أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حاتم الجوهرى - نقد مقاربة سارتر للمسألة اليهودية: الشعب الترانسندنتالى















المزيد.....


نقد مقاربة سارتر للمسألة اليهودية: الشعب الترانسندنتالى


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 5192 - 2016 / 6 / 13 - 15:37
المحور: القضية الفلسطينية
    


* جوهر المشكلة وظاهرها:

قدم سارتر تحليلا وجوديا للمسألة اليهودية فى كتابه "تأملات فى المسألة اليهودية"، يختلف تماما عن التصورات الأيديولوجية التى تنطلق منها الأطروحات القومية والدينية، وإن اقترب تحليله –فى تخيله المثالى والنموذجى- بعض الشئ من أفكار "الصهيونية الماركسية" عن "الطبقة القومية" عند بيرخوف، وما قد يحمله سوق العمل من صراع داخلى بين طبقة البلوريتاريا يقوم على الأساس العرقى ومحدداته.. وتشابه معها أيضا فى تصوره أن المجتمع القائم على الهوية الطبقية فقط دون أى دور للهوية القومية أو الدينية أو العرقية سوف يقدم حلا متخيلا للمشكلة اليهودية، فيقول سارتر: "ذلك يعني أن معاداة- السامية هي تمثل خرافي وبرجوازي للصراع الطبقي، وأنها لا يمكن أن توجد في مجتمع بلا طبقات. تظهر معاداة –السامية الانفصال بين البشر وبين عزلتهم في غمار المجتمع، تضارب المصالح والتيارات المتضاربة للعواطف"(1)، إنما يقع النقد الأساسى الموجه لتصور سارتر للمسألة اليهودية ونظريته فيها، فى أن هذا التصور فى غالبيته ليس سوى تحليل نفسى لمشكلة صورة نمطية، يقف عند هذا الحد ولا ينتقل لمساحة البحث الحقيقى فى أصل المشكلة وجذرها، هو تحليل يقف عند الظاهر ولا يبحث فى حقيقة المشكلة وطبيعتها، ولعل ذلك النقد ينطلق ليطال الفلسفة الوجودية ومنهجها الظاهرى كله عند سارتر فى مقاربة الظواهر الإنسانية.

أهمل سارتر تماما الدوافع ومحركات النفس البشرية التى تعتمد على عوامل الهوية المشتركة عند الجماعة من الناس، فلم يبحث فى الأسباب التاريخية التى جعلت الجماعات اليهودية المتفرقة فى شتى بقاع العالم، تحافظ على فكرة أنها جماعة! فعلى الرغم من ضياع روابط اللغة والأرض والحياة المشتركة! حافظ اليهود على فكرتهم المتخيلة والموروثة عن الجماعة التى كانوا عليها ذات يوم، وتوقف سارتر عند ظاهر المشكلة وأطرافها فقط، جعله يضع اليهودى فى خانة رد الفعل دون أن ينتقل لدراسة السلوك التاريخى ودوافعه المختلفة عند الشخصية اليهودية ، التى تمسكت بقوة بفكرتها بوصفها جماعة على الرغم من ضياع معظم الروابط والمكونات التى تشكل الجماعة عندهم. وذلك لأنه أصلا ينكر وجود الشخصية القومية ويقول إن الظروف والمواقف الآنية المتجددة، وحدها هى التى تصنع الشخصية الإنسانية فقط دون محددات تاريخية وجماعية مسبقة وموروثة، بالرغم من اعترافه بالدور الدينى الذى أنتج الرابط القومى فى الحالة اليهودية، فلقد "قويت الرابطة الدينية بين يهود الشتات والذين ظلوا في أرضهم؛ أخذت إحساس الرابط القومي وقيمته"(2)..

