أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - رحلة علمية إلى تافيلالت : المغرب المتباين والمفارق















المزيد.....



رحلة علمية إلى تافيلالت : المغرب المتباين والمفارق


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5175 - 2016 / 5 / 27 - 00:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تشكرات : بعد إتمام هذا العمل، أتقدم بالشكر إلى جميع رفاقي الطلبة الذبن رافقوني في هذه الزيارة بمرحهم الذي ليس له حدود، كما أشكر الأستاذين محمد الأزهرو عبد الكريم ساعة، وخاصة هذا الأخير الذي أخذني إلى المستشفى بعد أصبت بمرض مفاجئ، كما أشكر الرفيقة زينب البصري التي زودتني ببعض الأدوية . تحية عالية إلى فريق الرحلة .

يقع المغرب شمال غرب القارة الإفريقية تحده شرقا الجزائر وموريتانيا جنوبا، ويطل على اسبانيا والبرتغال شمالا، ويعرف المغرب اختلافا مناخيا، وتعددا في شبكة الأنهار والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى الغطاء النباتي وأشكال التربة والتضاريس ...فلو تحدثنا عن المناخ، فهو متوسطي بالشمال ومحيطي بالغرب، وصحراوي بالجنوب، أما المناطق الساحلية فتتمتع بمناخ معتدل، في حين تعرف المناطق الجبلية مناخا باردا ورطبا خلال فصل الشتاء حيث تحتضن تساقط الثلوج بكثافة، ويعرف النصف الشمالي من البلاد فصلين : فصل جاف يمتد من ماي إلى نهاية شهر شتنبر وفصل معتدل ورطب يمتد من بداية أكتوبر إلى نهاية أبريل، أما شبكة الأنهار، فنجد عدة أنهار تتوزع عبر خريطة المغرب كما هو الحال لوادي درعة الذي ينبع من الأطلس الكبير ويصب في المحيط الأطلسي وهو أطول الأنهار المغربية ويصل إلى حوالي 1200 كلم ، في حين يبلغ صبيبه المائي 24،3 متر مكعب في الثانية، إضافة إلى ذلك هناك نهر أم الربيع وهو ثاني أطول الأنهار، إذ ينبع من الأطلس المتوسط ويبلغ طوله حوالي 600 كلم مخترقا سهل تادلا، مارا عبر سهل الشاوية حيث يصب بالقرب من مدينة أزمور، ويصل صبيبه المائي إلى 142،20 متر مكعب في الثانية، بينما ثالث الأنهار المغربية هو سبو الذي يبلغ طوله زهاء 500 كلم وينبع من الأطلس الكبير والمتوسط مخترقا إلى جانب أنهار بهت وورغة وإيناون (تصب فيه) سهل الغرب وصولا إلى المهدية حيث المحيط الأطلسي، ولا ننسى أيضا نهر ملوية الذي ينبع من الأطلس الكبير ويبلغ طوله حوالي 450 كلم ويصل صبيبه المائي إلى 41،1 متر مكعب في الثانية، إضافة إلى أنهار أخرى تتوزع عبر الخريطة المغربية كاللوكوس وأبي رقراق وزيز وتانسيفت...
يتميز الغطاء النباتي في المغرب بالتنوع، غير أنه يغلب عليه الطابع المتوسطي، فالمناطق الجبلية تعرف نمو أشجار العرعار والبلوط والأرز، أما السهول فتعرف نمو أشجار الفلين والدوم و الزيتون والمصطكاء والأركان، بينما تكثر الحلفة والشيبة بالسهوب الداخلية وتبقى الواحات بالمناطق الجنوبية المكان المثالي لنمو النخيل الذي تشكل جوار الأودية النابعة من أعماق الأطلس الكبير، وتعتبر هذه السلسلة هي الجزء الأعلى لسلسلة جبال الأطلس في المغرب ويسميها الأمازيغ إدرار ندرن وتعني جبل الحياة، وتمتد من غرب أكادير على المحيط الأطلسي إلى الجنوب الشرقي من المغرب، وتبقى سلسلة جبال توبقال التي يبلغ طولها 4165 مترا الأعلى في المغرب، إلى جانب هذه السلسلة نجد سلسلة جبال الأطلس المتوسط التي تمتد وسط القسم الشمالي من المغرب، وترتبط حدودها الجنوبية مع الأطلس الكبير، بالمقابل تنتهي حدودها الشمالية عند ممر تازة وهضبة سايس حيث يطل على مدينة فاس شمالا، وتبقى سلسلة جبال بناصر أعلى قممه البالغة علوها 3340 مترا.
إلى جانب هذه السلاسل، نجد سلسلة جبال الريف التي تتموقع شمال المغرب، ونظرا لهطول أمطار غزيرة خلال فصل الشتاء ساهم ذلك في نمو غطاء نباتي كثيف، وتمتد سلسلة جبال الريف على شكل قوس من مضيق جبل طارق إلى حدود نهر ملوية، وتبقى سلسلة جبال تدغين الأعلى حيث يصل طولها إلى 2465 مترا .
تعتبر التربة موردا فعالا يزود النباتات بالحياة، وهي مكونة من خليط ذو أحجام مختلفة من جسيمات معدنية ( رمل، غرين، طين) ومواد عضوية وأنواع متعددة من الكائنات الحية، وبالتالي فإن للتربة خصائص بيولوجية وكيمائية وفيزيائية بعضها ديناميكي يمكن التغير حسب طرق التعامل مع التربة، وتتعدد أنواع بالمغرب فنجد تربة التيرس والحمري والكلسي والرسوبية ..
