أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - من وحي المخيم ..















المزيد.....

من وحي المخيم ..


نضال حمد

الحوار المتمدن-العدد: 381 - 2003 / 1 / 29 - 04:46
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


أذكر يوم كان المخيم لازال مخيما جميلا ومكانا محببا, لا كما هو الآن غابة من الظلام والفقر والتسيب الأمني والانحطاط الأخلاقي والتفتت الاجتماعي والتأزم الاقتصادي. وحيث يخضع لحصار دائم من قبل الوهم والعسكر وغربان البين والاحتمالات المفتوحة على الأشقاء والأعداء والذكرى والنسيان والهجرة والذوبان. حين أذكر عين الحلوة, مخيمي الذي أحببت وأحب, حيث لي ذكريات وأمكنة وبشر  لازلت التصق بدفئهم بالرغم من وجودي بعيدا عنهم في اسكندنافيا الباردة.

 أسمع من المعارف والناس بأنه يوجد في مخيمنا آلاف من البشر الذين لا يستطيعون مغادرة المخيم منذ سنوات طويلة لسبب أو لآخر, وأتعجب منهم لأنهم لازالوا بكامل قواهم العقلية, إذ كيف يستطيع المرء التغلب على حياته والتكيف لسنوات عدة مع مساحة ضيقة من الأرض , مثلما هو الحال في مخيم عين الحلوة, جنوب لبنان.

 من هؤلاء المحاصرين بمشيئة المحاصر والقدر والظروف والسياسة والعقيدة وغير ذلك, من لا يستطيع التحرك أيضا ضمن المخيم بسبب الصراعات الجانبية و الخلافات بين عدة جماعات متمركزة في المخيم ولها مناطق نفوذها داخله. عداك عن مخاوف الليل وأشباحه التي لا تترك الناس بحالهم ولا ترحمهم, إذ تخرج الأشباح من سراديبها أو تأتي من خارج المخيم وتأخذ بنشر الرعب في الزواريب والأحياء, أحيانا على شكل متفجرات وانفجارات وقنابل و اغتيالات وأحيانا أخرى على شكل دعايات وشائعات. ويختلط كل هذا وذاك بجو فقر وعوز شديد التعقيد ساهمت به الأوضاع الاقتصادية الحادة التي تعصف بلبنان وتلاقت تلك الأوضاع مع قوانين لبنانية معروفة تمنع الفلسطيني من العمل في كثير من المهن هذا إذا وجد العمل أو توفر في السوق اللبنانية الجامدة. أصبحت أخاف على طفولة أطفال المخيم من طفولتهم التي تلزمهم بفعل كل شيء من أجل الاستمرار والحياة والبقاء.. هل أصبح الكلام فعلا عن البقاء, ألهذا الحد وصلت أمور المخيمات في بلاد العرب؟

لا عجب أذن إن عاملنا الآخرين معاملة سيئة ما دمنا نحن أنفسنا سيئين مع بعضنا البعض ولا نؤمن بالأمة الواحدة ولا بالرسالة الخالدة ولا حتى بالمصير المشترك.

 

كلما قرأت في الأخبار عن انفجار في عين الحلوة, لا ادري لماذا يستفزني الخبر وتثير غرابتي ودهشتي وكالات الأنباء والكتابات المختلفة التي تصب كلها في مصب واحد وهو أن عين الحلوة يعيش على صفيح ساخن أو يرقد على فهوة بركان. ولا أحد من هؤلاء يكلف نفسه عناء دراسة الموضوع بشكل مستقل وعقلاني ومحايد وجيد, فتجد الدراسة تميل لتيار معين من التيارات الموجودة في المخيم, أو أنها تلقي باللوم على جناح واحد من الأجنحة التي تحكم في المخيم. وتقوم بتضخيم الأحداث وتلبيسها أثواب ملونة, الهدف منها إشاعة أجواء اضطراب في المخيم والجوار.

 الحقيقة أن المخيم هو مزيج من الخيارات والانتماءات والمحسوبيات, متداخل فيما بينه ويلتقي فيه العشائري والعائلي والحزبي والتنظيمي والمناطقي والبلدي " نسبة للمناطق و للبلدات الفلسطينية التي تعود إليها جذور العائلة الفلسطينية في المخيم".

