|
التعثر في دنيا التابوهات
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 5176 - 2016 / 5 / 28 - 10:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أذكر أنه عندما سمح السادات بالتعددية السياسية في مصر، أنني طالعت برامج المنابر ثم الأحزاب التي نشأت أيامها، وكنت مدهوشاً من حجم التطابق بين ما سمي يسار ويمين ووسط. . كانت تلك ومازالت حالة جدب وتصحر في الفكر والرؤى والشخصيات. كان من الواضح أنها التابوهات (المحرمات) الثلاثة (الدين والجنس والسياسة)، التي تطبق بخناقها على الفكر والخيال، وتخيم بظلالها على كل مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية والسياسية. . يتحرك الإنسان هكذا كما يتحرك حيوان أسير داخل قفص بحديقة الحيوان. . الوضع بالطبع الآن أفضل بعض الشيء، ونحن نشهد خروقات وتمردات على التابوهات، رغم ما ينهال عليها وعلى أصحابها من اتهامات بالكفر والزندقة والانحلال والخيانة والعمالة وما شابه. . حيث تقوى التابوهات يتفشى الجهل ويعربد الفقر، وتتحول الحياة إلى امتداد بلا نهاية للصحارى والمستنقعات. التابوهات قفص حديدي يسلب الإنسان "الحرية"، تلك القيمة الأثمن التي صاحبت مشوار الإنسان منذ البدائية الحيوانية إلى وصوله للتسيد على الكون. . قد تُطلب الحرية لذاتها، باعتبارها نزوعاً إنسانياً طبيعياً، يترتب على "الفردانية". وهي هكذا وبصورتها الخام غير المحكومة بشروط وقواعد يمكن أن تؤدي إلى التعارض مع "الجماعية" التي تحتاجها المجتمعات. وقد تُطلب الحرية لفائدتها العملية، باعتبارها تتيح تفجر ملكات الإنسان الإبداعية، ما يؤدي إلى فائدة "المجموع" أو "المجتمع"، عبر تحقيق الإنسان "الفرد" لذاته. في هذه الحالة تكون "الحرية مشروطة" وليست مطلقة كما في الحالة الأولى، التي فيها تطلب الحرية لذاتها. تبرز هنا إشكالية هذه "الحرية المشروطة"، من حيث ماهية هذه الشروط، ومن هو أو هم المخولين بوضعها، كما أن ربط الحرية بفائدتها العملية، يثير نفس الإشكالية حول طبيعة هذه "الفائدة". لعل ما سبق يلقي بعض الضوء على سر هذا التباين بين نتائج دعوات الحرية في مثل شعوب الشرق الأوسط، وبين نتائجها في شعوب العالم الغربي. فالحرية في ذاتها لا تصلح لأن تكون قيمة مطلقة، إلا في حالة معيشة الإنسان منفرداً، كما كان عليه الحال في المراحل الأولى من تاريخ الإنسان، قبل أن يبدأ في تكوين الأسرة. رائع ما نرصده الآن من عدم احترام الشباب للكبار ولآرائهم. قد يكون ثمن هذا عليهم وعلينا على المدى القصير باهظاً، لحرمانهم لأنفسهم من الاستفادة من رصيد خبرات الكبار بحياة هم محدثون عليها. لكن لابد من دفع هذا الثمن، فالنتيجة النهائية على المدى الطويل ستكون تغييراً شاملاً لوجه الحياة، في شرقنا الأوسط الذي تعفن وتحلل من طول الجمود. أرى أن صموئيل هانتنجتون فيما عرضه عن "صراع الحضارات" قد أخطأ خطأ قاتلاً في تقسيمه لحضارات عديدة تصورها تتصارع. "الحضارة" مفهوم شامل لكامل الإنجازات البشرية، وبعيد البدايات الأولى للتحضر الإنساني بدأ التواصل بين مختلف مراكز الحضارة الإنسانية، لتمضي المسيرة بعدها بصفتها حضارة إنسانية واحدة، تختلف ملامحها بين تلك المراكز اختلافات لا تكاد تذكر. لكن التعدد الحقيقي والجذري بين تلك المراكز كان التعدد والتنوع الثقافي، الذي أدى إلى اختلاف المستويات الحضارية التي استطاعت كل ثقافة تحقيقها. الصراع هكذا ليس بين حضارات مختلفة، ولكنها بين ثقافات نجح بعضها في صعود درجات السلم الحضاري إلى ذروته، وبين الثقافات المتعثرة في أدنى الدرجات، أو تلك العاجزة كلياً، والمضادة للتحضر والحضارة. . التابوهات صخور تعترض مجرى نهر الحضارة الإنسانية، فتحول الحياة إلى مستنقع ترعى فيه الديدان والطفيليات، وتموت سائر مظاهر الحياة.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صهيونية إسرائيل
-
مصر وريادة السلام
-
مع مفهوم -أمن الدولة-
-
خربشات على جدار الوطن
-
نقابة الصحفيين بين السلطة الرابعة والبلطجة
-
إذا ما أطفأت تركيا الشمس
-
بداية السقوط
-
بين العاطفة والعقلانية
-
حالة ميؤوس منها
-
ما أظنها حقائق حول قضية جزيرتي تيران وصنافير
-
تنويعات على لحن السيادة المفقودة
-
حالة الاحتقان المصرية
-
مصر تبيع الترماي
-
تجديف في المتاهة
-
شذرات عشوائية
-
عفواً د. سعد الدين إبراهيم. . من فمك أدينك!!
-
العولمة ونهاية التاريخ
-
فاتنتي والمستحيل- قصة قصيرة
-
الفارس والأميرة- قصة قصيرة
-
الجحيم الذي تهفو إليه قلوبنا
المزيد.....
-
مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
-
الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد
...
-
لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا
...
-
تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون
...
-
“عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي
...
-
شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه
...
-
الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام
...
-
طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل
...
-
مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في
...
-
مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|