أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (1)















المزيد.....


مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (1)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5193 - 2016 / 6 / 14 - 23:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



من بين الكتب التى اهتمّ الراحل الجليل بيومى قنديل بترجمتها كتاب (مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة) تأليف عالم المصريات الكندى (دونالد ريد فورد) والكتاب (فى طبعته الأولى) صدر عن المجلس الأعلى للثقافة- عام 2004، ثـمّ أعيد طبعه عام 2014. كما صدرتْ طبعة أخرى عن مشروع مكتبة الأسرة فى نفس العام.
فى المقدمة كتب قنديل أنّ (ريد فورد) يعد أحد أعظم علماء المصريات فى النصف الأخير من القرن العشرين ، ومعرفته بمصر وثيقة ، حيث ترأس مشروع معبد أخناتون فى الفترة من 1965حتى 1975، وهو المشروع الذى انتهى بعد مجهود جبار إلى إعادة بناء معابد أخناتون الأربعة : قرص الشمس اهتدينا إليه ، بيت حجر البين – بن ، ثابتة تلك هى آثار قرص الشمس إلى الأبد ومبجلة تلك هى آثار قرص الشمس إلى الأبد نظريًـا ، أى عبـْـر تصوير كتل (التلاتات) كما كان (ريد فورد) أحد ثمانية علماء قـدّموا لمؤتمر المصريات الدولى الثامن الذى انعقد فى القاهرة فى الفترة من 28 مارس/ برمهات إلى 3 إبريل/ برمودة سنة 2000، عن انجازات علم المصريات خلال القرن العشرين. كما أشرف (ريد فورد) بصفته رئيسًـا للتحرير على (موسوعة أوكسفورد لمصر القديمة)
فى الفصل التمهيدى كتب (ريد فورد) أنّ الصحراء الغربية الشاسعة جذبتْ سكان (وادى النيل) نحو الشمس ، حيث تموت هناك ، مع مراعاة أنّ الشمس ((مذكر فى اللغة المصرية القديمة)) ففى الصحراء الغربية توجد ((مملكة الموتى)) فى الغرب ، وأصبحتْ كلمة (الغربى) كناية رقيقة عن (الميت) وانفصلت الجبانات عن الأحياء .
وذكر أنّ النصوص المصرية المُـدوّنة بعد سنة 3000 ق. م عندما وصفتْ المدن الفلسطينية أطلقتْ عليها اسم (وونوت) وتعنى (الأحواش المُـحصّـنة) وبينما تقوم التحصينات بحماية الإنسان من خطر الحيوانات المفترسة ، إلاّ أنّ حجم أسوار أريحا يتعذر فهمه ، إلاّ أنْ يكون دفاعـًـا ضد الأخطار التى تــُـشكلها تجمعات بشرية أخرى.. وذكر أنّ مصر لم تشترك مع فلسطين (على المستوى الثقافى) إلاّ فى أقل القليل خلال الشطر الأقدم من العصر الحجرى الحديث ، حيث يبدو أنّ هناك نوعـًـا من عبادة الأسلاف ، تقوم عليه أدلة من الألف السابع ق. م ويتجلى فى العبادة الغامضة للجماجم.
وذكر أنه بفحص السجل الحالى للقرون الخمسة عشر (الأولى) من الحضارة المصرية ، بأشكالها البسيطة إلى الأكثر تعقيدًا ، فإنّ المرء ((سوف يـُـذهله السكون الأولى للحضارة المصرية طوال القرون الاثنى عشر الأولى ، ثم التسارع المثير فى القرون التالية فى التطور المجتمعى ، الذى يقذفنا بقوة وبصورة مفاجئة فى قلب أكثر الدول المعاصرة تركيبًـا ورقيـًـا .
