أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساكري البشير - رواية القلم الضال (3)...حوار مع الذات














المزيد.....

رواية القلم الضال (3)...حوار مع الذات


ساكري البشير

الحوار المتمدن-العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 23:34
المحور: الادب والفن
    


رفع رأسه من على الورق، يرمي ببصره في كل الإتجاهات، تارة لليمين، وأخرى للشمال، وقلبه يخفق بشدة، كأنه فاقد بصره، ثم يرفع رأسه ناحية النافذة التي تقع في الجدار الخلفي، ليرى أن الليل قد رمى بستاره على سماء تلك الأمسية، ببهجة يسترجع قلبه نبضاته العادية، وإغرورقت عيناه دمعا...
قبل أن تتجمع الدموع في مقلتيه، وتسقط على خده، أدخل نفسا عميقا لرئتيه، تتبعها شهقات متقطعة، حالما يراه الراؤون يظنون بأنّ روحه تخرج من جسده..
لم يكتب بالقدر الذي كتبه في هذا اليوم، قد تكون السعادة الحقيقية والصادقة بهذا الطعم، وبذلك الشكل، مثلما لم يدرك تماما، أن الكلمات، عندما تكون صادقة المشاعر، فهي تخرج من أعماقنا كما تخرج الروح من الجسد،...
كانت نهاية اليوم جدُّ شاقة على كاتب مبتدئ، فإكتفى بما كتبه، وجمع أوراقه وأقلامه في حافظة قديمة، ذات اللون الأزرق، تسودها بقع رمادية، ثم وضعها في خزانته وأقفل عليها بإحكام، كي لا يراها غيره، كانت كل كتاباته سرا بينه وبين نفسه، ولا يشاركه فيها إلا الذي يعبده، فالله وحده الذي يعلم بكل سريرة، لهذا كان يطلب في دعائه أن يحفظ سره، فمتى تكون هذه الكلمات ممنوحة للجميع؟ متى تصبح كتابا يروي لنا قصة إنسانية بعيدة عن الإنسانية الجوفاء، فهذا ما تخفيه الأيام عنا، وهي وحدها التي ستكشف لنا هذا السر...
بعد حوالي أربعة ساعات، من قضاء حاجاته من مأكل وسهر، يذهب بأدراج هادئة إلى فراشه، وإستلقى على ظهره، ليفتح عينيه على فضاء حالك السواد، والقمر يتوسط السماء بنوره كلؤلؤة، تضيء بخيوطها قلوب العشاق، تحيطه النجوم في شكل دائري، تشبه سيمفونية حزينة نسجتها الطبيعه بألوانها المختلفة، فعلا كانت ليلة خيالية...
في هذه الأجواء التي يخيم عليها السرح الخيالي، بعد صمت وسكون طويل، يرى نفسه تائها في إحدى المدن الكبرى، يتلمح شوارعا، وإناراتها، بل يلمس كل ما كان يمر به حتى وصل لميناء البحر، فوجد شابا في العقد الثالث من العمر، أسمر البشرة، عريض الجبهة، ليس بطويل ولا قصير القامة، يظهر الإكتئاب والتعب عليه، كأنه يحمل الدنيا فوق ظهره.. والغريب أنه يرى فيه وجهه، و ملامحه صورته، بل نسخة أصلية قد صنعها الخالق، فأصابته الحيرة والدهشة، لهول ما يرى، هنا تبادرت الإستفهامات تتوالى، وتزاحمت الكلمات على لسانه...
وقف وراءه على بعد أمتار ليسمعه يقول بصوت هادئ تمزجه أصوات أمواج البحر، " هنا ترسي سفني شراعها، وتنصب مخيمات الأفكار..."
لم يكن ذلك الصوت غريبا عنه، أو ربما قد سمعه من قبل، هو صوت مألوف، وبعد لحظات يتوجه ذلك الغريب نحوه، وبعد خطوات قليلة متماطلة، وقف أمامه، ليصاب إبراهيم برجفة كبيرة، وأصبحت رجلاه تتضاربان، وكأنه يرقص على نغمات الطبل..
نعم! إنه هو هو، وليس غيره، هو نفسه واقف أمامه..
رفع إبراهيم يده يلمسه فلم تقع يده على شيء ملموس، ليس بجسد، ولا هو بمادة، بل هو ظل يمشي على الأرض، فإزداد خوفه، وأرسل الجسد تلك الرسالة العصبية التي تنبه الدماغ بخطر محدّق، ليبعث بدوره الأندريالين، وينتشر في كامل أعضاء الجسم كما ينتشر الدخان في الفضاء...
صاح إبراهيم في وجه ذلك الظل" من أنت بحق الجحيم؟ من تكون؟ ومن أين أتيت؟"
فأجابه الظل بهدوء تام، وببرودة أعصاب " ألم تعرفني؟"
فردّ عليه إبراهيم مسرعا ومتلعثما " لالا أنا لا أعرفك..ولم أرك مسبقا"
صمت الظل للحظة، ثم أطرق برأسه مبديا تعجبا كبيرا " ربما! إذن إعلم أنني أنا أنت"
قال إبراهيم وهو بحالة من الخوف الشديد " كيف يُعقل هذا؟ لالالالا أنا أحلم...أنا في حلم"
فإلتفت إليه الظل ضاحكا " لا تخف، أنا الروح التي تسكنك، هذا أنت، وهذه حقيقتك، كنت دائما خائف، وستظل كذلك إلى أن تجد طريقة للتخلص منه"
قاطعه إبراهيم قائلا له " أنا خائف! أنت تمزح... أنا لا أخاف أحدا، ولا يمكن أبدا أن أخاف...كيف لك أن تقول هذا عني؟"
إقترب الظل كثيرا، ووضع فاه على أذن إبراهيم ليهمس فيها " أنت تخاف من أن تكون كاتبا، لأن الفشل يعتريك ، وتخاف من أن تكتب عن عالم تسوده الألفة والمحبة لأن قلبك تمؤله الكراهية، وتخاف أن يعلم الناس أنك تريد أن تزرع في قلوبهم الحب لأنك تحاول الهرب من واقعك، ربما لم يحالفك الحظ يوما بأن تكتب عن ذلك الشعور الذي يتمناه الجيمع، ولكني أقدم لك نصيحة من ذهب، حاول أن تنشر الحب الذي في قلبك، وإزرعه في قلوب غيرك، فالجميع قد سئم من الكراهية، وقد عجّت الأرض وإرتوت بدماء البؤساء، ألم يكفيك هذا حتى تزيد من الطين بلة؟ الجميع ينتظرك...إذهب وأكتب وسترى أن الجميع يشتاق لتلك الكلمات الصادقة".
إختفى الصوت من مسامع إبراهيم، وهو يلتفت من كل النواحي باحثا عنه، فلم يجد سوى تلك السماء التي كان يراها قبل يبحر داخل ذاته، لم تكن هذه الألفاظ مجرد كلمات قد عبرت على مسمعه، بل كان يدرك بأنها نابعة من داخله، لتزيح عنه ثقل الكراهية التي أصابته كداء لازمه منذ الصغر..
إذا كانت للحياة منعطفات تغير الإنسان من حال إلى حال، فذلك هو المنعطف الذي إتخذه إبراهيم دليلا له، وهدفا لكتاباته..
تزحزح من مكانه، وإستلقى على كتفه الأيمن، باحثا عن كلمات يعبر بها عن معنى للحب، ويتسائل إن كان لهذا الحب أن يمنع حربا قد أُعلنت، أو أن يطفئ لهيبها في كل قارات العالم، أو أن تشعل شمعة جديدة تنير درب جيل ناشئ بين الحروب....
نام إبراهيم وهو يتأمل هدفه الجديد، والإبتسامة مرسومة على شفتيه..
كل قلب مظلم له من النور ما يمكّنه من القضاء على تلك الظلمة، هكذا كانت السماء بقمرها ونجومها تُعلم إبراهيم، فلم يكن البدر يحمل داخله نورا، إلا أن قلبه كان نقياّ فعكست طبقته المرآتية نورا من شمس النهار...



