أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم عرفة - الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [24]















المزيد.....


الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [24]


محمد عبد المنعم عرفة

الحوار المتمدن-العدد: 5189 - 2016 / 6 / 10 - 08:10
المحور: الادب والفن
    


الإمام أبو العزائم والسماع
السماع معراج الأنبياء والأولياء، كما جاء في الأثر (معراج الروح السماع ومعراج القلب الصلاة) فالجهر والسماع آلات محركات لما في قلوب العشاق والعارفين لأنهما طعام المحبين ومقوى الطالبين، حتى قال صلى الله عليه وسلم (من لم يتحرك عند السماع فليس مني) وإن منكر السماع لا يخلو من أحد أمور ثلاثة: إما جاهل بالسنن، أو مفتر على ما أباح الله تعالى من الأعمال بالأخبار، وإما جامد الطبع لا ذوق لـه، وقوله تعالى (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ)(فاطر: من الآية1) المراد بالزيادة الصوت الحسن، وفي "عوارف المعارف للسهرودي" أن السيدة عائشة ا قالت "كانت عندي جارية تسمعني فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على حالتها ، ثم دخل عمر ، ففرت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: ما يضحك يا رسول الله؟ فحدثه حديث الجارية، فقال: لا أبرح حتى أسمع ما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها فأسمعته).

السماع على ثلاثة أقسام: محرم، ومباح، ومندوب.
• فمن غلبت عليه شهواته وتكدرت بواطنه وفسدت مقاصده فلا يحرك السماع إلا ما هو الغالب عليه من الصفات المذمومة، فالسماع في حقه حرام.
• ومن تحرك في قلبه بالسماع محبة زوجته، أو تذكر به غائبا أو ميتا فيثير به حزنه فيستريح بما يسمعه فالسماع لـه مباح.
• ومن غلب عليه حب الله والشوق إليه، فلا يحرك السماع منه إلا الصفات المحمودة، وتضاعف الأشواق إلى الله، واستدعاء الأحوال الشريفة والمقامات العلية والكرامات السنية المواهب الإلهية فالسماع لـه وفي حقه مندوب بل واجب، فسماعه ذكر من الأذكار مكتوب في صحائف الأبرار، وسماع الصوفية من هذا القبيل وهو ممدوح ومحمود عند العالم النحرير.

والسماع عند الإمام المجدد أبي العزائم من النوع الثالث، الناتج عن إمان النظر في الآيات وشهود تجليات جمال الحق في الخلق عند سماع آيات الحق تتلى سر قوله تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر17 ،18) وقوله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37)وقوله سبحانه (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(المزمل: من الآية4).
روى البخاري وأبو داود والترمذي حديث السيدة عائشة ا : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله أو ينافح- أي يرد عنه هجاء الكفار بالشعر ويباهيهم به- ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يؤيد حسانا بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعندما تحدث الإمام عن السماع قال:
"إن السماع من أكمل أنواع تزكية النفوس خصوصا مواجيد أهل الصدق ممن وقع بهم العلم على عين اليقين وهجمت عليهم صولة الحق فأفنتهم عنهم فيترنمون بألحان شجية، وتلك المواجيد خصوصا لأهل النفوس الطاهرة الطيبة نوع من أنواع الرياضة والتزكية، فإذا صغت الآذان إلى تلك المعاني القدسية بالألحان الشجية زكت النفس وأقبلت وأحبت من تتغنى به عن وجد وحال، قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ)(النساء: من الآية46) ، وقال تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا)(المائدة: من الآية108)، وقال جل جلاله (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)(التغابن: من الآية16)، وقال تعالى (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر17 :18) ، وقال تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)(لأعراف: من الآية204)، وقال عز وجل (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) (المائدة: من الآية83)، وفي الأثر (الصوت الحسن نفس من نفس الرحمن).

