أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - الحلقة الحادية عشر/نوافذ دائرة الطباشير















المزيد.....


الحلقة الحادية عشر/نوافذ دائرة الطباشير


ذياب فهد الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 5207 - 2016 / 6 / 28 - 10:38
المحور: الادب والفن
    


نوافذ دائرة الطباشير
رواية
الحلقة الحادية عشر
ذياب فهد الطائي

في الطريق الى بيت والدي ،كنت مشتتا ، في ذهني ضجيج المعارك التي أخطط لها، وعشرات البدائل لأساليب القتال
كانت شوارع القرية الترابية خالية من أية مارة ،يرين عليها صمت عميق تفرضه شمس تقف كحارس متغطرس لا يسمح باية مخالفة
فجأة ، برز رجل يضع على راسه كوفية رثة كانت يوما ما بيضاء،ويغطي بها نصف وجهه
:-السلام عليكم
كان الصوت عميقا وكأنه يرتفع من قاع بئر ،خال من اي تعبير متعاطف ،لم أرد فقد تخيلت أنه من أرض المعركة التي أشرف على إدارتها
تطلع الرجل نحوي باستغراب ولكنه لم يتكلم ، كانت نظراتة تعبر عن معرفته بي ،قال بهدوء :الأجنحة الطويلة تساعد على الطيران
قلت :- ولكن العصافير تطير
قال :-هل رأيت جبرائيل عليه السلام ؟
قلت :-في الصورة المعلقة في المقهى فقط
قال :-ستكون لك ذات الاجنحة ولكن لاتقترب من النار ،لأنك ستسقط بعد ان تحترق جناحاك ، انتبه فقد تضطر الى التحليق بعيدا

