مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5164 - 2016 / 5 / 16 - 13:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يلتق أحفاد الأمويين مع أحفاد الحسين لأول مرة على الأرض السورية في نهاية 2011 مع عسكرة الثورة السورية و تسلل عناصر القاعدة و حزب الله إلى سوريا , بل بدأ الصراع السني - الشيعي المسلح المعاصر قبل ذلك بوقت طويل , في عام 1980 بالتحديد , عندما هاجم صدام إيران معتقدا أن جاره القوي قد أضعفته الثورة , الثورة التي بدأت شعبية و حولها الخميني إلى ثورة إسلامية ثم إلى "جمهورية" إسلامية .. لم يكن الطرف السني الذي بدأها هو القاعدة و لا المجاهدين كما يفترض , بل نظام علماني يكاد لا يختلف بشيء عن نظام الأسدين , الأب و الابن , الذي تشن ضده الموجة الثانية من الحروب الدينية المعاصرة , باسم الصراع السني - الشيعي , و الذي أصبح يحسب على الطرف الشيعي في هذه الحرب الدينية المعاصرة .. صحيح أنه قد جرت حروب أهلية في بلادنا على أساس ديني و مذهبي أو طائفي في السابق , لكنها لم تكن بالضبط حربا سنية - شيعية , شهد لبنان ثلاثة حروب دينية أو أهلية في 1860 و 1958 و 1975 لكنها جرت تحت رايات أخرى , صحيح أنها جرت تحت رايات الآلهة و الأنبياء و القديسين و الصحابة و الأئمة أيضا , لكن لم يتواجه يومها أحفاد الحسين مع أحفاد الأمويين , بل كانوا يقاتلون الصليبيين يومها جنبا إلى جنب .. مات في المواجهة الأولى بين أحفاد الأمويين و أحفاد الحسين التي استمرت 8 سنين عجاف : مليون عراقي و إيراني , أو مليون سني و شيعي .. لكن جيش صدام , "السني" , الذي ورثه اليوم المجاهدين من أحفاد خالد و القعقاع في داعش و النصرة و أحرار الشام كانت غالبية جنوده من الشيعة , الذين يشكل فقراؤهم غالبية سكان العراق .. رغم أن غالبية ضباطهم كانوا من السنة , تحديدا من الموصل و الأنبار و طبعا من تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي السابق .. في سوريا أيضا يقاتل كثير من الجنود السنة إلى جانب النظام النصيري الكافر , حيث يشكل فقراء السنة غالبية فقراء سوريا , بينما غالبية ضباط جيش الأسدين هم من العلويين .. و يشكل السنة أيضا جزءا كبيرا , ربما الأكبر , من "شهداء" الجيش الأسدي , كما كانت غالبية شهداء جيش صدام في قادسيته من الشيعة .. غريب أن يكون البعث طرفا رئيسيا في الصراع السني الشيعي , سواء في حلقته الأولى في 1980 - 1988 أو في حلقته الثانية المستمرة منذ 2011 .. هذه إهانة لكل جهادي في العالم , من حزب الله إلى حماس و الجهاد الإسلامي و القاعدة بتلاوينها المختلفة , و طبعا داعش و بوكو حرام .. لا يمكن بالضبط تحديد ما يؤمن به بشار الأسد , عدا طبعا عن حقه في أن يحكم سوريا و أن يرمي البراميل على شعبها عقابا على كلمة لا , فعلاقة هذا الشاب بالبعث ملتبسة , و هي تختلف طبعا عن علاقة والده و منافسه صدام بالبعث , "العلماني" .. لكن علمانية البعث لم تقف عائقا أمام مشاركته الفعالة بل الرئيسية في هذه الحروب الدينية .. هكذا انتهت كتائب فدائيي صدام إلى داعش اليوم , و لا ندري ما قد يكون مصير البعث السوري غدا .. بالعودة إلى الحرب الإيرانية العراقية , إذا حكمنا على الصراع السني الشيعي الحالي من نتائج حلقته الأولى فإن هذا يعني أنه علينا أن نستعد للأسوأ , لا تحمل تلك الحرب