسارة طابع الظلم غير المستحق فإنها ستفجّر الغضب على الدنيا والناس ". والخسارة هنا مقترنة بخيبة توقعات الشباب التي اصطدمت بقمع السلطات وتجافي السياسات ، فيبقى العنف هو السلاح الوحيد الذي يلوح في الأفق لإعادة شيء من الإعتبار المفقود للذات الجريحة التي انكسرت أحلامها على صخور الواقع الاجتماعي المهدور الذي تعيشه (أو تتعايش معه) ، فعنف السلطة تجاه الشباب لن يولد إلا مزيدا من العنف ولو استكان في الأعماق لا بد أن يأتي يوما وينفجر ، ذلك أن "ما يسلب بالعنف لا يحتفظ به إلا بالعنف" كما قال غاندي، فالحقوق المستلبة والعدوانية المستمرة على الذوات التي خلقت حرة لا يمكن أن تمر هَوْناً على الدوام. فلا شك إذن أن ميل الشباب المتزايد نحو استقلاليتهم في ظل انكماش أو انعدام ممكنات تحقيق هذا الاستقلال، من شأنه أن يعرضهم لمشاعر الغضب والإحباط التي تنعكس في مظاهر سلوكية تعبر عن الاستياء أو تأخذ صورا غير وظيفية كالتمرد والعدوان أو اللجوء إلى السلبية والإنسحاب.
ولتخفيف الظغط المتراكم لدى الشباب جراء تنامي حاجاتهم الحيوية وتباعد طموحاتهم عن مرمى التحقيق، تتنازل الدولة في بعض الأحيان عن كبريائها لفائدة هؤلاء الشباب ، من حيث أنها لا تأخذ في الاعتبار فقط توجهات ومصالح ما يعرف بقوى الضغط السياسي (أو اللوبيات) التي تنغرس بكل ثقلها في مركبات القطاع الاقتصادي الحيوي في كنف الرأسمالية العالمية الراهنة ، بل تحاول أيضا إعارة الاهتمام (نوعا ما) إلى مطالب الشباب واعدةً بالعمل على أجرأتها وموضعتها في سياقاتها الملائمة ، وهي بفعلها ذلك تنأى بنفسها عن التوغل في صراعات مع هذه الفئة التي تمثل أكبر شريحة في المجتمعات العربية النامية ، ولا شك أن هذه الاستجابة (نوعا ما ) لمتطلبات الشباب (أو حقوقهم إن صح التعبير ،أو تلك الحقوق التي تُرى على أنها متطلبات من طرف الحكومات ) تجعل من هذه الفئة تتواطأ أو تغظ الطرف عن تمرير بعض القرارات الأخرى التي قد تكون غير عادلة اجتماعية ، أو لنقل إن سمح التعبير بذلك أن الدولة تشتري صمتهم عن طريق تفضُّلها عليهم ببعض حقوقهم .ومن جهة أخرى فالدولة تعلم يقينا حجم الصراع المجتمعي التي يمكن لهاته الفئة أن تُوَلّده أو تتسبب فيه (بما يهدد مصالح ذوي النفوذ) إذا ما قُوبلت كل مطالبها بالمراوغة أو الرفض التام.

العولمة والسلطة : آليات الهيمنة

إن العولمة بكل تمضهراتها ساهمت إلى حد كبير في تفاقم سوء الأوضاع الاجتماعية على المستوى العالمي ، وعمقت التفاوتات الطبقية لدرجة لا تتصور ، فأنتجت بذلك تناقضات صارخة جمعت بين التفقير والإغتناء، والتهميش والادماج ، وبين الهبوط والترقي ، وبين إنتاج الاغتراب وإنتاج الرفاه اللامحدود ، وبين إنتاج فرص الاستدماج وسلب ممكنات الاقتدار .وحيثما وجدت تناقضات ، خلفت فوضى ،وحيثما انبثقت الفوضى ، تمخض الصراع من جنبيها.