اختفى الرجل في المنعطف الضيق عند دار سلمان بن عليان الذي بناه لزوجته الثانية

كانت التلال الترابية المطلة على النهر تعكس لونا أشهبا بسبب أشعة الشمس التي تسقط عليها على نحو مائل فكرت أن أعود الى العروس ،فهي تسترخي طوال النهار على السرير الخشبي المتهالك ، يصلنا الطعام من المتبرعين للشيخ ،وهي تعد الشاي المخلوط بنشارة الخشب الذي توزعه الحكومة مجانا ، لابد أن يرفض الناس استلامه فالمبالغ المدفوعة لاستيراده هي اموالهم والعقود الموقعة تشير الى شاي من الدرجة الاولى ، ولكن استقطاعات العمولات التي يتم تحديدها حسب هرم التسلسل الوظيفي المسئول عن الشراء هي المسئولة عن كميات النشارة ،وقال مدرس الجغرافية الذي يتميز بخدين مرتفعين كخصيتي حمار الشيخ حينما يبدأ النهيق ، قال بأن كمية النشارة تتناسب طرديا مع تزايد قسوة الحصار ،
فكرت ثانية ، لم أشغل نفسي بهذه الترهات ...يجب البحث عن مساعدين يمكن ان يتحملوا ، بشيء من التدريب والهبات السخية ،مسئولية بعض مفاصل العمل
توجهت الى المدينة
كانت مقهى القائد ، وهي مقهى كبيرة لم تغير اسمها رغم إن القائد لم يعد مسؤولا حتى عن نفسه،تقع على الشارع الرئيس في المدينة ، روادها في العموم من الطلبة ،طلبة الثانوية والجامعة وبالطبع بعض الموظفين المتقاعدين الذين يشغلون الركن الغربي المنعزل ،بعظهم يتطلع بهدوء الى المارة عبر زجاج المقهى ،وآخرون يلعبون الدومينوويضجون بضحكات صاخبة خالية من أ ي رنين، يحمل بلادة خلفتها سنوات الخدمة الطويلة في أروقة الدوائر الحكومية وهم يتفنون في ارهاق المراجعين
الصورة الكبيرة الملونة للكلي المعرفة وهويرفع سيكارا كوبيا ،رفعها جندي أمريكي ،كان الكلي المعرفة من رواد المقى المواظبين، كما يتداول ، وكان يفرض على بعض الرواد اعطاؤه سيكارة ،وفي الصورة التي رفعها الجندي الامريكي فيما كانت دبابة كبيرة تسد الباب ، كان الكلي المعرفة ينظر باستهانة ويرفع السيكار بشماتة وكأنه يقول ....لقد كنتم تتخابثون وانتم تقدمون لي السيكارة مرغمين ...أما اليوم فانا أدخن السيكار الكوبي المشحون بتوصية من الرفيق كاسترو وأنتم ما تزالون تدخنون سيكارة سومر التي ينحشر دخانها في الرئتين
كان صوت ابو فرجة الاعور يعلو بعبارات بذيئة متهما زميله بالغش ،وابو فرجة ترك الدراسة في مرحلة الثانوية بعد ان ظل في الصف الخامس العلمي ثلاث سنوات دون ان يتقدم في اي من الدروس التي كانت علاماته فيها دون العشرين في المئة ،هذا فضلا عن المشاكل التي كان يفتعلها مع الكميع واصراره على الحضور وهو يضع في قدميه (نعالا )من البلاستك حتي في موسم الامطار
وضع كفه على ظهر ابو فرجة
:-استهدي بالله والشايات على حسابي مع شاي اضافي لك
جلس ابو فرجة
:-ولكن ماهذا الكرم !
:-ليس كرما ولكنه محاولة لاقناعك بالعمل معي والدفع بالدولار
:-وهذا أغرب
:- اعتقد ان علينا ان نجلس في ركن المقاعدين فهم في شغل عما يدور هنا
:-أو هناك ...ولكن ما هذا العمل وبالدولار؟
:-الم تسمع بالمثل العراقي (تريد العنب لو كتلة الناطور )
:-العنب طبعا
طار عصفور في فمه خيط ابيض ،عبر فضاء المقهى من زاوية المتقاعدين الى الافريز على الجانب المقابل فتعلقت به الانظار
قال ابو فرجة :ارجو الا يكون عملك الموهوم للاستعراض كما يفعل هذا العصفور المجنون
:- اولا انه ليس مجنونا ،عادة تبني العصافير اعشاشها وهو عمل متقن تماما، وثانيا ...أنا جاد
أخرجت اربع (ورقات ) وأعطيته إياها ، بدت عينه البيضاء جاحظة

:- كيف تقولين ذلك ياأمي ؟ أدرب الافاعي يوميا وكان الشيخ يساعدني
:- الشيخ أبو عروسك الطويلة
:- نعم انه هو ....ولكن ، وهذا سر سأتخلص منه ، هناك شيخ أقدر منه سيعاونوني

صمتت أمي وقد بدى عليه شيء من الريبة ، جاء أخي يحمل (مسحاة )، كان يضعها على كتفه
قالت أمي :- ربما ....نعم ربما يشرف العالم على نهايته وانت الاعور الدجال ضحكت وأنا أداعبها : - ولكن انت ترين ،أني لست أعورا
:-مساعدك سيسد هذه المسألة
:- هذا ايضا لايجعلني الأعور الدجال!
:-يظل الشر واحدا ، أنتما شريكان .....سأصلي ركعتين عسى ان يهديك الله لتترك هذا الهذر الذي لا يؤدي إلا الى الخراب

كان ظل أخي يتطاول وراءه وهو يعبر ساحة الدار الى حقل سلمان ليساعد أبي ، لم يعلق على حديثي ، قلت في سري ،نحن مختلفان ،هو يحرث في الارض ويزرع البقوليات ويحرص على ايصالها الى سوق المدينة ، أما أنا فإني أحرث في نفوس الناس وأزرع فيها القدرة على القتل والعيش مع الافاعي لأصل الى المدينة لأخضعها لمشيئتي ،الزراعة تعود عليه بالقليل، أما ما أفعله فهو الجنة الارضية
كانت العروس تتناول الشاي ،أصرت أن أحضر لها طقم الاقداح الذي رأته على التلفاز أمام الإبنة الكبرى للكلي المعرفة وهي تملؤها لزوجها الذي كان يضع على كتفيه مجموعة من النجوم والتيجان الذهبية وسيوف قصيرة تبعث على الضحك ،