هكذا يظهر أن المغرب يعرف تعددا على مستوى المناخ والغطاء النباتي والموارد المائية وأشكال التربة، الشيء الذي يجعل منه أرضية خصبة للدراسة والتنقيب، ذلك ما ارتأت إليه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية بتنظيم رحلة علمية إلى واحات تافيلالت لفائدة طلبة ماستر (أنتروبولوجية وسوسيولوجية المدينة) خلال الفترة الممتدة بين 27 من أبريل إلى حدود 30 منه بقيادة الأستاذين محمد الأزهر وعبد الكريم ساعة، ولقد انطلقت هذه الرحلة العلمية من مدينة المحمدية بدءا من نقطة الصفر على مستوى البحر، مرورا بهضبة الفوسفاط حيث ترتفع عن سطح البحر ب 820 مترا، ثم الانحدار على مستوى تادلة ب 460 مترا، لكن عند الوصول إلى زاوية الشيخ بالأطلس المتوسط تم الارتفاع من عند مستوى 1500 مترا، وما إن تم اختراق الحد الفاصل بين الأطلسين المتوسط والكبير حتى مشارفة بومية التي تحاذي سلسلة جبال العياشي البالغة طولها حوالي 4070 مترا حتى تم الارتفاع عن مستوى البحر بحوالي 1400 مترا وصولا إلى ميدلت حيث يصل الارتفاع إلى 1521 مترا تقريبا، بيد أن الوصول إلى الراشيدية نجم عنه انحدار إلى مستوى 900 متر تقريبا .
والملفت للانتباه أن هذه الرحلة راوحت بين الارتفاع تارة، والانحدار تارة أخرى، لقد كان الصعود بشكل مسترسل من المحمدية إلى خريبكة، ثم الانحدار حتى مناطق الدير على مشارف الأطلس المتوسط، عندئذ بدأ الارتفاع من جديد وصولا إلى إقليم ميدلت حيث جبال الأطلس الكبير، غير أن مشارفة سد الحسن الداخل بالقرب من مدينة الراشيدية عندها بدأ مستوى البحر ينحو نحو الانخفاض، إنها رحلة طويلة اجتازت ما ينيف عن 400 كلم وناهزت 10 ساعات تخللتها توقفات بين حين آخر ممزوجة بشروح مستفيضة للأستاذين الأزهر وساعة انصبت حول الخصائص الطبيعية والتضاريسية للمناطق التي اجتازتها الرحلة العلمية، مع تفاعل حي للطلبة الذين فاقوا عشرين طالبا باستفساراتهم وتساؤلاتهم، وعلى ضوء هذه الشروح يمكن تقسيم هذا التقرير إلى النقط التالية :
1) المجاري المائية: مراوحة المجال المغربي بين الوفرة والندرة
بدأت الرحلة انطلاقا من مدينة المحمدية التي تتموقع بحوالي 30 كلم شمال الدار البيضاء، لعل المجرى الذي يمكن ملاحظته هو وادي المالح الذي يصب بالقرب من معمل لاسامير، ولقد أشار الباحث الراحل المختار الأكحل في كتابه القيم « دينامية المجال الفلاحي ورهانات والتنمية الفلاحية: حالة هضبة بنسليمان » أن طول وادي المالح هو حوالي 84 كلم، وينبع من النجود والهضبات العليا إلى جانب وادي النفيفيخ البالغ طوله 76 كلم حيث يصب شمال المحمدية، ووادي الشراط الذي يصل طوله إلى 70 كلم ويصب شمال بوزنيقة، إن هذه الأودية تشكل مياها سطحية ذات شبكة هيدرولوجية إلى جانب أودية الحيمر وومازن وواد تمدروست ويتعدي صبيبها المائي خلال الأيام الممطرة حوالي 200 متر مكعب في الثانية ، الشيء الذي دفع إلى تشييد السدود بجهة الدار البيضاء سطات، لقد تم بناء 20 سدا من الحجم الصغير والمتوسط بصبيب إجمالي يقدر ب 16 مليون متر مكعب في الثانية، وفي هذا الصدد يمكن إعطاء مثال سد وادي الحيمر غرب مدينة ابن أحمد وسد وادي المالح جنوب مدينة بنسليمان، أما فيما يخص الموارد الجوفية، فيجب الإشارة إلى أن كون الجهة تتوفر على مجموعة من الفرشات المائية أهمها :
- الفرشة المائية لبرشيد تمتد على مساحة 1500 كلم2
- الفرشة المائية للشاوية الساحلية الممتدة على مساحة 1200 كلم2،
- فرشة التيروني، الممتدة على مساحة 10000 كلم2، تهم هضبة الفوسفاط، سهل تادلة وسهل تاساوت؛
كما تتوفر الجهة على وحدات هيدرولوجية أخرى ذات أهمية أقل. وبالرغم من ضعفها، فهي تلعب دورا مهما في التطور الاقتصادي. من بين هاته الوحدات نذكرمنها الفرشات المائية للإيوسين بتادلة، الخميسات الشاوية، واد كيبان بكيسر وأخيرا سطات .
