أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلال البازي - الحالة المدنية عند باروخ اسبينوزا















المزيد.....

الحالة المدنية عند باروخ اسبينوزا


بلال البازي

الحوار المتمدن-العدد: 5208 - 2016 / 6 / 29 - 09:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد تم بموجب التعاقد المبرم بين الأفراد الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة الدولة ، وهي حالة من الاشتراك تحت سلطة قانون مشترك موحد ، بهدف تجاوز العيش تحت وطأة البؤس والأنانية ، وذلك من أجل تحقيق المصالح العامة المشتركة بين الأفراد ، وسيصبح هذا التعاقد المبرم ممكنا عندما يتم الاعتراف بسمو العقل البشري على الشهوة والغريزة من خلال تحويله للإنسان من كائن طبيعي إلى مدني ثم إلى كائن أخلاقي . وهنا فالعقل يضفي على الحق الطبيعي الخاص بالنوع البشري التشريعات بحيث " يصعب تصوره بغير تشريعات عامّة وبدون أراض يستوطن بها الجميع فيزرعونها ويدافعون عنها ويتصدون لكل عنف ويعيشون كما يحلو لهم وكلما...زاد عدد الأفراد المتحدين بهذه الصورة ، زادت حقوقهم " 38، وهذا ما يصطلح عليه بالدولة أو بالتنظيم الاجتماعي ، وهنا نكون قد انتقلنا من الطور الطبيعي إلى حالة المجتمع ، غير وأن هذا الانتقال في المشروع السبينوزي لبناء دولة حديثة يختلف عن تصورات معاصريه ، فإذا كان توماس هوبز قد حسم في حالة الطبيعة وجعل حالة المدنية تضع قطيعة مع الحالة السابقة فإن اسبينوزا يرى بأن حالة الطبيعة في المتن السبينوزي ، هي حالة تمتد في حالة المدنية ولا يمكن تصور وجود قطيعة تامة بين الحالتين ، وذلك راجع بالأساس إلى كون أن الفرد لا يمكنه بتاتاً أن يفوض كل حقوقه الطبيعية للآخر، على الرغم من أن ما قال به اسبينوزا بهذا الصدد في الفصل السادس عشر من كتابه "رسالة في اللاهوت والسياسة " يصب في تخلي الأفراد عن كل حقوقهم الطبيعية لصالح الجماعة غير وأنه "ومع ذلك فإن هذه الآراء تظل نظرية صرفة في كثير من جوانبها فمثلاً لا يستطيع أي فرد أن يصل في التخلي عن قدرته وبالتالي عن حقه لفرد آخر، إلى الحد الذي يلغي فيه وجوده كإنسان . ولن يحدث أبداً أن تملك أية سلطة عليها من القوة ما يسمح لها بتنفيذ كل ما تريد. فمثلاً لن تطاع إذا ما أمرت أحد أفراد الرعية بأن يكره من يحسن إليه ، أو أن يحب من يسيء إليه ، أو أن يسمع السباب دون أن يشعر بالإهانة ، أو ألا يحاول التحرر من الخوف ، وما شابه ذلك من الأمور التي تتبع بالضرورة قوانين الطبيعة البشرية "39 ؛ وبالتالي فإن الإنسان يحافظ على جزء من حقه الطبيعي الاسمى داخل الدولة التي اختار الإنسان العيش في كنفها بمحض إرادته ليس لأنها خير مطلق بل لأنها تمثل شراً أقل أو خيراً أعظم وبالتالي فإن الدولة هي شر لابد منه " وبعبارة أخرى كل فرد يختار ما يبدو له أعظم الخيرين وأهون الشرين " 40 ، لكن هذا الشر هو ليس قدراً مقدراً بل يمكن التحكم فيه لأنه نتاج الدولة وهذه الأخيرة نتاج الإنسان وبإمكانه أن يغيرها وأن يثور على الحكام . وهنا