تقدمت الى ساحة البيت الخارجية ،كانت الغربان تقف صفا طويلا على السياج يشملها صمت يشل حركتها ،حركت يدها ضجرة ومحاولة إخافتها لتغادر المكان ....واق ...واق، طارت بخط مستقيم نحو المدينة ، شعرت العروس بالضيق ، كانت أمها تقول :أن تطير الغربان بخط مستقيم فهذا يعني أن أمرا مرعبا لابد أن يقع...فالغربان لاتحمل أية أخبار سارة ، كان الجد الكبير للغربان مع النبي نوح ، وحين أرسله يستطلع نتائج الطوفان لم يرجع ..إنها سلالة لعينة

على الجانب الأيمن كانت أفعى تنظر نحو العروس فيما تمدّ جسدها على الارض الترابية بتراخ وكأنها تتطلع أن تبادلها الحديث ، سمعت العروس حفيفا يملأ اذنيها ،قرأت أية الكرسي على عجل وعادت الى سريرها ،تذكرت إن التوأم الصغير لم يتقرب منها لأكثر من اسبوع ، كانت تسلم لوحدتها ، فيما تشعر أنها مصابة بحمى في جوفها ، وكان هو يروّض أفاعيه .

في الصالة المفروشة بسجاد رخيص ووسائد قطنية ليتكئ عليها الضيوف أو ليسندوا بها ظهورهم ، كان التوأم الصغير يجتمع بمعاونية ،وكان صوت ابو فرجة الاعور هو الوحيد الذي تسمعه العروس فقد كانت نبرته عالية

:- لآ اعترض على الخطة فهي تبدو محكمة في ما عرضته ، ولكن كيف يمكن ضمان التنفيذ ...هل انت واثق من إن الافاعي ستقوم بدورها ؟
:-نعم ...وسيشرف على مراقبتها الشيخ ....والذي أركز عليه هو دوركم

كان المعاونون الذين اختارهم بمعرفة ابو فرجة الاعور قد اكتمل عددهم ،بعد أن اصبحو ا خمسة وعشرين وقد تم بناء هيكل متماسك ، يشرف كل معاون على ست افراد،
قال ابو فرجة الاعور :تعرف أن البدء في العمل يتطلب ان نقدم مكافئات مجزية ، ليس فقط لمجموعة المعاونين بل لبقية التنظيم ،هل أنت واثق إن (جماعتك سيقدومون ما يلزم )
:- في هذه المرحلة بالذات نعم ...ولكن لاحقا علينا أن نمول عملنا ذاتيا
:- كيف ؟
قالها خلف الدايح بتردد ،وهو طالب في كلية الصيدلة فصل قبل ثلاث سنوات وسجن لمدة سنتين لأنه القى نكتة في المقهى عن الابتذال بصبغ المرأة شعرها باللون الاصفر الفاقع ،وكان دفاع خلف الدايح إنه يكره اللون الاصفر الذي تصر زوجة أخيه على صبغ شعرها به لأنها ترغب أن تكون (مارلين مورو ) ، وقد شهد بصحة أقواله زوجة أخيه وهي تبكي في قاعة المحكمة ولكنها تقدمت برجاء الى القاضي أن يشدد الحكم عليه لتصبح حرة في صبغ شهرها الذي أخرجت منه خصلة لتريها للمحكمة ، وقد تسبب ذلك في قيام زوجها عند عودتهم للبيت بضربها بقسوة فشعر المرأة عورة يجب ألا يراه الرجال

