أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تخلَّ عن الأمل: 6















المزيد.....

تخلَّ عن الأمل: 6


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5198 - 2016 / 6 / 19 - 02:22
المحور: الادب والفن
    


كان عليّ، في مفتتح الكتاب، التنويه بأنني التقيتُ بطله مرة واحدة على الأقل.
تريّثي في ذلك، لا علاقة له بحال مع نزعة الإمتاع والتشويق، التي يعتمدها ويبرع بها الكثيرُ من الكتّاب. كلّ ما في الأمر، أنّ سياق السرد لم يسمح سوى الآن بذكر هذه المعلومة، المتواشجة بقضية أخرى؛ وهيَ مصيرُ البطل. نعم، لقد التقيتُ " فرهاد "، ويا لغرائبَ القدر، بعد فترةٍ قصيرة من مغادرته المغرب. ذلك كان في موسكو، في بداية شتاء عام 1992، أثناء وجودي ثمة من أجل المساعدة في تهريب شقيقيّ إلى السويد.
ذات صباح، من تلك الأصباح الروسية الصقيعية، توجّهتُ إلى مكتبٍ تجاريّ يخصّ صديقاً قديماً؛ زميلاً سابقاً من عهد الدراسة في العاصمة السوفييتية. هذا الصديق، كان قد وعدني قبل حضوري لموسكو بتعريفي على أحد المهرّبين. وجدتُ هناك ضيفاً شاباً، كان يسعى أيضاً للتسلل إلى السويد ـ كما بدا من حديثه مع صاحب المكتب. كان هذا الشاب الوسيم، ذو اللحية الشقراء، يجلس على الأريكة مطرقاً برأسه وقابضاً على يديه كما هوَ دأب الأشخاص الصموتين. ومثلما لحظتُ آنئذٍ، فإنه كان ينطق الكردية بلكنةٍ غريبة خلال حديثه المبتسر. لم يقُم صديقي بواجب التعريف، حتى عندما سألتُ صاحبَ اللحية الشقراء: " أأنت من منطقة عفرين؟ ". هذا الأخير، اكتفى برسم ابتسامة غامضة على شفتيه الرقيقتين قبلَ أن يلتفتَ إلى مضيفنا ويستأذنه بالانصراف.
عليّ كان الإنتظار عقدين من الأعوام، قبل أن أتحقق من هوية ذلك الشاب.
أجل، تقمّصتُ صفةَ المحقق ( التحرّي ) لكي أجمع معلوماتٍ عن صاحب الحقّ الأصل بالمخطوطة. هذه الصفة، كما تعلمون، تخصّ أيضاً من يقومون بتحقيق الكتب التراثية بما فيها الأدبية. ولكنني كنتُ أحاول العثورَ على " فرهاد "، الذي فقدَ المحامي الاتصالَ به مذ مغادرته مراكش إلى موسكو. فلم أكن أنوي، بحالٍ من الأحوال، أن ألتزمَ بمهمة مراجعة ونشر المخطوطة طالما أنّ ثمة من هوَ أحقّ مني بوراثة مؤلّفتها، وفوق ذلك، يمتلك موهبة الكتابة. بيْدَ أنّ الوريثَ، ويا للأسف، كان قد فارق الحياة بعد مرور عامين تقريباً على ذلك اللقاء في موسكو. وقد اختار الموتَ انتحاراً، كشقيقته سواءً بسواء. آنذاك، كان يقيم بالإيجار في سكنٍ مؤقت في العاصمة ستوكهولم. لقد توصلتُ أيضاً خلال التقصي عن أخباره، أنّ " فرهاد " كان لديه صديقة في المدينة المجاورة، أوبسالا: في هذه الأخيرة، كنتُ أقيم بشكل دائم منذ حلولي بالسويد في نهاية الثمانينات. ومن الغريب، بعد كل شيء، أنني سبقَ لي معرفة تلك الصديقة!
" تينا " هذه، كانت قد تغيّرت كثيراً عندما التقيتها في صيف 2012.