أسقط سارتر أثر الدوافع والاختيارات التى تقوم على فكرة الهوية التاريخية الموروثة، التى يتبناها أفراد الجماعة بشكل إرادى، وجعل معظم محددات الشخصية اليهودية رد فعل! وهو ما أخذه عليه بعض يهود فرنسا نفسها، فعلى "شدة تعاطف سارتر مع اليهود ودولة إسرائيل فقد انبرى لانتقاده بعض اليهود من المعجبين به مثل ألبرت ميمى [أديب يهودى فرنسى] .. فهو يعيب على سارتر قوله أن اليهودى هو الشخص الذى يعتبره الآخرون يهوديا.. لأن اليهودى هو أيضا تاريخ وتقاليد ومؤسسات وعادات إلى جانب كثير من الخصائص الإيجابية الأخرى".(3)، وذلك ما يثير السؤال المنطقى: هل اشتركت كل مجتمعات العالم الحديث والمعاصر فى السلوك نفسه تجاه اليهود..! متبعين منطق التقليد دون أن يكون لليهود فعل ودور مباشر فى تكوين هذه الصورة الشائعة عنهم! وهل كان وجود اليهود فى كل البلاد يحظى بالتقييد الذى يمنعهم من الاندماج داخل تلك المجتمعات! وما الأسباب الأصلية لنشاة هذا التقييد المفترض حول اليهود! إذا كانت نظرية سارتر صحيحة عن كون المسألة اليهودية رد فعل لفكرة الاضطهاد الأوربى المعاصر، فلماذا لم نسمع فى التاريخ القديم عن دولة ما، اختار يهودها الاندماج والذوبان فى نسيجها القومى الخاص! كما أن سارتر فى سياق حديثه وتأكيده موضوع الجماعة أو الطبقة اليهودية المضطهدة، لم يتناول تأكيد فكرة "العدل الوجودى" والحفاظ على "الحرية المتبادلة"، بحيث لا تتحول تلك الجماعة التى يقول بأنها مضطهَدة لأن تكون مضطهِدة وعدوانية فى بحثها عن حريتها الوجودية الخاصة، ليس من حقها أن تمارس حقها الوجودى على حساب أن تسلب جماعة أخرى حقها الوجودى! لم يتطرق سارتر لمنطق العدل وحرية الفلسطينيين فى الوجود، الذين سلبهم اليهود من الصهاينة حقهم فى الاختيار والوجود الحر.. بل وبالمنطق نفسه نستطيع القول ردا على سارتر وبمنطقه نفسه، أن العربى الفدائى المقاتل المقاوم دائما، لم يختر ذلك ، وأن طفل الحجارة الفلسطينية لم يختر، هو جاء فى موقف وجودى مسبق تضطهده فيه جماعة أخرى (يهود الصهيونية)، وبالتالى لم يجد أمامه فرصة فى البقاء سوى عن طريق الردع والحرب والمبادرة بالهجوم وزرع الفزع عند العدو (الذى يضطهده ويمارس ضده التطهير العرقى)، حتى يستطيع أن يستمر فى الحياة والوجود.

لقد تغاضى سارتر تماما فى بحثه عن حرية اليهود الوجودية، عن فكرة "العدل الوجودى" و "الحرية المتبادلة" التى يجب أن يحافظ عليها اليهود فى سبيل بحثهم عن حريتهم الوجودية، تعامى سارتر عن احتلال اليهود لأرض فلسطين وقهر الفلسطينيين، وتحول الفلسطينيون لخياريين وجوديين قاهرين جبريين نتيجة للاضطهاد اليهودى الصهيونى، الأول: إما البقاء وحمل السلاح والمقاومة الجبرية الشرسة القائمة على الردع الشديد ضد عدو متفوق عسكريا، لم يترك لهم سوى خيار الردع بالفزع والرعب وصولا لمرحلة التضحية بالجسد (الاستشهاد)، الثانى: أو خيار الشتات الجبرى والضياع الفلسطينى فى بلاد الأرض.. لم يتحدث سارتر عن "العدالة الوجودية" و "الحرية المتبادلة" فى منطق الجماعة اليهودية المضطهدة، تعمد إسقاط الحديث عن ممارسات العنصرية والقهر الصهيونى التى تستند لدعاوى تاريخية ودينية أهملها سارتر تماما فى تحليله للمسألة اليهودية، أهمل سارتر "الجماعة الفلسطينية" المضطهدة تماما، ونسى المطالبة بحريتها الوجودية التى سلبتها منها جماعة سارتر اليهودية المضطهدة حسب تحليله الظاهرى لظاهرة: الصورة النمطية لليهودى العدو.