إضافة إلى هذه الأودية التي تم ذكرها، هناك واد أم الربيع وهو مورد مائي سطحي بصبيب سنوي يصل إلى 1550 متر مكعب في الثانية، ينبع من جبال الأطلس المتوسط ويجري نحو الجنوب الغربي في مجري عميق وسريع حتى مدينة خنيفرة، ثم يخترق سهل تادلة حيث يصب فيه من جهة اليسار واد العبيد، إضافة إلى وادي تساوت والواد الأخضر، و بعد ذلك يغير النهر اتجاهه حيث يتجه نحو الشمال الغربي مشكلا الحدود بين سهلي الشاوية في الشمال و دكالة في الجنوب ليصب بعد ذلك في المحيط الأطلسي بمدينة أزمور حيث يكون شاطئه الأيمن منخفضا رمليا، بينما يكون شاطئه الأيسر صخريا مما يجعل إقامة ميناء عند مصبه أمرا متعذرا، وتؤثر موجة المد فيه حتى مسافة 18 كلم بدءا عند مصبه، وقد أقيم عليه أكثر من 11 سدا في إطار سياسة السدود التي اتبعها الملك الراحل الحسن الثاني، نهر أم الربيع يبتعد عن مدينة مريرت بحوالي 25 كلم، توجد به أكثر من 47 عينا منها العذبة والمالحة، وتصل غزارته في فصل الشتاء، إذ يصل صبيبه المائي إلى 200 متر مكعب في الثانية، بالمقابل ينخفض هذا الصبيب خلال فصل الصيف ويصل إلى حوالي 25 متر مكعب في الثانية، ويتم استغلال تدفق المياه من أجل توليد الطاقة الكهربائية وقد شرع في تشغيل محطة أم الربيع في دجنبر 2004 وتبلغ قدرته 220 كيلواط، وتزود 18 قرية، أي 556 بيت وبناية إدارية تابعة لجماعة عيون أم الربيع وذلك في شبكة منعزلة.
لقد شيدت عدة سدود على طول نهر أم الربيع، لعل أبرزها سد الحنصالي الذي يحاذي الطريق الوطنية رقم 8 حيث عالية أم الربيع التي تعرف التقاء بين السهل والجبل المسمى في العرف الجغرافي بالدير، إذ يتميز هذا الأخير بوفرة المياه ويهتم الفلاحون بزراعة الزيتون، ولقد كشف تقرير لوكالة الحوض المائي لأم الربيع بإقليم بني ملال عام 2013 بأن كمية المياه المعبأة بسد أحمد الحنصالي بلغت 700 مليون و177 ألف متر مكعب أي بنسبة 94،08 في المئة مع العلم أن الطاقة الاستيعابية للسد لا تتجاوز 744 مليون و 252 ألف متر مكعب .
وانطلاقا من هذه الأرقام يتضح أن الأطلس المتوسط يتوفر على رصيد مائي سواء أكان سطحيا أو باطنيا، وهذا مرتبط بالتساقطات المطرية والثلجية التي يعرفها الأطلس، فهو متقلب مناخيا، فالأمطار قد تتساقط صيفا، كل ذلك له انعكاسات على ساكنة المنطقة فلاحيا بكثافة أشجار الزيتون وبعض الحقول الزراعية المتناثرة بين الجبال، غير أن الطبوغرافيا لا تسمح بنشاط زراعي حتى وإن توفرت المياه، وهذا ما يمكن ملاحظته بالقرب من قرية واوا مانة، فهناك انحدارات جبلية شديدة نتيجة الالتقاء الحاصل بين الأطلسين الكبير والمتوسط.
بعد انعراجات وانحدارات شديدة نتيجة الصدام الحاصل بين الأطلسين، دخلت الحافلة إلى حوض ملوية العليا، حيث لاح في البعيد جبل تونفيت وجبل مسكر منبعا نهر ملوية، ففي أرض منبسطة شبه خالية لوحظ فوق جبل العياشي بقايا ثلوج، وعلى مدخل مدينة بومية بمنطقة إغزدي ظهرت نساء بالقرب من مجرى نهر يغسلن ملابسهن، وفي هذا المنبسط تكثر المستنقعات المائية على تربة حمراء، لكن هذه المستنقعات التي خرجت من باطن الأرض مالحة لا تصلح للزراعة أو الري، وبالتالي فالأهالي يعانون صعوبة في العيش جراء غياب الموارد المائية الكافية .
رغم القرب الجغرافي لهذه المنطقة من نهر ملوية، فهذا الأخير بغض النظر عن فصل الربيع بدا جافا حين اختراقه لقرية زايدة باعتبارها ملتقى الطريق بين مكناس – بني ملال-الراشيدية، ناهيك عن صغر حجمه، غير أنه بالقرب منه يوجد وادي اسكيمر سريع الجريان، لقد كان الأجدر بالجغرافيين تسمية نهر ملوية بهذا الاسم إلى المصب و اعتبار نهر ملوية رافدا من روافده، فليس منطقيا أن يحمل نهر ملوية الاسم على طول المجرى وهو لا يساهم إلا بصبيب ضئيل من حجم المياه، الاسم ينبغي أن يكون هو اسكيمر نظرا لمساهمته بصبيبه العالي في مجرى النهر . يبقى صبيب نهر ملوية بعد التقائه بروافده هو 50 متر مكعب في الثانية، ويبلغ طوله حوالي 450 كلم، ويصب في البحر الأبيض المتوسط، بينما مسطحه المائي يصل إلى 74000 متر مربع، ولقد أقيم على هذا النهر سدان، واحد يسمى بمحمد الخامس والثاني بمشرع حمادي.
بعد مغادرة الرحلة لزايدة لم يتم مصادفة غير وادي اسكيمر ووادي الوطواط الذي يخترق مدينة ميدلت بصبيب مائي ضعيف، لكن بعد اجتياز حوالي 75 كلم واختراق منعرجات خطيرة، وبالقرب من قرية الريش التي تعني بالأمازيغية الركام من الأحجار أو الدرع الصخري لوحظ واد سيدي حمزة، ويعتبر من روافد واد زيز إلى جانب واد تمراكشت، دون نسيان بعض العيون كعين الدافئة والساخنة في طريق الراشيدية، تشكل الأودية المذكورة فجاجا أو ممرات بين الصحراء وشمال البلاد، إذ كانت القوافل تسير عبر هذه الممرات إبان عهد السيبة وهي منهجسة بالرعب والخوف من قطاع الطرق، فهناك عين تسمى بشرب وهرب في إشارة قوية إلى عدم الأمان والاستقرار، ولا تبتعد عن كراندو الكلمة الأمازيغية التي تعني يالله نمشيو (هيا لنذهب)، الشيء الذي كان يدفع القبائل إلى شراء الطرق عبر فجاج الأودية.
