أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تخلَّ عن الأمل: 3














المزيد.....

تخلَّ عن الأمل: 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5192 - 2016 / 6 / 13 - 03:24
المحور: الادب والفن
    


قلنا، أنّ بطليّ روايتنا وجدا نفسيهما في مراكش خلال خريف عام 1990.
ولقد اتفقَ أنني عرفتُ بأمرهما في نفس المدينة، بعد ذلك التاريخ بعشرين عاماً. وسيلةُ التعارف، كانت مخطوطةَ كتاب. أو مذكراتٍ، بكلمة أدق. والقارئ، لا بدّ أنه أدركَ ماهيّة تلك الوسيلة. ولكنه لم يعرف بعدُ، بأنها لعنة. وإنني لأتصوّر القارئ، افتراضاً، وهوَ يهزّ منكبيه مُتسائلاً بشيءٍ من السخرية: عرفنا بأمر المخطوطة مسبقاً، وها نحنذا نعرف أيضاً بكونها لعنة!
ولكن، لِمَ لم يجرِ تنبيهك، قارئي العزيز، بذلك الأمر منذ البداية؛ في مقدمة الكتاب، تحديداً؟ الجواب ببساطة وصدق، هوَ أنني لم أسوّغ لنفسي الحق في تسجيل مقدمة أخرى للكتاب. وللأمانة أيضاً، أنّ من عهدَ إليّ بالمخطوطة لم يطلب مني، بشكلٍ مباشر، أن يكون هوَ صاحب المقدمة الوحيدة في حال تمتّ طباعتها.
الزمنُ، خريفٌ إذاً. ولو أنّ بطلتنا ( صاحبةَ المخطوطة ) كانت تعيشُ بيننا حينَ تعرّفي على محاميها عام 2010، لكانت قد راوحت وقتئذٍ على عتبة خريف العُمر. ولذوى قليلاً أو كثيراً " جمالُها الملائكي "، ولذابت نوعاً " أردافها الفاتنة " ـ الأوصاف الأخيرة هيَ لذلك المحامي، العجوز!
في واقع الحال، أنّ الرجلَ كان يبدو أكبرَ من سنّه الحقّة. صلعته، المحوَّطة بخصلتين من الشعر الشائب، كانت تعطي ذلك الانطباع أكثرَ مما تفعله الغضون المُخَدِّدة أسفل عينيه وجانبيّ فمه ذي الأسنان الصناعية. بل إنّ أنفه القرمزيّ، كان أقلّ استطالة من أنوف من يتيهون في دهاليز الكهولة. ولكنه كان أنيقاً بشكلٍ لافت، ببدلةٍ زرقاء داكنة تتلاءم مع سمرة بشرته. ومن النافل، على ما أرى، عقدُ أيّ مقارنة في شأن حذائه المصقول، الأسود اللون!
التقينا في ذلك الخريف إذن، في ظهيرة يومٍ معتدل الحرارة، وفي مبنى المحكمة الجهوية بمراكش. كنتُ إذاك أمامَ باب إحدى صالات المحكمة، أنتظرُ إنعقادَ جلسة مخالفات قانون الإقامة. ولم أكن أنا من احتاجَ للرجل كمحامٍ، بل هيَ امرأة فرنسية أربعينية، أو خمسينية، سأراها لاحقاً عن بُعد خلال الجلسة.
" مسألتك هيّنة، بما أنها المرة الأولى، وسيُكتفى بتغريمك مبلغ خمسمائة درهماً "، قال لي المحامي بيقين خبرته في أمور القانون. أما موكلته، تابعَ يقول، فإنها انتهكت القانونَ أكثر من مرة وهيَ تواجه خطرَ حرمانها من دخول البلاد لمدة خمس سنوات: " ولكن، لو أنّ أجنبياً فعلَ ذلك في فرنسا لقاموا بحبسه أيضاً! "، أكّدَ لي صاحبُ الأنف القرمزي اعتماداً هذه المرّة على خبرته في نظرية المؤامرة.