معلوم أن الأسرار الإلهية المتعلقة بكمالات الأسماء والصفات لا طريق لها إلا السماع، قال الله تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78) فجعل الله تعالى الأبصار للإنسان ليشهد الكائنات وبها تظهر الآيات للأفئدة، وخلق الله لـه السمع ليصغي إلى كلام الله تعالى وبيان رسله عليهم الصلاة والسلام فيوصل تلك الأنوار إلى الأفئدة فتفقه أسرار الله وتنعقد على الحق.
وقبل أن أتكلم على السماع عند القوم أبين الخلاف فيه، وقد وضحت جملا منه في كتاب "معارج المقربين" ولما كانت النفوس قبل تزكيتها وتطهيرها من لقسها ينبغي أن يكون لسماعها رنين سياط الإنذار والتخويف حتى تطهر من طمع في الدنيا وغرور بها، ثم يترقى السماع إلى سماع البشائر بالملاذ الباقية والنعيم الأبدي حتى تزكو من الإخلاد إلى الأرض، ثم يكون السماع بنغمات الرغبة والرهبة ليصفو جوهر النفس صفاء يجعله مستعدا لتلقي العلوم النافعة، ثم يكون السماع بسماع الحكمة الغالية لاستجلاء تلك الحقائق في جوهر النفس فتنجذب بالكلية إلى عالمها الأعلى وتفارق مفارقها، وترى الدنيا كما وصفها الله تعالى بقوله سبحانه (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران: من الآية18) والمتاع هو سقط البيت الذي لا ينتفع به، وكفاها تعاسة أن الله سماها دنيا لأنها مأخوذة من الدون، فإذا صفا جوهر العقل وقبل العلوم النافعة بطريق السماع واتصل بعالمه الأعلى بحسب الحقائق العلمية التي نقشت عليه، انفتق تق القلب فصغت أذن القلب إلى نغمات الكائنات وفقهت تسبيح كل شيء كما قال تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(الاسراء: من الآية44) وللكائنات نغمات تبتهج بها الأرواح متى صغي إليها القلب اطمأن بمقلبه سبحانه، ومتى اتصلت النفس بعالمها الأعلى التي هي منه سكنت إلى منافسها سبحانه، وإذا اطمأن القلب بمقلبه وسكنت النفس لمنفسها كان السماع معراجا للوصول وبراقا للقبول يحصل به للنفس سياحتها الروحانية في ملكوت الله الأعلى، وقد شرحت لك السياحة الروحانية في كتاب "الفرقة الناجية" . ومتى ساحت النفس في ملكوت الله الأعلى تجافت عن دار الغرور واتصلت بالنور فحصل لها الحضور، كل ذلك بسر السماع.

