أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير دربالي - زردة علي بن جاب الله / مشهد روائي














المزيد.....

زردة علي بن جاب الله / مشهد روائي


سمير دربالي

الحوار المتمدن-العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 21:30
المحور: الادب والفن
    


مازال صدى صوته الذكوري يطرق كوّة أذني إلى الآن ...أسمعه حتى لكأني أقطفه من فم صاحبه طريّا طازجا قبل أن تلامسه ريحُ البَلى .. رَجعٌ من الأحداث التي حفرت عميقا في ذاكرتي يتداعى إليّ ...وأسرابٌ من مشاعر شتّى غفتْ عميقا في جسدي صارت يقظة ..وحنين غامض الى زمن أوقد ناره في القلب ..ثم خبا ..
هناك .. وسط السوق .. قرب ناعورة الهواء ..كان“ البشير العايب ” يقف ..وهناك ظل يستوقف العابرين ..ممسكا بطرف عصاه تحت ركبته اليسرى وهو يطوّح برأسه قريبا من كتفيْه مردّدا :“ يا تَاغُوتْ راهي زرْدة ”علي بن جاب الله“ .. نهار الأحد الجايْ .. والحاضر يبلّغ الغايب ..“ ثم يتحرّك متمايلا يدفع رجله الوحيدة إلى الأمام فيتْبعه نصفُ رجله الأخرى والعصا الخشبيةُ التي تمتد أسفل ركبته إلى الأرض بتناسق عجيب :“ يا وْلادْ خلفة ،يا وْلادْ عاشور، يا وْلادْ مْساهل .. زردة تاغوت نهارْ الأحد الجايْ ....الحاضر يبلّغ الغايب ..“
... ويظل البشير الشّياد بقامته السّرْو يطوف مبرّحا .. ويظل صوته القوي الأجش يروح ويجيء .. يظهر ويخبو ..كهدير قطار عابر ..ونظل نحن نلاحق خياله .. نركض خلفه كقطط جائعة .نطوّق كلماته لئلا تضيع في زحمة المارة ، وصراخ البيّاعين ،وكركرة نسوة أقعين قرب السكة ، و نهيق أحمرة شُدت الى شجرات الكالاتوس الشامخة قريبا من ”اللاقار“ . نرقبه غير مصدقين ....تلتقط أسماعنا عبارة“ زردة ” فتلوكها بلهفة صَبّ عاودهُ طيفُ حبيب عابر ..
سعادة تسري في الأعماق لا يضاهيها شيءٌ.. وفرح طفولي غامر يفوق سعادتنا بقدوم نهار السوق ..لا شيء أعظم من أن ترسم حُلما وتعلّقه على شرفة الغيب .. ثم تمنّي النفس بالقادم .و تظل تركض خلف أرنب الوقت السريع .. تقضم الأيام والليالي للإمساك بمفاتيحه الضائعة ..
اليوم سألت ”السيد مسعودي“ عن البشير العايب الذي ظلت صورته تلاحقني منذ قترة ..فتردّد قليلا .ثم قال : ” نعم .. أذكره جيدا ..الشّيّاد ... أظنه من ولاد مساهل ..!! ”.
حين سألت ”محمد قنيشي ” رد ّ بسوْرته المعهودة ”..كَيْتي [ عبارة يستخدمها للاستغراب ] ومن لا يعرف بشيرالعايب.. بو الدّعفاري ..اللي يخدم في ”السّيلون“ .
قلت :“ وكيف خسر نصف رجله ”.
ردّ : ”..خسرها في الحرب ..تكلّمْ عليه لُغْم ...“ ثم سكتَ .
في ذلك اليوم فرشت أمي كعادتها حصير الحلفاء في الحوش ..حشرتني وسط إخوتي الثلاثة وألقت علينا عباءة الصّوف الثقيلة .. فظللنا في شدّ وجذب ،وضحك ولعب ،وصراخ وبكاء .. وظلت تتوعدنا كلما مرّتْ مردّدة عبارتها السّيف : أسكتوا والاّ لن تذهبوا غدا الى“ الزردة“.. تقع هذه العبارة في القلب وقع الرّجفة ..فتنخفض أصواتنا شيئا فشيئا حتى تختفي ..تنسحب الأفاعي الى جحورها خائبة كأنْ أوقدتْ أمامها نارٌ ...لكنها لا تلبث أنْ تعود ..وشوشة ً...ثم كركرةً ...ونظل نُطلّ برؤوسنا من تحت العباءة في عَبث طفولي بلا حدّ ... نسرّح أعيننا في السماء ..نتسابق في عدّ النجوم التي تهوي إلى الأرض ... نرسم بالأخرى المعلقة أشكالا وخيالات ..بينما تكون أرواحنا مشدودةً الى جامع سيدي علي بن جاب الله ..والى أوّل نجمة ستوقد في السّفح وسط الظلمة ..
في أعلى التلة بركتْ ناقته .. وهناك رقَد .. ..في لحظة سبقت زمان السرد و رواية التاريخ .
تقول امي كلما سألتها عنه : ” لا أعرف بُنيَّ ..يقال إنه جاء من الغرب زمن الجدود الأولين ..سيدي علي بن جاب الله ..شيْ لا بيه .“
.. في أسفل هنشير المقبرة غدر ”السّارقْ ”خاطف الأرواح ب“عائشة“ ، حين كانت تعبر الوادي خلف أغنامها عائدة الى البيت ..فتنادى الناس من كل مكان للبحث عنها أياما و ليالي ...حتى عُثر عليها وسط الطمْي وقد شبعتْ ماء .
..وهناك ظلت ”تاغوت“ تكدس أبناءَ لها تكسّرََ فخّارُُهُم على صخرة النهايات الغادرة ..
وهناك تعلمتُ كثيرا من أسرار الحزن وأساليب البكاء..
...و درّبتُُ نفسي على النسيان ...



#سمير_دربالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرفة الكلاب مشهد روائي
- زمن الزعبع 5 /مشهد روائي
- غرب المتوسط زمن الزعبع4 / مشهد روائي
- غرب المتوسط ..زمن الزعبع -3-
- غرب المتوسط.. زمن الزعبع 2/مشهد روائي
- -السّارقْ -..خاطف الأرواح / مشهد روائي
- حانوت عبد الباقي /مشهد روائي
- غرْب المتوسّط .. زَمَن الزّعْبعْ * / مشهد روائي
- حدث مرة ..مرات قصة قصيرة
- حبيبة / قصة قصيرة -
- حساء سيدي سالم/ اقصوصة


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير دربالي - زردة علي بن جاب الله / مشهد روائي