وعقد مقارنة بين فلسطين ومصر، فذكر أنّ الوضع فى فلسطين كان مناقضًـا لما عليه الحال فى مصر، ورغم مشاركة المجتمع الإنسانى فى فلسطين لنظيره فى مصر، فى أساس واحد هو القرية الزراعية ، فإنّ المجتمع الفلسطينى لم يستطع مشاركة المجتمع المصرى فى التطور المستمر إلى كيان أكبر، وبالتالى لم يمر على خاطره ((مفهوم الدولة القومية)) (ص40، 41)
وبلغة العلم كتب (ريد فورد) أنّ المحاولات الأولى للكتابة فى وداى دجلة ربما تكون قد أمـدّتْ سكان وادى النيل بمفهوم ما ، إلاّ أنها لم تؤثر بحال من الأحوال على نشوء الكتابة الهيروغليفية (ص44)
وكتب أنه من الصعب أنْ نتصوّر كيف يتأتى لحرفة متخصصة مثل معمار الطوب الأخضر الذى عرفته الفترة الجزرية ، أنْ تفد (تلك الحرفة) إلى مصر على أيدى أى شخص لم تقع عيناه على هذا الأسلوب المعمارى فى موطنه فى وادى دجلة والفرات... ونفس الشىء ينطبق على ما أبدعه المصريون فيما يتعلق بالزى وطريقة تصفيف الشعر.. إلخ. وإذا كان البعض يرى أنّ سكان دجلة والفرات تمتــّـعوا بنفس الثقافة (المادية) فى مصر، فإنّ العجب يتملك المرء (إزاء ما حدث) وطرحه فى سؤال : إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا جذبهم وادى النيل ؟ (ص45)
وذكر (ريد فورد) أنّ المصريين أطلقوا على الآسيويين الغزاة أسماء من واقع ما كانوا يرتدونه مثل (صديرى من الجلد) ونتيجة للعداء ضد مصر، وغزواتهم المُـتكرّرة ، لذلك أطلق المصريون عليهم ((الآسيويين المتوحشين)) (ص64)
وذكر أنه كان من الطبيعى أنْ تجتذب فلسطين وسيناء أنظار المصريين ، والشواهد الآثارية التى نجتْ من عوادى الزمن ، تــُـشير على نحو شديد البروز إلى منطقة سيناء الجنوبية الغنية بالفيروز والنحاس ، حيث أنفق المصريون على امتداد ما يقرب من ألفىْ سنة ، اعتبارًا من نهاية الربع الأول للألف الثالث ق. م طاقات هائلة فى التعدين ونقل هذه المعادن.. وتــُـغطى حوائط هذا الوادى لوحات مهيبة منحوتة فى الصخور الحية كى تــُـذيع الحقيقة التى تقول ((إنّ الإله الكامل " سى – نفرو- أو- ساجو- رع " قد أخضع كل البلدان الأجنبية. وقهر كل رجال آسيا المتوحشين)) واختتم (ريد فورد) هذه الفقرة قائلا أنّ كل الدلائل تــُـشير إلى أنّ ((مصر لن تسمح بأى تدخل يـُـعرقل عملياتها التعدينية)) (67)
وأشار إلى وجود أسطول بحرى مصرى أثناء حكم الملك (خع – سيخيم – وى) وهو أقدم ملك مصرى تـمّ العثور على اسمه فى (بيبلوس) على الساحل الفينيقى (ص70) ويرى كثيرون من علماء الآثار أنّ (بيبلوس) هى لبنان حاليـًـا .