وقد يخطئ بعض الناس فيذمون السماع.. نعم ولكن يلزم أن يكون ذمة من الجهالة التي يذم منها، فإن أهل النفوس النجسة التي لم تترك ولم تخرج من مقتضيات عناصرها إذا سمعوا الحكمة جذبتهم حظوظهم إلى ما لا يحمد، فمنهم من يعينه السماع إلى عمل المحرم كالزنا وشرب الخمر والقتل وبذل الأموال في غير الوجهة الشرعية وإثارة العواطف وفساد الأخلاق، وهذا السماع محرم شرعا ويجب أن يحجر عليه، ومن السماع ما هو أشد حرمة من هذا، وذلك أن يجلس أهل النفوس النجسة في مجالس أهل السماع مع العلماء الربانيين في خلوتهم أو تؤخذ إشارات الرجال وأسرارهم فتنشر بين العامة ممن لم يحصلوا العلوم الشرعية اللازمة لهم من التوحيد والفقه وعلم الوعد والوعيد والإنذار والتبشير والإيمان بيوم الحساب ومعرفة الأسباب التي وضعها الله لعمار الكون وربط بعضه ببعض، وقد جعلها دلائل وحدانيته ببراهين على حكمته وقدرته، فإن أمثال هؤلاء إذا جلسوا في تلك المجالس أو سمعوا هذه الحكمة أخرجتهم عن الاعتدال فضلوا وأضلوا.. نسأل الله السلامة.
إن مثل هذا السماع من أكبر الكبائر شرعا، لأن الشرع ينظر إلى نتائج الأعمال، و هذا السماع ربما أنتج القول بالحلول، أو أنتج ترك الأعمال الشرعية، أو أنتج محو الأحكام وعدم الأسباب، وربما عمت البلية فأدعى تلك المعاني أهل الجهالة ممن لم يعرفوا أنفسهم ، فضلا عن معرفة الله تعالى وأيامه وأحكامه، وجعلوا تلك الأسرار العلية مصائد للدنيا بالدين، قال صلى الله عليه وسلم (ملعون ملعون.. قالوا: من يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : من طلب الدنيا بعمل الآخرة) وقال صلى الله عليه وسلم : (تعس عبد الدرهم والدنيا تعكس وانتكس.. وإذا شيك فلا انتقش)، وقال تعالى (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)(البقرة: من الآية41).
وإني لأ أعذر رجلا نشر الحكمة بين العامة فأفسد عقولهم وأعذر العامة، ولا ألوم من بخل بالحكمة غيرة عليها أن يتناولها غير أهلها، وكيف توضع الجواهر تحت أقدام الخنازير؟.
وعلى ذلك فالعاقل لابد وأن ينظر قبل الحكم إلى نتائج العمل، فإذا أنتج خيرا فخير، وإن أنتج شرا فهو محرم لأنه أنتج شرا.
وكيف يحرم السماع، وإنما تأسست الأديان على السماع، وما من نبي بعثه الله تعالى إلا وأنزل عليه ما يتلوه على قومه، وما من عالم بين قومه إلا وقام يبين للناس ما نزل على رسله عليهم الصلاة والسلام.

وكعادته يجعل الحديث عن موضوع واحد في أكثر من كتاب وحسب ما يقتضيه مقام المخاطب، فتراه في كتاب "معارج المقربين" يتحدث أيضا عن السماع من ناحية الحكمة الإلهية وأنواعها وكيفية تلقيها والعمل بها فيقول:
الحكمة الإلهية روحانية أو جسمانية:
فالحكمة الجسمانية نوعان:
أحكام شرعية علمية عملية، وأحكام صحية تتعلق بدوام صحة الجسم، وحفظ الصحة عليه، وهي الحكمة التي يجب التقليد فيها للأئمة الصادقين وللمجرمين العالمين، ويجب تلقيها علما وشهودا عملا، والسماع فيها واجب شرعا، لأن تعليمها فرض عين في أحكام الشرع في أصول الدين وفروعه التي لابد منها عند وجوبها على العامل، والتوسع في جميع الأصول والفروع فرض كفاية على الأمة.
والحكمة الروحانية نوعان:
الأول : عقائد لابد منها للمسلم إجمالا، وأخلاق لابد منها لحسن المعاملة الضرورية، الثاني: تفصيل العقيدة، وعلم ما يمكن أن يتلقاه المؤمن الكامل الإيمان من أسرار الحكمة الإلهية من الكمالات الذاتية، والجمالات والجلالات، وسر تصريف القدرة وعجائب تجليها وكشف غوامض الحكمة وشهود معانيها، وعلم النفس وأنواعها وأمراضها ودوائها وتصفيتها من الحظوظ والأهواء، وعلم أسرار الكائنات ومراتبها، وذوق أسرار التجلي والتنزيه والتشبيه، والتدلي والدنو والنزول والزهد، والتوكل، والتفويض، والرغبة والرهبة، والخوف والخشية، والطمع والرجاء، والفناء والبقاء، والجمع والفرق، والعلم بالله والمعرفة، والكشف والشهود، وأسرار البرزخ والقيامة، والمعية والعندية، وما يلزم ذلك من أسرار الحكمة التي لا تتلقى بالعبارة ولا بالإشارة، والتشبيه بالمعاني، والتخلق بالأخلاق الإلهية.

