أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - السيمفونية التي أبدعت أسطورة حب عصرية















المزيد.....

السيمفونية التي أبدعت أسطورة حب عصرية


هدى توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 5196 - 2016 / 6 / 17 - 03:40
المحور: الادب والفن
    


السيمفونية التى أبدعتْ أسطورة حب عصرية
هدى توفيق
أصدرت هيئة الكتاب المصرية رواية (أسطورة حب عصرية) سلسلة كتابات جديدة- عام 2016، للكاتب والمفكر الكبير طلعت رضوان.
على ترانيم الموسيقارالعبقرى بيتهوفن ، يحكى الراوى حكايته الأسطورية (رغم واقعيتها) وعذوبتها ومرارتها ، من خلال قصة حب تبدو (فى شكلها الظاهرى) وكأنها من النسيج الرومانسى ، ولكن تلك (قشرة وهمية) استطاع الكاتب أنْ يخدعنا بها ، لأنّ العلاقة التى جمعتْ بين الطبيب الجرّاح الشهير (د. محب) والست روحية (الفلاحة/ الأمية) هى علاقة معجونة بطين الواقع ، وبكل مكوّنات الموروث الشعبى المصرى، ذات الجذور المُـستمدة من الحضارة المصرية. وتلك العلاقة بين الجرّاح الشهير، والفلاحة/ الأمية (رغم مظهرها الرومانسى) إلاّ أنها جاءتْ مغموسة ومدموغة بدم التعصب ، ومنذ الصفحات الأولى من الرواية. ولكن الكاتب استطاع – ببراعة – توزيع التفاصيل على مجمل أحداث الرواية.
تطرح الرواية قضية فى غاية الأهمية : الحب الإنسانى النبيل ، فى مواجهة التعصب والأحادية والعنف الذى يصل لحد القتل ، كما حدث فى الرواية ، حيث أنّ خالد (شقيق روحية) الأصولى الإسلامى ، ومعه عمر (ابن د. محب) الأصولى الإسلامى أيضـًـا ، يقتحمان شقة د. محب . نجح خالد فى قتل شقيقته ، ولم يوفــّـق عمر فى قتل والده ، وإنْ كانت آثار الطعنات كادتْ تــُـنهى حياته. والكاتب وهو يغزل تلك المواجهة بين الحب والعنف ، كان على وعى بتاريخ مصر الحديث ، وما حدث من اغتيالات ، وهو ما جعله يهدى روايته إلى روح كل من : د. محمد حسين الذهبى (وزير الأوقاف الأسبق) وروح شهيد الفكر (فرج فودة) وأرواح شهداء ((زلزال يناير2011)) واختتم ذلك الاهداء قائلا ((لعلّ نضال الإنسانية يتوّج بثقافة التسامح الفلسفى والاعتراف بالآخر المُـختلف، وبباقة ورد تــُـوضع على قبورهم)) ومما له مغزى فى أحداث الرواية ، أنه تم اغتيال المحامى (عاطف نجيب فودة) مؤلف كتاب (طغيان اللغة الدينية) وتحته عنوان فرعى (العودة إلى كهوف الماضى) ولذلك تربـّـص به الإسلاميون وقتلوه ، وكان ذلك بعد انتفاضة يناير2011، مما يؤكد – كما أراد رضوان فى رسالته غير المباشرة ، أنّ من اغتالوا فرج فوده ، أنجبوا من اغتالوا عاطف فودة ، وهكذا جاء لقب الأسرة (فودة) مُـتعمّـدًا وليس عفويـًـا أو اعتباطيـًـا.
