أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - بلد سيزير وقانون ساركوزي














المزيد.....

بلد سيزير وقانون ساركوزي


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1398 - 2005 / 12 / 13 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


تلقى وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي صفعة قاسية معنوية، سرعان ما انقلبت إلى حرج سياسي وأخلاقي استطراداً، حين قرّر الشاعر والمسرحي والسياسيّ المارتينيكي الشهير إيميه سيزير رفض استقباله (وهو النجم الصاعد في سماء اليمين الفرنسي، والشخص الثاني في الحكومة، ورئيس الحزب الحاكم، والمرشّح القادم في انتخابات 2007 الرئاسية)، حين اعتزم زيارة المارتينيك قبل أيّام. ولقد اضطرّ ساركوزي إلى إلغاء زيارته هذه، خصوصاً بعد أن تصاعدت موجة الإحتجاج على قانون فرنسي جديد، يقضي بأن تقوم المدارس بتعليم "الجوانب الإيجابية" في الإستعمار.
أغلب الظنّ أنّ سيزير لم يقاطع هذا الوزير الفرنسي فحسب، على خلفية مواقفه المتشنجة وتصريحاته المشينة خلال أحداث الضواحي الباريسية مؤخراً، بل كان يقاطع من خلاله هذه الـ "فرنسا" الساعية إلى تبجيل ماضيها الإستعماري وتبييض صفحاته. وفي هذا يستوي الساسة، وأنصار الأحزاب اليمينية (المعتدلة منها قبل تلك المتطرّفة، للإيضاح!)، و"الفلاسفة ـ الموضة" أو "الفلاسفة ـ الكافيار" من أمثال برنار ـ هنري ليفي وألان فنكلكروت وأندريه غلوكسمان ولوك فيري وباسكال بروكنر...
والحال أنّ سيزير يظلّ خير الأحياء المخوّلين، سياسياً وثقافياً وأخلاقياً، استئناف الحكم الشديد ضدّ التجربة الإستعمارية، ومواصلة الإصرار على فتح ملفاتها السوداء لا من حيث توقفت لأسباب شتى تخصّ انحطاط سياسة الذاكرة وكتابة تواريخ البشر على صعيد كوني، بل من حيث ينبغي أن لا تتوقف البتة، خصوصاً في هذه المراحل من انبعاث حسّ الإمبراطورية وتجدّد وتجديد أنماط الهيمنة. إنه ثاني ثلاثة لعبوا، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، دوراً حاسماً بالغ الحيوية والفاعلية في تنظيم المقاومة الثقافية للتجربة الإستعمارية: الأوّل هو الشاعر والسياسيّ السنغالي ليوبولد سيدار سنغور (1906 ـ 2001)، والثالث هو الشاعر والكاتب الغوياني ليون غونتران داماس (1912 ـ 1978).
وثمة حقيقة تاريخية كبيرة أولى تقول إنّ حياة أكثر من ثلاثة أرباع البشر، الذين يقطنون العالم الراهن، كانت قد تشكلت في سياق تجربة الإستعمار. حقيقة ثانية كبيرة تقول إنّ مغامرة الحداثة، وهي وليد عصر الأنوار الغربيّ بامتياز حصري احتكاريّ، تزامنت مع، أو هي اعتمدت إلى حدّ كبير على، توسّع إمبريالي واستعماري «اكتشف» ـ كما قيل لنا! ـ واستكشف واستغلّ وأخضع أقساماً واسعة من العالم غير الغربي. حقيقة ثالثة، ثقافية وسوسيولوجية هذه المرّة، تقول إنّ الهيمنة السياسية العسكرية والإقتصادية، بوصفها مفتاح الإمبريالية والإستعمار في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ترافقت منذ البدء مع تكوين خطابات تتولّى استيعاب "آخَرية" Otherness شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما تشدد بغير تحفّظ على التفوّق الثقافي والمعنوي للقوى الإمبريالية الغربية. ذلك التفوّق الثقافي تولى تسويغ وتأسيس «حقّ» بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا أو بلجيكا أو هولندا أو إسبانيا في التوسّع التجاري، ثمّ في ممارسة الإخضاع السياسي والثقافي للشعوب.
وإذا كان من اليسير رؤية أهمية هذه التجربة في الميادين السياسية والإقتصادية، فإن متابعة تأثيرها العامّ (والحاسم) في الحياة الثقافية والنفسية والسلوكية لأبناء المستعمرات السابقة، يظلّ أكثر خفاء وعمقاً والتباساً. ويوفّر الأدب واحداً من أبرز الحقول التي تشهد التعبير عن تلك المظاهر كما تندغم في نسيج الحياة اليومية، وكما تتحوّل إلى ديناميات ورموز جبارة غائرة في أعماق النفوس. ومن المدهش أن فئة قليلة من المفكرين الغربيين هي التي حاولت، على أيّ نحو جادّ، استكشاف مغزى الإمبريالية والإستعمار في صعود الغرب وفي تشكيل وعيه بالآخر وموقفه منه. ولهذا لم يكن مدهشاً، في المقابل، أن الجهد المنهجي المنظّم في هذا السبيل تولّته مجموعة «مهجّنة»، إذا صحّ القول، من المفكرين والنقّاد والأدباء والأكاديميين الذين ولدوا في المستعمرات السابقة، ولكنهم طوّروا مناهجهم في الجامعات والمؤسسات الثقافية الغربية. في طليعة هؤلاء أسماء مثل إدوارد سعيد، غاياتري شاكرافورتي سبيفاك، هومي بابا، عبد الرحمن جان محمد، بنيتا باري، إعجاز أحمد، كوامي أنطوني أبيا، قمقم سنغاري، سارة سوليري، عقيل بلغرامي، وآخرين.
لم يكن مدهشاً، ثالثاً، أنّ هؤلاء الذين أعادوا قراءة وتوظيف وتثوير أفكار المنظّر والطبيب النفسي والناشط المارتينيكي الشهير فرانز فانون (1925 ـ 1961) بغية تطوير ما نسمّيه اليوم نظريات ما بعد الإستعمار في الأدب والنقد، اعتمدوا كذلك على أفكار فلاسفة ومفكرين غربيين من أمثال جوليان بيندا وكارل ماركس وأنتونيو غرامشي وميشيل فوكو وجاك دريدا. غير أنّ الآباء الفعليين المؤسسين لهذه الحركة الراهنة، ذات التأثير الواسع في النظرية الأدبية والنقدية الغربية ذاتها، هم أمثال سنغور وسيزير وداماس وفانون. والمرء يتذكّر ولع الراحل الكبير إدوارد سعيد بالعمل الشعري "دفتر العودة إلى البلد الامّ"، الذي فرغ سيزير من كتابته سنة 1939 ولم يُنشر إلا سنة 1947، وفيه هذا المقطع الشهير: "زَنْوَجتي ليست حجراً/ ولا صمماً مُلقى في جلبة النهار/ إنها تغوص عميقاً في لحم الثرى الأحمر/ وعميقاً تغوص في لحم السماء اللاهب"...
مؤكد، لهذا، أنّ أيّ قانون فرنسي لن يعيد استقلاب التجربة الإستعمارية على نحو يجعل ساركوزي يزور المارتينيك وكأنه عائد إلى بلد أمّ... يخصّ سيزير!