كل ذلك من الحكمة الروحانية التي لا ينبغي التقليد فيها إلا بعد إشراق أنوارها على القلب المطمئن، حتى تنبعث تلك الأنوار على جميع الأعضاء العاملة، فيقوم كل عضو بكمال وظيفته، ولديها يتلقى القلب عن الرب، فينجذب إلى عوالم الروحانيين ويذوق من كل الموجودات ذوقا روحانيا بحسب مأخذ كل عضو.وللكمالات معاني الألوهية والكمالات الذاتية لا ظهور لها في عالم الحس والخيال، كانت الحكمة الإلهية السمع، وكلما كانت إشارة صفت الروح وتقوت، وكان لها السلطان الأكبر على الإنسان فجذبته إليها، وتطهر من كل مقتضيات رتبته، وتسلى عن لوازم مكانته، واشتاق إلى عوالم الملكوت، حتى يتم الشبه، ولديها يسكن إلى الله فيحركه الله، وهو الساكن المحرك ، ويفنى في الله فيبعثه الله، وهو الميت الحي، ويغيب عن نفسه بالله، فيظهره الله مجملا لخلقه، ويعبد الله خالصا، فيسخر لـه الله جميع خلقه.
وفي هذا المقام يكون السماع فرض عين على هذا الواجد، لأنه يسمع بسمع الروح، ويفقه عن الله، وذلك لأن الحكمة الإلهية لما كانت ألفاظا مقربة للمعاني، وكان مدلول الألفاظ محسوسا أو متخيلا، ومعاني الربوبية فوق الحس والخيال، كانت الألفاظ المسموعة للمتمكن دالة على حقائق المعنى المرادة للحكيم بسماعها مزيد من الله لمن زكت نفسه وتهذبت. ولذلك كان للوجود نغمات وللأوتار نغمات دالة على أسرار الحكمة، تسكر بها الأرواح، ألم تر قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(الاسراء: من الآية44). إن كل شيء دال على معاني الظاهر، مسبحا جنابه العلي عن الإدراك بالتحديد.

وكثيرا ما يتغنى الإمام أبو العزائم بمواجيده النظمية فتراه يجمع فيها بين مراتب السماع ودرجاته وأطواره المختلفة ومناسباته المتعددة التي لا يخلو منها زمان أو مكان، ولا يفرغ منها حال السالكين طريق رب العالمين فتراه يذكر السماع الأول في يوم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(لأعراف: من الآية172) ويذكر به دائما فيقول:
أهل المحبة من (أَلَسْتُ) سكارى
لما لهم قد أشهدوا الأنوارا

شهدوا جمال حبيبهم سمعوا الندا
لبوا لـه متبتلين مرارا

أنا من (ألست) مهيم بجماله
أنتم معي إذا ظهروا الأنوار

ويقول أيضاً:
يا قلوبا بالحب لاح ضياها
فحبابها المولى لـه واصطفاها

أنسها ذكره ورؤيا المعاني
فتجلى لها بها ودعاها

أنبنينا بمبدأ الحال حتى
تتجلى شمس الهدى فنراها

ذلك سر قد كان قبل (ألست)
قد رأينا جمالها وحلاها

خصصتنا يد العناية قدما
لنرى وجهها بأفق علاها

أسمعتنا خطابها فأجبنا
بهيام ولوعة لدعاها

جملتنا بها فملنا إليها
بهيام لا نلتفت لسواها

وتراه حينا آخر يتحدث عن الذكر وما فيه من شهود جمالات المذكور سبحانه، وأول الذكر أن تعلم أنك تخاطبه ويقينك سماعه لك، ثم تترقى حتى تذكره ذكرا كثيرا يذكرك به سر قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة:152) فتسمع لذيذ خطابه وجميل كلامه.. يقول:
ما لنا حال ذكرنا في هيام
وانجذاب ولوعة وغرام