يرتبط واد زيز ارتباطا وثيقا بسلسلة الأطلس الكبير، فالتقلبات المناخية التي يعرفها الأطلس تساهم في التأثير على صبيب الوادي، لقد عرفت المنطقة أعوام 63/64/65 تساقطات مطرية غزيرة نجم عنها فيضانات أودت بحياة سكان الواحات وجرفت محاصيلهم الزراعية ومساكنهم، و هذا ما دفع السلطات إلى تشكيل سد الحسن الداخل الذي يكبر ويصغر حسب الظروف الطبيعية، وينبغي الإشارة إلى أن جميع المغاربة ساهموا في بنائه حيث تمت مضاعفة ثمن السكر، وفي عام 1967 بدأت الأشغال فيه، وفي هذا الإطار تعتبر السدود مشاريع وطنية بلغ عددها 140 سدا، والهدف هو عقلنة الأودية والماء الشروب .
يبلغ طول وادي زيز حوالي 450 كلم، ويصل حجم صبيبه المائي حوالي 50 مكعب في الثانية، ويصب في الصحراء الافريقية الكبرى مخترقا مدينة الراشيدية ، مياه سد الحسن الداخل إلى جانب الخطارات هي المزود الرئيسي لمدن الريصاني والراشيدية وأرفود بالمياه، غير أن هذا السد تعترضه عدة مخاطر كما أشار الأستاذ محمد الأزهر، فهو يتموقع في منطقة جنوبية على باب الصحراء، فالحرارة تكون مرتفعة طول النهار، بينما التساقطات المطرية لا تتعدى 100 ملم في السنة، ناهيك عن أن البحيرة تتوحل بسرعة نظرا للأتربة والحصى التي تحملها الفيضانات، وهنا يقول الأستاذ الأزهر : السد مثل الإنسان يولد ويموت بسبب الأوحال ، لذلك لابد من تنظيفه دائما، سد الحسن الداخل يعتمد على الأمطار، بيد أن تحيزه في منطقة جافة جعل كميات كبيرة من الماء تضيع بالرغم من الجماهيرية التي أضفيت عليه إبان تأسيسه عام 67، إذ كانت الدعايات الرسمية تشيع أن حقينة السد سوف تصل إلى 320 متر مكعب.

هنا من الملفت القول أن السد الذي أقيم على واد زيز كانت له بعض النتائج السلبية على الغطاء النباتي، فالنباتات التي كانت تنمو على حواشي الوادي لم تعد تنمو نظرا لتراجع الصبيب المائي، الشيء الذي حال دون وقف الرمال الزاحفة القادمة من مرزوكة.
يعتبر الأطلس الكبير الذي يمتد من أكادير إلى فكيك هو المزود الرئيسي للمياه بواحات تافيلالت حتى وإن كانت نادرة، فالفيلاليون عايشوا الندرة واستغلوا الامكانيات إلى أقصى حد، والماء يمثل عصب الحياة ويبقى أعز موجود، وفي هذا الصدد يظل واد زيز النابع من عمق الأطلس الكبير خلال الزمن الأول أهم مجرى مائي الذي حفر عبر ملايين السنين، كما يزخر هذا الوادي بفرشة مائية مهمة، الشيء الذي جعل الأهالي يهتدون إلى نظام الخطارات عبر التنقيب عن المياه الجوفية، ذلك عبر قنوات في باطن الأرض وليس على السطح تفاديا للتبخر .
تلعب الخطارات إلى جانب نهر زيز المزودان الرئيسيان لواحات تافيلالت بالمياه، فالعيون غير صالحة للشرب كما هو الحال لعين العاطي الواقعة بالقرب من واحة أفوس المطلة على مرتفعات الحمادات التي يرجع تاريخها إلى نهاية الزمن الثاني، هذه العين ارتوازية، تخرج مياهها بفعل الضغط، لا تصلح للشرب لأنها تحتوي على الملح والحديد وتقتل التربة وإن ظلت سنوات طوال يعتقد أنها صالحة للتداوي خصوصا بعد زيارة الملك الراحل الحسن الثاني للمنطقة .
في اليوم الثالث للرحلة، وبالقرب من مدينة تنغير تمت زيارة واد تادغا الذي ينبع من الأطلس الكبير، ويخترق هذا الواد جبلا كلسيا، ففي الوقت الذي كان فيه الماء قويا عمل على اختراق طبقة كلسية مشكلا مجرى مائيا يعبر واحة تنغير .
لئن كانت واحات تافيلالت تعرف ندرة مائية، فأثناء اليوم الرابع والأخير تم الوقوف بجانب بحيرة أكلمام سيدي علي التي تعتبر منبع واد سبو، وتتموقع البحيرة وسط الأطلس المتوسط الشرقي الذي يتميز بارتفاع نسبي وملتو، ويمكن ملاحظة أنه بمجرد الخروج عن قرية زايدة والتوجه صوب أزرو حتى حصل تغير جذري في الموارد المائية حيث البحيرات والعيون والأودية كما هو الحال لواد كيكو باعتباره وادا بركانيا، هذا ما يقود الدارس نحو فهم أن الأطلس خزان للمياه.