وذكر (ريد فورد) أنّ المصريين (رغم كفاءتهم العالية فى صناعة السفن) تعلــّـموا من أبناء بيبلوس أساليب جديدة عن هذه الصناعة. واعترف المصريون بالدين الذى فى أعناقهم. ولكن بيبلوس – بالمقابل – كسبتْ الكثير من مصر فى ظل المملكة القديمة فى حقل تكنولوجيا الهندسة والتصنيع ، فقد كانت الثورة التكنولوجية المصرية غاية فى السرعة والشمول خلال عصر بناة الأهرام.. وقد اعترف أحد أمراء بيبلوس ، فيما ورد فى قصة مأثورة ، لمبعوث مصرى حيث قال له ((لقد خلق آمون – ملك الأرباب فى المملكة الحديثة – كل البلدان ، ولكنه لم يخلقها إلاّ بعد أنْ خلق مصر التى جئتَ منها ، وقد انتقلتْ المهارات التكنولوجية من هناك (= مصر) حيث أقف الآن (فى بيبلوس = لبنان) كما أفسح المجمع الإلهى الفينيقى مكانـًـا بارزًا للإله المصرى (توت) بصفته إله الكتابة عند المصريين (ص72)
وشرح (ريد فورد) كيف انتقلتْ التكنولوجيا المصرية إلى بيبلوس (وذلك بفضل عمليات التنقيب) حيث ظهرتْ أساليب مُـعينة فى فن البناء مُستقاة من مصر، فى معمار المعابد فى بيبلوس خلال الألف الثالث ق. م ، كما كيـّـف البيبليون موتيفات مصرية مثل أفاريز (جمع إفريز) الحيات الناشرة للاحتياجات المحلية. وأضاف ((وجدير بالذكر أنّ العلاقات الوطيدة التى أقامتها مصر مع بيبلوس (لبنان حاليـًـا) لم تنجم عن غزو مسلح ، ولكنها ارتكزتْ على المصلحة الذاتية المُستنيرة والاحترام المتبادل)) (ص73)
وكتب فى تأكيد على عمق العلاقة بين الشعبيْن المصرى واللبنانى ((... وكان الأمراء البيبليون (على النقيض من حكام المشرق الآخرين) مفتونين بمصر التى خطبتْ ودهم إلى الحد الذى جاهدوا فى وقت لاحق كى يبدوا (عشاقــًـا) لمصر، وتباهوا بقدرتهم على حفر النقوش بالخط الهيروغليفى)) (ص74)
وفى بيبلوس فإنّ الآثار أمـدّتْ الباحثين بأدلة عديدة عن وجود (بعلات) أى سيدة المدينة التى تقف بكل جلاء كأقوى أعضاء المجمع الإلهى المحلى ، وينطوى لقبها الشائع على (عشتارت) وقد تحوّلتْ – بموجب الاستعمال المصرى إلى (حتحور) إلاّ أنه يصعب بدرجة أكبر تعيين شخصية وليفها (بعل) المحلى ، وعلى أى حال فقد طابق المصريون بينه وبين إلههم (شا – حر- إف) الذى يتخذ هيئة تمساح ، وقرنه اليونانيون بعد ذلك بألفىْ سنة ب (هرقل) أو هيراكليس.. وبمرور القرون شاعتْ كلمة شعبية تعنى (سيد) أى (أدون) التى صيغ منها الاسم الكلاسيكى (أدونيس) (ص77)
تلقى الملك (ميرى – كا – رع) فى القرن 21 ق.م نصيحة من والده بأنْ يسهر على رعاية بنى الإنسان (حملان الآلهة) لأنّ الإله الخالق صنع السماء والأرض وفق ما يشتهى البشر. وخلق نسيم الحياة ليتنفسوه.. وأنهم خرجوا من صلبه على صورته (ريد فورد – ص79- وذكر مصادره من البرديات والجداريات)
