|
من أجل الربيع المصري القادم
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 5195 - 2016 / 6 / 16 - 17:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم أن "الثورة" لم تكن يوماً في تاريخ الشعوب أمراً مخططاً له إجمالاً أو تفصيلاً، إلا أن الفارق شاسع بين ما يمكن تسميته "هوجة" أو "فوضى"، وبين ما يستحق تسميته "ثورة". فالثورة Revolution قلب لأوضاع قائمة مرفوضة، لتحل محلها أوضاع أخرى مرغوبة، لذا فإن أي تحرك جماهيري يؤدي فقط إلى هدم القائم المرفوض، دون أن يتبعه ولو بعد حين (قد يطول أو يقصر) التأسيس لبناء جديد أرقى حضارياً، وأكثر قدرة على تلبية تطلعات الجماهير التي قامت بالثورة، لن يستحق هذا التحرك تسمية "ثورة". وإذا كان الشق أو المرحلة الأولى من "الثورة" عملاً جماهيرياً يبدأ عفوياً، والأغلب أن تستمر العفوية وغياب التخطيط فيه أغلب الوقت، فإن الشق الآخر أو المرحلة الثانية التي يتم خلالها تأسيس الواقع الجديد لابد وأن تستند لمقومات مادية ومعنوية يفترض أن تكون موجودة في أرض الواقع، وكانت تنتظر التخفف من هيمنة النظام القديم، لتتمكن من الفاعلية والتحقق. يأتي بنا هذا إلى البحث في هذه المقومات، التي تقوم عليها عملية التغيير الجذري الشامل في المجتمعات ومؤسساتها، وليس مجرد عمليات إصلاح جزئي لا تحتاج للثوارت بتكاليفها المجتمعية والاقتصادية الباهظة. تقوم المؤسسات صغيرها وكبيرها على أربعة عناصر: المقومات المادية hardware- النظام system (القواعد والإجراءات المحددة للعلاقات وأساليب العمل)- العنصر البشري (بمؤهلاته المهنية والشخصية) human resources- الفكر software الذي يهيمن على إدارة العمل بسائر مستوياته. تحتاج هذه العناصر الأربعة لكي تعمل معاً بطريقة صحيحة لأن تكون متوافقة compatible. في معرض التغيير الجذري وليس مجرد التحسين، يحتاج الأمر لتغيير متواز ومتوافق في العناصر الأربعة معاً. فتقوية أو تغيير عنصر واحد أو أكثر مع بقاء عنصر أو أكثر لم يمسه التغيير لن يؤدي في أغلب الأحوال للنتائج المطلوبة. ليس فقط لضعف تأثير عنصر واحد مستجد على ثلاثة عناصر باقية على حالها، بما يشكل افتراضاً غير دقيق بأن نسبة تغيير واحد مقابل ثلاثة تشكل 25% من حجم التغيير المطلوب، ولكن لأهمية التوافق compatibility بين العناصر الأربعة مع بعضها البعض. فالفكر software الجديد مثلاً لإدارة المؤسسة أو الدولة، لن يعمل في ظل بقاء العناصر الثلاثة الأخرى غير المتوافقة معه على حالها، وسيظل في هذه الحالة مجرد كلام إنشائي غير مفعل عملياً. ولقد اختبر كاتب هذه السطور في حياته العملية في شركة قطاع عام هذا الأمر، حيث حاول رئيس الشركة القفز بأدائها عبر تغيير عنصر واحد وهو النظام system (القواعد والإجراءات المحددة للعلاقات وأساليب العمل)، وذلك بالحصول على شهادة الأيزو ISO، والتي تعيد ترتيب القواعد والإجراءات المحددة للعلاقات وأساليب العمل وفق أحدث نظم الإدارة، وهو نظام الجودة الشاملة Total Quality، بالطبع مع بقاء العناصر الثلاثة الأخرى على حالها، وأخطرها كل من العنصر البشري human resources والفكر software. كانت النتيجة رغم حصول الشركة بالفعل على شهادة الأيزو ISO باعتماد من شركة عالمية متخصصة هي صفر كبير، وبقيت نظم الأيزو المفروضة مجرد أوراق يتم تلفيقها على عجل، قبيل كل تفتيش دوري من الشركة المعتمدة للشهادة، وظلت النظم والقواعد القديمة هي المطبقة فعلياً على أرض الواقع، تحت حراسة ورعاية كل من العنصر البشري human resources المتخلف، والفكر software الأشد تخلفاً. الحماسة إذن والشعارات والصراخ والمظاهرات قد تقلب أو تهدم نظاماً، لكنها غير قادرة على تأسيس واقع جديد أكثر تحضراً. فالجديد المأمول إن لم تتوفر مقوماته لن نناله أبداً، وهي تلك العناصر الأربعة التي لابد أن تتغير معاً، لتكون متوافقة compatible ومن ثم قادرة على العمل المتناغم. نقول هذا تنبيهاً وتحسباً لتطلعات المستقبل، لأن الربيع المصري في 2011 في سعيه للتغيير لم يتخلص فقط من بعض من العناصر الأربعة سابقة الذكر، لتحل محلها عناصر جيدة منفردة، وترك بقية العناصر على حالها ففشل التغيير، ولكن ما حدث هو أننا وضعنا رموز النظام القديم في السجن، وأتينا أولاً عبر انتخابات ديموقراطية برموز جديدة من أهل التقوى والورع الديني، والذين ربما يعرفون فقط وحصرياً معالم الطريق إلى جنة الخلد في الحياة الآخرة، ثم استبدلناهم عبر ثورة أخرى، أتت بمن ربما قد نثق فقط وحصرياً في مقدرتهم على قيادة الدبابات وإطلاق الصواريخ وتحريك الأساطيل والطائرات في أزمنة الحرب. وكلا التغييرين ببساطة كان تغييراً لعنصر واحد هو العنصر البشري human resources، وتصادف لسوء الحظ أن كان التغير للأسوأ وليس للأفضل!!
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إني أختنق
-
التعثر في دنيا التابوهات
-
صهيونية إسرائيل
-
مصر وريادة السلام
-
مع مفهوم -أمن الدولة-
-
خربشات على جدار الوطن
-
نقابة الصحفيين بين السلطة الرابعة والبلطجة
-
إذا ما أطفأت تركيا الشمس
-
بداية السقوط
-
بين العاطفة والعقلانية
-
حالة ميؤوس منها
-
ما أظنها حقائق حول قضية جزيرتي تيران وصنافير
-
تنويعات على لحن السيادة المفقودة
-
حالة الاحتقان المصرية
-
مصر تبيع الترماي
-
تجديف في المتاهة
-
شذرات عشوائية
-
عفواً د. سعد الدين إبراهيم. . من فمك أدينك!!
-
العولمة ونهاية التاريخ
-
فاتنتي والمستحيل- قصة قصيرة
المزيد.....
-
قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا
...
-
أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق
...
-
الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي
...
-
موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق
...
-
الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام
...
-
السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC
...
-
بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى
...
-
كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول
...
-
واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ
...
-
البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|