قال التوأم الصغير :- يبدو انك لم تنتبه للحديث ....حسنا سأعيد الخطوط العريضة للعملية وأرجو أن يستوعب كل منكم دوره

ان وضع الحكومة في المدينه هش والشرطة متراخية لأنها مصابة بالاحباط، بعد حملتنا الاعلامية ، هذا فيما يتعلق بالسبب في أن نبدأ الان
ستقوم الافاعي فجرا باحتلال مفارق الطرق ومنع الحركة ونقوم نحن كما في التفصيل المكتوب بالدخول الى المصارف ومحلات الصاغة والصرافة والمحلات الكبيرة التي تحقق دخلا كبيرا ، معروف لديكم ماذا نفعل ، الاموال تنقل الى قواعدنا الخلفية ، وهذا يجب ألا يستغرق اكثر من ساعة ، نهاجم بعدها مراكز الشرطة ومواقع الجيش داخل المدينه...هنا نتوقف ....يجب استخدام منتهى القسوة ...قطع رؤوس الاسرى ، ولنا في هذا قدوة حسنة، والحرص على التغاضي عن هروب البعض لأنه سيرعب قوات الجيش خارج المدينة
ومسألة مهمة لابد من إعادة التأكيد عليها تتعلق باختيار العناصر التي يجب ذبحها ،فاولا لابد ان تكون من العناصر المعرفة جيدا لدى أهالي المدينة ،فكلما كان معروفا كان التأثير أوسع وأعمق على الأهالي ، وثانيا ،أن يكونوا من العلمانيين لأنهم في الأساس أعداء بالضرورة

قال عمر الزعلان وهو مأخوذ بالافاق المفتوحة :- وبعد ذلك ؟
:- تقوم القيامة !......اكرر كونوا معي ولنبتعد عن الاسئلة الغبية .....بعد ذلك نتهيأ للقيام بغزوتنا الكبرى للعاصمة

لم تستوعب العروس كل ذلك الحديث ....شعرت أنها مخدرة تماما وانها معبأة بكمية هائلة من الهلع

كان الشيخ الوحيد الذي ظل محدقا بالارض ،فهو يدرك الان كم سيقتل من الناس وبعضهم ،قطعا ، أبرياء ،صحيح أنه سيكون هناك (تروس ) قد يسقطون ،ولكن الامر هنا لا يقع بالصدفة بل هو جزء من المخطط الذي شارك هو في انضاجه ،في البداية شعر بالزهو لأنه يشارك في صناعة احداث كبرى وهذا سيخرجه من دائرة الرتابة والملل والبقاء منسيا في هذه القرية اللعينة ، ولكنه الان يواجه الحقيقة
كانت العروس تعقد شعرها الطويل المنسدل حتي منتصف ظهرها حين سمعت أباها يردد ، اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضو ا....حين دخلت عليه كان يمسك بلحيته البيضاء كأنه يقبض على العنزة حين يحلبها وهي تدافع كي تتخلص من قبضته القوية

تذكرت ليلة وفاة والدتها ، كانت ممدة على الارض وكان هو بجانبها يقرأ ذات الاية ...كان القمر بدرا في الخارج وكأنه يضفي لونا فضيا على الوجود كله ويتسلل الى وجه امها فينعكس ضوء مثير للدهشة ، كانت في العاشرة ولكنها تتذكر كل شيء على نحو واضح
قالت أمها ، التي كانت في غيبوبة تامة لليومين المنصرمين :-أعد تلاوة الاية ،نظر اليها بدهشة كمن أخذ على حين غرة
:- ماذا ؟
:-أعد تلاوة الاية
قرأ أبي الاية بهدوء
قالت أمي :- تذكر انه حينما ينشق القمر فان الساعة تعلن انها قد اقتربت
لم يفهم أبي

ولكني الآن أفهم تماما ما كانت أمي تعنيه ،والساعة فعلا اقتربت ،ستفور البحار وستتقدم الجبال لتدفن المدينة ،هذا ما يدبّره الله في ملكوته، فقد حان وقت العقاب ،

المساء ينشر ظلالا قاتمة فيما غبار كثيف يتمدد بكل اتجاه وأختفت اشكال الغربان متماهية بالدكنة المثقلة بصمت غريب ،خرج الجميع من بيت التوأم الصغير ، ليس من السهل ما تطفح به عيونهم ،وحتى العين العوراء لأبي فرجة ، تحول بياضها الى قطعة شديدة العتمة .