يتضح على ضوء ما سبق أن المجال المغربي يعرف تنوعا في الموارد المائية، وهذا التنوع يراوح بين الوفرة والندرة، فإذا كانت السهول الأطلنتية تتميز بوفرة المياه السطحية والجوفية نظرا لتزويدها بذلك من جبال الأطلس، فإن واحات تافيلالت تعرف ندرة شديدة ومجمل المياه السطحية معرضة للتبخر نتيجة ارتفاع درجة الحرارة أو غير صالحة للشرب نظرا لملوحة التربة . وفي ظل هذا الاختلاف ما انعكاس ذلك على الغطاء النباتي ؟
2) الغطاء النباتي : تنوع في الغطاء النباتي والمخاطر المحدقة به
لقد انطلقت الرحلة من ساحل المحيط الأطلسي وبالضبط انطلاقا من مدينة المحمدية شمال الدار البيضاء، والملفت أن الغطاء النباتي الذي تعرفه المنطقة هو غابات الفلين المحيط بمدينة بنسليمان، ناهيك عن شجر توزالة والعرعار والكالبتوس المتاخم لوادي النفيفيخ، غير ذلك فالرحلة لم تصادف أي غطاء نباتي مهم طيلة اجتيازها للسهول الأطلنتية، فهذه الأخيرة تعرف نشاطا زراعيا و منجميا كثيفا نظرا للانبساط الأرض أو الثروات الباطنية المعتملة في عمقها، وعلى مشارف مدينة خريبكة تمت ملاحظة نبات الدوم، وبين مدينتي واد زم الفقيه بن صالح لوحظ انتشار واسع لنبات السدر، والحائل دون وجود غطاء نباتي متنوع هو فقر التربة والمناخ القاري السائد الذي يتميز بارتفاع درجة الحرارة وندرة التساقطات المطرية .
لكن حين تجاوز نهر أم الربيع الذي يخترق مدينة قصبة تادلة، بدا تغير جذري في الغطاء النباتي، فمن مدينة خريبكة وإلى حدود تادلة بدت الطبيعة شبة قاحلة، أهم غطاء نباتي في منطقة تادلة هو أشجار الزيتون التي تنمو في المنبسطات والمنحدرات وخاصة في قرى الدير، ومع التوغل عميقا في ثنايا الأطلس المتوسط وأخص بالذكر على المرتفعات حتى يلوح شجر الأرز، ولا ننسى أيضا شجر السنديان والعرعار .
في الوقت الذي تم فيه اجتياز الحد الفاصل بين الأطلسين، تكون الرحلة قد دخلت إلى منطقة بيجبلية، وبعد اجتياز مسافة طويلة بين الانحدار والتعرج والانبساط تم الدخول إلى منطقة ملوية العليا، في هذه الهضاب العليا ينتشر نبات الشيح الذي تستعمله ساكنة المغرب الشرقي في إعداد القهوة ونبات الحلفاء الذي يصنع منه الورق، عموما تنتشر النباتات الشوكية في هضاب المغرب الشرقي نظرا للمناخ القاحل وتموقع المنطقة بين سلسلتين جبليتين، هذا ما يحول دون مرور الرياح الأطلنتية الحاملة للأمطار والتي تهب خلال فصل الشتاء، ولكن هذا لا يمنع الرياح الشرقية من اختراقها حتى صارت منطقة للطاقة الريحية .
أما واحات تافيلالت، فتنتشر فيها نبات النخيل بكثرة، إلا أن المثير للانتباه أن النخيل يواجه تحدي التصحر وزحف الرمال، بالإضافة إلى قطعه من قبل الإنسان وندرة المياه، والأخطر من ذلك هو مرض البيوض الذي يصيب النخيل ويؤدي إلى إتلافها، نفس الأمر بالنسبة للغطاء النباتي في الأطلس المتوسط فهو يتعرض للرعي الجائر والقطع، ولا ننسى كذلك الحرائق .
3 ) نمط العيش : تباين المجال المغربي
إذا كانت خصوبة التربة وخاصة انتشار تربة التيرس الغنية بالذبال والمواد العضوية، ناهيك عن المناخ الساحلي الذي يسمح بهبوب رياح غربية محملة بالأمطار، وانبساط الأرض جعلت السهول الأطلنتية تحظى بثروات فلاحية مهمة، زيادة على الثروات المنجمية، فإن هذه السهول تواجهها تحديات أخرى مرتبطة بنمط العيش، والأمر يتعلق بالاكتظاظ السكاني، بالإضافة إلى العشوائية وغياب التخطيط، مع زحف المعامل الصناعية نحو الريف ونفس الأمر بالنسبة للساكنة المدينية، فالدار البيضاء على سبيل فاق عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة في إحصاء 2014 ، نفس الأمر لخريبكة، فإحصائيات 2004 تفيد أن عدد السكان وصل إلى 500000 نسمة تقريبا ، بينما مدينة قصبة تادلة وصل عدد سكانها إلى 40000 نسمة، ولقد عزا الأستاذ عبد الكريم ساعة هذا الارتفاع السكاني وتجمع المدن إلى الصناعة، ناهيك عن استخراج الفوسفاط، ولا ننسى الثروات الفلاحية التي تزخر بها تادلة، فهذه الأخيرة كانت طريقا للسلطان بين مراكش وفاس، وعلى سبيل المثال قصبة موحا أوسعيد التي شيدها السلطان اسماعيل العلوي في القرن 18 لكي تكون استراحته وتكون تادلة في نفس الوقت قريبة منه .
هكذا تعتبر السهول الأطلنتية أرضا للوفرة، إلا أنها تواجهها تحديات الاكتظاظ السكاني، بالمقابل لا تعيش ساكنة الدير إلا على الأشجار كالزيتون واللوز، فالوضع الطبوغرافي المتسم بالانحدار لا يسمح لها بالزراعة، زيادة على تركز تربة فقيرة تدعى بالصلصال تعود إلى الزمن الأول، ولئن كانت السهول الأطلنتية زاخرة بالتربة الخصبة المنقولة عن طريق التعرية من الجبال، فإنه على مستوى الدير يلاحظ حضورا للصخر المتحول الذي لا يساعد على الزراعة، ولقد استمر هذا الحال على طول الطريق المتجهة نحو بومية، حقول زراعية ناتئة تقاوم قساوة المناخ، مساكن مبنية بالأحجار، صخور كلسية، يستعمل الفلاحون في حقولهم الزراعية وسائل تقليدية التي تتجلى في المحراث والبغل، وبالتالي تكون هذه الفلاحة بورية تراهن على هطول الأمطار، في هذه الطريق لوحظ أيضا بعض المعامل القديمة لصناعة الحجر بالقرب من إحدى المغارات .
