أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الحسين الزاوي - حدود الخلاف حول العلمانية في مناظرة محمد عبده وفرح انطوان















المزيد.....

حدود الخلاف حول العلمانية في مناظرة محمد عبده وفرح انطوان


الحسين الزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5186 - 2016 / 6 / 7 - 09:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد كانت الإشكالية الرئيسية التي واجهت المفكرين العرب منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة، ووعيهم بالتأخر الحضاري هي استرداد الهوية المفقودة والبحث عن أساليب تدارك هذا التأخر ، وتحقيق الانطلاقة المرغوب فيها ، ولقد اكتسى التعبير عن هذه الإشكالية صور متباينة عند هؤلاء المفكرين . ويمكن القول أن إشكالية النهضة تحمل في جعبتها مفهوم العلمانية الذي دخل إلى الفكر العربي المعاصر في القرن 19 . وكان من رواده في تلك الفترة شبلي شميل و إسماعيل مظهر وفرح أنطوان . وقد تجلت إسهاماتهم في ترجمة العديد من الكتب الغربية ( ترجمة فرح أنطوان عن فلسفة ابن رشد _ ترجمة إسماعيل مظهر لكتاب المستشرق الفرنسي إرنست رينان حول أصل الأنواع لداروين ...) وكان هذا الانتقاء للترجمة هدفه ومقصده الواضح . وهذه الترجمات شكلت شرارة أشعلت النار بين هذا الجيل من العلمانيين ورجال المؤسسة الدينية وقيام الجدل بين السلفيين والمحدثين . وهذا السجال و الجدال حول العلمانية جلي من خلال الخلاف السلفي _ العلماني بين الإمام محمد عبده و نظيره فرح أنطوان .
فما مفهوم العلمانية ؟ وكيف دافع عنها فرح أنطوان المسيحي أما مشروع محمد عبده الإسلامي ؟ أو بتعبير آخر ما هي حدود الخلاف السلفي – العلماني في المناظرة ؟ وما موقع التسامح بين هذين الرائدين ؟
يعد مصطلح العلمانية من أهم المصطلحات التي أثارت وتثير العديد من القضايا و الإشكالات . ولعل أهم قضية تطرح على العلمانية ذاتها هي إشكالية تحديد أصل و معنى هذا المفهوم .
تاريخيا يصعب تدقيق من أين جاء مفهوم العلمانية إلى قاموس الفكر العربي المعاصر ، إذ في أصله اللاتيني وفي أصله الفرنسي وكذلك الانجليزي لا يشير من قريب أو من بعيد إلى العلمانية التي تعني وتشير لأول وهلة إلى اخذ كل شيء بالعلم و المنطق و العقل ، وهنا نجد فصلا بين العلمانية (بفتح العين ) التي تعني في مفهومها الضيق فصل الدين عن الدولة و العلمانية ( بكسر العين) التي تعني الوضعانية التي ترتبط بشكل كبير بالنزعة الوضعية في القرن التاسع عشر .
أما من ناحية الاستعمال فقد استعمل هذا المصطلح في القرن السابع عشر وتحديدا في سنة 1648 حيث انتهت الحروب الدينية في أوربا وبداية الدولة القومية الحديثة أي الدولة العلمانية بحيث تمت علمنة ممتلكات الكنيسة ، بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة المدنية . وقد اتسع المجال الدلالي للكلمة خلال النصف الثاني من القرن 19 على يد جون هوليوك الذي عرف العلمانية بأنها : " الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الايمان سواء بالقبول أو بالرفض."
