أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهيد الحلفي - التعبير بالاستعار ... عماد المطاريحي إنموذجاً















المزيد.....

التعبير بالاستعار ... عماد المطاريحي إنموذجاً


شهيد الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 5191 - 2016 / 6 / 12 - 23:12
المحور: الادب والفن
    


التعبير بالاستعارة



الشعر الرسالي احد المفاهيم الوظيفية للشعر وذلك النمط الوظيفي يتطلب سلوكا تعبيريا خاصا ويقتضي توفر اعدادات مسبقة في شخص من يتولى تلك الوظيفة الرسالية , هذا النمط ووفقا للاعدادات المشار اليها اعلاه يلزم الشاعر في سبيل تحقيق هدفه بإجراء عملية [تركيب] لايجاد ذات اخرى تتولى المهمة التي حددها نمط الرسالة او الى استعارة [آخر] يتولى فعالية الرسالة , أي ان شخصية الشاعر تنشطر الى ذاتين [ذات مضمرة] وهي الاصل و[ذات فعالة] وهي التي يتم تركيبها تحت المؤثرات [الغائية] , مجمل الفعاليات التي تقوم بها الذات المركبة تجعل المتلقي يشعر ان الشاعر ككائن منتج قد تنحى جانبا بعد ان استعار شخصا آخر مركب في شخصيته الشعرية واوكل اليه المهمة التوصيلية .
طبيعة تلك الرسالة التي يحملها الشاعر الرسالي تجعل الشاعر يحدد مسبقا نمط [الاخر] الموكل بايصالها وهذا الآخر يتولى مهمة انتاج النص الرسالي وتحديد آلية توصيله وقد يبدو ذلك الآخر في السياق الشعري [ككائن وجودي] منفصلا ومستقلا عن الذات الاصل الا ان ذلك السياق يبقيه تحت السلطة التعبيرية للذات الاصل وتبقى الحركة [الغائية] للانتاج الابداعي هي الفيصل في تحديد طبيعة [الاخر] المركبة في ذات الشاعر .
هذا النمط الشعري نجده واضحا عندما نتصفح ديوان الشاعر عماد المطاريحي المعنون [الماذنه والبحر الاخضر] حيث يلاحظ ان النصوص الواردة بين دفتي هذا الديوان تجذب وعي المتلقي الى النزعة الاصلاحية في سياق الخطاب الشعري , هذه النزعة تسمح للمتفحص ان يضع ما انتجه عماد المطاريحي في خانة الشعر الرسالي ولكون مبادئ الاصلاح تتداخل كثيرا مع [المعارف الدينية] عليه فان نمط رسالة المطاريحي قد الزمته ان يحدد طبيعة [الآخر] الذي سيتولى مهمة ايصال رسالته وطالما ان الاصلاح هو مهمة الانبياء فان المطاريحي الشاعر قد اوكل رسالته الى [الاخر] الذي تم تفعيله في ذاته وهو عماد المطاريحي [النبي].
ذلك [الآخر] بدأ أولى فعالياته الرسالية بإعلان أولّي اطلق فيه استهلال ومفتتح لدعوة اصلاحية ابتدأت بخطوة تعارف تمثلت بقوله (انه احس روحي نبي هذا الزمان) وهذه العبارة التعريفية تؤشر على توكيد عدم القطعية ونفي الجزم وانما هي إشعار بإحساس الذات كإشارة تمهيدية لاطروحات لاحقة قد يكون وعي المتلقي غير معتاد عليها سابقا , هذا الاحساس يعبّر عن طريقة التعامل مع الواقع الذي تعيشه او بالاصح الواقع الذي تقاومه , تلك الذات بتوجهها الاصلاحي قد تكون ذات نزعة انفصالية ومعنى الانفصالية هنا ينسحب الى الانفصال عن الواقع حيث ترد جملة اعلانية اخرى تفيد [انه عوفوني/ نبي الشمام والحب والنسيم] والنزعة الانفصالية في هذا المورد يمكن تحديدها باتجاهين [طبقي ونوعي] الاول يتحدد بمفردة (عوفوني) أي اتركوني وهو فعل امر موجه الى الطبقة الاجتماعية التي يُحسب عليها الشاعر وهذه المفردة تمثل رغبة طافحة في الانسلاخ عن المحيط الذي يعيشه , اما الثاني فهو انفصال من حيث النوع ,نوع الانبياء, ويمثل اللا انتماء فالمتكلم