أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الفوضى الخلاقة مجرد احتمال















المزيد.....

الفوضى الخلاقة مجرد احتمال


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1394 - 2005 / 12 / 9 - 11:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تدخل مصر بعد انتخابات مجلس الشعب الجارية حالة من السيولة السياسية، بحيث يصير من يحاول توصيف الواقع، ناهيك عن استشراف المستقبل، كمن يحاول الإمساك بقطة سوداء في غرفة مظلمة، ولا شك أن الضغوط الخارجية - والأمريكية بالأساس - وراء المعدلات المتسارعة في تفاقم التشققات والتصدعات في البنية السياسية المصرية المتهالكة أصلاً، من فرط قدمها وتخلفها الشديدين، ومعها بالطبع ما يلتحق بها من بنى اقتصادية واجتماعية.
الغرب يدفع باتجاه ما أسمته كوندوليزا رايس بالفوضى الخلاقة constructive instability، وهي في نظرنا مغامرة غير مضمونة العواقب، تعرضنا لها في مقال سابق بعنوان "الغرب والقفز إلى المجهول"، مفضلين كشعب لم يعتد الصراع، أن ننتقل بهدوء وتدريجياً، عبر خطة اصلاح متكاملة، تفضي بنا في النهاية إلى التغيير المنشود.
لكن يبدو أن إصرار النظام المصري على رفض التغيير، واللجوء إلى التحايل والتظاهر بالحركة من وضع محلك سر، كان وراء الدفع الخارجي للولوج إلى لعبة الديموقراطية، قبل نضج الشروط المناسبة على الأرض، وهكذا رأينا التعديل المفاجئ للمادة 76 من الدستور، والخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح، لتأتي الممارسة في غيبة كل المقومات العملية للنجاح، أشبه بمسرحية كوميدية هابطة، لندخل بعدها لانتخابات مجلس الشعب، والتي قرر النظام فجأة أيضاً التخلي عن أسلوبه المعتاد في إدارتها، ليقترب بدرجة نسبية من الممارسات الديموقراطية، دون أن تكون الساحة أيضاً مهيأة لذلك.
فالحزب الوطني الديموقراطي المزعوم لا وجود له في الشارع المصري، وما قد يبدو وكأنه قوة، لا يستند في الحقيقة إلى كيان متماسك، فهو عبارة عن عناصر من جهاز الدولة البيروقراطي، قياداتها تسعى للتمسح بالطغمة الحاكمة والالتحاق بركبها، وأفرادها جموع تسخر للهتاف في المسيرات، وللإدلاء بالأصوات لتكملة الديكور عند الحاجة، يفعلون ذلك انصياعاً لأوامر الرؤساء، وطمعاً في وجبة غذاء أو معادلها المادي، وإذا ما تخلت الأجهزة الأمنية عن مساندتها للحزب، لا يتبقى له إلا تسول الدعم من مؤسسات الدولة، وفيما عدا ذلك لا حول ولا قوة له، اللهم إلا القوة الشخصية لبعض رموزه والملتحقين به، وهؤلاء ما أسهل تمردهم واستقلالهم بالترشح للإنتخابات مثلاً، إذا ما تخطاهم الحزب، ليتركوا الحزب ومرشحه بلا حول ولا قوة، بل ويتولون هزيمة مرشحه في أحسن الأحوال، وتمكين غريمه من هزيمته عبر تفتيت الأصوات في أسوأها، إذن لا حزب هناك ولا يحزنون، فقط جهاز الدولة وأذنابه المتهرئة عديمة الفاعلية، منعدمة الإخلاص.
الأحزاب الأخرى أمرها معروف، ومعها النخبة عالية الصوت خاوية المحتوى، وهذه يمكن أن تستفيد من درس الانتخابات، إذا فعلت ما لم تتعود أن تفعله، وهو أن تراجع نفسها بشجاعة وموضوعية، وألا تكابر كالمعتاد، وتسند فشلها إلى القمع والتزوير، فها هم الإخوان قد استطاعوا تحقيق نصر بكل المقاييس، وفي ظل نفس الظروف التي فشلت فيها أغلب وأهم رموز المعارضة.
القوة الوحيدة بالساحة إذن هي قوة جماعة الإخوان المسلمون المحظورة، والتي تركها النظام تستشري في المجتمع بتشكيلاتها السرية، ونهجها الفاشي المقيت، تستقطب الجماهير الفقيرة واليائسة والناقمة على النظام ورموزه، جماعة توفرت لها كل مقومات النجاح، التنظيم الإداري الكفء، والكوادر المنضبطة المخلصة للهدف والتنظيم، والشعارات الدينية التي تلعب بها بعواطف جماهير متدينة بطبيعتها، وغير قادرة على النقد والمراجعة، سواء نتيجة الجهل وسوء النظام التعليمي المبني على التلقين، أو نتيجة تحاشي نقد الخطاب الديني، خوفاً من الاتهام بالكفر والخروج على صحيح الدين.
من الطبيعي إذن أن تدخلنا الانتخابات إلى بحر من الرمال الناعمة، أو مستنقعات موحلة، تزيدنا كل خطوة فيها تورطاً وارتباكاً، والمرجح والحالة هذه أن يكون التوصيف هو الفوضى المدمرة destructive instability ، وليس الفوضى الخلاقة constructive instability، لكن الأمر بالتأكيد لم يصل بعد إلى حد الحسم النهائي، هنالك فيما نري فرصة لإعادة ترتيب البيت المصري، الذي أفسده المفسدون عمداً أو جهلاً.