في الصباح توقفت الحياة في المدينة ، فقد قطعت الافاعي النازلة من التلال المطلة على النهر، الشوارع والساحات ،ولا صوت غير فحيحها المخيف ،لم تصدر الحكومة بيانا بعطلة رسمية ولكن المدينة كانت معطلة تماما ، والذي لم يحتفظ بالخبز في البراد لم يجدما يفطر به ، وأكتفي الاطفال ببقايا قطع البسكويت وقد شل الرعب رغبتهم بالبكاء أو الاحتجاج ،وحدها العروس، كانت تقف أمام المرآة تسرح شعرها ، ولكنها بلحظة نزق أو ربما احتجاج ، أمسكت بالمقص لتجزه الى ما فوق الرقبة.

إرتفعت أصوات مكائن قطع المعادن في أقبية المصارف لتفتح الخزائن المحصنة ، قال خلف الدايح إنه لأول مرة يشاهد مثل هذه المكائن رغم انه استلمها في صناديق خشبية محكمة من ضابط يتكلم العربية بشيء من عدم القدرة على ضبط النبرة المحلية ،طلب منه أن يوقع ايصالا مكتوبا بالانكليزية، وشكره ،ثم قدم له علبة شيكولاتة بطعم النعناع

قال أبو فرجة :سيكون ملك يميني عشر فتيات من طالبات الثانوية
قال التوأم الصغير :لننهي الخطوة الاولى اولا
قال الشيخ :الحق ...الحق .
تذكر اباه الذي تزوج ثلاث نساء ولكنه لم ينجب سواه ...وحينما كان يحتضر كرر ،الحق ..الحق ،وبسط كفه اليمنى لتنفتح بيضاء ويخرج منها عصفور غريب بثلاثة الوان ولكنه لم يصدر صوتا وهو يحلق مغادرا غرفة غسيل الموتى ، أما كفه اليسرى فقد كانت تقبض على ورقة نقدية من فئة الخمسة دنانير ،حين حاول الرجل الذي كان يغسله انتزاعها منه تلقى صفعة رنّ صوتها في الغرفة مصدرا صدى مكتوما

توقف سلمان عند الباب الرئيس لمزرعته ،كانت افعى تنتصب أمامه ، لم يحول التقرب منها ولكن نوبه تقلصات حادة انتابتها فتمددت على الارض لتندفع عشرات البيوض المرقّطة ،رفع سلمان (المسحاة )المركونة الى الباب وسحق رأسها ....كان عليان يقول ..قتل الافعى ليس بقطع الرأس ولكن بسحقه تماما ...فالأفاعي تملك القدرة على بناء جسدها من جديد
مرق طفل يركض كالمجنون ...لم يلتفت حين ناداه سلمان ،تناهى الى سمعه زخات من رصاص متقطع ،تقدمت امرأة ,كانت خطاها واهنة
قالت : - هل لديك جرعة ماء ؟
جلست على مرتفع من تراب الساقية التي تقطع المزرعة
قال سلمان : مذا يحدث ؟
:- انهم يذبحون الرجال كالنعاج وسط المدينة
:- لا أعرف ، ويبدو انهم ربما من القمر او من السماء ...كلهم يلبسون أزياء غريبة ...هل تعتقد انها القيامة؟
:-الملائكة هي التي ترفع سرادق القيامة
بدأ حمار الشيخ بالنهيق على نحو غطى على زخات الرصاص التي لم تنقطع، ولكنها اصبحت اكثر انتظاما
قال الرجل:-لقد فعلوها
:- وهل تعرفهم ؟
:- نعم ولا حول ولا قوة الا بالله
كان ابو فرجة الاعور ينظف سكينه العسكري من الدم وطلب من معاونه ان يرفع الرؤوس والجثث من الساحة، وتطلع الى الجمهور المزدحم بدائرة متكاملة وصرخ
: اعملوا شيئا ... تقدموا للمساعدة برفع الجثث الى سيارات البلدية !

