أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عماد حياوي المبارك - شاهد عيان















المزيد.....

شاهد عيان


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5171 - 2016 / 5 / 23 - 22:59
المحور: المجتمع المدني
    


شاهد عيان

هناك عبارات لا تستخدمها اللغة العربية سوى بمواضع محددة، منها... (شاهد عيان)، وأن كنا نألف ما تعنيه كلمة شاهد، فلا أعلم لِمَ الأخرى هي (عيان)؟ كذلك (أثراً بعد عين)، عبارة لا أجدها مترابطة، لكنهما على أية حال تتعلقان بالعين التي تُشاهد الحدث فتكون شاهداً عليه.
لم يصادف كثيراً أن يكون الشخص (شاهد عيان) على حوادث تقع أمام ناظره، وتبقى الشاشة مصدر رؤية مختلف الحوادث، البعض منها غير حقيقي، فأمكانية التسجيل الفيديوي اليوم يتيح لنا متابعة آلاف الأفلام بين الواقعية والمفبركة.
برنامج على شاشة التلفزيون بعنوان (فيديو المنزل) يعرض اللقطات التي تحدث خلال عمليات تصوير وتوثيق الحياة اليومية والمناسبات، زفاف أو سفرة أو فعالية... ويُطلب من المشاهد تمييز أهي واقعية أم لا. غالباً ما تكون اللقطات خدّاعة ببراعة وتنطوي على المشاهد إلا تلك التي أبطالها حيوانات، لأن البشر فقط هم من بأستطاعتهم التلفيق والكذب بلا منازع!
حادثتا دهس و(ربع) هو الرصيد بذاكرتي لما رأيته فعلياً بحياتي وأمام عيني لأكون (شاهد عيان) عليها، كانت مرّة لأمرأة ومرتين لطفلين، راح ضحيتها الأمرأة وأحد الطفلين بينما خرج الآخر سالماً معافى. أولها كانت لطفل، وقد هزّت في وقتها حي القادسية ببغداد. كان بيتنا مواجهاً لسكة القطار، يقع على الناحية الأخرى بالسبعينات ميكن عضو القيادة القومية لحزب البعث الحاكم المستبعد من لبنان (عبد المجيد الرافعي)، قامت أمام منزله كابينة حرس وموقف للمرسيدس الخاصة به. كانت نافذة غرفتي تطل على مشهد أترقبه كل صباح حينما أجهز نفسي للذهاب للجامعة، يأتي (ميني باص فولكس فاكن) الروضة ليصطحب الأطفال، فيتوقف عند باب الدار المجاور لبيت الرافعي ليقل طفل مشاكس يلهو بعفوية حول الكابينة مع الحرس على الدوام، فيضطر السائق لمساعدتهم في (القبض) عليه وأرغامه صعود الباص المعبأ بدل العشرة... بعشرون طفل! كان المشهد يشبه مطاردة رجال (الكاوبوي) بأحصنتهم للأبقار، فيأخذني بعمق الزمن حين كنا أطفالاً وتجبرنا عمتي على معاونتها بأرغام الدجاج دخول القفص، كان الديك (عبود) يقف بالمرصاد بالدفاع عن دجاجاته بكل شجاعة وإيثار، فأضطررنا لتربية (بزونة) أسميناها (عطارد) ندلعها (عطّورة)، دربناها على مساعدتنا بالسيطرة على فوضى الدجاج وعزلهم عن البط. في يوم أنقضَ (عبود) عليها و(نقرها) بعينها فأعتزلت أثر ذلك عملها التطوعي و(ولّت) هاربة!
كانت مَشاهد جثامين الشهداء في الثمانينات وحتى اليوم مألوفة للعراقيين، إلا أن هذه الحادثة بالسبعينات كان لها وقع آخر وهزت مشاعرنا وضلت موضوع الساعة بين بيوتات الحي لوقتٍ طويل. ففي صباح يوم مشمس لا يوحي لأهل حي القادسية أنه يحمل في ساعاته الأولى الصدمة لهم ولهذا الطفل الموت. برر سائق سيارة الأجرة المسرع صدمته الطفل بظهوره فجأة من خلف الكابينة ولم يكن بيده من حيلة. بينما قام والد الطفل بحمله مسجى على كفيه قال... (الله ينتقم من الذي كان السبب!)، قالها بينما جميع شهود العيان فسرها بحسب هوائه، فمن يتحمل الذنب، السائق أم الطفل أم كابينة الحرس، النتيجة بكل الأحوال... واحدة!