ومن خلال دراسته للبرديات المصرية ، فإنّ (ريد فورد) كتب أنّ المملكة القديمة كانت تضم قوائم الألقاب والمناصب التى تـمّ العثور عليها فى النقوش.. واستنادًا إلى هذه القوائم تبيـّـن وجود ((هيئة مدنية ضخمة.. وبعد الملك مباشرة يأتى من ينوب عنه وهو يشبه الوزير الأكبر أو رئيس الوزراء (بلغة عصرنا) الذى يتولى مسئولية كافة المصالح.. وكان هناك ما يمكن لنا أنْ ندعوه بوزارتىْ الزراعة والثروة الحيوانية.. ووزارة الخزانة التى تضم (البيت) المزدوج للذهب والفضة.. ووزارة الدفاع أو (بيت السلاح) بالإضافة إلى طاقم السكرتارية مع أرشيفات مستقلة (بيت الدفاتر والمراسم) إلى جانب عدد من المكاتب الأخرى والهيئات.. إلخ (ص83)
وذكر أنه كان فى مصر القديمة هيئة أشبه بوزارة الأشغال فى العصر الحديث ، وكانت الجموع التى تقوم بأعمال غير ماهرة فى مشاريع التشييد ، تخدم فى أربعة أقسام ، كل قسم منها يعمل طوال ثلاثة شهور فى السنة ، وهو الأمر الذى يسمح ، بالتالى للشطر الأعظم من الفلاحين أنْ يعودوا إلى غيطانهم كى يقوموا بأعمال الحراثة والبذر والحصاد.. وخلال العمل لصالح الحكومة ، كانت قوة العمل تلك ، تــُـمنح المسكن والمأكل والملبس على نفقة الدولة. ووفــّـرتْ الوثائق أدلة تــُـشير إلى أنّ هؤلاء العمال كانوا يتلقون – أيضًـا – خدمات طبية. وكانت معايير النجاح فى مشاريع التشييد تتمثــّـل فى السرعة والإتقان (ص83)
وذكر (ريد فورد) أنه كان لمصر تأثير المغناطيس على جيرانها فى سائر العصور.. خاصة فيما يتعلق باستقرار مصر فى الزراعة وانتاج مصر الوفير من الحبوب.. ووفرتها الزائدة والثراء الذى تتمتع به مصر فى مخزوناتها من الأسماك والطيور والحيوانات.. لذلك كان جيران مصر من الآسيويين يفضلون العيش فى مصر على أنْ يموتوا من الجوع ((فى سهوب آسيا الجرداء)) سواء أكان الإنسان قد نزح بمحض إرادته أو باعه شيخ قريته، أو وقع فى الأسر.. ولكل ذلك كان الآسيويون يفضلون العيش فى مصر (ص85، 86)
ورغم حـُـسن معاملة المصريين لكل الغرباء ، فإنّ الآسويين أساءوا السلوك.. وكانوا يشنون الغارات ضد مصر. وعنئذ كان ملوك مصر يقومون بحملات تأديب للآسيويين الذين يقيمون على الجانب الآخر للرمال.. ونقل (ريد فورد) نص البردية التى يحكى فيها القائد المصرى (وينى) فى عهد الملك (بيبى الأول) من الأسرة السادسة، وفى البردية وصف دقيق لتك الحملة العسكرية.. وعودة الجيش المصرى سالمًـا بعد تأديب الآسويين (ص87)
وذكر أنّ أدب الحكيم والشاعر (إيبور) ينتمى إلى (أدب الرثاء المصرى) الذى اكتسب شيوعـًـا فى المملكة الوسيطة.. وفى إحدى المقطوعات الأدبية فإنها تتكوّن من مناجاة ذاتية طويلة ، يقوم بها رجل حكيم هو (إيبو- وير) فى شكل شعرى ، وتصف تلك المقطوعة الشعرية الحالة التى آلت إليها البلاد فى ظل الآلام التى أعقبتْ الفوضى والثورة.. وقرب نهاية المقطوعة يـُـحوّل الشاعر غضبه ضد السيد الأبدى (الإله الشمسى) الذى يبدو أنه إنما كان يتوجه بخطابه إليه ، ويـُـنهى مقطوعته بنقد لاذع يستهدف موقف اللامبالاة الذى يتخذه ((الإله القدير)) (ص108، 109)