وبينما الحافلة تقترب من بومية، لوحظ في حواشي الطريق منازل طينية يربي أصحابها الأبقار، كما يقومون بغراسة شجر التفاح، وقرب قرية تدعى عين عيشة كانت هناك نساء يشتغلن في حقول البطاطس ويتم جمعها في أكياس ووضع في معامل للتبريد، في هذه الأرض الخلاء التي ينمو فيها شجر الصفصاف بالقرب من المجاري المائية، هناك حقول مغطاة لغراسة شجر التفاح تفاديا للثلوج، لذلك تم تأسيس تعاونيات كبرى لتخزين الفواكه حتى صارت مدينة ميدلت عاصمة التفاح.
تتموقع مدينة بومية في واد عميق تلفه الصخور، في هذه المنطقة يصل الارتفاع عن سطح البحر حوالي 1450 متر، وتنحصر بين جبلين، تعاني الساكنة من صعوبة العيش، ناهيك عن ندرة الموارد، مع هيمنة النمط الرعوي –الزراعي القائم على الترحال والزراعة في بطون الأودية، وتربي الساكنة الماعز والأغنام .
تعد أغنام أمحضيض (أغنام حمراء) إلى الجانب الماعز الأسود المواشي التي تتعاطى ساكنة ملوية العليا تربيتها، فهذه المنطقة ملتقى عدة قبائل متفرقة كقبائل أيت يزدك في نواحي ميدلت وأيت عطا بالأطلس الكبير، وأولاد خاوا في نواحي ميسور التي تعد قبيلة عربية استقرت نواحي ميسور خلال القرن 12 م وتتعاطى الترحال، ناهيك عن قبائل أوفلا بناحية واوا مانة .
بعد تجاوز ميدلت، وفي أرض خلاء تمت ملاحظة خيام سوداء تابعة للرحل، إلى جانب أعمدة كهربائية، ومعامل لاستخراج المعادن، إضافة إلى تربية النحل، يختلف الأمر بالنسبة لمجتمع الواحات، فالواحة هي شريط مخضر في بطون الأودية في مجالات صحراوية، كما أنها مجال ضيق ومكثف قليل التربة ويتم غراسة الرمان والزيتون و الفصة والزرع، في حين تتمركز المساكن في حواشي الواحة، فهناك ما يزيد عن 400 قصرا وتتوفر على شروط التهوية، ساخنة في الشتاء وباردة في الصيف، مصنوعة من الطين وجريد النخل.
في اليوم الثاني من الرحلة، وعلى أعلى واحة زيز تساءل الأستاذ عبد الكريم ساعة : « هل نظام الواحات يسير نحو البقاء أم نحو الموت ؟ » بمعنى هل الواحة قادرة على البقاء دون دعم أموال الهجرة ؟ الواحات تتكون من مجموعات تعيش واقعيا وافتراضيا من خلال الدعم الذي يأتي من الهجرة إلى الخارج، وهل قادرة على البقاء دون ذلك ؟ ربما الطاقات البديلة هي الحل لبقاء الواحات.
داخل الواحة يتعايش ما هو تقليدي مع ما هو عقلاني، فهناك تنظيم للسقي، الحفر الجماعي، تشييد الطرق، بناء المساجد، دار الضيافة، لقد تعلم الواحيون الاكتفاء الذاتي والاستقلالية عن الدولة .
في هذا الصدد أشار كل من الأستاذين الأزهر وساعة أن هناك ثقافة المقاومة في الواحة، أي أن هناك ارتباطا وثيقا بالأرض رغم الهجرة والابتعاد عنها، فالواحيون يعودون إلى أرضهم ولا يعيشون في قصورهم القديمة، بل يشيدون بنايات حديثة، لقد حصل هذا منذ السبعينات بحثا عن التميز والارتقاء والاجتماعي، وهذا أدى إلى تلاشي القصور، فتنامت نزعة الفردانية، الأستاذ محمد الأزهر استخلص أن الواحة ماضية نحو التطور، والأمر نفسه أكده أستاذ ساعة مبرزا أن في الدار القديمة كان التشجير وتربية الحيوانات داخلها، لكن في الدار الجديدة هناك عزل ما هو حيواني بحثا عن التسامي، واستنادا إلى الباحث عبد المالك صياد بين الأستاذ ساعة أن الدار تمثل دليل وجود للأشخاص المهمشين، وهي وجود للشخص في حالة الغياب، لا يمكن للواحة أن تتلاشى فهناك مشروع للتشجير بغرس 25000 نخلة، وهؤلاء الذين رحلوا إلى الخارج لن يستطيعوا الانفصال عنها، إن منازلهم هي دليل وجودهم وهاجس العودة حاضر في وجدانهم، وفي هذا الإطار تعتبر القبيلة كائنا حيا يتأقلم مع الظروف والمتغيرات، إنها حاضرة في العالم الافتراضي، فحتى لو تفرق سكان الواحة في العالم فمواقع التواصل تجمعهم، كذلك هناك جمعيات تشتغل على الأرض لها علاقة بجمعيات دولية تهتم بالبيئة وتقدم المساعدة إلى سكان الواحات، ولا ننسى أيضا أن تدبير الشأن المحلي يقوم به سكان الواحة أنفسهم بتفويض من المخزن، فصارت القبيلة منصهرة في المخزن.