إن العولمة بذلك هي سياسة غير عقلانية ، من حيث أزاحت بُعد الأخلاق من استراتيجياتها ، وأحلّت محلّه منطق الربح الذي تبرر غايته وسيلته ، وهي بفعلها ذلك ، أحدثت صراعا عالميا يجمع بين من يملك ومن لا يملك ، الأول يروم زيادة احتكاراته والثاني يطلب اقتسام الثروات وفق عدالة إنسانية . ومع تنامي احتكارات الأول تتقلص ممكنات اقتدار الثاني ، الذي تزيد مع ذلك فرص اغترابه عن الواقع الاستهلاكي الذي يتموضع داخله قسرا ، وفي ظل تعذر سبل البلوغ إلى الحوار وعدم تنازل كبرياء القوى المهيمنة لِما من شأنه أن يحقن بؤر التوتر والصراع على المستوى العالمي ، تزداد الفرص التي تبعث ذلك الطرف الثاني على التذمر الذي يفضي إلى التمرد ومسائلة جدوائية العنف كسبيل يلوح في الأفق لاسترجاع ما اغتصب منه قسرا وجورا.
فالعولمة هي ما تصنع كل أشكال الاقصاء والتهميش وهي ما تنتج مختلف التناقضات على مستوى النسيج الاجتماعي بما يدفع بعض أفراده من أجل تدبير تلك التناقضات إلى نهج العنف والتمرد على مختلف المعايير الاجتماعية التي أنتجتها هذه الأخيرة ، إذ بسياساتها الليبرالية وطابعها الرأسمالي التي تدعو كل دول العالم إلى التشبت به عن طريق مؤسساتها الدولية ، تدمر أواصر التمفصل النسقي العالمي ، وتفكك بنيات المجتمع وأنظمته لكي تعيد تركيبها وفق أيديولوجياتها واستراتيجياتها .ولا مرية أن فعلها ذلك من شأنه أن يعرّى المجتمع عن أخلاقياته وأن يدفع ببعض أجزاءه (أي أفراده) إلى التسخط والكراهية خصوصا إن مست هاته الايديولوجية العالمية مقومات بناءه ومحددات مصيره . لكن الأدهى من ذلك أن العولمة لم تتمكن فقط من القضاء على كيانه الوجودي (بتفقيره وإقصاءه) ولكن ذهبت لأبعد من ذلك حيث فتحت فكره ،بليبراليتها، على آليات إسعاده وانبعاثه مستعملة في ذلك كل حيلها الإعلامية والتواصلية، مما صعد من حدة غيظه وزاد من فرص اكتئابه وباعد بينه وبين عالم الإنتاج والاستهلاك على حد سواء ، وفي إخصاء ممكنات اللحاق بعالم الاستهلاك وفتح الفكر والعين على الوالجين إليه من القلة الحصرية المحتكِرة ترزح الغالبية الساحقة تحت وطأة الخذلان والاحباط ، وبين واقع العولمة الذي فرض نفسه على العالم بسلطته الرمزية وبين قمع السلطات لانطلاقات الأفراد وسلبهم حقوقهم المشروعة ، يعيش الفرد في استيلاب يرفع درجات احتقانه إلى أعلى المستويات ، فتوق الفرد إلى الحرية وإلى فرض الذات وتحقيق الاستقلالية لم يجد صدى له في عالم اليوم، بل أصبح هذا الفرد مرغما على التطبيع قسرا أو اختيارا مع النظام العولمي السائد من جهة ،وعلى الانضباط لمعايير السلطة السياسية المجتمعية من جهة أخرى ، هذه السلطة التي حولته إلى دمية سياسية وجعلت منه موضوعا لاختياراتها وأوامرها.
ففي سبيل إنشاء الفرد الطيع ، المطبع مع النظم والمعايير الاجتماعية ، تلجأ السلطة إلى استثمار استراتيجياتها المحنكة وشحذ كافة السبل المادية والمعنوية لهذا الهدف ، فهي تعمل على قولبة ذهن الفرد وتوجيه ميولاته وفقا لإرادتها ، إنها تقوم بغسيل دماغه من أفكاره المسبقة أو لنقل إنها تحاول قتل تلك الأفكار في المهد وإعدام ممكنات التمرد والثورة على القائم من الأوضاع . ولذلك ما إن تفشل بعض وسائل تنشئتها (بما فيها الأسرة والإعلام والمدرسة) في تحقيق هذا الغرض حتى تنادي بكل قوة على وجوب تدخل مؤسسات الردع لتقويم من شذ عن قواعدها ، ولكن رغم شدتها على أفرادها فهي تحقق إلى جانب ذلك نوعا من الرفاه (إلى حد ما ) المجتمعي ، وتخلق المتعة وتنتج الخطاب والمعرفة وتقلص من فرص التحرر الفائض عن الحاجة والناتج عن نزعات بعض الأفراد المتطرفة الذي من شأنه قلب موازين الأمن وإحلال الفوضى بدل السلام.