#ساكري_البشير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية القلم الضال (1)
- رواية القلم الضال (2)
- الدين والإيديولوجيا عند شريعتي: رؤية عبد الجبار الرفاعي
- لحظة ألم!!!
- أيُّ الذوات تخلصنا من القيود التقليدية: ذات - الأنا- أم ذات ...
- عذرا...يا مسلمين!!
- القَانُون يُقَاتِلُ القَانُون والإنسانية تموت!!
- ماذا تحتاج حضارتنا: الهدم أم البناء!!
- حرب الأفكار: السبيل لبناء واقعنا
- متى ننشغل بقضايانا!!!
- كيف تقضي القوى المضادة على الأفكار؟
- بمناسبة عيد حبهم: قصة فالنتاين!!
- المثقف والمفكر...غموض المفهوم (2)
- المثقف والمفكر...غموض المفهوم (1)
- مقتطف من كتاب -المفكر والمثقف- بعنوان: بروز السكولاستيكية وإ ...
- مقتطف من كتاب: -المفكر والمثقف- - المسيحية بين مشكلة العقل و ...
- مقتطف من كتاب: -المفكر والمثقف- - بوادر ظهور أزمة العقل الغر ...
- الكاتب الناجح..والكتابة!
- صغ معدني بالعلوم
- رثاء الحبيب


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساكري البشير - رواية القلم الضال (3)...حوار مع الذات