أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تيماء حسن ديوب - طنين ذكرى














المزيد.....

طنين ذكرى


تيماء حسن ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 5193 - 2016 / 6 / 14 - 02:20
المحور: الادب والفن
    


تشتعلُ الغرفةَ بطنينِ ذبابةٍ حمقاءَ! كأنها اكتشفت حنقي من وعدٍ لم يبرأ به والدي، فقررت أن تهزأ بي هي الأخرى. ضيفهُ خفيفُ الظلِ لا الوزنِ حرمني من هديتي التي انتظرتها أسبوعاً كاملاً، لن نذهب للسوقِ ولن اشتري شيئاً...
الذبابةُ تقطعُ الصالونَ ذهاباً وإياباً بسرعتها القصوى، ترتطمُ بزجاجِ النافذةِ بقوةِ من يصطدم بقَدَرهِ، تلاعبُ أقدامها على الزجاجِ قليلاً وتنهضُ لتعيدُ الكرّة... فَتحتُ لها النافذةَ، علّها تهرب كي لا أعودَ لهوايتي الشيطانية القديمة: " كنت اقبض على الذبابةِ حيةً، انزع جناحيها واستمتع بغباءِ مشيتها "...

لطالما اعتقدتُ وأنا طفلة أنني حالما أقبضُ على مخلوقٍ صغيرٍ أتحولُ إلى آلهته.. أحدد مصيره كما يحلو لي، إلى أن ادركت يوماً أنني لا أستطيعُ إعادةَ الحياةِ لمخلوقاتي الصغيرة بعدما أقتلها فتخليتُ عن فكرةِ ألوهيتي لها !

تركتُ الذبابةَ و شأنها علّها تنجو من جريمةِ قتلٍ أخرى... تمددتُ على أريكةِ الصالونِ العريضةِ ، اضجعَ الضجرُ بقربي مرتاحاً كما يضجع الجنينُ في رحمِ أُمهِ.. ذهبَ الجميعُ لينامَ بعد الطعامِ، لقد دقت ساعةُ القيلولةِ.. أتصالحُ مع ضجري، أدلله بمداعبةِ درفةِ النافذةِ التي أنامُ تحتها بأصابعِ قدمي العارية، ابتسمتُ لحزمةِ أشعةِ الشمسِ التي تنعكسُ على أرضِ الصالون.. كلما ابتعدتْ درفةُ النافذةِ عن جسدي كلما فُسِحَ المجالُ للضوءِ أكثرَ ليدخلَ فتتسعُ رقعتَه على الأرضِ النظيفةِ، فكرتُ أن نظريتي الجديدة تنطبقُ على كل الأشياء، فكلما اقترب الشيئان من نقطةِ الالتحامِ اختفى الضوءُ بينهما واختفت مساحات حريةِ الفضاء.. وكلما ابتعدا عن بعضهما زادت رقعةُ الشعاعِ الذي يَعبرهما وتحررا أكثر!

تذكرتُ المقال الذي قرأتهُ عن شخصيةِ ابن الهيثم ونظرياته حول الضوء: لقد وضعَ ابنُ الهيثمِ نظريةَ الولوجِ التي أيدها أرسطو، وقد عارضَ فيها فكرةَ كونِ عمليةِ الرؤية تحدثُ عن طريقِ الأشعةِ المنبعثةِ من العينِ، أو دخول الضوء للعين من خلالِ صورٍ فيزيائيةٍ، لقد علّل ذلك بأن الشعاعَ لا يمكنُ أن ينطلقَ من العينينِ ويصلَ إلى النجومِ البعيدةِ في لحظةٍ بمجردِ أن نفتحَ أعيننا.

عارض ابن الهيثم الاعتقادَ السائدَ بأن العينَ قد تُجرَحُ إذا نظرنا إلى ضوءٍ شديد السطوع، ووضع بدلاً من ذلك نظرية ناجحة للغاية تفسرُ عمليةَ الرؤيةِ بأنها تحدثُ نتيجةَ خروجِ أشعةِ الضوءِ إلى العين من كل نقطةٍ في الكائن، وهو ما أثبتهُ عن طريقِ التجاربِ، كما وحّدَ علمَ البصرياتِ الهندسيةِ مع فرضياتِ أرسطو الفيزيائية لتشكلَ أساسَ علمِ البصرياتِ الفيزيائية الحديثة، أثبت ابن الهيثم أيضًا أن أشعةَ الضوءِ تسيرُ في خطوطٍ مستقيمةٍ، كما نفّذ تجاربَ مختلفة حول العدسات، المرايا، الانكسار، الانعكاس وكان أيضًا أولَ من اختزلَ أشعةَ الضوءِ المنعكسِ والمنكسرِ في اتجاهين رأسي وأفقي والذي كان بمثابةِ تطورٍ أساسيٍ في البصرياتِ الهندسية ..

تفاجأتُ من معلومةٍ كانت جديدةً بالنسبة لي، فعلى الرغم من أن: أرسطو، ثيون الإسكندري ، الكندي والفيلسوف الصيني موزي سبق لهم أن وصفوا الآثارَ المترتبةَ على مرورِ ضوءٍ واحدٍ عبر ثقبٍ صغيرٍ، إلا أن أيًا منهم لم يذكر أن هذا الضوءَ سيُظهر على الشاشة صورةَ كل شيءٍ في الجانبِ الآخرَ من تلك البؤرةِ كما وضّحَ ابن الهيثم.. كنت سعيدةً بالمقالِ، جزءٌ مني كان فخوراً بهذا الماضي العلمي المشرف لرجال لم يطلبوا يوماً لعلمِهم مقابل، كان للعلمِ معنىً واحد، الارتقاء الجميل باتجاه السماءِ وبالتالي الإله..

عدتُ لضوئي أنا.. أحاولُ أن أتلاعبَ بحجمِ الثقبِ الذي يمررُ الضوء بين درفتي النافذة، أبحث عن الشاشةِ الصورةِ لهذا الثقبِ.. صارت اللعبةُ ممتعةً مع ازديادِ سرعةِ قدمي في التحكمِ بالثقبِ وبالتالي حجمِ حزمةِ الضوءِ، قدمي القويةُ تبْعدُ الدرفةَ وتقربها والسرعة تزدادُ ومعها تزداد سعادتي التي كدرها فجأةً ودون استئذانٍ صوتَ ارتطامِ درفةَ النافذةِ بالأرضِ.. قدمي القوية بسرعتها حملت درفةَ الشباكِ ومن عبثي تطاير الزجاجُ و تشظى في كل مكانٍ..

انتبهتُ متأخرةً للوجوهِ الغاضبةِ والعيون المحدقةُ بي، لم استطع كبت ضحكتي حين انتبهت إلى خصلة الشعر التي تدلت على جبينِ الرجلِ الضيف، وقف شعر رأسه فزعاً، كانت مساحة صلعته تشبه إلى حدٍ كبيرٍ مساحةَ انعكاسِ شاشةِ ثقبِ ابن الهيثم على أرضِ صالوننا..

ضحك الجميع ربما فرحاً واستغراباً أنني لم أصب بأذى، فجأةً سكتَ الجميعُ، عبست والدتي، قالت بحزمٍ: اختاري العقوبةَ التي ترينها مناسبةً لك..



#تيماء_حسن_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ظلال النبي أبراهام
- ما أجمل أن تنقلب الأدوار!


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تيماء حسن ديوب - طنين ذكرى