وكان من بين الانتقادات التى وجـّـهها الحكيم (إيبو- وير) ضد الملك (الفرعون وفق الديانة العبرية بشعبها الثلاث : اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) وضد الآلهة أنّ البدو ((يقفون على أحوال مصر.. مصر التى حظيتْ فى يوم من الأيام باحترام كافة الشعوب الأجنبية)) (ريد فورد – 109)
وكتب (ريد فورد) أنّ الأثرى والباحث فى الكتاب المقدس (دبليو- إف – أولبرايت) ذهب إلى أنّ ((فراعنة الأسرة الثانية عشرة طمحوا إلى ، وفى غالب الأحيان بسطوا سيادتهم المطلقة على فلسطين وفينيقيا ومدوا نفوذهم بعيدًا إلى (أوجاريت) و(قطنة) (ص126)
وذكر (ريد فورد) أنّ معظم أراضى فلسطين وجنوب سوريا كانت موطنــًـا للرعاة البدو الذين يتجوّلون حول التلال التى تخلــّـفتْ عن الدمار الذى لحق بتلك المدن منذ مطلع العصر البرونزى دون أنْ يفكروا (مرة واحدة) فى الاستيطان المستقر.. ووُجد فى قبورهم أبطال مزودون بخناجر كى يستخدموها فى الدفاع عن أنفسهم فى العالم الآخر (ص133)
وفى رحلة الغربة التى قام بها المصرى (سنوهى) إلى آسيا (وكتب مذكراته التى تــُـعتبر أول مذكرات فى العالم عن رحلة خارج الوطن) فى هذه المذكرات ذكر (سنوهى) مشاهداته عن أحوال البدو الآسيويين.. وأنهم كانوا يغزون بعضهم البعض.. وكانوا يدفنون موتاهم فى جلود الأغنام.. وتقبرهم مقابر سطحية يحيط بها سور واطىء.. وهذه العادة كان المصريون يبغضونها (ص137)
وعن علاقة مصر بلبنان (بيبلوس) فى الزمن القديم كتب عالم المصريات الكندى (ريد فورد) أنه من خلال الوثائق ترسّـختْ لدى الباحثين حقيقة واضحة وهى أنّ فلسطين وسوريا الجنوبية دخلتا بصورة نهائية فى نطاق الدويلات المولعة بالحرب ، وبالتالى انساقتا إلى تبنى موقف أشد عدوانية تجاه مصر، بينما بيبلوس تمتــّـعتْ بعلاقات ودية مع مصر لألف وخمسمائة سنة. ونجد بيبلوس فى سنة 2000 ق. م على وجه التقريب قد انضمتْ إلى مقاطعات الأسرة المصرية الثالثة العظيمة فى (أور) ولا تزال سلسلة من المقابر المنحوتة فى الصخور، تــُـتحفنا بأدوات جنائزية مصنعة، تــُـفيد (وهو ما يبعث على الدهشة) بأنّ حكام بيبلوس التسعة (أصحاب المقابر التسعة) اختاروا أنْ يحتفلوا بذكراهم بالتدوين ، باستخدام القلم الهيروغليفى الذى انبثق على ضفاف النيل.. كما ظهرتْ أسماء الآلهة المصرية وألقابها فى تلك النقوش.. وينهض دليل قوى على وجود ترنيمة مصرية.. وحتى الجداريات مصرية الطابع وجدتْ من الفنيين فى بيبلوس من يحاول نحت مثيلاتها (مصدر سابق - ص149)
كما أنّ حكام بيبلوس (لبنان حاليـًـا) أطلقوا على وضعهم السياسى (إيرى – راعت) و(حاتى – عا) وترجمتها (الأمير الوراثى) و(النبيل) فهل كان لزامًـا على حكام بيبلوس التوجه إلى بلاط الملك المصرى (الفرعون وفق الديانة العبرية بشعبها الثلاث) كى يجتازوا إجراءات رسمية لإضفاء هذا اللقب عليهم ؟ أم أنهم لم يفعلوا سوى استعارة المصطلح / اللقب ؟ (المصدر السابق – ص149)