بعد التوقف أعلى واحة زيز، عادت الحافلة لتأخذ الطريق الوطنية رقم 13 صوب أرفود، تشكل هذا القصر عام 1907، هناك قصور عمرها تسعة قرون، في هذه اللحظة كنت قد جلست جوار الأستاذ ساعة وأستمع إلى شروحه، لقد أكد أن هناك بابين للقصر واحد للضيافة والثاني لأهالي الدار، ويتوفر القصر على نوافذ شبكية تتيح الرؤية لأهالي الدار دون أن يروهم من في الخارج، فالدار لديها حرمة، كما يتم موقعتها عاليا تفاديا للأخطار، أما فيما يخص محصول كل نخلة فيصل حسب الأستاذ ساعة إلى خمسة قناطر، ويتم خزنه عاما أو عامين ويستخرجون منه العسل.
وبينما اقتربت الحافلة من مقابر واحة أفوس (الكف)، كنت قد سألت الأستاذ ساعة عن مسألة الاختلاط بين القبائل في الدفن، وأجابني أن كل قبيلة لها مقبرتها، والمقابر في الماضي كانت دون زخرفة أو زركشة، كان يوضع حجر أو صخر على القبر أو قنينات ماء، سألته أيضا عن التعدد الديني داخل الواحة، فأكد أنه بالإضافة إلى المسلمين هناك اليهود، فبعض الأحداث التي عرفتها وجدة وجرادة عام 1948، إذ تجلت في الاقتتال بين المسلمين واليهود ساهمت في هجرة الكثير من اليهود إلى ما يسمى باسرائيل بدعم من الموساد كما أشار الباحث جاكوب كوهين، غير أن اليهود أصبحوا يعودون إلى جذورهم، فهناك عدة وثائق مطمورة في قصورهم ولا يقدرون على فتحها إلا بواسطة رجال الدين، وهذه الخزائن قد تتضمن ذهب أو أموال أو وصايا أو عقود، وفي هذا الصدد يلفت الأستاذ ساعة أن ما ميز اليهود هو احترافهم فن الكتابة منذ زمن بعيد، ربما يرتبط ذلك بتعاطيهم للتجارة، إضافة إلى ذلك هناك حضور للحراطين الذين كانوا يرزحون تحت العبودية، فالسلطان كان يصعد على الفرس بعد أن يركب على ظهر الحرطاني، والآن مازالت بعض الطقوس في العيد الكبير، إذ يتم تجريب ما إذا كانت السكين حادة على ساعد الحرطاني.
مباشرة مع الاقتراب من أرفود تم وضع حواجز لوقف زحف الرمال، وهو أكبر يخاطر يواجه تافيلالت، فمساحتها تقارب فلسطين، لكنها مهددة باحتلال من طرف الرمال، تستقر في أرفود قبائل آيت الصباح، لاحت بعض النساء يمشين في الشارع يرتدين النقاب، تتنقل الساكنة بواسطة العربات التقليدية، لوحظ أن الجريد جاف غير معتنى به ومهدد بالموت، في نقطة مهمة أبرز الأستاذ ساعة أن الساكنة المحلية تولي أهمية كبيرة للثقافة، فمنذ 1917، ومن أجل أن تكسب فرنسا السكان ربطت بين إعطاء الماء وذهاب التلميذ إلى المدرسة .
بين الريصاني ومرزوكة، تم الإنصات إلى شروح الأستاذ محمد الأزهر، لقد بين أنه في هذه المنطقة يتم التعاطي لتربية الجمال، لذلك تمت مصادفة خلال الطريق عدة التعاونيات، هنا بالقرب من مرتفعات الحمادات تسود ضخور العروق التي تعرقت بفعل الحرارة المرتفعة، وتتغذى الجمال على بعض النباتات الشوكية المتناثرة، ارتفاع الحرارة لا يمنع من مرور رياح الشركي (الصيروكو) الباردة انطلاقا من البحر الأبيض المتوسط .
لا يرتبط نمط العيش بما هو مادي وحسب، بل بما هو روحي كذلك، فالدين سلوان وعزاء وطاقة روحية تجيب عن إشكالات الإنسان اليومية وهمومه، وفي هذا الشأن تعتبر مؤسسات الزاوية هي أدوات للإجابة عن هموم الإنسان، لذلك كان لأعضاء الرحلة موعدا مع زيارة ضريح علي الشريف مؤسس الدولة العلوية، لقد أبرز المسؤول عن الضريح أن علي الشريف أسس الزاوية خلال القرن 16 م، وهو الجد الرابع والثمانون للملك محمد السادس، ربط حياته بين العلم والجهاد والحج، وأن المهمة التي نذر لها أحفاده هي تكليف وهي مهمة دينية .
انطلاقا مما سبق يتضح أن نمط العيش في المغرب متباين، ففي مجتمعات الوفرة نجد التعاطي للزراعة والصناعة كما هو الحال للسهول الأطلنتية، لكن في مجتمعات الندرة نجد التعاطي لغراسة الزيتون أو استخدام تقنيات تقليدية، والتعاطي للرعي كما للحال للأطلس المتوسط، في حين تبقى قساوة المناخ وفقر التربة وارتفاع الحرارة وندرة المياه هي العوامل المتحكمة في نمط عيش ساكنة الواحات.