كان وفاة هذا الطفل هو حادث السير (المميت) الأول الذي أراه على أرض الواقع، أما الثاني فكان بمنتصف الثمانينات أي بعد عشر سنين وكان بحق فاجعة. وبينما أنتهى دوامنا بمركز أتصالات المأمون بساحة النسور، كان يتطلب على بعض الموظفين عبور الشارع ليستقلوا سيارات النقل العام، أرادت أحدى الموظفات، وهي سمراء ضخمة جريئة، أن تكون السبّاقة بعبور الشارع الخطير القادم من النفق بأتجاه المأمون. فجأة ظهر باص حديث ذو طابقين (مان) مسرعاً من النفق وحدث أمامنا مشهد توافقي بينها وبين السائق أستمر لثوانٍ، تردد الأثنان وحين تقدمتْ كان هو الاخر ينحو بأتجاهها وحين عادت للوراء، كان هو ايضاً وبنفس اللحظة قد غيّر أتجاهه لتصبح من جديد أمامه بدقة، فصار بالنسبة للمسكينة كالقذيفة الموجهة بالليزر أبتْ إلا أن تستهدفها، صاح الجميع... (ياستّار، هذا يومها!). دوى صوت أرتطام رأسها بمقدمة الباص المعدنية بقوة ثم مالبث أن تمدد جسمها على الأرض كالبساط تحت الهيكل الضخم، مسكت العجلتين الخلفيتين براسها فحشرت جمجمتها (بالدبل) الخلفي ودار بها عشرات المرات حتى توقف، لم نجد من المسكينة سوى آثار دم وبعض عظام لتصبح في خلال ثوانٍ أثراً بعد عين. (سبحان الله)، صاح الكل... (يالتفاهة الإنسان، فما بين أن يتكلم ويمازح بتطلعاته وأحلامه وكيانه، يصبح بقايا مقززة من دمٍ وعظام، فلم يمهلها قدرها حتى أن تقول أو تسمع... كلمة وداع).
نحن تكلمنا عن حادثتين متكاملتين راح ضحيتها أناس أبرياء، أما الأخرى فقد كنت (شاهد عيان) عليها لكن لم يؤخذ بشهادتي مع أنها (ربع) حادثة. ففي عام 1987 كنّا عدة مرشّحين نخوض دورة تنافسية بمعهد الإتصالات للإيفاد لباريس على حساب شركة (ألكاتيل) الفرنسية، كنت أعود بسيارتي الخاصة والوقت مبكر لأنه يوم خميس (نص دوام). في بداية شارع المندي المتعرج والذي نسميه نحن سكنة القادسية ـ شارع 75 ـ لمرور هذا الباص فيه، تقع مدرسة (الفراقد) الأبتدائية عند أحد أنحرافاته. كانت (حَلـّة) دوام، فسقتُ ببطأ وحذر. في تلك اللحظات، نده رجل كان يقف بسيارته عبر الشارع على ولدهِ ذو ثمان سنين قبل أن ينتبه لي، فأستجاب الطفل لا أرادياً وعبر فجأة راكضاً دون أن يلتفت. كان من حسن الحظ أنني أقود بأنتباه وتركيز، لأن هكذا سلوك متوقع أن يقوم به أحد الأطفال. ومع أن المسافة كانت قريبة جداً بين الطفل وصدّام سيارتي لكني نجحت بتفاديه فمسته المرآة الجانبية وأنقلعت. نهض الطفل من الأرض وركض لحضن أبيه دون أن يصاب بأذى، تأسف الرجل وأعاد لي المرآة المهشمة من على الطريق، مر الحادث على خير لولا أقتراحي (أنا) أن نطمأن أكثر ونأخذ أشعة لكتف الطفل بمستشفى اليرموك القريب مع أنه لم يشكُ من شيء سوى فزعه.
طلب الأب مني أن أذهب بأبنه للمستشفى بعد أن أشار لي على بيته وقال بأنه سيتعقبني بسيارته. بالمستشفى قالت المعينة... (يا رجل، الطفل سليم، لاتفتح باب عليك!). قبل أن تفحصه الطبيبة، وكانت على ما أتذكر شابة محجبة وهو أمر غريب بتلك الفترة، قالت لي بأستفزاز... (لازم نفحص درجة السُكر)، قلتُ لها... (وهل تتوقعين بهذه الظهرية أكون راجع من ملهى مثلاً؟).
بأنتظار نتيجة الأشعة، أضطررت الذهاب لمركز شرطة المأمون لروتين معين أشترطته (الأخت) الطبيبة، كان هناك مفوض (صباح) الذي له كلمة ومشورة فوق ضابطه، قال: لازم نطلع كشف دلالة على موقع الحادثة.
ذهبنا هناك وشاهدَ المكان ووصفتُ له (الحادث)، قام بالبحث بالارض عن بقايا زجاج المرآة المهشم ثم كتب وخطط ودار يمين ويسار، شعرت أن الرجل يكيد لي شيئاً، قال: وين بيتهم أريد أشوف أتجاه الولد كيف كان؟