قرينتي، بدا عليها الضجرُ من الوقوف في ذلك المكان الكئيب، شبه العتم، المنبعث من أخشاب جدرانه وسقفه وأبوابه عبقُ رطوبة، أنتيكية. فما لبثت أن اقتربت من موقفنا، لكي تقول أنها ستنتظر مع أمها في الحديقة خارجاً، على أن أتصل بها متى نوديَ على الجلسة. والدتها، كانت قد أصرّت على مرافقتنا للمحكمة. لقد خيّل إليّ عندئذٍ، أنها كانت في نيتها أن تُخاطبَ القاضي ما لو قررَ حبسي: " أسيدي! أقسمُ لك بالله العظيم، وبأولادي، أنه مريضٌ يأخذ دواءه بانتظام وأن شهادة الطبيب لم تُستخرج له بالرشوة، مثلما أنه لم يكن على علم بقانون الإقامة " الخ.
ينبغي الآن التنويه، بأنه لولا أنّ امرأتي مغربية ( وأمازيغية ) لما تبسّط المحامي معي بالحديث. كما أنّ مشهدَ حماتي المُحزن، وهيَ تستنطقه بلهجة متوسلة فيما يخصّ قضيتي، قد أثّرَ فيه ولا ريب. نادتني امرأتي باسمي، قبيل خروجها مع والدتها إلى حديقة المحكمة. وكان على الرجل العجوز أن يسألني عندئذٍ وهوَ يحدّق بعينيّ: " أأنتَ سوريّ أم لبنانيّ؟ ". وكان يعني، بحسب ما فهمته، ما إذا كنتُ نصرانياً بالأصل.
" بل إنني سوريّ، ولكن أجدادي هاجروا من تركيا قديماً فاستقروا في الشام "، قلتُ مجيباً باختصار. وإذا به ينتقل إلى موضوع المسلسلات التركية، ليصبّ غضبه على إحداها بسبب عرضها عشقَ شابّ لزوجة عمه المماثلة له في السنّ: " إنهم يفسدون مجتمعاتنا الإسلامية بهكذا قصص باطلة، ويجعلون الشبابَ يتقبلون الأفكار المستوردة على أنها متطورة وملائمة لعصرنا.. ". وعليه كان أن يقطع خطبته، طالما أنّ بابَ صالة المحكمة قد فُتِحَ على غرّة وبدأ الناسُ بالخروج أفواجاً.
تلك، كانت المرة الثالثة المتوجّب فيها عليّ حضورُ محكمة تنظر بقضية تخصّني. قبلاً، تمّ تقديمي مرتين للمحكمة في مقر إقامتي بالسويد. حينما انحشرتُ مع عقيلتي ووالدتها في أحد المقاعد الخشبية، تبيّن لي أنّ ثمة قضايا أخرى سيُجرى النظر فيها. إحدى تلك القضايا، كانت لصبيّ مراهق يبدو أنه متّهمٌ بضرب أبيه أثناء مشادة عائلية. دفعوا الفتى إلى القاعة، وكان شاحبَ الوجه ومهزول الجسم، فاندفع نحوَ والده باكياً فقبّل يده. صرخ القاضي بالولد في شدّة وحزم، طالباً منه إلتزام مكانه خلف الحاجز الخشبيّ. الأب، وكان متوسط العٌمر وتكسو بنيته المتينة جلابة قطنية بنيّة اللون، خاطبَ القاضي على الأثر مستعطفاً: " أسيدي، لقد عفوتُ أنا عنه فاشمله أنت برحمتك! ". إلا أنّ الولدَ نال ستة أشهر حبس، وتمّت إعادته إلى رحم الحجز. القاضي المغربي، في المقابل، عاملني بإحترام والحق يقال. بل إنه كان أكثر تعاطفاً معي من قاضيي بلاد الفيكينغ؛ اللذين كانا امرأتين بالمناسبة: إنني أهدي هذه الملاحظة الأخيرة لقرائي الأعزاء، ممن يُشاركون المحامي في عقلية المؤامرة!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخلَّ عن الأمل: 2
- تخلَّ عن الأمل: 1
- الرواية: استهلال
- سيرَة أُخرى 34
- احتضار الرواية
- فاتن حمامة والزمن الجميل
- أقوال غير مأثورة 6
- سيرَة أُخرى 33
- الهلفوت والأهبل
- سيرَة أُخرى 32
- بسمة مسمومة
- الغموض والوضوح
- عَرَبة العُمْر
- اتفاقية سايكس بيكو وشعوب المشرق
- أحلى من الشرف مفيش !
- سيرَة أُخرى 31
- سيرَة أُخرى 30
- أقوال غير مأثورة 5
- دعها تحترق !
- الحمار والدب


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تخلَّ عن الأمل: 3