عشرون عاماً، قبل ذلك التاريخ، كانت هيَ ما تفتأ فتاةً تضجّ بالفتنة والحياة. تعرّفتُ عليها عن طريق صديقها الأول، وكان شاباً كردياً من نواحي ديار بكر في تركيا. ينبغي القول، وإنّ كان هذا غير ذي أهمية، أنّ كلاهما يختلف عن الآخر بشكل كبير. كان الشاب، للحق، بسيطاً وعلى شيء من الظرف. إلا أنّ خصلة الكذب، كما نعرف جميعاً، تجلبُ معها العديدَ من العيوب. ومن ذلك، أنّ صاحبنا كان ينتحل بسهولة ويُسر أي صفة أو مهنة. وكانت صفة شاعر، هيَ الأقرب لنفسه. حتى أنه أبلغني مرةً، بأنّ أديبة سويدية ـ كذا ـ قد شبّهته بالاسباني " لوركا "، شكلاً على الأخص. وقد يكون صادقاً في قصته، طالما أنّ كثرة من النسوة الممتهنات الأدب في تلك البلاد يثير اهتمامهنّ القلمُ الضخم. عندما تعرفتُ على شبيه " لوركا " هذا، كان يسكن في شقة من حجرة واحدة، تقعُ على تخوم مركز مدينة أوبسالا. أستأجر الشقة ( بالأسود ) من امرأة عجوز، قريبة له. وكانت هذه قد فضّلت أن تقيم مع أسرة ابنها الكبير، طالما أنها بحاجة للمال من أجل تأدية فريضة الحج. أما ابنها الآخر، المقيم في ستوكهولم، فكان يكتبُ رواياتٍ كردية ثم تترجمُ فوراً إلى لغات عالمية كالتركية والعربية والصورانية.
وإذاً، فإنّ الاهتمامَ بالأدب كان مشتركاً بيننا؛ صديقُ " تينا " وأنا. في ذلك الوقت، كانت هيَ تعيش معه ولمّا تملك بعدُ سكناً مستقلاً. من ناحيته، فإنه كان حديثَ العهد بالإقامة في مدينتنا؛ أي بالكاد قد احتفى به المعارفُ بلقب " الكذّاب ". لقد لفتَ نظري، مذ زيارتي الأولى لشقته الصغيرة، ما تذخر به من أشياء معلقة على الجدران أو مركونة في الرفوف: طنبورٌ حائل اللون، لخدمة صاحبهِ الموسيقار الكبير ذي الانتاج الغزير من الاسطوانات الكردية والتركية، لدرجة أنّ مايسترو أرمنياً يقود أوركسترا نيويورك قد سبق وسافر خصيصاً للسويد كي يلتقي به.. رسمٌ كاريكاتوريّ بالأبيض والأسود، يمثّل " فرويد " وتلافيف دماغه عبارة عن نساء عاريات؛ وهوَ رسمٌ معروف في العالم، ولكن لا يمكن تكذيب صاحبنا، الفنان الكبير، عندما أقسم بأنه من تفتقات خياله الخصب.. صورةٌ مفترضة للنبي زرادشت، كان يُشير إليها المفكّرُ الكبير عندما يتنفّج أمام ضيوفه بكونه مؤلّفاً لكتابٍ عن عقيدة ذلك النبيّ. وهذا الكتاب، بشهادة كاتبه، نال جائزة مجلة ثقافية مهمة تصدر في اسطنبول، تُدعى " نحوَ العام 2000 ".. مجموعةٌ من المخطوطات، المضروبة على الآلة الكاتبة، تضمّ جزءاً يسيراً من ديوان شاعرنا الكبير، المحتوي آلافَ القصائد. ولأجل طباعة قصائده، سيقوم فيما بعد بتأسيس دار للنشر وبتشجيعٍ من القريب ذاك، الروائيّ البارز، الذي كان وقتئذٍ مسئولَ القسم الأجنبيّ في مجلس الثقافة السويديّ.. الخ
الكذّاب، ما لبث أن مدّ خيوطه العنكبوتية لاصطياد فريسة أخرى، سهلة.