* سياق ظهور مصطلح معاداة السامية ونقده:

لم يلتفت سارتر لنقطة مهمة جدا فى طبيعة الشخصية اليهودية، وهى أن فكرة الطبيعة السابقة للوجود حاضرة بشدة فى المكون الأساسي لتلك الشخصية، بمعنى أنها تملك تصورا مسبقا لطبيعة وجودها، من الطبيعي أن مجمل السياق التاريخى بما يشمله من عوامل وظروف جغرافية واقتصادية وإنسانية؛ يؤثر فى الصفات التاريخية لكل مجموعة إنسانية، والتى تعطى كل مجموعة تصورا مسبقا عن طبيعة وجودها، والذي تشكله بنسبة كبيرة العوامل والظروف التاريخية التى تمر بها كل مجموعة إنسانية. فالذي لم يلتفت له سارتر فى طرحه لفكرة الوجودية عامة – أو ربما التفت إليه ولكنه تناوله من زاوية التمرد الوجودى المستمر- هو أن كل شعب أو مجموعة إنسانية تملك وجودا مسبقا حقيقيا؛ يكون رد فعل واستجابة لمجمل عوامل السياق التاريخى المتباينة التى مر بها عبر تراكمات تاريخية متعاقبة؛ تكسب كل شعب خبراته الإنسانية المختلفة.. وبالتالي يختلف شكل التصور الوجودى المسبق عند كل شعب عن الآخر، نتيجة لتباين الظروف التاريخية المتعددة التى يمر بها كل شعب أو مجموعة إنسانية..

تأسيسا على ما سبق نستطيع القول إن الوجود الحقيقي المسبق عند الجماعات الإنسانية، يرتبط بالظروف التاريخية لكل منها، لكن سارتر لم يلتفت لنقطة مهمة جدا، ومحورية فى تفسير الشخصية اليهودية، ربما لأنه كان مهموما تماما بإسقاط الجانب التاريخى من حساباته (كرد فعل للمرحلة التاريخية والسياسية التى مرت بها أوربا)، الشخصية اليهودية ربما هى الشخصية الإنسانية الوحيدة التى تملك تصورا وطبيعة مسبقة لوجودها لا يرتبط بالوجود التاريخى الحقيقي لها كجماعة، الشخصية اليهودية تملك تصورا مسبقا لطبيعة وجودها يرتبط بالأسس الدينية الغيبية، أي أنها تعتقد فى هذا التصور بوصفه جزءا من وجودها الإيماني العقائدي المسبق (فهي تختلف هنا حتى عن تصورات الوجودية المؤمنة الفلسفية)، ألا وهو فكرة: الشعب المختار، أو الشعب الأعلى، الشعب المتفوق، الشعب السيد والباقي –من وجهة نظره الدينية- عبيد. ويمكن أن نضع فى هذا السياق ظهور مصطلح "معاداة السامية" ذاته؛ "فلقد ظهر فى القرن التاسع عشر بداية على يد اليهودي موريس شنايدر عام 1860، قبل أن يستخدمه الباحث الألمانى فيلهم مار عام 1887 لوصف موجة العداء لليهود فى أوربا الوسطى أواسط القرن التاسع عشر"(4)، ونلاحظ أن فكرة "السامية" قادمة مباشرة من التصنيف العرقي للبشر وفق ما جاء فى التوراة! التي قسمت البشر لأجناس رئيسية أعلاها النسب لـ"سام" بن "نوح"، والدليل هنا أن مصطلح "معادة السامية" فى حد ذاته هو إصرار على التعالي الديني والعرقي من جانب اليهود، والذى قد يولد تعاليا مضادا عند غير اليهودى، وهو ما التفت إليه سارتر لكنه بالطبع توقف عند حد تفسيره كرد فعل لصورة نمطية، حيث "يضيف سارتر فى هذا السياق: لا توجد عند المعادين للسامية حاجة للكراهية فقط، بل حاجة للشعور بالتفوق أيضا. يبدو أن المعادى للسامية يعلى من شأنه عبر التقليل من شأن اليهودى"(5). وفى الوقت نفسه يمكن تفسيره من جانب آخر على اعتبار أنه جاء رد فعل من يهود أوربا على انتشار حالة التفوق العرقى الآرى، ففى مقابل الانتصار للآرى وادعاء تفوقه، قام يهود أوربا باستخدام المنهج العرقى نفسه ورفعوا من عرقهم التاريخى: السامى (معاداة السامية) ليواجهوا الأوربى المتعالى بسلاحه نفسه.