هناك أولاً تنفيذ القانون بصرامة على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وتفكيك بناها التحتية، وتتبع ذيولها وتفرعاتها في المدن والقرى المصرية، وتجفيف مصادر تمويلها، واتخاذ الإجراءات القانونية تجاه عناصرها التي تصر على إحياء جماعة محظورة، على أن يطبق القانون على الجميع، بمن فيهم أعضاء مجلس الشعب الجدد، الذين أعلنت لافتات دعايتهم الإنتخابية انتماءهم للجماعة غير الشرعية، فهؤلاء تتخذ الإجراءات القانونية ضد من يرفض منهم الإقرار كتابة بانسلاخهم من هذه الجماعة، ويكف قولاً وعملاً على المشاركة في نشاطها السري المحظور.
في نفس الوقت يفسح الطريق أمام مفكري التيار الإسلامي الراغبين في تكوين حزب سياسي، يكون مستوفياً لشروط قانون الأحزاب، ولشروط العملية الديموقراطية، وعلى أساس انتماء المواطنة وليس الانتماء الديني، على أن لا يكتفى في هذا الشأن بمجرد الاعتراف بهذا في بيان، يمكن أن يقر قائله بأي عبارات نلزمه بقولها، دون أن يكون برنامج وتوجهات ومرجعيات الحزب متطابقة فعلاً مع الديموقراطية.
الثانية في طريق إعادة ترتيب البيت المصري، أن يقوم النظام بتسريح جميع رموزه المرفوضة من الجماهير، وهي معروفة جيداً للكبير والصغير في هذا الوطن، ويتم تسريح الحزب الوطني المزعوم، والذي هو مسرح أصلاً أي لا وجود له، فيما تقوم العناصر الشابة والمخلصة والموجودة بالنظام والحزب حالياً، بتكوين حزب جديد حقيقي، وعلى أسس جديدة أساسها الطهارة والإخلاص للوطن، فعلى هذا الأساس وحده يمكن أن تتقبله الجماهير.
أما النخب الثقافية داخل الأحزاب الموجودة حالياً وخارجها، ممن ينضوون تحت لواء حركة كفاية وما على شاكلتها، فرأيي الشخصي أن لا خير يرجى منها، حيث الأمل شبه منعدم أن تراجع مقولاتها وممارساتها، فلقد تعودت على الرقص على كل الحبال، والجري وراء الشعارات الطنانة، والخاوية من أي مضمون، واستمرأت عن جهل أو سوء قصد، الانفصال عن المواطنين وقضاياهم الحقيقية، ورأت أنه من الأسهل النباح تنديداً بالإمبريالية والصهيونية والعولمة وما شابه، لا أن تعالج قضايا الجماهير، وتبحث عن حلول جادة لها، واستمرأت إسناد فشلها المزمن، والفشل الوطني إلى أقرب أو أبعد آخر تجده!!
يبقى الأمل في رموز الاستنارة والحداثة والليبرالية، والمنتشرون أفراداً في أنحاء الوطن، يراقبون الأمور عن بعد، أو يقاربونها على استحياء يشوبه فقدان الأمل، هؤلاء مع من يماثلهم من منتسبي الأحزاب القائمة، هل يستطيعون التجمع في هيئة موحدة، ذات هيكل إداري تنظيمي حديث، تقوم بنحت برنامج تحديث وطني يستنهض كل القوى، ويوظف كافة الإمكانيات، للتنافس في ساحة ليبرالية مفتوحة مع الحزب الحكومي الجديد، وحزب التيار الديني إذا ما استوفي الشروط الضرورية، لتقوم هذه القوى مجتمعة بتحريك الجماهير، واقناعها عبر الإنجاز والخطاب الثقافي المستنير، بأن تنهض للحاق بقاطرة الحضارة الإنسانية؟
هل تفيد هنا الأناشيد، فنصرخ ونقول "قم يا مصري مصر دايماً بتناديك"؟
أيمكن أن ننتبه وننتخي ونحن على حافة المخاضة؟
أم سنظل على لهونا وعبثنا حتى يصل الوحل إلى الأذنين؟
في وطني كثير من الرجال.
كثير من المخلصين الشرفاء.
هل نتدبر أمرنا ونحن على مفترق طرق، نتجه بعده إما إلى الفوضى الخلاقة، وإما إلى الفوضى المدمرة، لنقرر بملء العزم أن نختار لأبنائنا مسقبلاً أفضل؟!!



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتابة عبر النوعية: حوار لم يتم
- حنانيك يا د. فيصل القاسم
- يا لك من متفائل يا صديقي د. شاكر النابلسي
- الصخرة الأرثوذكسية ورياح التغيير 2
- الكنيسة والوطن. . إعادة ترتيب الأوراق
- عقيدة التوحيد ومسيرة الحضارة
- همسة في أذن الأقباط، وحركة كفاية
- حاولت أن أدق في جلودكم مسمار
- الصخرة الأرثوذكسية ورياح التغيير
- مصر والعرب والعروبة
- قليل من الوقار يا سادة
- إلى ما يسمى تيار الإخوان المعتدل
- الإخوان والحنان الليبرالي اليائس
- خطوة تكتيكية إلى الخلف
- رائحة سرور تلك - كتابة عبر النوعية
- هكذا تكلمت إيزيس
- عصفور الشرق المغرد في لندن - صنديد العروبة الذي لا يخجل
- معضلة المرض العقلي
- السباحة في بحر الظلمات إهداء إلى د. سيد القمني.
- د. سيد القمني لا تحزن من سفالتهم


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الفوضى الخلاقة مجرد احتمال