 لذا من الصعب في عين الحلوة هذه الأيام العثور على الماضي الذي ذهب مع الريح, فالحالة أصبحت جديدة والوجوه القديمة إما تبدلت هي وقناعاتها أو تحجرت وأصبحت غير ذات منفعة وقيمة بسبب التكلس والتحجر الذي أصابها. لكن حتى في هذا البحر المظلم الذي تسبح فيه عين الحلوة, يلقى الإنسان أحبة ورفاق وإخوة من الذين عاش معهم التجربة والحرب والسلام والانتماء والفكر المشترك, فمنهم من تحول وهجر المشترك بعدما ترك للزمن علاج الجراح التي تركها له الزمن الماضي والعصر الحاضر. ومنهم من يرقد في المقابر العديدة التي تحيط بالمخيم من كل الجهات. هناك يستطيع المرء أن يجلس مع صديق شهيد ويحاوره في الماضي والحاضر والمستقبل وأن يرسما معا صورة جميلة لحاضر مظلم ولمستقبل بعيد..

 

أشعر بالجوع يداهم عقلي وقلبي حين تعتاد الأخبار التقاط أنباء الأنفجارات التي تستهدف أمن المخيم وتصب الزيت على نار الواقع الناري في المنطقة, واسأل نفسي  هل نحن بحاجة لهاربين جدد كي يتمركزوا في مخيمنا وأجيب لسنا بحاجة لوجع رأس جديد ولا نريد أن يكون المخيم ملاذا لكل هارب وشارد من الدولة أو من الأمة. فعندنا ما يكفينا من الهاربين من ظلم الأعداء والأقارب ومن ظلامية الواقع وظلام الفكر حين يتحجر ويتكلس ويصبح عصيا على التحليل ومنيعا وغير قابل للتعاطي مع الواقع بمنظور واقعي. هذا من جهة أما على الجهة الأخرى فهناك في المخيم عملاء ووكلاء مخابرات وأجهزة أمن تخريبية يعملون بالسر من أجل زعزعة أمن المخيم وتعزيز دور اللصوص في السيطرة والنفوذ , حيث لكل ضابط مجموعة يديرها بقوة ماله ودولاراته التي يحصل عليها من أموال شعبنا التي يتصرف بها الذين استولوا عليها من مؤسساتنا الوطنية بعدما خربوا تلك المؤسسات وغيبوها وتركوها لتمرير المشاريع القذرة فقط. ومنهم من يستعمل تلك الأموال لابتزاز الناس ولشراء الذمم والضمائر وممارسة البغاء واستغلال المحتاجين والمحتاجات من الفقراء وذوي الشهداء الذين بدمهم ذادوا عن الثورة والحقوق العادلة. لكن هكذا هي الحياة وهكذا هي الثورة حين تتحول لعصابة ومافيات ومرتزقة وأزلام وأقزام ..

 