ينبغي " إذن أن نسلم بأن الفرد يحتفظ لنفسه بقدر كبير من حقه ، و هو ، بالتالي ، قدر لا يعود رهنا بمشيئة الآخر ، بل بمشيئته هو "41 ص وفي حالة إذا ما تخلى فرد ما عن حقه الطبيعي للآخر بشكل كلي ومطلق فإنه حتماً سيكف على أن يكون إنساناً إذ أن التجربة أثبتت بأنه " لم يحدث أبداً أن تخلى الناس عن حقهم ، ونقلوا سلطتهم إلى شخص آخر ، إلى الحد الذي لا يعود معه من حصلوا على هذا الحق وعلى هذه السلطة أن يخشوهم ولا يظل معه تهديد المواطنين للدولة ، حتى بعدما سلبت حقوقهم ، أشد من تهديد الأعداء لها ." 42
الدولة إذن أضفت تشريعات على الحق الطبيعي للنوع البشري ، وجعلته يخضع لقوانين وضعية تستند إلى الحس السليم تسنها الهيئة الحاكمة أو المجتمع عن طريق صوت الأغلبية. وبالتالي ؛ فإن حالة المدنية هي امتداد للحالة الطبيعية ، إذ أن الفرد لم يتخلى عن حقه الطبيعي بشكل كلي مطلق ، فهو لم يتخلى عن شعوره بالجوع والخوف وعن رغبته الجنسية...وإنما فقط فوض للجماعة سلطة القرار ...والتي تقرر كيف يتم إشباع هذه الغرائز وتحقيق الرغبات بما يتماشى مع الحس السليم للإنسان ، فالغريزة الجنسية على سبيل المثال الفرد لم يتخلى عنها باعتبارها حقاً طبيعياً له مزروع فيه ، وإنما تخلى عن سلطة تدبيرها لصالح الجماعة ، والتي عملت على تنظيم هذه الغريزة من خلال مؤسسة الزواج . أضف إلى ذلك مثالاً آخر يوضح كيف أن الفرد لم يفوض كل قدراته وحقوقه الطبيعية ؛ " هب أن من الممكن سلب الناس حقهم الطبيعي إلى الحد الذي لا يعودون معه قادرين على التصرف في أية قدرة لهم إلا بعد الحصول على موافقة من لهم الحق الأعلى "43 فهنا ستخل الدولة بأحد أهم بنودها و أهم الأهداف التي أسست من أجل تحقيقها وهي ضمان حرية الأفراد وبالتالي فإن العقد الذي بومجبه تأسست الدولة والذي يكسبها شرعيتها ، لن يحقق المنفعة التي هو رهين بها ، وفي هذه الحالة سيصبح لاغياً ، وزد على ذلك أنه لا يمكن للفرد أن يفوض حقه الطبيعي بشكل مطلق " أي يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون الحاق الضرر بالغير"44. كما أن الدولة لن تحقق الغاية التي وجدت من أجلها " وأكرر القول بأن الغاية من من تأسيس الدولة ليست تحويل الموجودات العاقلة إلى حيوانات أو آلات صماء ، بل إن المقصود منها هو إتاحة الفرصة لأبدانهم وأذهانهم كيما تقوم بوظائفها كاملة في آمان تام "45 أضف إلى ذلك فلو أن الأفراد تجردوا من كل حقوقهم الطبيعية وحقهم في تقرير المصير " " فما أشد العنف الذي سيسمح الحاكم لنفسه عندئذ باستعماله ضد الرعايا ، ولا أظن أن هذا القدر من التطرف قد خطر على بال أحد مطلقاً ."46 وبالتالي فإن تخلي الأفراد عن حقه الطبيعي بشكل كلي مطلق سيؤدي حتماً إلى الاستبداد ، فالحاكم سيسن قوانين تخدم مصالحه الشخصية على حساب المصالح العامة ، وسيحول الأفراد إلى عبيد ،