وداخل نسيج الرواية غزل المؤلف على الطبيعة الأصيلة للشخصية المصرية ، وعشقها للحياة فى مواجهة (عـُـشاق القتل) وجسـّـد تلك الخاصية المصرية فى شخصية (سيف الله) الابن الأصولى لوالده خالد الذى قتل شقيقته ، حيث أنّ (سيف) فى الرواية مثل والده تمامًـا ويعترض على كل مظاهر العصر الحديث ، وكما اعترض أبوه على أنْ تخدم شقيقته الدكتور محب وتمكث معه بالساعات فى شقة مغلقة عليهما ، كذلك اعترض ابنه على أنْ تعيش صفاء (ابنة روحية القتيلة وبنت عمة سيف) مع الكتور محب بعد وفاة أمها ، ولكنه رغم ذلك كله ، يقتله الحنين لأيام الطفولة البريئة وأيام الصبا بعفويتها وصدقها ، خاصة وأنّ الخال والعمة كانا يعزفان لحن ((صفاء لسيف.. وسيف لصفاء)) ولكن جاء تعصبه ، من خلال كتب التراث التى أعطاها أبوه له لقراءتها ، لتقتل (تلك الكتب) العلاقة البريئة التى كانت بينه وبين بنت عمته ، ومن هنا كان صراعه النفسى ، ورغم أنه أحد الشخصيات الثانوية ، فإنّ ذلك الصراع داخله جعل منه شخصية درامية بديعة يصعب تغافلها.
من خلال ذلك الوعى بمفردات الشخصية المصرية ، وحبها للحياة والمرح والفكاهة ، وقيمة العطاء والتماهى مع الآخرين ، لتحقيق الدفء الإنسانى ، كانت رؤية الكاتب ، وهى الرؤية التى تدور حولها كل محاور الرواية : إنّ الحب والسلام الاجتماعى هما الطريق الأمثل لتحرر الإنسان من كل قيود تمنعه من التواصل مع غيره من البشر، حتى ولو كانوا من غير دينه. وبعد أنْ يسود الحب والسلام الاجتماعى ، يكون الطريق مُـمهـّـدًا لوأد كل أشكال التعصب الدينى والتعصب المذهبى . وأنّ كلمة (الحب) هى صانعة الأساطير والمعجزات ، لذلك كان من المهم ما نسجه المؤلف حول شخصية ناعسة (الفلاحة المصرية) التى ظلــّـتْ بجوار زوجها المريض لعدة سنوات ، وهى صابرة لا تشتكى ، بل وباعتْ شعرها من أجل علاجه. وبعد أنْ كبرتْ صفاء وعلمتْ بما فعلته أمها من أجل انقاذ حياة زوجها (والد صفاء) ووقوفها بجانبه أثناء محنة مرضه، وبعد موت الزوج/ الأب ، فإنّ روحية (أم صفاء) عملتْ فراشة فى مدرسة وخادمة فى بيوت الأثرياء ، حتى يتحقــّـق حلمها وترى صفاء وقد دخلتْ كلية الطب ، من أجل ذلك كانت صفاء ترى أنّ أمها امتداد لناعسة، وناعسة امتداد لأم كل المصريين (إيزيس)
بعد أنْ استردّ د. محب صحته وتعافى من الطعنات التى كادتْ تقتله ، قرّر أنْ تنتقل صفاء لتعيش معه بصفة دائمة ، وبعد صراع نفسى مرّتْ به صفاء ، لخشيتها من خالها ومن ابنه سيف ، حيث – كما توقـّـعتْ سيعترضان على هذه الإقامة الدائمة مع رجل غريب عنها ، وبعد تفاصيل كثيرة ذكرها المؤلف عن طبيعة هذا الصراع النفسى داخل صفاء ، اقتنعتْ بوجهة نظر د. محب ، أى ضرورة مواجهة الخفافيش وجيوش الظلام ، بالحب الإنسانى ، وأنّ علاقتهما علاقة أب بابنته (خاصة بعد أنْ طلب منها أنْ تكف عن مُـخاطبته ب (عمى) وتقول له (بابا) بعد هذا الصراع النفسى ، حسمتْ صفاء موقفها ووافقتْ على الإقامة الدائمة مع د. محب ، ولكن ما تغافل عنه د. محب حدث بشكل لم يتوقــّـعه ، حيث جاءه خطاب تهديد موّقع من خالد (خال صفاء) ومن عمر (ابن د. محب) وتضمـّـن الخطاب ضرورة أنْ تترك صفاء بيت د. محب وتذهب لتعيش فى بيت خالها ، وإلاّ سيندمان على ما قد يحدث لهما.
