أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - غادة أحمد كمال - المسافة بيننا وبين مُلّاك صُحكوك الجنّة














المزيد.....

المسافة بيننا وبين مُلّاك صُحكوك الجنّة


غادة أحمد كمال

الحوار المتمدن-العدد: 5195 - 2016 / 6 / 16 - 09:36
المحور: حقوق الانسان
    


كان يسبقُني بخطوات كعادته حين يجبره موقف ما للخروج معي، وعادةً ما تكون زيارة لطبيب، هو رجل اعتاد أن يتجنب السير مع النساء، والحديث العميق أو المنطقي مع النساء، فهو لا يرى فيهنّ أكثر من خادمات ومُربيات، ومَن خرجت منهن للعمل ـ لغير ظرفٍ يستدعي ذلك! ـ فهي حتمًا تشاركه ـ دون وجه حق ـ حقه في التعيين في وظيفة. ربما يستغرب القارئ لهذا الرجل وربما يجد نسخًا مُكررة عنه في مُحيطه، وإن كان هذا يُبدي آراءه وهناك مَن يُخفيها أو يُجمّلها، مُبررًا بأنها ملكة والملكات لا يعملن، ولا يُجهدن أنفسهن بأعباء لا تتناسب ورقتهنّ.. ههه سقطتُ بين يديك؛ فالتقطني !
ليست المرأة وحدها مَن وقّع الجلادون على ظهرها بسياطهم، ووشمت القيود معصميها، بل الإنسان أكل وشرب ظُلمًا وعنفًا وتنابُذًا وطائفية وتنكُّرا، إن لم يكن بيد السلطة فبيد إخوانه ومَن يعيشون معه، أرى ذلك التعصب في مباريات كرة القدم، أراه في البيت بين أفراد الأسرة الواحدة، عايشتها في مدرجات الجامعة حين كان يُشير بعض المُعلمين للطلبة أن اصمتوا، واسمعوني فوحدي أعلم وأنتم جاهلون، عايشتها في علاقة الأب بأبنائه، والأخ الأكبر مع الأصغر، والولد مع البنت. رأيي وحده صواب، وسأدافع عنه بشراسة وسأنبذكم وأحتقركم إن خالفتموني أو أفرض عليكم رأيي بالقوة ـ إن مَلَكها ـ!
هنا يتداعى الصمت ويرتفع صوت الآذان: الله أكبر، فأتذكّر، يمرُّ الشريط طويلًا ثقيلا، هنا ذبحوه وكبّروا، هنا حكموا عليه بالنفي، بالقتل، بالإقصاءِ وكبّروا، هنا استباحوا عرضه وبيته ودمه وكبّروا. هنا العراق، سوريا، ليبيا، مصر، اليمن ...........إلخ، هنا يُقتَل الإنسان، يُنبذ الإنسان فقط لأنه يتكلّم. لأنه يفكر. لأنه يتساءل عن خبزه اليوميّ! أين نعيش؟ وبأي عقلٍ نعيش؟
يُعاني الإنسان ما شاءت له المُعاناة إلا أنّه لن يضع قدمَه على أرض الخلاص إلا بالوعي؛ فاضرب بفأسك حتى العمق، واسأل، لا تخشَ ولا يُرهبنّك مَن ادّعوا أنهم مُلّاك صكوك الجنة، ومَن توهّموا أنهم حَمَلة ألوية الدفاع عن الله، فالله ـ جل شأنه ـ غنيٌّ عن المحامين. ثمّة أقوال وأحكام لفرط ما اعتدتُ سماعها ظننتُها الحقيقة! لذا عليك أن تواجهها، بالعلم، وليس التعليم الذي نُلقّن فيه الإجابات المُعلّبة الجاهزة، السؤال وحده فِعل استمرار، حياة، والإجابة تعني النهاية، الجمود والموت.. ثمّة سُبل كثيرة، إحداها القراءة؛ اقْرأ كثيرًا، بل اقرأ أي شيء وكل شيء يقابلك، فكما يقول العقاد: "ليس هناك كتاب أقرأه ولا أستفيد منه شيئًا جديدًا، فحتى الكتاب التافه أستفيد من قراءته، أنّي تعلّمتُ شيئًا جديدًا، هو: ما هي التفاهة؟ وكيف يكتب الكُتّاب التافهون؟ وفيم يُفكّرون؟"؛ فالقراءة فعل حيّ في مقابل الجمود الذي نحياه، أن تقرأ يعني أن تفتح أفقَا واسعة أمام عينيك، أن ترى أنك لست وحدك في هذا الكون وليست اعتقاداتك وحدها الموجودة، سترى الآخر ومن ثمّ تتساءل: أنا أم هو الذي على صواب؟! ستتراءى لك الحقيقة بعيدة وسُبُلها طويلة وممتدّة وذات شجون، ستشعر بالوحدة أحيانًا وبالتيه أحيانًا أخرى، لكن ستستمتع بالتورط أكثر. شرط أن تترك كل ما بيدك وما بعقلك خارجك!
يقول أدونيس: "التمييز بين الإنسان وآرائه دليلٌ على حسٍّ رفيع، إنسانيًّا، وفكريًّا، فمهما كان الاعتراض على الآراء قويًّا وقاطعًا، يجب احترام أصحابها، في إنسانيتهم، وفي حريتهم، وفي حقهم بتبنّي الأفكار التي تخالف أفكارنا. ويجب أن ندافع عنهم إنسانيًّا فيما نخالف أفكارهم ثقافيًّا". إذن تقبُّل الرأي الآخر والقراءة بنقد وتمحيص ورؤية ثاقبة تُنحي العواطف جانبًا إن شئت لتفسح المجال أمام حرية العقل وتساؤلاته هي أهم ما نحتاجه الآن. وسَلْ نفسك على الدوام: هل أفكاري هي أنا؟ أم أنها موروثة ومُلقّنة؟! هذا سؤال لابد من الوقوف عنده، هل أقدس كل ما وصلني عن الأقدمين؟ أم آخذ منه وأترك، هل أتبع كل فكرة جديدة دون إعادة النظر فيها خشية اتهامي بالجمود وعدم العصرية؟ أم أمرر كل شيء على عقلي أولًا ووحده الذي يقضي في الأمور؟ كل هذه الأسئلة يجب أن تسألها لنفسك كي تحدد عُمر عقلك ؟ أين تقف من كل هذا الدمار والخراب الفكري والثقافي الذي يموج من تحت أقدامنا؟! الصورة لن تكون قاتمة أبدًا مادام السؤال يعيشُ فينا، ومادام هناك مَن يُفكّر ويُبدع وأظننا لم نحرمهم والأرض مازالت تصرخ. وأختم بقولٍ ألقاه هوسرل في محاضرةٍ له في فيينا حول مستقبل أوروبا، قال فيها ما خُلاصته: ليس لأوروبا إلا مخرجان، إمّا أن تزول ـ مغتربةً عن معناها العقلانيّ الخاص، غارقةً في البربريّة وفي كراهية الفكرـ، وإما أنها ستُولَد بفضل بطولة العقل". وهو تحديدًا ما نحنُ بحاجةٍ إليه.



#غادة_أحمد_كمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...
- اعتقال عشرات الطلاب الداعمين لفلسطين من جامعة كولومبيا الأمي ...
- استياء عربي من رفض أميركا عضوية فلسطين بالأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - غادة أحمد كمال - المسافة بيننا وبين مُلّاك صُحكوك الجنّة