ذا لأنا إذا ذكرنا حضرنا
وشربنا في القدس ما في المدام

يتجلى المحبوب علنا فنرأى
وجهة ظاهرا بغير لثام

ما ذكرنا إلا حضرنا وطبنا
وسمعنا منه جميل الكلام

ذاك ذكر لكنه خمر قدس
قد أديرت برأفة وسلام

ما ذكرنا إلا سكرنا بخمر
من يد المصطفى سراج الظلام

يا عزولي لو ذقت من راح قدس
حال ذكري لا تسمعن لملام

ذاك ذكر به القلوب اطمأنت
وترقت إلى أعلى المقام

ثم يتساءل بأسلوب رقيق عذب فيقول:
وكيف وأهل العشق إن ذكروا
لهم حبيبهموا حنوا إليه وتاهوا

يحن فؤادي إن ذكرتم حبيبه
لأن سماع الذكر عين مناه

أيسمع قلبي اسم الحبيب مكررا
ولا يشهدن أسراره وحلاه؟

هكذا تراه يتغنى ولكن عن وجد، ويتحدث ولكن عن شهود، يجذب قلوب السامعين، ويأخذ بأيدي الحيارى ويسلك بهم على طريق الهداية، فتجده يحدد معنى كلمة الأغاني وتأثيرها ومتى يسمعها المريد، فهو يحذر المريد في بدايته من سماع أغان تجلي الله بها على قلوب أهل الحق رحمة بهم ومحافظة على حالهم وصحتهم الروحانية فيقول:
إن الأغاني راح للمريدينا
بها الوصول إلى أعلى وعالينا

تهز قلب مراد واله فيرى
نورا فيحجب عنه الحور والعينا

يفنى به عنه حال الاتحاد به
يغشاه نور فيخفى عنه تكوينا

تغشى المعاني سدرته فتنظره
فردا تجمل تحقيقا وتمكينا

تلك الأغاني أرتلها لخلوتها
لمن صفا بالصفا حبا وتكوينا

لا يسمعنها مريد في بدايته
وهي الطهور وكان السر مكنونا

دارت بحانات تنزيه وقد سبقت
لـه به صار بعد الرشف مجنونا

تخفيه عنه وعن دنيا وآخرة
فرد المراد إلى مولانا مأمونا

سر إذا لاح أخفى الآي أجمعها
لا تظهرنه وأفق السر مضنونا

أهل الصفا عن عيون الخلق قد ستروا
أخفوا مشاهدهم رهبا وتحنينا

لا يسمعون سوى الأفراد نغمتهم
ما زال سري في الآيات مكنونا

كيف الإباحة بالأسرار في ملأ
وهي الحقيقة تصريحا وتيقينا

روحي قبيل بياني قد أجود بها
سمحا بها وأرى الأغيار تكوينا

أخشى على الدر أن يلقى بمزبلة
فيزدري .. وأخون الحق والدينا

لي جلوة تخفي عن عالين ، ظاهرها
نور تنزل، فافهم دمت مأمونا

كيف البطون؟ وهل أبدي مشاهدتي
إلا لفرد تجرد؟ لا دنيا ولا دينا

قد فر الله في سر وفي علن
والوجه مقصده.. والله يهدينا

وعندما كانت ترى عين حسه آثار قدرة الله، ويصغى سمع قلبه تسبيح الآيات في الآثار سر قوله تعالى(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (الاسراء: من الآية44) يقول:
نغمات تسبيح الكيان مدامي
يصغى لها قلبي يزيد هيامي