لكن التعالى اليهودى جذوره أقوى؛ فعندما يولد اليهودى (وعلينا أن نلاحظ التداخل فى مصطلح اليهودى بين الديني والقومي، فاليهودي شرعا هو ابن اليهودية، ومرجع فكرة الشعب المختار هو أن الرسالة نزلت على قبيلة بنى إسرائيل أو نبي الله يعقوب عليه السلام وأسباطه من بعده، فالتداخل بين الديني والقومي فريد فى الحالة اليهودية) يكون جزء من الظروف والسياقات التاريخية التى يتلقاها: أنه جنس أعلى، أنه متعالٍ يستطيع أن يطلق أحكاما على الآخرين الأقل، ويسلبهم حريتهم وحقهم فى الوجود الحقيقي الواقعي الحر، اليهودى بطبيعته الدينية يملك الأساس المتعالي الذى يجعل الآخر أقل، فى حكمه الدائم.. وتلك الطبيعة الوجودية المسبقة لليهودي، لم تكن طبيعة وجودية تاريخية حقيقية، بل كانت موروثا دينيا مشتركا لدى الجماعات اليهودية المتفرقة فى شتى بقاع الأرض.. فبعد أن فقدت الجماعة اليهودية مقومات وجودها كجماعة واحدة، فضاعت منها اللغة والأرض والظروف المشتركة، بقى الرابط الوحيد بين تلك الجماعات هو فكرة الديني والتاريخي المتخيل والموروث والعقائدي، لم يلتفت سارتر – ربما لإسقاطه أثر العامل التاريخى دائما- مشكلة الاضطهاد التى تحدث عنها كصورة ذهنية نمطية مرتبطة باليهودي؛ مرجعها فكرة: التفوق وشعب الله المختار عند اليهودى ذاته، فالشعور بالعظمة والتفوق يعطى صاحبه دائما إحساسا بالغبن والظلم، ويجعله فى كل تصرفاته متعاليا على الآخر ينظر له بنوع من الدونية، مما يستدعى بطبيعة الأمور أن يأخذ منه ذلك الآخر موقفا عدائيا لتعالى اليهودى عليه.. ولابد من ذكر دور شعور الجماعات اليهودية بالاغتراب والأزمة الوجودية الدينية والدنيوية؛ فى شتاتهم، وبعدهم عن الأرض التى شهدت مجدهم السياسي والديني والقومي.. وأثر ذلك فى شعورهم بالتعالي على الشعوب التى يستقرون بينها..

* الكرة فى الملعب الآخر: الشعب التراسندنتالى:

ما لم يضعه سارتر فى الاعتبار –لأنه يرفض فكرة الشخصيات القومية أو الجمعية، ويتحدث عن ظروف محيطة، ولكن الرد عليه أن لكل جماعة بشرية ظروفا متغيرة تشكل شخصيتها الجماعية المختلفة– هو أن الشخصية اليهودية ربما تكون هى مصدر فكرة العدائية، مصدر وأصل العداء تجاهها والذي صحبته معها أينما وجدت، وهو ما التفت له بعض الأصوات الصهيونية نفسها وناقشت فيه أفكار سارتر عن معاداة السامية: "يتشابه الأمر تماما، مثلما يحتاج المعادي للسامية لليهودي للتحقق وتغذية كراهيته، يحتاج يهود معينون للمعادين للسامية كذلك؛ قومية يهودية متطرفة، ما بين الدين والسياسية، تكون حليفة معاداة السامية، كلاهما ينبعان من نقطة انطلاق واحدة"(6)، وعلى الرغم من أن سارتر كانت له ملاحظات فى هذا الشأن إلا أنه لم يضعها فى سياق تفسيرى وتوقف عنها، فهو يقول عن اليهودى الذى يتم تغذيته بالشعور بالعظمة والتفوق فى الأسرة: "في البيت، يتم إخباره بأنه يجب أن يكون فخورا بكونه يهوديا. وما عاد يعرف ما الذي يصدقه؛ ممزق بين الإذلال، المعاناة، والفخر"(7)، فالإنسان الذى يشعر بالعظمة والتفوق إذا لم يأخذ المركز الذى يعتقد أنه يستحقه، يبدأ بشكل منطقي فى كراهية المجتمع المحيط والتعالي عليه، وبشكل طبيعي أيضا يبدأ المجتمع المحيط به فى الشعور بالضيق والكراهية المضادة تجاهه، ولكن نقطة بداية المشكلة تكون نابعة من الشخص الذى يشعر بالتفوق وينظر للآخرين بتعال.