بعد هذا الخطاب جاء د. باهر (صديق د. محب) ليعيش مع صديقه وصفاء ، وجلس الثلاثة للتفكير فى الخروج من هذا المأزق ، فكــّـر محب وباهر أنّ الحل هو أنْ تتزوّج صفاء من أحد زملائها الذين تقدموا لها ، وكانت هى ترفض حتى تنتهى من رسالة الدكتوراه ، رفضتْ صفاء اقتراح الزواج من شخص لا تربطه بها علاقة (حب حقيقية) وفى نفس الوقت رفضتْ الإقامة مع خالها ، وبعد تفكير طويل – فى وحدتها – وفى وصف بديع من الكاتب للتوصل إلى القرار الذى رأتْ فيه المخرج من المأزق الذى وضعه خالها وابن د. محب فى طريق سعادتها مع أبيها الروحى (د. محب) أبدع عقلها قرارًا لم يخطر على بال د. محب أو صديقه د. باهر: الخال وابن محب يعترضان على الإقامة (غير الشرعية) فلتكن الإقامة (شرعية) والحل أنْ تتزوّج د. محب. كان القرار صادمًـا لمحب . شرحتْ صفاء أنّ وثيقة الزواج لن تــُـغيـّـر من طبيعة العلاقة بينها وبين د. محب ، وستظل تلك العلاقة كما كانت : علاقة أبوة وبنوة . وبعد صراع نفسى مرّ به محب (شرحه المؤلف بأسلوب أدبى بديع) وافق محب على اقتراحها ، خاصة وأنّ صديقه د. باهر شجـّـعه على الموافقة.
بعد هذا المشهد تلاه مُـباشرة مشهد غاية فى الأهمية ، ورغم أنه يبدو- فى ظاهره – خارج سياق أحداث الرواية ، فإننى أعتقد أنه من صميم النسيج العالم لها ، فى هذا المشهد جلس الأصدقاء الثلاثة وكل واحد منهم يسترجع فى ذاكرته أحداث الماضى القريب ، وقصة الحب الأسطورية التى جمعتْ بين محب (الجراح الشهير) وروحية الفلاحة الأمية. كانت تلك الذكريات تــُـحلــّـق فى خيال كل منهم على أنغام موسيقى بيتهوفن ، وفى سرد سلس ومُـمتع ، حيث تسلــّـلتْ موسيقى الحركة الثانية من السيمفونية الخامسة ، انساب اللحن الحزين داخل الصدور المُـنفعلة بالأحداث القريبة، وقرار زواج محب من صفاء ، فضاعف اللحن من مشاعر الشجن ، فقال د. باهر ((إنّ عبقرية بيتهوفن بحجم إنسانيته ، حيث أنه فى الحركة الثانية من السيمفونية الخامسة ، ترجم مشاعر الأحياء وهم يودّعون شهداء الحروب ، بالحزن النبيل على الشهداء ، بيتهوفن كتب أعمق إدانه للحروب ، ولأنه إنسان – قبل أنْ يكون فنانــًـا – لذلك رفض أنْ يـُـجسّـد بألحانه مشاعر الخزى ، بسبب الهزيمة ، وركــّـز على مشاعر حزن الأحياء على شهداء الحرب)) فقالت صفاء ((وإحنا فى مصر عاوزين واحد فنان لديه إنسانية بيتهوفن وعبقريته ، فنان يـُـترجم فى ألحانه مشاعر الأحياء على شهداء التعصب)) (ص227، 228)
ثـمّ تدفــّـقتْ موسيقى الحركة الثانية من سيمفونية بيتهوفن التاسعة. عينا محب فى عينىْ صديقه باهر. استسلم العقلان واستسلمتْ المشاعر لتغلغل الموسيقى ، وحلــّـقا فوق أجنحة الخيال. تذكــّـر باهر ما قرأه لأحد النقاد ومؤرخى الموسيقى ، من أنّ بيتهوفن فى الحركة الثانية من السيمفونية التاسعة عبـّـر عن أشواق الإنسانية للحرية. بل إنه جسـّـد قداسة الإنسان للحرية. وتمجيده للحظة انتصار الحرية (ص243، 244) من خلال تلك السطور عكس رضوان رؤية الأصدقاء الثلاثة (محب، باهر وصفاء) عن مزج الفن بالألم بالمشاعر الإنسانية. خاصة عندما تختلط تلك المشاعر بعنف بعض البشر المُـعادين للحياة.