يا أيها الآثار أنت ستائر
للآي آي دلائل الإعظام

قلبي إلى التسبيح يصغى واجدا
وجد المؤله من فصيح كلام

يا أيها الآثار أنت مظاهر
للروح لا للعقل والأوهام

والسماع عند الإمام دائما ما يرتبط بالراح والشراب وخمر الجلالة فيقول:
تغنوا معي بالحال إن دارت الراح
فكم عند شراب الراح تصعق أرواح

فداووا بالمزمار غني فأوبت
بالحانة الأشباح والأرواح

وها أنا مخمور براح مقدس
لم تدره الأرواح والأقداح

تناولته من قبل مجلى حقيقتي
وناوله الوهاب والفتاح

ويقول عندما استمع مرة إلى نعمة الأوتار:
نغمة الأوتار والراح المدار
كشفا لي الستار عن غيب مصون

نغمة الألحان تنبي بالجمال الصرف قلبي
طاب لي فيه الجنون

صبوتي بعد المشيب فاشهد الحسن المهيب
أظهرت نور الحبيب لاح جهرا للعيون

وعندما استمع إلى أوتار البيانو لأول مرة، أنشد بعد السماع فقال:
أضربي نغمات وأوتار القلوب
فالبيانو قد ألاح لنا الغيوب

نغمة تشجي تذكرت الهوى
فترى سر الحقائق والغيوب

أسمعيني نفخة القدس التي
شاهدت في البدء أنوار الحبيب

وإذا سمع قيثارة ذكرته بحبيبه فقال:
نغمة الأوتار قد أزكت هيامي
وسقامي لا أطيق جوى الغرام

ويقول مخاطبا (كامل) ضارب العود:
أكامل إن العقل يدرك حكمة
في نغمة الأوتار والمزمار

والروح تدرك حكمة روحية
مما توقعه من الأسرار

أيا أيها الأوتار جددت الهوى
بشجي ألحان من السمار

وإذا سمع قمريا يشدو على الأغصان أخذت به هذه النغمات فتذكر هيامه بحبيبه صلى الله عليه وسلم وحنينه إلى ربه تعالى فقال:
لمن الحنين أيا أولي الأشواق
هذا حنين الروح للخلاق

ثم يقول محدثا القُمْرِيّ:
حنينك يا قمري جدد لوعتي
وأشهد روحي حسن وجه الباقي

وسمع من يغني فيقول: "يا ليل يا عين"، فأنشد يخاطب رمزها في الإنسان وهما الجسم والروح، والظاهر والباطن، فقال:
أهل المحبة في شوق إلى العين
والعين في غيهب التنزيه واللون

واللون سر تجليها لطالبها
يمحو سواها بلا كون ولا أين

والعين واحدة والليل أظهرها
يا عين يا ليل هيا وفيا ديني

ما الليل إلا ستار يحجب المعنى
والليل كفر ولكنه حجبة الزين

زين الجمال تجلى العين ظاهرة
للعاشقين بلا ظل ولا شين

يا عين يا ليل قلبي واله، روحي
قد شاهدت فيك اسرارا من الحسن

يا ليل يا عين ما لي قد أبوح بما
لم يستطعه فتى من حيطة الكون؟



#محمد_عبد_المنعم_عرفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [6] المسيح الدجال
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [5] الدابة
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [23]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [22]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [21]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [4] كما بدأنا أول خلق نعيده
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [20]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [3] سر إظهار المجددين
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [2] شجرة آدم وحواء
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [1] حكمة خلق الإنسان وإيجاد ...
- أُحِسُ حيال عينيكِ.. بشئ داخلي يبكي
- قانون الكارما.. محكمة العدل الإلهي
- فن الإستمتاع بالحياة [3]
- رحمة الصوفية (إهداء للعزيزة الكاتبة فاطمة ناعوت)
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [19]
- الحج والجهاد في الإسلام.. رؤية الإمام المجدد السيد محمد ماضي ...
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [18]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [17]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [16]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [15]


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم عرفة - الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [24]