لذلك كانت سلطة من يمارس السيادة سلطة محدودة وليست مطلقة كما نجدها في تصور " توماس هوبز أونيكولا مكيافيلي، إذ لا يمكنها التحكم في عواطف الناس وانفعالاتهم " ولذلك ففي استطاعتنا أن نتصور – دون أي تناقض ذهني- أناساً لا يعتقدون ولا يحبون ولا يكرهون ولا يحتقرون ولا تدفعهم أية عاطفة إلا بتوجيه من السلطة العليا وحقها. على أننا مهما توسعنا في تصورنا حق من يمارس السيادة في الدولة وقدرته ، فإن هذه السلطة لا يمكن على الاطلاق أن تتسع حتى تعطي أصحابها سلطة مطلقة تتيح لهم أن يفعلوا كل ما يشاءون "47.
الدولة لا تملك سلطة مطلقة في التصور السبينوزي على غرار التصور الهوبزي و المكيافيلي ، إذ أعطوا سلطة مطلقة للدولة ومنحوا الحاكم كل الصلاحيات في مختلف الميادين فبدا الحاكم وكأنه إله أو كما تصوره هوبز عبارة عن ليفيتان ، في حين أننا نجد تصور جون لوك وجون جاء روسو واسبينوزا يقفون صفاً صفاً في سبيل بناء دولة حديثة تقوم على ثوابت العقل وإرساء أسس العدل .
وهنا نلاحظ أنه كلما تقدمنا في سلم التاريخ نحو الفترة المعاصرة كلما وجدنا تصورات أكثر صرامة و واقعية وأكثر إنسانية وديمقراطية لبناء الدولة الحديثة العلمانية ، دولة المواطنة. وما يمكننا أن نخرج به من التصور السبينوزي، هو أن " الحق الوحيد الذي تخلى عنه الفرد هو حقه في أن يسلك كما يشاء وليس حقه في التفكير والحكم ."48 ومثال ذلك لا يمكن تفويض قدرة التفكير للآخر، كما أنه ليس بإمكان أي حاكم مهما كانت قوته أو سلطته...أن يسجن العقول وأن يسيطر عليها لأن ذهن الإنسان لا يمكن أن يقع تحت سيطرة أي انسان آخر؛أذ لا يمكن أن يخول أحد بإرادته أو رغما عنه إلى أي إنسان حقه الطبيعي أو قدرته على التفكير وعلى الحكم الحر في كل شيء "49 فلا هو قادر على منع السجين من التفكير في الحرية ولا الجائع في الطعام. وإذن فإننا نسلم مع اسبينوزا بأن كل فرد يحتفظ بقدر كبير من حقه الطبيعي في منآى عن الآخر ، وكل ما يفوضه هو فقط سلطة القرار ، وحقه في أن يسلك كما يشاء ، وحقه في تنظيم غرائزه.
============================================
-38 : اسبينوزا ، كتاب السياسة، ترجمة جلال الدين سعيد ،دار الجنوب، تونس، الفرات 15-16ص 45
-ـ39 : اسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة ، ترجمة : حسن حنفي .الفصل 17، ص 393-394.
-40: المصدر نفسه ، الفصل : 16، ص : 381
-41: المصدر نفسه ، الفصل 17، ص: 394
-42: المصدر ذاته ، ص 394
-43: اسبينوزا: رسالة في السياسة واللاهوت ، مصدر سابق، الفصل،17 ص : 394
-45- 44: المصدر نسفه ، الفصل : 20 ، 446
-46: المصدر نفسه ، الفصل 17 ، ص : 394
-47: اسبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة ، الفصل : 17، ص : 395
-48: المصدر نفسه، الفصل ، 20، ص : 446
-.49: المصدر نفسه ، الفصل 20، ص 444



#بلال_البازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسبينوزا: العقد الاجتماعي كمنعطف نوعي للانتقال إلى المدنية
- التأصيل للدولة : العودة إلى الحق و القانون الطبيعيان عند اسب ...
- حالة الطبيعة كتأصيل للدولة عند اسبينوزا


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلال البازي - الحالة المدنية عند باروخ اسبينوزا