#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتفاقية سلام سورية إسرائيلية: المأزق عميق والمخرج عالق
- بيريس الأخير: هل تبقى سوى التلاشي في الهواء الطلق؟
- الصفيح والخيش
- سقط المتاع
- قمّة المعلوماتية: إحتكار التكنولوجيا أم اجتماع المعرفة؟
- إستشراق أسعد بيك
- خطاب الأسد: سلوك إنتحاري وذرّ للرماد في العيون
- ابتسامة التلمود
- بعد القرار 1636: النظام السوري أمام خيارات صعبة
- لويس فرقان والإسلام الأمريكي: قصة مدينتين
- دوائر ميليس
- الإخوان المسلمون و-إعلان دمشق-: الأساطير والحقائق
- نوبل آداب... كردية؟
- تغييب أو غياب غازي كنعان: مَن سيستأجر السفينة الغارقة؟
- أيّ نزار قباني يسلسلون؟
- برنارد لويس وتركيا الأوروبية: كأننا لم نحرّر فيينا من العثما ...
- مفاجآت ال 100
- استفتاء الجزائر: المصالحة الوطنية أم تبييض الجنرالات؟
- فرد هاليداي والأشغال المتعددة لخبراء الشرق الأوسط
- افتقاد إدوارد سعيد


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - بلد سيزير وقانون ساركوزي