أية بشائر لأي كان , ليس فقط لشعوب و طوائف المنطقة و فقرائها و كادحيها , بل و لا أيضا لزعمائها , و لا لشيوخ طوائفها .. ليس فقط المليون "شهيد" , و لا مئات المليارات التي صرفت لتدمير كل شيء و قتل الناس بالجملة ( و هذه كلها مسائل ثانوية بالطبع عند شيوخ الطوائف و زعمائها , لكنها تعني بكل بساطة حكما بالبؤس و بالأشغال الشاقة و بالموت العاجل أو المؤجل على الأجيال الحالية و القادمة من الفقراء من كل الطوائف ) .. انتهت الحرب الإيرانية العراقية بالعودة إلى حدود ما قبل هجوم قوات صدام على إيران , رغم الاستنجاد بالصحابة و الأئمة , و رغم استخدام الهجمات الانتحارية و الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع , رغم شراء كل ما أمكن من أدوات القتل و الموت , انتهت الحرب بالتعادل , تعادل مرير بطعم الخسارة , لكن مع كل ذلك لم تكن تلك هي الخاتمة .. فصدام المثقل بأزمات الحرب و بجنون العظمة و البارانويا في نفس الوقت سيقرر غزو أقرب حلفائه في حربه المقدسة و سيجبر جيرانه الأثرياء باعة النفط على دفع المليارات لبوش و الاستنجاد بأي مرتزق على هذه الأرض , بمن فيهم جيش الأسد نفسه , ليدافعوا عن أنفسهم و شعوبهم , أو عن كراسيهم .. و بوجود داعش و القاعدة , يصبح من الصعب القول أن مستقبل الأمراء الجدد في الخليج مضمون بكل تأكيد .. عدا عن كل ذلك , تفترض كلمة صراع سني شيعي , و حروب دينية , تفترض أن هذا الصراع هو صراع ديني , أي يتعلق بالجنة كما يفترض , لا بالدنيا الفانية اللعينة .. إذا كان هذا صحيحا , إذا كانوا بالفعل يختلفون على الجنة و يريدونها , فإن أحدا لن يقف بوجه العريفي أو المحيسني و لا البغدادي أو الجولاني أو نصر الله , و لا بوجه سادتهم في قم أو الرياض أو أنقرة , و بين حورياتهم و قصورهم في الجنة , إن كانوا صادقين , و لأنهم لن يحتاجوا كل هذه المليارات و السيارات و القصور في جناتهم و لا في عالم البرزخ , و لأن إلههم سيعوضهم عنها أضعافا مضاعفة كما يؤكدون , يمكنهم ترك النفط و كل تلك القصور و السيارات الفارهة و المليارات لفقراء طوائفهم و أن يقاتلوا بعضهم البعض و يستشهدوا في سبيل جنتهم و حورياتهم و آلهتهم .. إن كانوا صادقين .. كلمة أخيرة عن حرب الفقراء اليوم باسم عائشة و زينب , عن تجرع الخميني السم عندما وافق على إيقاف المجزرة ضد جاره "السني" "الأموي" , لم يقبل الخميني بتجرع السم لأن قادة جيشه تمكنوا أخيرا من إقناعه باستحالة الانتصار على خصمه , رغم أنه قد بقي يومها عند الجيش الإيراني مائتي دبابة فقط , بل عندما أدرك أنه لم يعد هناك أي متطوعين جدد لهجمات الباسيج الانتحارية الذين سبق أن سار كثير منهم على حقول الألغام بأجسادهم , لم تكن الحرب تقتل الإيرانيين العاديين فقط , بل كانت تقضم القاعدة الفعلية للنظام التي تآكلت كثيرا بفعل الموت و الخراب العامين .. مع ذلك , هناك ما هو أسوأ بكثير من أن تستمر هذه الحرب , و هو أن تنتهي مرة أخرى بتعادل , تعادل مرير , للفقراء من كل الطوائف .. إذا كانت القضية تتعلق بمن هم على حق : الصحابة أم الأئمة , و أي فرج كان شريفا : فرج عائشة أم زينب , فلننه هذه القضية هنا و الآن , كفى 1400 عاما من القتل و الموت باسم طهارة فرجي عائشة و زينب دون أن نعرف حل هذا السؤال
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