وعن أصل الهكسوس أشار (ريد فورد) إلى ما ذكره (يوسيفوس) إلى أنّ البعض أطلق عليهم (العرب) وهذا قول ليس عصيـًـا على التفسير، كما كان المظنون من قبل ، فالاسم مشتق وحسب من الاستخدام المستمر لبلاد العرب عند الكــُـتاب الكلاسيكيين للدلالة على الأقاليم الأكثر قربـًـا للحدود الشرقية، التى كانت معروفة خلال العصور المصرية بصفة عمومية باسم (البلاد الشمالية) وعلى وجه التحديد فلسطين وسوريا.. وأشار (يوسيفوس) الذى يتحدث بصفته (يهوديـًـا) إلى الهكسوس باعتبارهم ((أسلافه)) (مصدر سابق – 164)
وشرح (ريد فورد) بالتفصل محاولات البعض حول أصل الهكسوس ، فذهبتْ آراء تقول أنهم من آسيا الوسطى مُـشيرين إلى الحيثيين.. وبعضهم نسب إليهم الزعم الكاذب بأنهم هم أول من استخدموا الحصان والعجلة الحربية، وعزّزوا اجتهادهم بالقول أنّ الهكسوس ليسوا سوى عناصر (هندو/ أوروبية) وهى العناصر التى فرضتْ نفسها بحلول القرن 16 ق. م كنخبة سياسية حاكمة سادتْ على السكان الأصليين لبلاد الرافديْن .. وشهدتْ السنوات الأخيرة اقتراحـًـا يرى أنّ الهكسوس ما هم إلاّ الحوريين ، وهم عبارة عن سلالة محلية حازتْ قدرًا من الاحترام ، ولكن ما من أحد استطاع أنْ يسوق دليلا على وجود أعداد ضخمة فى القــرن 17 ق. م من الحوريين فى المناطق التى تمتد فيما بين بلاد الرافديْن وبين مصر. ويبدو (الآن) أنّ وصولهم إلى سوريا وفلسطين قد حدث على وجه اليقين بعد غزو الهكسوس.. غير أنّ هذا البحث المحموم ليس سابقــًـا لأوانه وحسب ، بل ومُـتشبثــًـا بآراء خاطئة منذ البداية. والحقيقة أنّ الكلمة اليونانية لا تعنى أكثر من خسيس قذر، وهى ليست سوى ترجمة للكلمة المصريـــــة (إ خ ص ى) أى وضيع وهو الوصف الذى تــُـطلقه النصوص المصرية فى كافة الفترات على الشعوب الأجنبية.. كما أنّ لفظ (هكسوس) لا يـُـشير إلى عرق مُـحـدّد بأى حال من الأحوال (مصدر سابق – ص 165)
وأضاف (ريد فورد) إلى أنه بعد أنْ توفــّـرتْ الوثائق أصبح من الممكن التحقق بسهولة من الهوية الحقيقية للهكسوس عن طريق فحص الأدلة الآثارية واللغوية.. وأنّ الحفائر الأخيرة فى المواقع التى ترجع إلى الهكسوس فى شرق الدلتا مثل (تل الضبعة) و(تل المسخوطة) كشفتْ عن ثقافة مُـقحمة ((على ثقافة المصريين)) ولا يختلف خزفها وسائر عادياتها (= مشغولاتها) على أى وجه من الوجوه عن الثقافة المعاصرة سواء لفلسطين أو فينيقيا.. أما الصورة اللغوية فغاية فى الاتساق ، فالنصوص المصرية التى تعود إلى عصر حروب التحرير ومطلع الأسرة 18 ق. م تــُـطلق على الغزاة اسم (العامو) أى الناطقين بلغة سامية غربية.. ورغم أنّ الهكسوس لم يخلفوا وراءهم أى نقوش بلغتهم القومية ، إلا أنّ عددًا من أسمائهم الشخصية ظهرتْ فى الأختام ونصوص التدشين.. وهى نصوص يـُـمكن تحليلها على المستوى النحوى والمعجمى.. ويبدو واضحـًـا بصورة لا لبس فيها ولا مراء أننا أمام أسماء شخصية (أعلام) تعود إلى إحدى اللهجات السامية الغربية ، فكل هذه الأسماء – فيما عدا إثنين لا غير- تكشف عن اشتقاق من لهجة سامية غربية ، وليس بينها اسم واحد يـُـشير إلى الانحدار من لغة الحوريين (مصدر سابق – ص166)
