أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - أطيب شاي «باله» في العالم














المزيد.....

أطيب شاي «باله» في العالم


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 5191 - 2016 / 6 / 12 - 16:17
المحور: الادب والفن
    


لم تكن تجاوزت العاشرة صباحاً عندما وجدته جالساً على الرصيف مطأطئاً. أول ما استرعى انتباهي، الأحزمة التي تشدّ كمر بنطاله إلى كتفيه. والعصا الملقاة إلى جانبه، وهذا ما أكّد لي بأنه ليس متسوّلاً، بل إن ثمة مشكلة ما يعاني منها هذا الرجل السبعيني. اقتربت منه مخاطباً:
- ما بك يا عمّ! هل يمكنني مساعدتك بشيء؟
رفع رأسه ببطءٍ شديد وأرسل من عينيه الناعستين نظرة حزينة وقال:
- لو تعمل معي معروفاً يا بنيّ وتوصلني إلى بيتي.. هو لا يبعد كثيراً من هنا. (وأشار بيده إلى الخلف بصعوبة).
سارعتُ إلى مسك يده وإنهاضه برفق. توكّأ على عصاه ودمدم:
- أشكرك يا بنيّ، لقد أصابني دوّار لعين منعني من الوصول إلى السوق لأشتري بعض الخضار..
- ولا يهمّك يا عمّ.. كيف ترى نفسك الآن؟ عساك أفضل؟
- الحمد لله يا بنيّ، هذه سنّة الحياة، إنني الآن في أرذل مراحل العمر.. (وأضاف بصوتٍ واهن) متى سيأخذ الله أمانته ويريحني من هذه الدنيا التي لم تعد تسعدني بشيء..
ونحن نتابع سيرنا مع صوت وقع عصاه على الرصيف، كان جسده الضئيل يسير الهوينى كما لو كان يغوص في أكوامٍ من الوحل. إلى أن بلغنا زقاقاً ضيقاً لا يتسع لمرور أكثر من شخصين بدينين متحاذيين.
توقّف ونظر صوبي بامتنانٍ صادق وقال:
- بيتي لم يعد بعيداً يا بنيّ، أشكرك وأتمنى إن كان وقتك يسمح بتشريفي لشرب كأسٍ من الشاي، فأنا وخالتك أم محمد لا نشرب القهوة لارتفاع ثمنها ولضررها على صحتنا..
الفضول لدخول بيته بلغ أعلى درجاته. قلت له:
- لن أثقل عليك باستضافتي، نلتقي في وقتٍ آخر إنشاء الله..
ضغط على يدي التي ما زال ممسكاً بها وقال:
- من عادتي أن لا ألحَّ على أحد، لكنني أتمنى أن تزورني إن كان لديك متسع من الوقت.
الحقيقة أنني لم أكن بحاجة لتكرار طلبه مجدداً فأجبتُ مغتبطاً:
- لن أزعّلك يا عمّي، يمكنني البقاء معك ربع ساعة.
لدى وصولنا إلى بيته كان جمهرة من الأطفال يزعقون بمرح ويركضون برشاقة ويتشابكون ضاحكين وتبدو على سيمائهم ملامح الشقاوة.
قرع الباب بيده منادياً:
- افتحي يا أم محمد معي ضيف..
لحظات ويفتح الباب وتطل من ورائه امرأةٌ عجوز. هلّلت مرحّبةً:
- أهلا وسهلا يا ابني تفضّل..
فور دخولنا تهالك أبو محمد على أقرب كرسي وأشار بيده لي بالجلوس على كرسيّ وُضِع عليها طرّاحة قماشية، ويبدو أنها مخصصة للضيوف.
استهلّ ترحيبه بي موجهاً كلامه لزوجته قائلاً بشيء من الألفة:
- ضيفي وليشهد الله، ابن عالم وناس وحتى هذه اللحظة لا أعرف اسمه، لقد ساعدني بالوصول إلى بيتنا يا أم محمد، بعد إصابتي بالدوّار، كثّر الله من أمثاله..
شكرتني أم محمد وبدأت تلوم زوجها قائلةً:
- قلت لك طوّل بالك حتى يأتي ابننا غداً من مناوبته ويشتري لنا حاجياتنا من السوق، لكنك لم تسمع كلامي..
دافع أبو محمد عن موقفه موجّهاً كلامه صوبي:
- يا بنيّ ولدنا يخدم في قطعته العسكرية خمسة أيام ويأتي استراحة يومين.. ولا أريد أن أعذّبه بتمضية إجازته بالذهاب إلى هنا وهناك.. ثم والله يا بنيّ أتمنى الخروج من هذا البيت الذي لا يرى الشمس، وأعتبر ذهابي إلى السوق من قبيل التسرية.. لم تقل لي يا بني ما اسمك، لم نتعرّف عليك بعد؟