لم يلتفت سارتر إلى ارتباط فكرة التفوق بفكرة الاضطهاد وما يصحبها من سلوكيات قد تكون غير سوية، ولم يلتفت إلى أنه من الممكن أن يكون ما سماه معاداة السامية؛ رد فعل على وجود الطبيعة اليهودية المسبقة المشحونة بفكرة التعالي والتسامي والتفوق.. أي أن تعالى الشعوب والمجتمعات على اليهود؛ ناتج ورد فعل لتعالى اليهود على الشعوب والمجتمعات التى عاشوا وسطها.. وهو السبب فى فكرة "اليهودى التائة" أو الحائر الذى يشعر بالتمزق والعبثية دائما، والتفت سارتر أيضا لفكرة حيرة اليهودى لكنه كان يضعها فى سياق مغاير (سياق الرد فعل للآخر)، "لقد سمع مرارا وتكرارا أن اليهودي يفكر مثل اليهودي، ينام، يشرب، ويأكل مثل اليهودي، يكون شريفا أو غير شريف من خلال خلق يهودي. وينظر اليهودي ليهوديته بعبثية" (8). ولكن ما الحل فى تلك المشكلة حينها، وجودية سارتر ونظريته، طالبت العالم بتغيير ظروف معاملة اليهودى، ولكن ماذا لو أن المشكلة فى تصور اليهودى المسبق لطبيعة وجوده وليست فى الظروف المحيطة، هل نطلب منه التوقف عن كونه يهوديا! رفض سارتر ذلك ولم يقارب المسألة ويتناولها من تلك الوجهة، إذن ما الحل هل يكون فى وجود اليهود فى موقف حر يعيد وجودهم الجماعي! ولكن ماذا إذا تم ذلك على حساب جماعة أخرى ( الفلسطينيين)! وماذا لو استند وجود اليهود كجماعة مرة أخرى لفكرة التاريخ ولفكرة الدين (ما رأى سارتر فى ذلك)..!

* لكن خلاصة:

وجود اليهودى فى فلسطين، سوف يعيده لحظيرة التاريخى والديني، ولن يدفعه فى اتجاه الوجود الحر المتجدد عند سارتر، وفى الوقت نفسه سوف يكون وجودا مأزوما لأنه مرتبط بقهر واضطهاد الفلسطينى، وسوف يضع اليهود فى وجود عبثي عدمي، تلك حقيقة فهو وجود على حساب آخر، لا يمكن أن يستقر، وهل يستقر إلا إذا طلبنا من اليهودى أن يتخلى عن فكرة التفوق والشعب المختار، طلبنا منه أن يتخلى عن فكرة السيطرة السياسية على فلسطين ويندمج فى الوجود العربي، سوف يكون ذلك أيضا نوعا من استلاب وإضافة السلبية على الوجود اليهودى الخاص..

أعتقد أن وجود وعودة الجماعات اليهودية لفلسطين؛ لن يعطيهم شيئا سوى الإحساس الدفين بالعبثية والعدمية، لن يجذر وجودهم بل سوف يزيد عندهم فكرة الاضطهاد والوجود المرتبط بالعدائية، لن يكون موقفا حرا، بقدر ما سيكون تأكيدا وتقييدا لفكرة الوجود الحر، سوف يحكم على الشخصية اليهودية بطبيعة وجودية مسبقة، مرتبطة بالصراع واختراع مبررات الوجود وتبرير الاضطهاد، ثم التعاطف مع الفلسطينى الذى هو من جهة يهدد وجود اليهودى فى فلسطين.. أعتقد أن وجود الجماعات اليهودية وعودتها لأرض فلسطين، لن يحقق كما تصور سارتر وجودا وموقفا حرا، بل ستخلق وجودا نمطيا، يحمل طبيعة مسبقة، ستجعل اليهودى يأخذ من فكرة الوجودية السارترية أشد وجوهها قتامة: العبثية والعدمية.. والشعور المستمر بالضياع، وغياب الطريق، والبحث المستمر بلا جدوى عن فكرة وآلية للوجود الحر الخاص باليهودي فى فلسطين، وسوف يزيد من عزلة الشخصية اليهودية واغترابها، ولن يجذر وجودها، بقدر ما سيجعله وجودا عبثيا عدميا، مستعدا للفناء والموت أو الرحيل كحل، وخلاص أخير لمشكلته الوجودية فى فلسطين.