اندفع الجمهور للمعاونة ، كانوا يتحركون بآلية وكأن الرعب قد سلبهم كل قدرات التفكير أو كأنهم في حلم لا معنى له ولكنهم مجبرون على متابعته ،
الاطفال وحدهم من بقي واقفا يتفرج بروح محايدة
قال أحد الاطفال :عمو كريم مات
ولكن صوته ظل أجوفا ولم يتعاطف معه أحد

ذهبت السيارات بحمولتها واختفت ضجة المحركات
أمر التوأم الصغير بأن تستلم مجموعة شاكر العبد ، مراكز الشرطة وأن يقوم ابو فرجة الاعور باستلام مقرات الجيش وان يتم التحرز على الاسلحة ، أما البقية فعليهم أن يرابطوا على اسطح المنازل الواقعة على مفترق الطرق

لم يسأل أحد ماذا سنفعل في الغد ،ولكن العروس ظلت تردد لازمة لأغنية شعبية .... الطول طول المشمشة ...عيني يابو تواليت للبصرة مشه
:-ماهذا الهذر
لم ترد
:-لماذا لم تتطلع الى قصة الشعر الجديدة؟
:-هل جاء أبوك ؟ ...لم اشاهده منذ عصر اليوم ،ولم يأمنا في الصلاة

أدارت ظهرها (مقرفصة) جسدها كما يفعل الاطفال ساعة غيظهم

كان المساء باردا ،وفي السماء العريضة التي ترتفع بمساحة مربدة فكر التوأم الصغير ،هناك يجلس الله على عرشه يرسم بعنايته الجليلة مسار الحياة ، أصغى الى مجموعة من الغربان كانت تتحاور فوق سعف النخلة العجوز ،
كانت العروس ترتجف ،سحب عليها اللحاف فمدت ساقيها بارتياح.

غطى المدينة دخان اسود برائحة نفاذة وبدت الاشجار، التي كانت ترفل بأغصانها الكثيفة وتنشر ظلالا رطبة ،هياكل كفزاعات المزارع، فمع انقطاع الكهرباء وعدم توفر اية وسيلة حديثة للتدفئة لم يترك الأهالي أطفالهم عرضة للبرد ،وهوجمت الاشجار
كان أبو فرجة الاعور ، وبالمناسبة أنا لا أتعمد الانتقاص منه فهذه هي التسمية الشائعة له ،وأضيف أنه لم يطلب من أحد التوقف عن اسخدامها حتى بعد أن أصبح وزيرا للدفاع والنائب الأول للحاكم الاول في المدينة ،

كان ابو فرجة الاعور يطالع السجل الرسمي لثانوية البنات في المدينة ،كان جالسا على كرسي المديرة الخشبي يحيط به عدد من المسلحين الذين يعتمرون أغطية للرأس غير معروفة والتي قال عنها رئيس البلدية قبل قطع رأسه في الساحة الكبيرة ، إنها للمسلحين في افغانستان ولكنه لم يجب عن السبب الذي يجعلها الغطاء المفضل بدلا من عشرات الاشكال المعروفة

دوّن أبو فرجة الأعور بضعة اسماء وترك المدرسة .