أمام البيت وجدت الأب منهمك بتناول غداءه، تعجبت لبردوته حين سألني عن أبنه وهو لا يزال يلتهم الطعام بشراهة، (أمره) المفوض الذهاب لمركز الشرطة حالاً. بالمستشفى كان الطفل يبكي، لما رآني أسرع اليّ... (عمو وين بابا؟). ضممته لحضني وقلت له... (شوية ملتهي عنك)، وبينما أطـّلع (صباح) على نتيجة أشعة الطفل وهي سليمة كما متوقع عدنا للمركز فجاء الأب أخيراً فصحت به... (عافيات الغدة والجاي)، نظر إليّ هذا المفوض الخبيث وليتغير سلوكه ليبدو عدواني أكثر، فصاح... (أطلع أوكف برّة). خلال خمس دقائق وقّع الرجل على محضر كان مجهز له وأخذ أبنه من حضني وسلم عليّ... ومضى.
صباح: أبو الطفل رفع ضدك شكوى يتهمك بدهس أبنه وتقطيع ملابسه والتسبب بفزعه.
ـ كل عقلك تحكي! أجابني: لا نصّه.
قلت: ليش ما خبرتني بذلك بحضور الأب؟
ولمّا دخلنا على الضابط قال: كنت تسوق كلش بسرعة؟
ـ شنو الدليل؟
ـ هذا المخطط، مفوض صباح شاف الكزيز بالشارع وأثر بريك قوي!
هزّ صباح رأسه: نعم سيدي، أبو الطفل أكد أنه يسوق بسرعة جنونية!
أستمرت سجالات بيننا ثم أودعوني التوقيف، ولأن اليوم كان خميس، نقلوني مع سائق أردني لموقف آخر للسبت لأتمام الكفالة. كان (خوش) موقف ولمّة متهمين، كل ساعة يأتي أكل شكل من أهل الموقوفين وكأننا بمأدبة، حتى رجال الشرطة كانوا يشاركونا الطعام داخل التوقيف!
ـ أيش سالفتك يا زلمة؟ سألني (صديقي) السائق الأردني، فأجبته لتتعالى ضحكات من بين الحضور الذين أستهزءوا بالأمر وأستسهلوه ووجدوه كالقشة في عالم (الإجرام)! سألتُ السائق الأردني عن قضيته، قال أن عجوزاً تسوق سيارة (نصر) قامت فجأة يتخفيف سرعتها بشدة لتعبر تقاطع سكة القطار، لم يلحق الرجل التوقف بشاحنته الضخمة بنفس سرعة توقفها فصدمها من الخلف بشكل خفيف، لكن رجع رأسها للخلف فمسكت رقبتها ونقلوها للمستشفى رغم عدم أصابتها بضرر، وصار عليه قانونياً الأنتظار بالتوقيف حتى تغادر (البطرانة) المستشفى! كان العديد من القصص التي سمعتها تصلح أفلام، تبدأ بحوادث سهلة وتنتهي بحوادث قتل وثأر مروِّعة.
... خرجتُ السبت بكفالة، لكن والد الطفل ورغم أن الحادثة كانت عرضية وكان هو السبب بحدوثها، رفض التنازل بدفع من مفوض (صباح) الذي تبين أن مفتاح القضية بيده، كان تبليغي لسوء حظي يتم عن طريق الدائرة القانونية بوزارة المواصلات ولم تحسم هذه القضية على بساطتها إلا بعد أن أقتنع القاضي بكلامي وأعتبرني (شاهد) ليس إلا، كانت الأيام تمر فنجح الطفل بالمدرسة وذهبت بهدية له لأجد أن الأب قد نسي القضية... بينما أيفادي كان قد ألغته الوزارة!
ألف (رحمة) على أجدادك مفوض (صباح)، صحيح كنت (وجه قباحة مركز شرطة المأمون)!



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عم توفيق
- سكسون
- الثلاثة... سعدي
- فاز باللذات...
- ماذا لو تشرق الشمس من الغرب؟
- حواسم أيام زمان
- على مودك
- أبو عبد الله
- خطة لا يعلم بها أحد
- ليلة من ليالي رأس السنة
- كرسمس
- للأذكياء فقط... أيضاً
- للأذكياء فقط... رجاءاً
- من هم الأذكياء؟
- حدث بشارع حيفا
- كونتاكت
- أبو ناجي
- لاند خود
- ((زوغق))
- ((ديوان بالديوانية))


المزيد.....




- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500
- أخيرا.. قضية تعذيب في أبو غريب أمام القضاء بالولايات المتحدة ...
- الأمم المتحدة تطالب الاحتلال بالتوقف عن المشاركة في عنف المس ...
- المجاعة تحكم قبضتها على الرضّع والأطفال في غزة
- ولايات أميركية تتحرك لحماية الأطفال على الإنترنت
- حماس: الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين ستبقى وصمة عار تطارد ...
- هيئة الأسرى: 78 معتقلة يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عماد حياوي المبارك - شاهد عيان