تتمركز الرواية حول أربعة شخصيات رئيسية : الدكتور محب ، روحية (الحاضر الغائب) طوال أحداث الرواية ، رغم أنها ماتت مقتولة منذ الصفحات الأولى ، والشخصية الثالثة صفاء ابنة روحية ، والشخصية الرابعة د. باهر صديق محب ، مع وجود شخصيات ثانوية ، ولكنها جاءتْ ضرورية من حيث اشتباكها المؤثر فى أحداث الرواية. كما أنها كانت ضرورية بحيث كان وجودها كالمرآة العاكسة ، حيث أنها هى التعبير عن الاتجاه المُـضاد للشخصيات الأولى ، فإذا كانت الشخصيات الأولى تـُـمثــّـل الحب والتسامح والصفاء والروحانية ، فإنّ الشخصيات النقيض ، تــُـمثــّـل العنف والتطرف والتعصب . وهكذا وضعنا المُـبدع أمام شخصيات مستنيرة، فاعلة تــُـحب الحياة ، بأفكارها الراقية وسلوكها المُـتحضر، فى مواجهة مع من يعتقدون أنهم ما زالوا يعيشون فى عصور الظلمات . وكل ذلك جاء من خلال بنية سردية مُـتوازنة ، مُـتوائمة ومُـتسـّـقة مع سير أحداث الرواية.
ولأنّ قانون الطبيعة والصُـدف القدرية ، تصنع الأساطير من روح البشر، حتى البسطاء ، خاصة الذين يتحرّكون وينفعلون بالصدق (والصدق وحده) ومن بين تلك الصُـدف القدرية ما حدث مع د. محب جرّاح القلب الشهير بمعهد القلب ، التابع لوزارة الصحة ، فى هذه المُـصادفة القدرية التقى محب مع عشقه الأبدى / الأسطورى ، حيث وجد امرأة جالسة تحت شجرة جميز عتيقة وبجوارها لوحة كبيرة من وروق الكرتون الأبيض وعليها كتابة باللون الأحمر، وفيها ((مُـضربة عن الطعام حتى الموت أو انقاذ ابنتى)) وبعد تفاصيل مُـشوّقة نعلم أنّ شابـًـا لا تعرفه روحية هو الذى ترجم مشاعرها وكتب لها اللوحة بعد أنْ سمع حكايتها ، وأنّ موظفة معهد القلب أخبرتها أنّ العملية لابنتها ستكون بعد أربعة عشر شهرًا. حدث ذلك والدكتور محب فى لندن ، فلما عاد وقرأ المكتوب على اللوحة واستمع إلى زملائه الأطباء نقل الطفلة صفاء إلى حجرته وكشف عليها ثـمّ أجرى لها الجراحة اللازمة، ولولا ذلك فإنّ حياة الطفلة كانت مُـعرّضة للخطر، لدرجة فقدان الحياة.
