أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - نوافذ دائرة الطباشير /رواية 1/8















المزيد.....

نوافذ دائرة الطباشير /رواية 1/8


ذياب فهد الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 5166 - 2016 / 5 / 18 - 13:12
المحور: الادب والفن
    


نوافذ دائرة الطباشير
رواية
1/8
ذياب فهد الطائي

السماء مقبضة والظلام يلف كل شيء وغيوم كثيفة متدنية تتسارع باتجاه الجنوب , فجأة يندفع ضوء سريع يومض بعصبية مجنونة ثم يعقبه صوت عاصف يغطي السماء كلها , عوى كلب وحيد في البستان المجاورة وكأنه ينوح بحرقة , ربما ضل طريقه وهو الان يرتجف خائفا .

كان البستان الذي يحيط اليوم بالقرية التي تم إحاطتها بسياج كونكريتي بارتفاع ثلاثة امتار، ارضا بورا أهدتها القرية ل ( الكلي المعرفة ) بعيد ميلاده الواحد بعد الألف , ذهب المهندسون وخبراء الزراعة للبحث عن الأشجار واخيرا تم اختيار النخيل لأنها مقدسة ومن أشجار الجنه كما أن منظرها والرطب الجني يتدلى منها صيفا ، سيجعل القرية على ضفاف النهر،عنوانا كبيرا للبهجة وستكون كل صباحات الصيف المملة مزينة بخضرة شامخة وستختفي النظرات المشوشة للبدو الذين يسكنون خارج القرية وهم يتطلعون الى النخيل بكل وقاره يرتفع متطلعا نحوهم وحينها سيشعرون حتما بسعادة غامرة لأن هذ النخيل القادم من الجنوب يتطلع نحوهم بكل هذه الجدية ، لكن أناث النخيل لم يكن ليروق لهن ان يؤتى بهن الى قرية ليس فيها (قابلة) ولهذا رفضن وباصرار، بدا تواطئا يعاقب عليه، بان لا يعرّضن انفسهن للحمل وادّعين بأنهن عقيمات ألأمر الذي دفع (الكلي المعرفة ) الى اتخاذ إجراءات مشددة بشأن المهندسين الذين جلبوا النخيل من جنوب البصرة !!

قالت امرأة بصوت حازم : اليوم أو لاشيء! .

قال رجل بصوت متخاذل فيه رنة توسل : غدا .

صرخ الكلب مستفسرا وهو يستطلع الظلام القاتم كلون الكحل في عيني عروس القرية التي زفت في العام الماضي .

قال الرجل : لا , هذا كثير!

قالت المرأة : سأرقد على الأريكة !

قال الرجل : بالأمس ماتت أمي وقبلها بساعتين مات أبي !

قالت المرأة : لست اليتيم الوحيد !

سطع الضوء ثانية فتلفتت غزالة مرعوبة ، ثم قفزت ، فيما سد الرعد أذنيها فاصطدمت بجذع نخلة غزتها شيخوخة مبكرة .


قال الرجل : حين كنت أسير خلف (الحاكم ) لم تفعلي هذا ؟!

قالت المرأة : لماذا لاتقول , حين كنت التقط بذور الرماد الأخضر !

قال الرجل : لم تكن السماء بهذه القتامة وكان ( هو ) يقف بكبريائه أمام المرآة يصبغ شواربه الكثة، بعد ان أوعز بأن تبدأ الألعاب النارية، وكانت أمي قد تم وضعها بعناية في قبر صغير خارج المدينة , لم أستطع ان أشتري لها قبرا ملائما فقد ارتفعت الأسعار في كل مكان , ولم يوافق (الحاكم) على صرف سلفة لي بعد ان علم بأني أرسلت لك سلة البيض الملون الذي اعطاني اياه لتوزيعه في مجلس العزاء !

قالت المرأة : هذا لتتعلم ! و( هو ) الكلّي المعرفة , ماتت امه أيضا !

قال الرجل : نعم ولكنها حصلت على قبر محترم , هل تصدقين انه اكبر من الحي الذي نسكن فيه , لم يوافق الحاج (عليان ) على ترك أرضه ليبنى فيها القبر ولكن المسكين لاقبر له الآن ، أما اولاده فقد وظفهم (ألكلي المعرفة ) في مكان ما !

انكشفت رقعة صغيرة من السماء وبدت بضع نجيمات نزقة يتراقصن كمراهقات في حديقة وضع الربيع فيها أسراره .

قالت المرأة : ولكن متى مات أبوك ؟!

قال الرجل : في ديسمبر , كنت في المدرسة , سألني تلميذ مشاغب أي ديسمبر , الذي يأتي قبل نيسان أم الذي يأتي بعده؟! كان السؤال مربكا وغير حياديي اضافة الى أني لا أعرف .

ناح الكلب في الغابة المجاورة بصوت مقهور فيما انهمر مطر بمزاج شرس يضرب ألأرض بعدوانية وأشتد صخب الرعد

قالت المرأة: الوردة الوحيدة في شرفة الجيران ، ربما ماتت الان ؟!

قال الرجل : في شرفتنا لاتوجد ورود !

قالت المرأة : لماذا لا تدعو لايقاف الرعد ؟!

قال الرجل : ولا تنامي على الأريكة !

قالت المرأة : الشاي البارد يبعث على الغثيان !