-----------------------------------

1- jan paul sarter, anti-Semite and Jew, p:108
2- anti-Semite and Jew, p:43
3- رمسيس عوض، الهولوكست فى الأدب الفرنسى، دار نهضة الشرق،ص45، ط1، 2002.
4- انظر موسوعة ويكيبيديا، تعريف "معاداة السامية" بالعربية، وتعريف "anti-Semitism" بالإنجليزية.
5- נ-----------------------------------פ-----------------------------------ת-----------------------------------ל-----------------------------------י----------------------------------- א-----------------------------------י-----------------------------------ל-----------------------------------ת-----------------------------------י-----------------------------------, ס-----------------------------------א-----------------------------------ר-----------------------------------ט-----------------------------------ר----------------------------------- ע-----------------------------------ל----------------------------------- א-----------------------------------נ-----------------------------------ט-----------------------------------ש-----------------------------------י-----------------------------------מ-----------------------------------י-----------------------------------ו-----------------------------------ת-----------------------------------, י-----------------------------------ה-----------------------------------ד-----------------------------------ו-----------------------------------ת-----------------------------------, צ-----------------------------------י-----------------------------------ו-----------------------------------נ-----------------------------------ו-----------------------------------ת----------------------------------- ו-----------------------------------י-----------------------------------ש-----------------------------------ר-----------------------------------א-----------------------------------ל-----------------------------------
www.daat.ac.il/daat/kitveyet/shana/eylati2-2.htm
6- י-----------------------------------ה-----------------------------------ו-----------------------------------ד-----------------------------------י-----------------------------------ת----------------------------------- א-----------------------------------ו-----------------------------------ר-----------------------------------י-----------------------------------י-----------------------------------ן-----------------------------------, ס-----------------------------------א-----------------------------------ר-----------------------------------ט-----------------------------------ר----------------------------------- ע-----------------------------------ל----------------------------------- א-----------------------------------נ-----------------------------------ט-----------------------------------ש-----------------------------------י-----------------------------------מ-----------------------------------י-----------------------------------ו-----------------------------------ת-----------------------------------, מ-----------------------------------ע-----------------------------------ר-----------------------------------י-----------------------------------ב-----------------------------------, 22/12/1978
7- anti-Semite and Jew, p:54
8- anti-Semite and Jew, p:53














#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية الحائرة: سارتر بين الصهيونية والعرب
- متى تعامل لينين مع الصهيونية كطليعة ماركسية: فى مراجعة المسل ...
- المصريون وعلم نفس التحرر: أزمة الموضوعية والذاتية
- رد مزاعم الاستلاب للصهيونية: يوسف زيدان وواقعة الإسراء نموذج ...
- قبل الانفجار: أزمة الذات الافتراضية وتحول آليات التواصل الاج ...
- المتغير المجتمعى والاستجابة السياسية: مستقبل البلاد والثورة
- تفكيك الأبنية المعرفية لمقاربة يوسف زيدان والأقصى
- الخطاب السياسى وأزمة الانفصال عن الواقع
- الدين والدين السياسى: قراءة فى تحولات المقاصد
- الانتفاضة الثالثة: بين خراب الصهيونية وإكسير الثورات
- الإنسان مقطوع الصلة: الأدب الشعبى والثورة
- ثوار الداخل وثوار المهجر
- تهميش المتن وتمتين الهامش: حمدين والثوار
- أزمة العقلانية المصرية: النظام والإرهاب!
- مجددا: عودة الثوار وتغير قيم المصريين للأبد
- السيسى وأجواء ما قبل 25 يناير: مؤشرات دالة
- المسألة: يهود فلسطين وليس عرب إسرائيل
- يناير2015: فى آليات الثورة وآليات الاستبداد
- مجلة السياسة الدولية: بين التكيف والثورة
- قراءة فى أحداث الجامعة: مؤسسات الظل ومؤسسات الدولة


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حاتم الجوهرى - نقد مقاربة سارتر للمسألة اليهودية: الشعب الترانسندنتالى