وعلى العموم يمكن القول بأن مصطلح العلمانية قد دخل إلى الفكر العربي المعاصر في القرن 19 وكان من رواده شبلي شميل و فرح أنطوان وآخرون كما اشرنا سابقا ، والذين شكلت أعمالهم شرارة أشعلت النار بينهم و بين السلفيين الذين ينحون منحى الوحدة الإسلامية من اجل الرقي بالبلاد و العباد. وبناء على هذا المعطى الأخير يكون السؤال المحوري الموجه للفكر العربي خلال عصر النهضة هو : المتعلق بأسباب وعوامل تخلف المسلمين ؟ و كما طرح هذا السؤال بصيغ و أشكال متعددة فأن الإجابات كذلك قدمت بصيغ متعددة ومختلفة ، و في هذا الإطار يمكن أن نميز بين اتجاهين رئيسين تبلورا خلال القرن التاسع عشر وهما : الاتجاه السلفي المعبر عنه اليوم بأدبيات الإسلام السياسي و الاتجاه العلماني اللبرالي . فما هي حدود هذا الخلاف في مناظرة محمد عبده وفرح أنطوان ؟ و ما موقع التسامح بينهما ؟
لقد حمل فرح أنطوان لواء الدفاع عن العلمانية في أقصى حدودها، ودافع عن ضرورة العلمنة باعتبارها جزء من اختيار النهضة الأوربية وسبيلا يكفل التسامح وحرية الفكر و العقيدة . كما لوح بشعارات التسامح والمواطنة ، وبما أن التسامح أو التساهل قد أخد حيزا كبيرا في هذه المناظرة فإن فرح أنطوان سارع إلى اقتناص دلالة الكلمة فلسفيا ، يقول : "" أن الإنسان لا يجب أن يدين أخاه الإنسان لان الدين علاقة خصوصية بين الخالق و المخلوق ، و إذا كان الله يشرق شمسه في هذه الأرض على الصالحين و الأشرار ، فيجب على الإنسان أن يتشبه به، و لا يضيق على غيره لكون اعتقاده مخالفا لمعتقده ، فليس إذن على الإنسان أن يهتم بدين أخيه الإنسان أيا كان لان هذا لا يعنيه ، و الإنسان من حيث هو إنسان فقط أي بقطع النظر عن دينه ومذهبه صاحب الحق في كل خيرات الأمة و مصالحها و وظائفها الكبرى و الصغرى حتى رئاسة الأمة نفسها وهذا الحق لا يكون له من يوم يدين بهذا الدين، بل من يوم يولد .""
يذهب فرح أنطوان من وراء هذا التحديد الفلسفي للتسامح / التساهل إلى منتهاه وحدوده القصوى عندما يعلن بأن من حق الإنسان في أن يعتقد ما يشاء وما يريد وكذلك إن لم يرد أن يعتقد . وبهذا المعنى الأخير تصل حماسة فرح أنطوان للعلمانية إلى جحود الأديان الذي تبرأ العلمانيون منه بعد أن تحولت المواجهة بينهم و بين الإسلاميين المتشددين المعاصرين إلى مواجهة بين الكفر و الّإيمان . و بما أن العلمانيون يرون بأن العلمانية هي حفاظ على قدسية الدين وتعاليمه ، فان صورة العلمانية الراسخة في المخيال الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية لا تتغير.
يرى فرح أنطوان أن التسامح لا يمكن أن يكون إلا في العلمانية أو فك الارتباط بين السلطة الدينية و السلطة المدنية ، وتتمثل عناصر الفك أو الفصل عند فرح أنطوان في :
- إطلاق الفكر الإنساني من كل قيد خدمة لمستقبل الإنسانية
- الرغبة في المساواة بين أبناء الأمة مساواة مطلقة بقطع النظر عن مذاهبهم و معتقداتهم .
- ليس من شؤون السلطة الدينية التدخل في الأمور الدنيوية لان الأديان –في نظره- شرعت لتدبير الآخرة لا لتدبير الدنيا .
ويرى أن ضعف الأمة و استمرار الضعف فيها ما دامت جامعة بين الدنيا و الدين . هكذا أوفى فرح أنطوان عناصر الفصل بين السلطة الدينية و السلطة المدنية في القاعدة التالية : " لا مدنية حقيقية و لا تساهل و لا عدل ولا مساواة ولا امن و لا ألفة ولا حرية ولا علم و لا فلسفة ولا تقدم في الداخل إلا بفصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية ، ولا سلامة للدول و لا عز و لا تقدم في الخارج إلا بفصل الدين عن الدولة ."
وبمقابل هذه الرؤية يرد السلفي الإسلامي محمد عبده على فرح أنطوان مدافعا عن خصوصية التجربة الإسلامية و اختلافها عن المسيحية ، ويرى عبده أن ما يقوله أنطوان غير معقول ، لأنه يقدم قراءة للإسلام تتقاطع مع المسيحية ، إذ تقدم تاريخ الإسلام على انه كتاريخ بقية الأديان ، تاريخ القهر و الطغيان ( رغم مثله الروحانية و العقلية ) والعداء للعلم والحرية والعدالة .
ومهما يكن فإن فرح أنطوان دافع باستماتة عن العلمانية داعيا إلى التساهل و التعريب و النقل الآلي لقيم التنوير الغربية بحماسة قوية تكتفي بالتبشير بقيم الأنوار دون التفكير فيها ونقدها من داخل إطارها النهضوي المنطوي تحت الملابسات السياسية التي تؤطر الجناح المسيحي.