هنا نبي استثنائي وخارج عن النمط المتداول والمعروف للانبياء ولتوكيد هذا التمايز فان ادلة الاثبات كثيرة وقد وردت كالاتي [1ـ معجزاتي ثيابي بيض 2ـ ما افتش عن مغاره وروحي يسكنها حراء 3ـ من تطالبني بكتاب اني قراني ضمير 4ـ كلبي سجاده نده ايصلي عليها الاقحوان ]هذه المعطيات الاشهارية تؤكد مفهوم [النفرة من السياق] في سبيل تهيئة الوعي المتلقي لاستقبال هكذا نبوة وخلق حالة التكيف الانعكاسي , تكيف العام مع الخاص , تكيف المحيط مع الفرد الاستثنائي وتوازن مستوى الائتلاف واخذ الفكرة حيزها في مساحة الوعي المستهدف , صاحب الرسالة هنا انسان خارج السياق وخارج قوس المألوف ومتمرد من الدرجة الاولى وبعيد عما اعتاده الذهن الجمعي الذي ادمن التعامل مع الانساق المعرفية الدينية التقليدية.
الذات الاخرى التي استعارها الشاعر وركّبها في ذاته وأوكل إليها مهمة توصيل رسالته نراها تتدرج في النمو التعبيري حيث ان بنائها ينساب تصاعديا مع احتدام النشاط التفاعلي الرامي الى إتمام البناء التكاملي مع الذوات المستهدفة , تلك الذات بتتابع نشاطها التفاعلي تصل الى مرحلة متطورة يمكن تسميتها [مرحلة الغليان التعبيري] والذي ابتدا متسلسلا من مرحلة بسيطة مثلتها حالة [افتراض] عبر عنها عن طريق الاحساس ثم ليتدرج ذلك الاحساس ليصل الى الذروة ليجد الشاعر نفسه يمتلك صلاحيات تداول [المعرفة الدينية] وفقا لسلطات الذات التي استعارها والتي تتخذ من الدين مادتها الخام كذخيرة تعبيرية ولكون تلك الذات قد بلغت مرحلة النضج الرسالي فقد سخرت تلك المعرفة الدينية على نحو آخر , نحو يؤكد الانفصال النوعي عندما راحت تبتدع من تلك المعارف روئ [انقلابية] روئ تنطوي على معالجات فلسفية تعبر عن صراحة اللا انتماء للفصيل النسقي , فعملية الانشطار الذاتي التي قام بها الشاعر قد اوجدت البديل الذي مارس ثورته التعبيرية ليكون بديلا عن الانبياء ويستحوذ على سلطاتهم المعرفية ويستخدمها ليمارس دورهم في الحياة وهو دور (الاصلاح) وهناك من يرى ان ميل الشاعر لتقمص هذه الأدوار هو إقرار لا شعوري بوجود هذه الأدوار أصلا في كيانه وانه في محاولته هذه لا يعدو مجاله النرجسي في ان يكون بديلا من شيء ولكي لا يتهم بالوهم فهو قطعا لا يحاول ان يكون بديلا من وهم لأنه ظل ويظل في حساباته وتخريجاته حقيقة كبرى في الوجود 1
هذه الذروة التعبيرية للذات الفعالة تمخضت عنها نقلة نوعية في استهلاك المعارف الدينية وإعادة صياغتها بأفق جديد يمكن الدلالة عليه في المتن الشعري المعنون [استفتاءات شعرية / مطابقة لفتاوى السيد الضمير] وهذه الاستفتاءات تتجلى كصورة تقرّب بين الذات والواقع على نحو تصادمي مثير والتصادم هنا حادث لا بد منه ما دام هناك وعي نمطي متوسد على اثير الموروث , الوعي الديني المدجن بثقافة التدين التقليدي المقولب غير المؤهل للحراك والمحاط بحواجز واسلاك شائكة , هذه الاستفتاءات ربما تكون [مجازفة شعرية] لما تحتويه من بيانات خروج وعصيان على العقل السلفي ولأنها تناولت ثوابت دينية متمركزة في العقل الجمعي مثل [الصلاة,الحج,الزكاة,الجهاد,الصوم,الصدقة,الايثار,رجل الدين] فعبارة [الساهون افضل من ناس ايصلون] هي لوحدها تمثل اجتياز لسور حصين ودخول لحقل الغام ولا يمكن للقاعدة الواردة في هذه العبارة ان تتجول بحرية في ازقة الوعي المتدين لانها تمثل خروج صارخ على قواعد فقهية آمرة متمركزة في ذلك الوعي , وكذا الحال مع المقاطع الاستفتائية اللاحقة وربما يكون الانقلاب بارزا في الفقرة الاخيرة من الاستفتاءات [رجل الدين/أمبين لو صار البنيان / شايل طاسة طين/ والمغرب يرجع لطفاله بخبزه وتمره/ وسوالف عن الحريه/ الشايل طاسة طين اني باستفتائي الشعري اعتبره افقه واحد بالدين] هذا الطرح يمثل رؤيا انتقادية بصيغة اظهارية في سبيل تهشيم التابو وتحريك المعايير الراكدة في قاع التفكير الجمعي الذي التقط صورة لرجل الدين بالابيض والاسود , في هذا الطرح يتغير المنظور وتختلف المقاييس ويبرز المفهوم العملي للدين , فرجل الدين ليس من يتولى النشاط التنظيري لينزوي عن الحياة بانشغالاته النظرية وأموره التعبدية وانما يقاس ذلك الرجل بمدى إسهامه في البناء, بناء الإنسان, فرمز (طاسة الطين) في هذا المقطع يدل ويرمز الى أصل الإنسان وبنائه التكويني كما ان البناء لا يقتصر فقط على الجانب المادي وانما ينسحب ايضا الى الجانب المعنوي متمثلا بجملة [وسوالف عن الحريه] فدلالة رجل الدين حسب السياق التعبيري هنا لا تقوم على مبنى (الرمز) وانما تقوم على مبنى (الحركة) ويمكن من خلالها الاشارة الى كل من يمارس دورا سلوكيا ايجابيا في الحياة وان كان ذلك الدور مقتصرا على حمل طاسة الطين وترديد بعض الكلمات عن الحرية , مجمل القول ان هكذا طروحات تسعى الى احداث تغييرات في اعدادات العقل السالب وتحريك الساكن فيه بالاعتماد على اسس تجاوزت مجال الافتراض وركزت على تهشيم النسق المعرفي الموروث بطريقة فطرية والذي يمثل مصدر قلق لنبوءة الشاعر لكون ذلك النسق مشتق من (دين يدعو الى قطع كل تساؤل امام الشاعر ودين يغلق كل ابواب الفلسفة بما يقدمه من اجابات قاطعة) 2 والشاعر هنا يريد ان يُخرج متلقيه من الاشتراك الغريزي الى الاشتراك الشعوري من خلال ايصاله لصورة بسيطة مفادها ان عملا بسيطا يصدر من انسان بسيط ربما يجعل منه النموذج التطبيقي لرجل الدين وان هذه المنظور الذي اعتمده الشاعر يرمي الى انتزاع الدين من اطاره السلفي الكلاسيكي ومنحه ابعادا انسانية تطبيقية باعتبار ان( الدين ـ أي دين ـ هوتلبية صادقة لحاجة نفسية ملحاح في الصيرورة ودقيقة في فهم علاقة الانسان بالاشياء وموقعه في الوجود وينزع الدين في مجمل احكامه الى الى تقريب الرؤية الذاتية للفرد من الواقع حيث ينشأ المنطق القائل بتلاحم داخل وخارج الذات الانسانية تلاحما سليما)3 فالدين الذي يدعو اليه المطاريحي هو ليس دين النصوص وانما دين السلوك ليس الدين الذي يمثل سياق انضباط عام في الحقيقة والمفاهيم والتصور المقدم سلفا وقد يكون ذلك الدين هو دين البحث عن الانسان المنفتح على المفاهيم والقيم الانسانية غير الجاهزة ويمثل ذلك باسئلة عدة يطرحا شعريا ومنها [منهو يترك دين خوفه وينتمي لدينه الجديد/ منهو يتسودن اصولي ويكفر برايه السديد] والخوف هنا رمز لكل ما هو جامد ومتقولب في الوعي المُخاطب والدين الجديد الذي يدعو إليه الشاعر ما هو الا دعوة لأنسنة القواعد القديمة واعطاءها بعدا آخر ذا منحى سلوكي وليس نصي.



الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. د .ريكان ابراهيم /نقد الشعر في المنظور النفسي/ دار الشؤون الثقافية /ص 193
2. المصدر السابق / ص 185
3. المصدر السابق / ص 195



#شهيد_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهيد الحلفي - التعبير بالاستعار ... عماد المطاريحي إنموذجاً