وصفتْ صفاء (بعد أنْ كبرتْ ودخلت كلية الطب) علاقة د. محب بأمها قائلة ((أحبّ أمى الفقيرة المُـعدمة. أحبها لدرجة الجنون والهوس : حب جمع بين الصدق والنــُـبل والعفوية)) وما قالته صفاء كان تلخيصـًـا مُـكثــّـفــًـا لتلك العلاقة : حب ربط بين قلبيْن لشخصيْن غير مُـتكافئيْن فى أشياء كثيرة إلاّ الصدق والنــُـبل والعفوية. قلبان امتلكا شجاعة تحدى ثوابت الزيف ، قلبان صنعا من حبهما أسطورة فى مجتمع خانق وقاتل لأساطير الجمال. صنعا حبـًـا فوق رغبات الجسد ورغما عن طلبات الجسد (الطبيعية والمشروعة) رفضتْ روحية طلب الزواج بإصرار، وكان تبريرها (الوحيد) أنّ هذا الزواج (لو تم) سيُـدمّر علاقة محب مع أولاده ، ورغم ذلك أنجبا (روحية ومحب) حبـًـا خارقــًـا لطبيعة الثوابت والجمود ، ولذلك قالت صفاء ((أنا أعتبر نفسى ابنة هذه الأسطورة الحية الواقعية، التى صنعها النــُـبل وفناء الذات فى الآخر، والتجرد من الأنانية ، ومن كل الأغراض المادية ، ومن كل ما هو زائل)) (ص251)
بعد اجراء الجراحة للطفلة (صفاء) استمرّتْ العلاقة بين محب وروحية، وامتدتْ لعشر سنوات ، ورغم أنها كانت علاقة (روحانية) بكل ما يعنيه مصطلح (روحانية) فإنّ أعداء الحياة صبوا تزمّـتهم وصوّبوا سهامهم نحوها ، فكانت المذبحة بقتل روحية كما جاء فى الصفحات الأولى من الرواية. ولأنّ المُـهاجميْن أحدهما خالد شقيق روحية والثانى عمر ابن محب ، لذلك يتساءل محب : من الذى كتب لنا هذه الحياة ووضع نهايتها ؟ من الذى خطف روح الأبوة وسرق روح الانتماء ؟ من الذى نزع من ابنى عمر وجدانه المصرى ؟ من الذى كتب سيناريو إغتيال البراءة وتسبـّـب فى إغتيال أحلامنا ومستقبلنا ؟ ورغم ما حدث انتقلتْ علاقة الحب الروحانية بين محب وروحية لتكون بين صفاء (ابنة روحية) ومحب .
وكما أنّ علاقة الحب بين محب وروحية هى أقرب إلى الأساطير (لنــُـدرتها وخصوصيتها فى واقع تــُـسيطر عليه خفافيش الظلام) فإنّ المُـبدع جدل تلك العلاقة الأسطورية ، بالأساطير التى سمعتها صفاء فى القرية أثناء طفولتها ، حيث سمعتْ أنّ النعش الذى كان بداخله جسد جدها ، ترك أكتاف الرجال ، وأخذ يرتفع ويرتفع حتى صار أعلى من مآذن مساجد القرية ، ومن أشجارها ، وظلّ يطير وحده فى سماء القرية أكثر من ساعتيْن ، وأهالى القرية يتعجـّـبون ويـُـمصمصون شفاههم ، إلى أنْ حط النعش داخل مدافن القرية ، دون مُـساعدة من أحد . عندئذ تسابق الأهالى حول النعش ، ليُـملــّـسوا عليه بكفوفهم التى تنتقل إلى وجوههم ، وفجأة يطير النعش من جديد ، ثـمّ يحط عند شجرة (أم الشعور) يجرى الأهالى وهم يتخبـّـطون ، تحلــّـقوا حول النعش ، تمتد الأيادى من جديد للتبرك.. إلخ ورغم أنّ صفاء سمعتْ تلك الحكاية كثيرًا من جدتها ومن الجيران ، فإنّ عقلها يرفض تصديق ما حدث ، بينما وجدانها يـُـخاطبها بأنّ الخيال – أحيانــًـا – يكون أكثر صدقــًـا من أحكام العقل.