لقد كانت لمحمد عبده عدة ردود أفعال على أنطوان معتبرا أن ما يروج له يظل حكرا على المسيحية ، ولا يسري على أصول الإسلام الذي يختلف عن المسيحية في كونه يدعو إلى النظر العقلي لتحصيل الإيمان و تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض و البعد عن التكفير وحماية الدعوة لمنع الفتنة إضافة إلى :
- مودة المخالفين في العقيدة
- الجمع بين مصالح الدنيا و الدين
إن المهم عند محمد عبده هو التركيز على التمار الوافرة والحلوة التي جناها المسلمون أيام عزهم ومجدهم . فالإسلام دين التسامح و العقل ، بل دين يدعو إلى العلم و المساواة ، فهو يعترف بالآخر رغم أن هذا الآخر لا يعترف بالإسلام كدين. فبمنطق اللبرالية و بمعيار التعددية و الاعتراف بالآخر يتميز الإسلام ويمتاز على غيره ليس فقط اعترافه بالآخر بل حمايته و الدفاع عن حقه في الاختلاف . وإذا كان فرح أنطوان يعزو التساهل أو التسامح إلى وجود الفلسفة وحدها ، إذ تكشف في نظره في الإنسان عن الظلم و العجز ومن تم يصبح أكثر تساهلا و تسامحا ، كما انه إذا كان يدعي أن التصالح لا يتعلق بتطبيق الإسلام ، فإن محمد عبده يرى أن الدين افعل و أجدى و ابلغ أثرا في النفوس، فهو يلعب دورا مهما في حياة المجتمع و الإنسان ، وهذا لا يعني أن محمد عبده خاصم الفلسفة بل اعتبر تأويلها مشروعا وأحيانا مقبولا. ومنه فان موقفه اقرب إلى الموقف الرشدي الذي يميز بين الخاصة و العامة. يقول : "" أظن انك لا تخالفنا في ان الجمهور العظيم من الناس بل الكل إلا قليلا لا يفهمون فلسفة أفلاطون ولا يقيسون أفكارهم بمنطق أرسطو.""
إن محمد عبده لا يرى في الإسلام غير التسامح ، ولذلك صعق و انزعج كثيرا من ادعاء فرح أنطوان بأن الديانة المسيحية أفضل في التسامح من الإسلام من خلال تركيزه على نكبة ابن رشد محاولا من خلالها تمرير خطاب استشراقيا شائعا في تلك الفترة هدفه تمجيد المسيحية و النيل من الإسلام تمهيدا لحركة التنصير و الاستيطان الاستعماري.
ولهذه الاعتبارات عمل محمد عبده على تبرئة الإسلام من سيئات تاريخه وحرص على إلا يحمله مسؤولية ما ارتكب باسمه مؤكدا أن الإسلام دين العلم و العقل و الحرية، ومن هنا فإن العلمانية لم ولن تكون سبيلنا إلى التقدم بل ولا حتى لمواجهة قوى التخلف التي تحاول تمثيل دور الكنيسة الكاثوليكية في عالم الإسلام ، و إنما السبيل إلى تقدمنا هو الفقه و الوعي بتحقيق موقف الإسلام ، ذلك الموقف الذي ينكر العلمانية التي تعتبر غير ذات موضوع في الإسلام لأنه ليس فيه كنيسة حتى تفصل عن الدولة على حد تعبير الفيلسوف عابد الجابري .
هكذا إذا كان التساؤل عن موضوع الإسلام و العلمانية له مبرراته في عصر النهضة، وخاصة السجال الذي دار بين محمد عبده و فرح أنطوان والذي قمنا بتحليله اعتمادا على كتاب الدكتور الأستاذ محمد أيت حمو المعنون بأفق الحوار في الفكر العربي المعاصر ، فإننا نعتقد أن هذا التساؤل فقد مصداقيته ومعقوليته راهنا بسبب غياب الكنيسة في الإسلام . ويمكن القول إن ما حدث بعد هذه المناظرة من مقارنات كان لها بعض المشروعية عندما كانت مؤطرة تحت السؤال الذي هيمن على العقل الإصلاحي ( لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟) والحقيقة أن هذا السؤال فقد صلاحيته التاريخية و الإشكالية و الثقافية لأنه وخلافا له أصبح سؤال آخر يفرض ذاته ، وهو الأكثر واقعية ومصداقية من الأول ، انه سؤال يريد معرفة هل أتيحت أمام الناس فرص حقيقية للحرية بأبعادها الفلسفية و الكونية و الإبداعية وانتصب الدين معارضا لها ؟؟؟؟؟
انه سؤال يحمل اللوم إلى الأنظمة الاستبدادية التي لم تجد سبيلا لتكريس استبدادها غير التلويح بالعلمانية في المجالات التي تمكنها من بسط سيطرتها أو التي تثير فيها زوبعة ونقاش فارغين يجعلانها تنفرد بمهمة الحكم من النزاع .



#الحسين_الزاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الحسين الزاوي - حدود الخلاف حول العلمانية في مناظرة محمد عبده وفرح انطوان