 في حضرة القزم الفلاني من أزلام القزم المتنفذ الفلاني يفقد اشباه الرجال رجولتهم ويقضون وقتهم في سماع تنظيرات عميد الجهل في المخيم, الفلن الفلاني من قادة المصادفة, هذا الذي لا يقدر وقته بثمن , تماما مثل ثروته, وهو يدلي بالتصريحات ويلقي الخطابات وكأننا لازلنا في زمن السبعينات والثمانينات, حيث كان لتلك الخطب صداها ودوافعها وعواملها الموضوعية, أما الآن فلا تلك الخطابات ولا الاستعراضات المسلحة في بقايا المخيمات تستطيع التأثير على المعادلة الموجودة, لأن لتلك الخطابات وأصحابها مهام محددة, مرسلة من أسيادها وهي عاجزة عن تخطي حاجز الولاء المالي. فالذي يدفع يصبح السيد والذي يرش الأموال ويوزع الدولارات يصبح الناطق الرسمي باسم المحسوبين ويقوم بإلقاء المواعظ الثورية والخطب القومية الرنانة, فيقر الاستسلام وحتى الخيانة باسم المصلحة الوطنية العليا  وباسم المصلحة الحركية الأعلى من المصلحة الوطنية وبنفس الوقت يقر الولاء للشرعية المتنفذة من اجل استمرار وجوده من خلال تثبيت وجود تلك القيادة المتنفذة ولو بشكلها الحالي فقط, أي شكل مالي سياسي إعلامي مع بعض البنادق التي أودت خلال العشرين سنة الأخيرة بحياة المئات من أبناء المخيمات, وذلك في حروب تافهة وفارغة لا علاقة لها بالوطن والقضية والشعب, فتلك البنادق منذ فترة طويلة وهي تعمل بالفلسطينيين بدلا من العمل بالصهاينة. قد يأتس الآن البعض ليستغل كلامنا هذا ويقول إذن ما هو مبرر وجودها ما دامت موجهة لغير الهدف الذي حملت من أجله. نقول إن الهدف لازال لكن حجم المؤامرة التي تعرض لها الفلسطيني بالماضي جعله حساس جدا اتجاه أمنه وحياته, لذا فالمؤامرة لم تنته ولازالت تتابع فصولا, ومن المهم الحفاظ على البندقية الفلسطينية لكن من المهم أيضا توجيهها نحو الأعداء وتسييسها وجعلها أداة دفاع عن الشعب ومصالحه وحقوقه الوطنية, لا وسيلة سلب ونهب واعتداء على الآخرين والأبرياء والشرفاء والضعفاء في المخيمات وبالذات في عين الحلوة. وهذه البندقية يجب أن تحرص على السلام والقانون اللبناني وفرض النظام حرصها على فلسطين, ولكي يتم هذا بشكل صحيح وسليم, على الدولة اللبنانية أن تتعامل مع الفلسطيني على أساس انه ضيف حتى التحرير والعودة, لكن لهذا الضيف حقوق إنسانية ومواطنة يجب أن تحترم وتؤخذ بعين الاعتبار.

وحال عين الحلوة ينطبق بأشكال مختلفة على جميع المخيمات التي لازالت تعاني من مشاكل مستعصية قد تفجر بركان الغضب والنار الذي تجلس فوقه  تلك المخيمات. فبقاء الوضع الفلسطيني في لبنان معلقا في الهواء وبلا حل في ظل ظروف مثل تلك التي يعيشها الفلسطينيون سوف يزيد من التعقيدات والمشاكل والويلات التي يواجهها الإنسان الفلسطيني, هذا الذي فقد الكثير من إيمانه بالعروبة ولم  تعد تنطلي عليه الشعارات الفارغة التي يرددها بعض الفلسطينيين من عبيد المال والجاه وبعض العرب من المزايدين عليه قوميا ونضاليا. عندما تتوفر الشروط التي توفر للإنسان الفلسطيني معاملة عادلة ومحترمة يصبح الخوف من أي حالة غير قانونية وغير مقبولة مجرد هذيان, لأنه في العدل تكمن الحكاية, مادام العدل ممنوعا في وضع الفلسطيني المسجون في المخيم فأن العدالة تبقى ناقصة والكرامة كذلك.

 

 



#نضال_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب على العراق تبدأ من غزة
- الحرب خيار أمريكا وليست خيارا عالميا..
- سلطات تل أبيب تبعد وفد شبيبة حزب العمل النرويجي - الديمقراطي ...
- صرخة مزدوجة و صفعة قوية..
- المبادرة المصرية والمصلحة الوطنية..
- السلام المفقود والحل المنشود..
- دولة شارون- الفلسطينية -
- قصة حقيقية من مخيم عين الحلوة..
- برلمان تشيكيا نسي ربيع براغ..
- السلام والإصلاح والحقوق المستبعدة
- سمير القنطار شعلة لا تنطفئ
- حملة عداء الفلسطينيين مستمرة والذي يدفع يركب
- غريتا دوينسبرغ واللوبي اليهودي
- عندما يلقى طعام الفلسطينيين للكلاب الإسرائيلية!
- طبول الحرب و طبول الحوار
- آه يا فلسطين !
- علي المعني يلقي النفايات متهما..
- المشهد الإسرائيلي, سياسة وقضاء
- عملية تل أبيب
- صبحان الذي يغير ولا يتغير أيها الغصين..


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - من وحي المخيم ..