كان الظرفُ ملائماً تماماً للصيد. امرأة شابة، وجدت نفسها وحيدة مع طفلة صغيرة بعدما هجرها زوجها. وإذ كانت " تينا " ممرضة براتب متواضع، فهيَ ذي مواطنتها موظفة في مؤسسة بنكية بدخلٍ ممتاز ـ كما تُفصح عن ذلك سيارتها وكانت آخر موديل. المحزن في الأمر، بل والمخزي بحق، أنني كنتُ شاهداً على آخر عملية سلب قام بها الكذّاب، الذي كان ما زال يعاشر صديقته القديمة على الرغم من علاقته مع الأخرى: المسكينة " تينا "، كانت قد تلقت مبلغاً جيداً عن جردة ضرائبها للعام السابق. فتمكّن صاحبها من انتزاع المال منها بعدَ ذرفِ قليلٍ من الدموع على حال والدته الأرملة، المقيمة في وطنٍ ينهشه الفاشيست الترك.. " تورك فاشيست "؛ كان التعبير الأثير عند صاحبنا، الكذّاب!
كان الوقتُ في أوج الصيف، لما التقيتُ مع " تينا " وكنتُ أمرّ اتفاقاً من أمام مدخل مخزنٍ كبير لأدوات التجميل. سألتني عندئذٍ، وقد بدَت أمارات الحزن على ملامحها المتناسقة، ما إذا كان صديقها قد خابرني من موسكو. الكذّاب، كان قد سبقَ وأخبرها قبل عدة أيام بأن ثمة مشروعاً ـ كذا ـ لطباعة مجلة كردية ثقافية في العاصمة السوفييتية: " نظراً لقلة التكلفة هناك، وقد عهدوا إليّ بالأمر! ". تلك المجلة، التي كانت حجّة الكذّاب، كانت موجودة حتماً. كان قد صدر منها أربعة أعداد في ستوكهولم؛ ثمّة، أين يقيم صاحبها ورئيس تحريرها. آنذاك، كنتُ بنفسي أشارك في مجلس تحرير المجلة. أما صاحبنا الكذّاب، فإنّ رئيسَ التحرير كان قد أعطاه صفة المراسل بغية توصيل نسخٍ من أعداد المجلة إلى بعض الأشخاص في ألمانيا.
كنتُ أعرفُ أنّ " تينا " تعرف بعلاقة صديقها مع الأخرى؛ فإنه بنفسه من تبجّحَ بذلك أمامي: " هذه ليست المرة الأولى، والحق يقال. كان بمقدورها أن تهجرني، ولكنها لم تكن تملك زمامَ أمرها! ". لم أحتمل، من ناحيتي، هكذا خيانة خبيثة. فبُحت لها، دونما تردد، ما أعلمه عن سفره إلى ألمانيا مع صديقته الجديدة. كان الأشدّ ايلاماً، حقيقة أنها تكفّلت من مالها تكاليفَ تلك السياحة الرومانسية. آخر مرة، جمعني المجلسُ مع " تينا "، عندما شاءت أن تحضر إلى شقتي على أثر مهاتفة قصيرة. ذلك كان في مساء اليوم التالي، الذي أعقبَ لقاءنا في السوق. كانت عندئذٍ في غاية التعاسة والكرب. بين الوهلة والأخرى، كانت تخرج إلى البلكون كي تشعل سيكارة. لم نتكلم كثيراً، وما أتت على ذكر تلك السيرة المخزية بنأمة. من جهتي، هجستُ ليلتئذٍ أنها ستتغاضى عن خداع الكذّاب فيما لو رجعَ إليها: ولكنها ما لبثت أن نسته تماماً، وكأنما لم يكن موجوداً في يوم من الأيام، وكان ذلك عندما تعرّفت على " فرهاد ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخلَّ عن الأمل: 5
- تخلَّ عن الأمل: 4
- تخلَّ عن الأمل: 3
- تخلَّ عن الأمل: 2
- تخلَّ عن الأمل: 1
- الرواية: استهلال
- سيرَة أُخرى 34
- احتضار الرواية
- فاتن حمامة والزمن الجميل
- أقوال غير مأثورة 6
- سيرَة أُخرى 33
- الهلفوت والأهبل
- سيرَة أُخرى 32
- بسمة مسمومة
- الغموض والوضوح
- عَرَبة العُمْر
- اتفاقية سايكس بيكو وشعوب المشرق
- أحلى من الشرف مفيش !
- سيرَة أُخرى 31
- سيرَة أُخرى 30


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تخلَّ عن الأمل: 6