بدأ مطر خفيف سرعان ما تحول الى قطرات كبيرة سوداء غطت وجه النهر الذي بدا مستسلما يجري بهدوء ولكن الشيخ الذي كان يتوضأ ،داخله شعور غريب وهو يغرف الماء ليسكبه على وجهه ، بأن الماء يحمل كراهية ،وفكر بأن ذلك قد ينقض الوضوء ، جلس على العشب المبتل فيما أحاطت به أفاع تتطلع نحوه بخشوع ممزوج بالحب ، لم تتثاءب وهو يصلي بهدوء ولكن احداها التفتت الى الوراء وهي تسمع هسيسا ،كان صغيراها يتناقشان ...هل ان استقبال النهر يصح في صلاة المغرب ...صمتا حين رأيا توبيخا في نظرات الأم
الظلام الذي بدأ يأكل الظلال ويتمدد في التلال غدا ثقيلا وخيم سكون مرهق ومستفز فوق المدينة البعيدة ،تسارع المطر وأصبحت البطانية التي يلف بها الشيخ جسدة ثقيلة ، أسرع بالعودة الى الدار
كان التوأم الصغير بانتظاره يحيط به عدد من وزرائه وقيادات التنظيم المسلح وبدى على الجميع الارتياح وهم يرونه ،
:-نحن بانتظارك
:-كنت أصلي وأدركني المطر
:- لابأس ...لندخل
نادى التوأم الصغير على العروس أن تعد له الشاي ووضع على كتفي الشيخ معطفا من الصوف
كان الاجتماع لمناقشة الخطوة التالية
تحدث أولا ابو فرجة الاعور ملخصا الوضح الميداني ....لقد تم كل شيء حسب المخطط ومن الظواهر الايجابية إن الاهالي أعربوا عن ابتهاجهم ومن أجل إدامة هذا الزخم على الشيخ أن يدعمه بفتاو تدفعهم الى الموالاة،
أما كريم الدايح فقد لخص الوضع السياسي وقال بأن العنف غير المحدود مثّل أفضل طريقة للإقناع والمدينة على العموم مسالمة

لم تشهد الساحة ضجيجا كما يفترض في التجمعات الجماهيرية في العادة ،سيما وان ما يجري هو قطع رؤؤس عديدة ربما تجاوزت الثلاثين ، وبعد رفع الجثث والرؤوس ،خلت الساحة من الناس فيما بقيت بقع الدم على الساحة و التي كان بعضها قد شكل بقعا متناثرة

كانت الجماهير صامتة، يتطلعون بدهشة يقف وراءها رعب شل حركتهم، اليوم هو شكل المستقبل الذي سيعيشون في خيمته وهم سيتجمدن على هذه الهيئة ،ربما الى الابد ،رغم إن الحياة لا تتوقف عند لحظة بذاتها ،ولكن قد يكون هذا قدرهم ، قال طالب في كلية الشريعة ، إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم ،وفكر كيف سيغيروا هذا الرعب الساكن في قلوبهم !



#ذياب_فهد_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة العاشرة /نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة التاسعة /نوافذ دائرة الطباشير
- التناص في القصيدة الحديثة
- الحلقة الثامنة /نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة السابعة /نوافذ دائرة الطباشير
- البناء القصصي في شعر حبيب الصايغ
- الحقة السادسة /نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة الخامسة /نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة الرابعة/ نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة الثالثة - نوافذ دائرة الطباشر
- الحلقة الثانية ؟نوافذ دائرة الطباشير
- نوافذ دائرة الطباشير /رواية 1/8
- رواية سيد القوارير للروائي حسن الفرطوسي
- الصورة الشعرية
- الحلقة الرابعة /سمات بنية القصيدة عندالشاعر حبيب البصايغ
- الحلقة الثالثة /سمات بنية القصيدة عند الشاعرحبيب الصايغ
- سمات القصيدة عند الشاعر حبيب الصايغ 1/4
- الحلقة الثانية عشرة/أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة الحادية عشر /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة العاشرة /أسئلة الرواية الاماراتية


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - الحلقة الحادية عشر/نوافذ دائرة الطباشير