لكن ورغم ما تحققه تلك السلطة من جمعٍ بين المتناقضات ، إذ تحقق الأمن بالقمع وتحقق الاستقرار بالعنف ، فهي لا ترمي بذلك إلا إلى خدمة مصالح الطبقة المالكة لوسائل الإكراه تطبيقا لمبادئ الليبرالية العالمية ،وحتى إن خصت باهتمامها الطبقات المعوزة فهي لا تفعل ذلك إلا تكرُّما وتنازلا بغية تنفيس احتقاناتٍ قد يدعو تراكمها إلى تهديد استمرار كيانها. ولا جرم أن تلك التناقضات التي تنتجها السلطة قد انعكست اختلالا وتوترا على البناء الاجتماعي.
وهي بفعلها ذلك قد أخلت ببنوذ العقد الاجتماعي الذي يربط المجتمع بها ، ويحدد اختصاصاتها ويقيد شروط تحركاتها طبقا لما تمليه الإرادة العامة للمجتمع ، تلك الإرادة التي تمثل رغبات ومصالح كامل الجسم الاجتماعي ولا تحابي جزءا منه على حساب جزء آخر. ولأجل تدبير التناقضات التي يعرفها النسق الاجتماعي وجب آنا وعاجلا تفعيل بنوذ هذا العقد ، وتعبيد سبل الحوار والتواصل بين المجتمع والسلطة وتنازل كليهما لما يخدم الصالح العام والتواضع على ما من شأنه حقن مواطن التوتر هدفا لتحقيق نسق اجتماعي تتمفصل فيه كل أجزاءه وعناصره.وهذا لن يتحقق إلا بنقذ الأسس الليبرالية وإعادة النظر في النظام الرأسمالي العالمي الذي أغفل جانب العقل والأخلاق من حساباته ، هذا النظام الذي قسم العالم إلى بورجوازيا تشكل خمس سكان العالم وبروليتاريا تشكل الأربع الأخماس الباقية ، وقوض العلاقات الإنسانية التي يجب أن تبنى على المشاركة واقتسام الخيرات الكوكبية وفق العدالة الحقة واختزلها (أي تلك العلاقات ) عوض ذلك في علاقة السيد بالعبد .إن العصر الحالي بما بلغ الذروة في التطور التقني ومجد العلم لأبعد الحدود قد صير العالم لا إنسانيا عقيم الأخلاق وعليل الفكر والوعي ، حيث يبدو أن الفكر البشري في محاولاته الفذة للسيطرة على الطبيعة قد أماط اللثام عن طبعه الهمجي وقد أزال عنه رداء التبصر والعقلنة في مقابل ارتداءه رداء الجهلنة والتوحش ، فكان منه أن تجاوز سيطرته على الطبيعة إلى سيطرته على نفسه هو الآخر من حيث أمعن في استعباد أخيه الإنسان إلى درجة قهره وتشييئه ، لقد شكل النظام العالمي الجديد ضربة قاضية للمثل العليا التي بدونها تتقهقر الحياة الحضارية إلى حياة العصور القديمة بما عرفتها من انحطاط وتوحش ، فهذا النظام الذي أنتجه فكر الإنسان قد أرداه عبدا في كل مناحي حياته ؛ عبدا للاستهلاك المفرط ، وعبدا للآلة التي أتمتة حركاته ، وعبدا لأخيه الإنسان الذي يستهلكه كوقود لإنتاج مقومات بناءه ومضاعفة أرباحه ، ويتحكم فيه عن طريق تأليب ميولاته الاستهلاكية بتصعيد مؤثرات الإغراء إلى أقصى الحدود الممكنة .