أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - السّماح يا «بوتشي»..!














المزيد.....

السّماح يا «بوتشي»..!


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 5212 - 2016 / 7 / 3 - 19:27
المحور: كتابات ساخرة
    


أصرّت زوجتي على أن أكلة المحشي لا يمكن طبخها من دون لحمة. وأننا بالنادر أصلاً أن نطبخها. ولهذا يجب أن نغنّجها ونعطيها حقّها من الاهتمام. وبعد نقاشٍ طويل وحساباتٍ دقيقة، اتفقنا على أن ميزانيتنا تسمح بشراء نصف أوقية على أن نجزّئها إلى طبختين للتطعيم..
توجّهت على مضض إلى لحّام الحيّ للشراء بعد طول غياب، ولدى وصولي سمعتُ صوتاً حزيناً لرجلٍ كهل يسأل اللحام بمناشدة رحيمة:
- «أخي! الله رزقنا بنصف أوقية لحمة من جماعة عاملين نذر – الله يقبله منهم – إذا بتعمل معروف، بتشتريها؟» وأضاف موضّحاً وقد اكتشفتُ أنه ألثغ يقرط بحرف الراء في كلامه: «الله وكيلك طريّة شغل اليوم.. حرمنا منها الأولاد حتى نشتري لهم بحقّها خبز».
أجابه اللحّام وهو يسنّ السكّين مبتسماً: «الله يسامحك يا عمّ، جيت تبيع ميّ بحارة السقّايين! أي أنا يا دوب بيع اللي عندي.. لاتواخذني والله بعتذر».
لفحني ضرامٌ داخلي، وشعرت بالغيظ يتفشّى في جسمي وأعصابي. وقبل أن تتشكل الكلمات في فمي قرّرتُ شراءها. وعلى الحارك تدخّلت قائلاً: «أخي أنا أشتريها.. بعد إذن جارنا اللحّام.. كم تريد سعرها؟»
أجاب الكهل دون مساومة: «كما يبيعها جارنا اللحّام.. هات (300) ليرة والرزق على الله».
سارعتُ بدفع ما طلبه واستلمت منه كيس اللحمة، وانكفأ عائداً يدعو لي كبائعٍ متمرّسٍ بأكلها بالهناء وبتعويض ما دفعته أضعافاً.
رمقني اللحام بنظرة ساخطة، إلا أنه سرعان ما عدّل نظرته مبدياً تعاطفاً كاذباً مع الفقراء قائلاً:
- «الله يعين هالشعب، شو بدّو يتحمّل ليتحمّل..»
وافقته بكلماتٍ مقتضبة وتركته عائداً إلى البيت وفي نفسي كومة من الضيق.
فور وصولي حاملاً الغنيمة، استقبلني كلبنا «بوتشي» بحفاوة غير مسبوقة. وبدأ يقفز راقصاً ملوّحاً ذيله بسعادة. وبين لحظة وأخرى يقرّب رأسه من كيس اللحمة مستطلعاً. فقد عرف بغريزته وبحاسّة الشمّ القوية لديه بأن ثمة كنزاً ثميناً أحمله معي.
رمقتُ زوجتي بنظرة متسائلة "ما العمل؟" ابتسمتْ وأسبلتْ جفنيها تاركةً لي الخيار في اتخاذ القرار.
"بوتشي" مضى على وجوده معنا ما يقارب السبع سنوات. حتى غدا أحد أفراد أسرتنا الصغيرة. له ذات الحقوق التي يتمتّع بها كلٌّ منّا. لم نبخل عليه يوماً بالطعام أو التنزّه أو اللعب.. وهو بالمقابل كان وما زال كريماً معنا بمحبّته وإخلاصه ومرحه.. وهذه المزايا يعبّر عنها في كل لحظة وفي كل الأمكنة حيثما تواجد فيها.
صحيح أنه تحوّل قسراً إلى كائن نباتي بسبب الضائقة المعيشية التي نتخبّط فيها، إلا أنه عندما نتمكّن من تأمين أيّة مادّة لها علاقة باللحوم يجنّ من فرحه. فهو في نهاية المطاف مخلوق لاحم.
قلت لزوجتي: «لن أستهنئ بأكلة المحشي يا عزيزتي ونظرات «بوتشي» توخزني كالإبر.. اسلقي له ما أحضرت، وعوضنا على الله كما هو حال 90% من شعبنا الطيب الصبور..».
قفز بوتشي وبدأ يشرئبّ متسلّقاً رجليّ يحثّني على استنهاضه ورفعه ليضمّني شاكراً وكأنه فهم ما رميت إليه. لبّيتُ رغبته وحملته وبدأت أحادثه عن الأزمة السورية التي ألمّت بنا جميعاً. وهو ينظر صوبي مراقباً متأمّلاً وقد أدرك حالة الحزن التي تنساب من كلماتي. كانت عيناه تنطقان بالضراعة والتوسّل بألاّ أُكمل؛ لأن الحجر بات يئنّ من هول المأساة، فما بالك الكائنات الحيّة!
ختمتُ محادثتي: «يا بوتشي الحبيب، من ساواك لنفسه ما ظلمك. نحن مثلك نحبّ اللحمة، ولكن ظروفنا كما ترى لا تسمح. عليك التحلّي بالصبر، لقد هانت المصيبة وبتنا قاب قوسين أو أدنى من الحلّ السياسي. لذلك سنأكل المحشي سويّةً باللحمة التي أحضرتها. (موجّها كلامي لزوجتي التي ما برحت مكانها تصغي لهذري كما تسمّيه) هيّا عزيزتي، أسرعي بإعداد الطبخة لنا جميعاً. وأنا على يقين تام من أن «بوتشي» لن يزعل منّا أبداً.
ردّت زوجتي بتهكّمها المعهود: قلت لي (قاب قوسين أو أدنى!).
واستدارت بجسمها متجهة إلى المطبخ وهي تبربر لاعنةً الحكومة والفقر والفاسدين ومن أوصلنا إلى هذه النكبة..



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطيب شاي «باله» في العالم
- قراءتي لانخفاض سعر صرف الدولار
- وكالة «عذراء»..!
- ما هي غايتهم من رفع أسعار صرف الدولار في سورية؟
- قراءة سريعة في أسباب تدهور الليرة
- حَدَثَ في سورية – قصّة حقيقية
- «دَقَّة قديمة..»
- في أسباب ضعف اليسار
- مرشّح غير شكل!
- الرّاحل الذي نَفَدَ بِجِلْدِه!
- سْتوووبْ.. أوقِفوا التصوير!
- الشَّبح
- كيف نقضي على الإرهاب؟
- المِظَلّة
- طلب استقالة
- هل يمكن القضاء على الإرهاب بمعزل عن الحلّ السياسي؟
- حوارات نقابية
- -داعش- والحب
- ماذا حصدنا من الفيتو المزدوج؟
- الصحافة السورية وملفات الفساد


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - السّماح يا «بوتشي»..!