أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مصرُ التي نشتاق إليها














المزيد.....

مصرُ التي نشتاق إليها


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5213 - 2016 / 7 / 4 - 09:26
المحور: المجتمع المدني
    



كلّما أوحشتنا مصرُ كما نتمنى أن نراها، هربنا إلى الأفلام القديمة بالأبيض والأسود. غالبًا لا نتابع الحدوتة المحفوظة، ولا نُنصتُ إلى حوار البطل مع البطلة، الذي غالبًا يتّسم ببراءة ورقيّ لم يعودا مألوفين على آذاننا. إنما تجول عيونُنا في خلفية الشاشة، حيث البنايات الأنيقة على الطُّرُز الفرنسية والبلجيكية والشوارع المستوية النظيفة وكثيف الأشجار المغسولة بأوراقها اللامعة، إلى الأرصفة غير المهشّمة دون إشغالات ولا باعة يلوثون الأبصار والمسامع، إلى الحسناوات في فساتينهن الأنيقة وكعوبهن الرفيعة العالية، يخطرن في طرقات المحروسة بثقة وسموّ دون خوف من كلمة بعد ما دخلت معاجمهن: "تحرش". كلما أشتقنا إلى الجمال والأناقة والنظافة في عيون مصر، هرعنا إلى تسجيل مرئي لإحدى حفلات أم كلثوم. لا لنستمع إلى صوتها المُدَوزَن على نغمة النيل وإيقاع الهرم، بل لنُسلِّم على أمهاتنا وآبائنا في أناقة ملبسهن جالسين في القاعة والبونوارات ينصتون إلى السيدة التي قُدّت حنجرتُها من نُسغ الورد. أين مصرُ التي نعرفها؟ أين مدارسُنا القديمة، وجيرانُ الحي الطيبون، وأحوالُ طفولتنا البريئة؟ أين شعبُنا القديم الذي لم يعرف الفرقةَ ولا التشتت؟ أين النيلُ الوسيم الذي جرى مع دماء شراييننا منذ آلاف السنين، فزرع في خلايانا الحبَّ والتوادّ والرحمة؟ أين الفخرُ الذي كان يُدثِّرُنا حين نسافر إلى بلاد الغرب ونقول بزهو إننا من مصر، بلد الحضارة العريقة؟ أين المصريون؟
أنظرُ حولي فأرى التنمُّرَ في العيون! أرى الغضبَ والحَزَن والخوفَ من غدٍ مظلم لا ملامح له، لا قدَّره الله ولا سمح به. الكلُّ يُخوِّن الكلَّ، والكلُّ يُكفِّرُ الكلًّ، والكلُّ يسبُّ الكلَّ! ما هذا المعجم الوقح الذي بات يجري فوق ألسن رجالٍ، المفترض فيهم أن يُعلّمونا الارتقاءَ بالروح، على شاشات الفضائيات؟
في محاضراتي، كنتُ أُطمئِنُ الناسَ بأن ما نحياه منذ سنوات أمر طبيعيٌّ في لحظات ما-بعد-الثورات. ولكن اللحظةَ طالت وباخت وشاخت وأوشكت أن تكون صفاتٍ متجزةً فينا، بدلَ أن تكون حالا عابرة، سرعان ما تتبدل!
منذ غادرتني أمي قبل سنوات وذهبت إلى السماء، وأنا أشعرُ بالمرارة والقهر. بل والظلم، لأنها تركتني، دون استئذان، وطارت إلى حيث تطيرُ الأمهات ولا يعدن أبدًا! لكنني، بالأمس، قبضتُ على نفسي متلبّسةً بالفرح لرحيلها! أمرٌ عجيب! شعرتُ بالفرح لأنها طارت قبل أن ترى مصرَ التي أراها اليوم. كلُّ مَن مات بالأمس محظوظٌ، لأنه لم يشهد هذه اللحظة التعسة التي تمرُّ بها مصر اليوم.
تحاول مقالاتي وقصائدي دائمًا أن تضيفَ خيطًا نحيلا للنسيج الشاسع الذي بدأ الأوّلون في غزله قبل آلاف السنين، منذ عرف الإنسانُ في فجر التاريخ، أن الفنَّ خصيمُ القبح، وعدو "الهمجيّ" القابع فينا، يحاول دائمًا أن يطلّ برأسه للخارج، فيأتي الفنُّ ليقمعَه ويدرّبه على الإنصات إلى صوت التحضّر والترقّي. لهذا قال أفلاطون قبل خمس وعشرين قرنًا: "علّموا أولادَكم الفنون؛ ثم أغلقوا السجون." ذاك أن المجتمعَ الذي يحترمُ الموسيقى والمسرح والأوبرا والشِّعر والتشكيلَ والنحت والعمارة؛ تقلُّ فيه الجريمة، ويعلو الاختراعُ والصناعة والإنتاج؛ لأن "الكود" الأخلاقي لدى أبناء تلك المجتمعات، عادة ما يكون مرتفعًا، لأن الفنَّ يهذّبُ الروحَ ويسمو بها، فتنعدم الرغبةُ في الإجرام واستلاب حقوق الغير.
لا تجعلوا الأوطان تتسرّبُ من تحت أقدامنا، لنقفَ في الفراغ عرايا دون مظلة دفء! لا تتركوا ذكريات الجمال تتسرب من بين أصابعنا؛ لنصحو على وطن غريب لا نعرفه ولم نعتد على قراءة كتالوجه العنصريّ الذي يكتبه لنا غرباءُ لا يعرفون فطرة المواطن المصري الجميلة!
أبحثُ عن مصرَ التي أعرفُها، فلا أجدُها! أفتح أطلس لأتأكد أنها مازلت هناك. أرتعبُ من فكرة أن أفتحه يومًا فأرى محلّها بقعةً سوداء مظلمة! أشتاقُ إلى صوت أم كلثوم وجمهورها الأنيق الذي لم يعد هناك. أشتاق إلى عود عبد الوهاب، وفكر طه حسين، ورؤى زكي نجيب محمود، وإسلام الإمام محمد عبده! اشتاقُ إلى مصر المتحضرة المثقفة الراقية الأنيقة. مصرُ التي أراها اليومَ، لا أعرفها!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يومٌ من عمري، وشموعٌ كثيرة بعد لم تُقَد
- موسم تسريب الامتحانات
- كيف سمحنا بأن نسقط؟
- ناضجون ومراهقون
- عين الطائر ودو كيخوتي
- البابا شنودة يرفض اعتبار أقباط مصر أقليلة، هل سينال سبابكم م ...
- كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب
- جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
- أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
- لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟
- الأبكم
- يقتلون براءتَهنّ!
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
- هل الأقباطُ أقلية في مصر؟
- كونشرتو اسمه: رمضان
- سمكة وحصان ... وسجني


المزيد.....




- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...
- اعتقال عشرات الطلاب الداعمين لفلسطين من جامعة كولومبيا الأمي ...
- استياء عربي من رفض أميركا عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي أثناء اعتقال شاب في الضفة الغر ...
- فيتو أميركي يفشل مشروع قرار منح فلسطين العضوية في الأمم المت ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مصرُ التي نشتاق إليها