ولذلك فالحداثة كأساس لهذا النظام العالمي لم تخلق حديثاً يبلغ نفعه النسق الاجتماعي العالمي بقدر ما أمعنت في تكريس الظلم والقهر وإعادة الانتاج وبوفرة لممكنات الإقصاء والتدمير على المستوى العالمي، إنها حداثة لاعقلانية حيث قلصت من موجبات تزكية الإنسان وحكمت نوازعه المتطرفة على وعيه وأخلاقه فخلقت أزمة معولمة بات العالم كله يكابد ويلاتها ويصرخ ناشدا الخلاص منها ، ولا خلاص والعالم قد قُسّم شيعا وكل حزب غارق في أنانيته مُفكّرٌ في تجويد سبل سيطرته على الطبيعة واستعباده للآخر ، بل النجاة لا تكون إلا بتخليق الفكر وأنسنة الوعي استشرافا لمستقبل يسود فيه العدل والسلام والعز للإنسان ، ولا سبيل لذلك إلا بخلق ممكنات الحوار العالمي ونزع الأنانية وحب الاحتكار والتسلط والهيمنة من فكر الإنسان أو باختصار تزكية طبع الإنسان ليبلغ سمو روحه التي هي جوهره الحق ، فإن تمكن من ذلك فقد خطا خطوة نحو النجاة والنجاح الحقيق وأمكنه استدراك ما كسبت يداه فيصير سيدا بعدما صيَّر نفسه عبدا ويصير ذاتا بعد ما جعل من نفسه موضوعا ، وتحقيق ذلك ليس بالأمر المستحيل ولكنه يتطلب من الإنسان إرادة وجهدا ،قد أتبث التاريخ فعلهما في صناعته وتغيير مساره.
ومن ضمن الشروط الكفيلة التي من شأنها استدراك ما قد فرّط فيه هذا الانسان لقصر عقله وعجز استراتيجياته نقترح :
ضرورة إعادة الاعتبار لمفهوم الأخلاق والبحث عن سبل تخليق الفكر البشري بما يعيد بناءه وفق معايير أكثر إنسانية وعقلانية واستدماجه القوي في مختلف مشاريع الإنسان وعلى رأسها مشروع العولمة هدفا لتدبير التناقضات الحاصلة على المستوى العالمي.
إعادة النظر في استراتيجيات الحكومات التي أهملت الانكباب على حل قضايا ال"اجتماعي" لأن تلك القضايا هي ما به تتحقق التنمية الحقة ، وما به تحقن احتقانات أفراد المجتمع ويخبو الصراع ، وتتقلص التناقضات داخل المجتمع بما يحفظ استقراره واستمراره.
ضرورة تجنب اللجوء إلى العنف من طرف الدولة لأنه يزيد من تعقيد المشاكل ولا يساهم البتة في حلها ، واقتراح عوض ذلك فتح أبواب الحوار والتفاكر في كيفيات حل تلك المشاكل بما يرضي جميع الأطراف ويحد من إنتاج التوترات والاختلالات داخل النسيج الاجتماعي.



#محمد_البورقادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جون جاك روسو وشروط تشكيل العقد الاجتماعي..
- نصائح للشباب: الإكثار من فعل الخير..
- اختلالات النسق الجامعي..
- إنسان اليوم في ظل الحضارة المادية..
- ماذا يُطْبَخُ للمجتمع المغربي تحت غطاء المقاربة التشاركية وا ...
- نظرة موجزة حول شروط إنتاج الإرهاب..
- حياتي كلها فداك يا أمّي ..
- نصائح للشباب : أقبل قبل المغادرة وتيقّظ قبل الفوات..!
- نصائح للشباب :الدخر ليوم الميعاد
- التعلق بغير الله خُذلان ..
- شقاوة الحب..
- داعش : شروط الإنتاج..
- التموقع الإقتصادي العربي في عالم العولمة..
- الفساد في مواجهة التنمية..
- تأملات في البادية..
- ماذا استفاد المجتمع من سياسة الخوصصة ؟!
- الإنسان في الفكر المادي..
- محاكمة العقل للفكر التطوري الدارويني..
- حال الناس بين الغفلة واليقظة..
- جَحِيمُ الخادماتِ في السعودية..


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد البورقادي - واقع الفرد في ظل هيمنة العولمة والسلطة..