- اسمي ويا للمصادفة (محمد) وأنتم بمثابة أهلي، ويشرّفني أن أشرب الشاي معكم كما وعدتكم يا عمّ..
التفت صوب زوجته قائلاً:
- يرضى عليك يا أم محمد قومي اعملي لنا إبريق شاي، (دوّري، بحبشي) إذا بقي لدينا ظروف شاي غير مستعملة..
- (نظرتْ إليه بعتب كمن تذكّرت حقيقة مزعجة) ألا تعلم أنه لم يبقَ لدينا إلا الشاي المستعمل؟!
لم أستطع تفسير هذا الحوار للوهلة الأولى، تُرى، هل هو ماركة جديدة لنوعٍ من الشاي لم أسمع به من قبل؟! إلا أن صوت أبي محمد قطع عليّ تساؤلاتي:
- لا تؤاخذني يا بنيّ، من ساواك لنفسه ما ظلمك، سعرك بسعرنا، نحن نستخدم ظرف الشاي أكثر من مرة في إعداد الشاي.. الفقر ليس عيباً.
ابتسمتُ مخففاً عنهما وهول المفاجأة يصعقني:
- ولو يا عمّي، كلنا بالهوا سوا، سنعذّبك يا خالة بإعداد الشاي، سلمت يداكِ سلفاً.
توجّهت أم محمد إلى المطبخ وعيناي تلوبان متفحّصةً المكان بأثاثه المهترئ؛ مدفأة صدئة مركونة في زاوية الصالون، وعدد من الكراسي البلاستيكية لا تخلو أيٌّ منها من عيوب بسبب قدمها. وتربيزة كان من المفروض إحالتها على التقاعد منذ أكثر من عقد. بساط ممدود على الأرض وقد تسلّلت حزمٌ من خيطانه من أطرافه الأربعة.
أسئلة متدافعة يضجّ بها رأسي:
- عمّي، آسف لهذا السؤال، ما هو مصدر رزقك؟
- أنا متقاعد يا بنيّ، راتبي بعد كل الزيادات (12) ألف ليرة.. ألفان ليرة دواء لخالتك أم محمد. وألف ليرة دواء لي. والحمد لله مستورة، كما ترى، مصروفنا قليل لا يوجد لدينا لا براد ولا تلفزيون ولا شيء له علاقة بالكهرباء، بعد أن سحبت الشركة العداد بسبب تراكم الذمة المالية علينا..
- كم ولد لديك يا عمّ؟
- خمسة لله.. ثلاث بنات متزوجات، وصبيّان أحدهما متزوج ويعمل بصيد السمك، والآخر تطوّع بالسلك العسكري، ما زال عازباً ويرفض فكرة الزواج، الله يهديه..
دقائق وتعود أم محمد ونشرب الشاي اللذيذ.
* * *
لدى مغادرتي، مشيت بالزقاق وسط جلبة الأطفال الهائجة! التفتّ إليهم مراقباً فتوقّفوا عن اللعب فجأةً وصمتوا وهم يرمقونني بنظراتٍ مترعةٍ بفضولٍ طفولي. اقتربتُ من أصغرهم ومسّدتُ شعره براحة كفّي ملاطفاً. وتمنّيت لو أعود طفلاً ولو لدقائق لألعب معهم وأنسى مرارة هذا العيش.
فجأةً هبّت ريحٌ قوية. نظرتُ باتجاه السماء، كانت الغيوم تتناطح متسارعة وتنذر بمطرٍ عظيم. التفتُّ إلى الأطفال قائلاً بلهفة:
- أرجوكم اذهبوا إلى بيوتكم، فالمطر قادمٌ بعد لحظات!
أجاب بعضهم بأصواتٍ متداخلة:
- بالعكس يا عمّو، الله يبعث الخير، نحن نحبّ المطر بعد هذا الاحتباس الطويل.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءتي لانخفاض سعر صرف الدولار
- وكالة «عذراء»..!
- ما هي غايتهم من رفع أسعار صرف الدولار في سورية؟
- قراءة سريعة في أسباب تدهور الليرة
- حَدَثَ في سورية – قصّة حقيقية
- «دَقَّة قديمة..»
- في أسباب ضعف اليسار
- مرشّح غير شكل!
- الرّاحل الذي نَفَدَ بِجِلْدِه!
- سْتوووبْ.. أوقِفوا التصوير!
- الشَّبح
- كيف نقضي على الإرهاب؟
- المِظَلّة
- طلب استقالة
- هل يمكن القضاء على الإرهاب بمعزل عن الحلّ السياسي؟
- حوارات نقابية
- -داعش- والحب
- ماذا حصدنا من الفيتو المزدوج؟
- الصحافة السورية وملفات الفساد
- هل العلمانية دواء للصراع الطائفي؟


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - أطيب شاي «باله» في العالم