وفى محور مهم من محاور الرواية ، ضفــّـر المُـبدع أحداث الرواية بالموروث الشعبى ، وعلاقة ذلك الموروث بالحضارة المصرية ، حيث يكتب على لسان الفلاحين الشهور المصرية وفقــًـا للتقويم المصرى ، حيث يقول الفلاحون ((فى برمهات روح الغيط وهات)) وصفاء تجلس أمام عشيقها (النيل) فتشعر بنسيم (هاتور) المُـنعش يـُـداعب شعرها.. وفى مشهد آخر ((باغتتها أمطار طوبة وبرودته)) وعندما غضبتْ الجدة من حفيدها سيف (المُـتعصب) : ((زعببتْ الجدة زى يوم من أيام أمشير كله تراب يعمى العيون))
كانت صفاء – بعد إغتيال أمها على يد خالها – تجلس أمام النيل لتغسل همومها ، وتتخلــّـص من صراعها النفسى ، حيث رفضتْ الاعتراف أو مجرد الاشارة إلى خالها عندما طلب وكيل النيابة الاستماع إلى رأيها فيما حدث ، وهو ما فعله – أيضـًـا – د. محب الذى رفض الاعتراف أو الاشارة إلى ابنه. فى نهاية الرواية ذهب محب وصفاء إلى جنوب مصر، حيث آثار الأجداد ، ذهبا (زوج وزوجة بوثيقة رسمية/ شرعية) وأب وابنته فى الواقع ، وكما كان النيل يشهد جلساتهما فى القاهرة ، كذلك شهد جلساتهما فى جنوب الوادى ، ولعلّ الكاتب قصد بتلك النهاية الاشارة – بلغة الفن الروائى وبأسلوب الايحاء – إلى أنّ المصريين القدماء جعلوا من النيل رمزًا للحياة والخصوبة وأطلقوا عليه اسم (حابى) وبسبب النيل تغيـّـرتْ طبيعة التربة المصرية ، فكانت الزراعة ، والزراعة أنتجتْ كل أشكال البهجة من رقص وغناء ، كأنما أراد الكاتب التأكيد على أنّ الجوهر الكامن داخل الشخصية المصرية ، سيظل فى مُـقاومته لكل أشكال الفناء .
***



#هدى_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة لديواني الشاعر مدحت منير والشاعر حاتم مرعي
- النقد القصصي عند الدكتور محمد مندور في كتابه النقدي (نماذج ب ...
- قراءة نقدية في قصص مختارة لهدى توفيق
- النساء في المناطق المهمشة تطبيقا على واقع بني سويف
- قصة للأطفال للكاتبة هدى توفيق بعنوان هناء وشيرين
- قراءة في مجموعة قصصية للكاتبة هدى توفيق بعنوان (كهف البطء)
- قراءة في مجموعة قصصية للكاتبة هدى توفيق بعنوان (مذاق الدهشة ...
- زغرودة تبطل مفعول قنبلة قصة قصيرة
- قصة قصيرة بعنوان السلام يعم الغابة
- فأر الذاكرة الذي ابهجني وأبكاني في كأنه يعيش
- مفتاح الفردوس في رواية صانع المفاتيح
- شخص كان هنا أم محكيتان عن الجدة هو المسمى الأفضل
- تغريدة الشجن والحب والموت
- الجانب المعرفي في رواية دموع الإبل
- متعة القراءة بالعامية في النص الروائي
- دراما السياسة وفيولا في رواية فيوليت والبكباش
- التباين في الخط السردي في رواية خمس نجوم
- نصف ضوء وعالم النساء المهمش
- مفردة التخييل بين الفن والمصادرة
- أصوات الواحة التي ألهمتني


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - السيمفونية التي أبدعت أسطورة حب عصرية