وألقتْ الاستكشافات التى قام بها معهد المصريات بجامعة فيينا سنة1966 تحت إشراف البروفيسور(مانفريد بيتاك) فى موقع (تل الضبعة) إلى الجنوب مباشرة من عزبة رشدى ، فيضًـا من الضوء على فترة احتلال الهكسوس لمصر، حيث أزيح النقاب عن ست طبقات مُـتميـّـزة ، الواحدة عن الأخرى ، على امتداد خطوط ثقافية كنعانية ، والطابع المحلى والشعائرى فى أرباع الدوائر. والأولى المربعات المستكشفة. وأنّ تلك الأدلة تؤكد اختلافها الشديد مع لثقافة المصرية ، حيث أنّ طابعها خاضع بصفة خاصة للتأثير الشمالى القادم من المشرق ، حيث مقابر العائلة حول المعابد ودفن الميت مع سلاحه وتقريب أضاحى الأغنام كان شائعـًا (عند البدو الآسويين) وفى الغالب كان زوجان من الحمير يدفنان على باب المقبرة (مصدر سابق – ص183، 184) وهذه العادات كانت غريبة تمامًـا على المجتمع المصرى والثقافة القومية المصرية.
لم يكشف الملوك الآسيويون الذين أسّسوا الأسرة 15 عن أصولهم الأجنبية، إلى أى درجة أكبر مما كشفوه خلال الآلهة التى عبدوها ، ففى الوقت الذى فرض فيه الهكسوس على الكهنة أنْ يصوغوا لهم ألقاب العرش بحيث يـُـضمنونها اسم الإله الشمسى المصرى (رع) استمر ملوك الهكسوس يؤدون طقوس عباداتهم القومية التى جلبوها معهم من آسيا.. وبرز ربان ، أحدهما ذكر والآخر أنثى وهذه الأخيرة التى حملتْ اسم (عنات) معروفة جيدًا فى أرشيفات (أوجاريت) كقرينة متعطشة للدماء لصالح (السيد / البعل) أما الإله الذكر فكان يـُـشار إليه بلقب (هر) أى (رب الجبل) وفى هذا الصدد وحسب يستطيع المرء أنْ يـُـقارن الارتباط القوى بين (بعل) فى العصر البرونزى المتأخر وبين الجبال وخصوصًـا جبل (صافون) (مصدر سابق – ص186)
وكتب عالم المصريات (ريد فورد) ((بلغ نظام الهكسوس ذروة قوته حوالى 1850 ق. م وعندئذ شرعوا فى تقليد أساليب المصريين ، أهالى البلاد الأصليين تقليد القرود . ومع ذلك ما كان لهذا النظام إلاّ أنْ يلقى حتفه لا محالة)) (المصدر السابق - ص205)
***




#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يكون مدير آثار (مصرى) عبرانى الهوى؟
- دولة بنى أيوب وما فعله صلاح الدين
- رمضان (المصرى) ورمضان (العربى)
- هل يجرؤ النظام على الغاء قانون (تطوير الأزهر) ؟
- متوالية لصق اسم (الله) بالحاكم
- ما جذر العداء لغير المسلمين ؟
- مغزى لصق اسم (الله) كصفة للحاكم
- هل النظام الحالى اختلف عن الأنظمة السابقة ؟
- أليستْ المعاهد الأزهرية معامل لتخريج الإرهابيين ؟
- قتل الحرية الفردية فى مسرحية الزومبى
- مصر دائما مغلقة لاستقبال (الغزاة) الفاتحين
- شكسبير والغوص فى النفس البشرية
- 2- مصر المنكوبة بخيراتها
- مصر المنكوبة بخيراتها
- الأديبة هدى يونس والغموض الفنى
- لماذا كرّستْ الأحاديث لعبودية ؟
- فؤاد حسنين على: مثقف من طراز نادر
- فكرة (رب الكون) وعلاقتها بالبشر
- العرب وعلم الآثار
- لماذا هاجم السلمون ترامب ؟


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (1)