4) إعداد المجال : الواحة تنظيم محكم فرضته عوامل الندرة
أكد رئيس الوكالة الحضرية لمدينة الراشيدية في اللقاء الذي جمعه بطلبة الماستر أن هناك ثلاثة أحواض زيز (الراشيدية- الريش)، وغريس (الجرف)، وبوذنيب وعين الشعير، وأن هناك عشرين جماعة قروية و7 جماعات حضرية، كما أكد أيضا أن تصاميم التهييء يتم وضعها لمدة 10 سنوات من أجل تقييمها، إذ يتم إنجاز دراسات ديمغرافية واقتصادية واجتماعية ، فالتصميم الحضري يحتاج لتشخيص متعدد الأبعاد، ويحتاج إلى رخصة من السلطات، وفي هذا الإطار طرح الأستاذ الأزهر سؤالا عن التصاميم الملائمة لطبيعة المناخ الذي تعرفه المنطقة، ثم كيف يتم تصميم القصور والشوارع الملائمة للاستظلال والخطارات، لم تكن هناك إجابات تصب في عمق هذا السؤال الوجيه، وهذا ما دفع محمد الأزهر إلى مصارحتنا بالقول حينما وصلنا إلى بحيرة أكلمام سيدي علي : السبب وراء مشكل المياه في تافيلالت هو تبذير المياه من قبل السياح، بالمقابل كانت استفسارات بعض الطلبة عن اختيار الراشيدية وليس ورزازات كعاصمة للجهة، فأرجع ذلك إلى المكانة التاريخية لمدينة الراشيدية باعتباره مهدا للدولة العلوية، ثم أن جميع التخصصات والتجهيزات موجودة في مدينة الراشيدية.
في اليوم ما قبل الأخير، رافق الرحلة أحد المشتغلين بالوكالة الحضرية لمدينة الراشيدية، في الطريق الرابطة بين الراشيدية وتنغير أبرز أنه كثيرا ما يعتقد أن الواحة هي الطين والبشر، لكنها منظومة ثقافية، إن العلاقة بين الإنسان والواحة تشبه العلاقة بين البيضة والدجاجة، وأيهما يسبق الآخر ؟ فداخل الواحة هناك الاستقرار ووجود كثافة قوية، بينما خارجها هناك كثافة ضعيفة، وهناك ثلاثة أشكال للواحة : أولا الواحة المغلالة: تعطي الغلة والمحصول الجيد، وتتوفر على أشجار مثمرة، ثانيا الواحة الباردة: تتموقع في الجبل ويتم الزراعة في المدرجات لربح المساحة ومواجهة انجراف التربة، ثالثا الواحة الساخنة : هي التي تتموقع على مرمى من الرمال الزاحفة.
في المنزل الواحي يتم وضع التمر في السطح، و مكان مخصص للدواب، وموضع خاص بالأهالي والأقارب والضيوف، وفي هذا الإطار تعتبر أي حاجة مفيدة في مجتمع الندرة، فالنفايات، روث البهائم، الاستعمال المنزلي، التشطيب يتم استغلاله لتخصيب التربة، الأرض هي عين الإنسان وهي شغله الشاغل، إلا أن الواحة تتعرض للاستنزاف، غير أن الهجرة ساهمت عن طريق صنادق الدعم وتحدي الألفية في الحفاظ على بقائها .
في تطرقه لإعداد المجال بالواحات، أشار الأستاذ ساعة إلى أن تشكل الواحات مرتبط بالظروف الطبيعية القاسية، فالأهالي خلقوا تكتلا لمواجهة الأخطار والزاحفة والمهددة، فهناك احتماء بالمجال الأخضر لمواجهة الطبيعة، ولقد لعب الوالي دورا في لم شمل الواحة، ويشكل النواة الأولى للمجتمع الواحي، فالمسجد والزاوية يتمركزان في الوسط، إلا أن الملاحظ في حالة واحة كلميمة تزايد لعدد السكان وتقلص للمجال الفلاحي، شوارع هذه الواحة ضيقة، ومنازلها مبنية بالأعمدة وجريد النخل كما أنها ذات أبواب حديدية، و بالقرب منها يوجد مكان يسمى بمجالس الأعراس، وكل عائلة لها بيت خاص بها، تعمل النساء على جلب المياه من السقايات وحمل الأعشاب من الحقول، ومدها إلى البهائم المربوطة في الحظيرة، كما يتم الاحتفاظ بروثها ورميه في الواحة، بالإضافة إلى ذلك هناك حداد يصنع الوسائل الفلاحية، وصانع الآجور من التراب .
إن إعداد المجال في الواحة يأخذ بعين الاعتبار واقع الندرة لا مائيا ولا فلاحيا وعلى مستوى التربة، إنه مجتمع أعد مجاله للاستفادة واستغلال كل يوجد بالواحة .
ما يمكن أن نستشفه على ضوء هذه الرحلة أن المجال المغربي متعدد الموارد المائية والنباتية والطاقية والفلاحية، إلا أنه تباينا بين المناطق، فهناك مناطق تحظى بالوفرة الفلاحية والصناعية كما هو الحال للسهول الأطلسية، وهناك مناطق تعرف ندرة كما هو الحال للواحات، والملفت للقول أن إتلاف الغطاء النباتي والتصحر، وتبذير المياه ة وزحف المدن من المخاطر التي تحيق بالتوازن البيئي في المجال المغربي .

عبد الله عنتار / بنسليمان 26 ماي 2016



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على محراب الآلهة جلست فبكيت
- ذكرى صديق عزيز
- الإنسان أولا وقبل كل شيء
- مماتي
- رحلة غابوية : رجوع إلى الذات
- هل حاولنا أن نولد مرة واحدة وانتهت؟
- مدينة تارتروس *
- رثاء أيقونة
- التنوع السوسيومجالي : ظاهرة الأفارقة جنوب الصحراء (تأطير الب ...
- التنشئة الهدرية : مدخل نظري لتفكيك الأصنام الكبرى (الله، الن ...
- مريم الشيخ (1) : النساء المكتريات : جرأة في الطرح وتواضع في ...
- أيام عصيبة بالقسم الداخلي (2)
- من هم الأشخاص دون سكن قار (SDF) ؟
- أيام عصيبة بالقسم الداخلي (1)
- منزلنا الريفي (98)
- منزلنا الريفي (99)
- منزلنا الريفي (100)
- شبح الجفاف
- منزلنا الريفي (96)
- منزلنا الريفي (95)


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - رحلة علمية إلى تافيلالت : المغرب المتباين والمفارق