قال الرجل : أنت مشاكسة والرعد لن يتوقف والشاي البارد سيكون أفضل غسيل للعيون.

قالت المرأة : كانت أمك تشرب الشاي البارد ، هل يشرب الموتى الشاي ، ليس بالضرورة الساخن أعني أي شاي ؟!

تنفست الغزالة بعمق وهي تستفيق وشربت من ماء المطر ثم شّمت رائحة الكلب الذي كان يقترب .

قال الرجل : حين تموتين لن تشربي , وهم يعطون هناك ماء جاريا

قالت المرأة : وهل سيكون اشد من جريان المطر هذه الليلة ؟!

قال الرجل : لا أدري ! و(الكلي المعرفة) الذي يدري بكل شيئ قد ذهب، وحتى ساعة رحيلة كان لايزال يعتني بشواربه الكثة السوداء كالفحم الذي نشتريه من ( عطوان ) !

قالت المرأة : الأريكة قاسية !

لم يعلق الرجل فقد كان يتابع عيني الكلب الذي ضل طريقه , كانتا عينان لونهما ازرق ولكن عكر؛ تشوبه تلوّنات رمادية خبيثة ربما سكن فيهما شيطان صغير هارب من عائلة قاسية كانت تريد ان تربيه ليكون (محافظا) في واحدة من مدن الجنوب ، في حين كان هو وبعض الصغار يرغبون أن يلهوا في ملعب كرة القدم الوحيد في المدينة ولم يبد عليهم أي ميل للأنضباط العائلي .

لايدري لم تذكر (ألكلي المعرفة )! , ومضت ذكراه في مخيلته تماما كالبرق الذي يلتمع عاصفا في السماء الأسيرة كلية بغيوم مثقلة بالمطر والرعد .

كانت عينا ( الكلي المعرفة) شديدة اللمعان , حسنا , انهما سوداوان ويقال ان الطبيب الخاص بالقصر يعطيه جرعات يومية من دواء سحري صنعه من أعشاب سرية ليظل يحتفظ بقدراته الذكورية التي تليق به و بذلك اللمعان في عينيه . ولكن الغريب أن (عطوان) أبو الفحم يشيع بانه رآه قبل ايام في( سوق الغزل) في بغداد وكان يحاول ان يبيع قطة شامية تضحك باستمرار وكانت عيناه كابيتان ، فقد انتهى اللمعان , وبالطبع لم يشتر أحد القطة ، اذ من هو المجنون الذي يشتري قطة تضحك ؟!

قالت المرأة: كلكم مجانين لأنكم تركتموه يذهب ! اذ قد تجدون من يشتريه !

قال الرجل : انت بسيطة وتتوهمين ذلك فمن يشتري (كلّي المعرفة ) خطرا !

قالت المرأة : كيف يكون خطرا ؟!

قال الرجل : لأنه شديد الذكورة وتلتمع عيناه باستمرار !


قالت المرأة: صحيح ولكن هل لاحظت ان عينيه تلتمعان بصلف بالغ الخبث !

قال الرجل : نعم , وقد اخبرني الرجل ذو الشعر الأحمر والوجه اليابس والذي كان يعمل معه ان ابنة ( الكلّي المعرفة ) تستجدي ألان عند مدخل الحضرة وفي يدها( كاسة) من الذهب تصدر رنينا حادا ولكنه صاف كأنه رجع صدى رغبات مجنون , وعيناها تلتمعان بصلف ايضا!

قالت المرأة : هل يمكن أن أعود ؟

دقت ساعة الحائط الرابعة وخرج عصفور بلونين ولكن صوته انحبس فقد كان خائفا حد الموت
قال الرجل : سيأتي الفجر

قالت المرأة : لن يأتي فقد رحل ولايمكنه العودة فالمدينة يحاصرها المطر والرعد .

صرخ الكلب يستجدي العون فقد علق بين الأغصان التي القت بها العاصفة ولكن الغزالة لم تتقدم نحوه

قال الرجل : هل أساعدك ؟!

قالت المرأة : البرد اصبح أشد من أن يطاق

قال الرجل : ستغمض عيون القرية !

قالت ألمرأة : كانت دائما مغمضة !

أنّ السرير الخشبي الموضوع قبالة الشباك وصمتت المرأة فيما كانت عينا الرجل مفتوحتين تشربان الظلمة وضوضاء المطر وعصف الرعد الصاخب



#ذياب_فهد_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية سيد القوارير للروائي حسن الفرطوسي
- الصورة الشعرية
- الحلقة الرابعة /سمات بنية القصيدة عندالشاعر حبيب البصايغ
- الحلقة الثالثة /سمات بنية القصيدة عند الشاعرحبيب الصايغ
- سمات القصيدة عند الشاعر حبيب الصايغ 1/4
- الحلقة الثانية عشرة/أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة الحادية عشر /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة العاشرة /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة التاسعة /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة الثامنة /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة السابعة /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة السادسة /أسئلة الرواية الاماراتية
- الخامسة /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة الرابعة /اسئلة الرواية الامارتية
- الحلقة الثالثة ....أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة الثانية //أسئلة الرواية الاماراتية
- أسئلة الرواية الاماراتية
- دراسة اولية لرواية (كاباريهت ) لحازم كمال الدين
- واقع العلاقات العربية الهولندية
- نقد فلسفي


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - نوافذ دائرة الطباشير /رواية 1/8