أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامح عسكر - العلمانية في البوسنة والهرسك















المزيد.....

العلمانية في البوسنة والهرسك


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 5163 - 2016 / 5 / 15 - 16:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من منا لا يعرف هذه البلد في قلب يوجوسلافيا السابقة؟..إنها أحد أشهر الأمم والدول في قلب العالم الإسلامي..نظرا لارتباطها في صراع مع الصرب السلافيين في منتصف التسعينات ، وتعرضها لمجازر وإبادة جماعية أشهرها مذبحة.."سربينتشا"..عام 1995، وهو نفس العام الذي شهد إيقاف الحرب البوسنية بتوقيع اتفاق دايتون للسلام..

كنت وقتها عضو في الإخوان لم يبلغ عامه ال 15 ،وذكرياتي لا تنسي الأغاني والأناشيد المحفزة للجهاد في البوسنة ومظلومية شعبها المسلم، ونشيد سراييفو الحزين بمقام الصبا، حتى غرسوا في الشباب أن قتل البوسنيين لسبب وحيد وهو.."كونهم مسلمين"..إذن هي مؤامرة على الإسلام، عزز ذلك مشاهد التعذيب والقتل والصور التي تأتينا وتعلق في المساجد..فترجمنا هذه الصور فورا مع مشاهد تعذيب قريش للمسلمين، وتعززت لدينا القناعة أن الإسلام في خطر..وعلينا تحصين أنفسنا جيدا بنشر الدعوة أكثر وأكثر..ومعها نشر مظلومية شعب البوسنة..

في الحقيقة لم نتأكد من صحة الصور التي كانت تأتينا، فوقتها لم يكن هناك إنترنت ولا تواصل اجتماعي لنكتشف الحقيقة.. كما اكتشفناها الآن في بورما التي أصبحت رمز للسخرية وموضوع شيق ومربح في ذات الوقت لكسب التعاطف المزيف بالصور المفبركة مجهولة المصدر..لكن مع ذلك فالأمم المتحدة شهدت على وقائع تعذيب واغتصاب وقتل جماعي..والعالم كله شهد بذلك وتم إدانة الجناه في محاكم العدل الدولية..لكن لا يعني ذلك أننا لم نقع ضحية لآلة الإعلام السلفي التحشيدية التي كانت تستهدف الشباب قبل كل شئ..

البوسنة والهرسك ارتبط إسمها بالجهاد..لكن مع ذلك أصبحت كالشيشان التي جاهد من أجلها المغفلون حتى اختار شعبها العلمانية والولاء لروسيا في الأخير، فلم تعد البوسنة ذلك المكان الجميل والصرح الخلّاب الذي سيستقبل جنود الخلافة لتطبيق الشريعة، الوضع تغير وسادت قيم الحداثة في البوسنة بسرعة الصاروخ..حتى لم تعد قيم السلفية والإسلام التراثي حاضرة في الوعي الأممي للبوسنيين، وشاع التحضر والتمدن الأوربي بعد مطالب للانضمام إلى أقوى اتحاد في العالم بعد أمريكا وهو الاتحاد الأوروبي..

البوسنة ليست كما يظن البعض أن كل أهلها مسلمين، بل يمكن القول أن أقل من 50% فقط مسلمين، والباقي 35% صرب أرثوذكس و15% كروات كاثوليك، ونسبة قليلة من البروتستانت والأديان الأخرى، أي أن أكثر من نصف سكان البوسنة ليسوا مسلمين، وهذه حالة اجتماعية لا تساعد على نشر مبدأ الأسلمة بالضبط كحالة شعب لبنان متعدد الأعراق والديانات.

الصرب بانتمائهم للقبائل السلافية أرثوذكس تابعين لكنيسة موسكو، وخلافهم مع الكروات الكاثوليك أقل عنفا مما حدث مع مسلمي البوسنة الذين يعرفون (بالبوشناق) أي طغى الخلاف الصربي البوشناقي أو (الإسلامي الأرثوذكسي) على غيره من الخلافات، وعليه كان يجب أن يكون محور البحث في مشكلة البوسنة من هذا الطريق..بدلا من الدخول في قضية اليسار واليمين أو الشيوعية والليبرالية..كما اعتاد مفكرو الحرب البادرة على التحليل به، وفي تقديري أن الجزء الأكبر من المشكلة كان من هذا الجانب (القومي والديني) أكثر من السياسي..

أما الجانب العرقي فالمثير أن البوشناق البوسنيين هم (سلاف) أيضا، أي أخوة وأشقاء للصرب، لكن في التاريخ محطات انفصلوا فيها عن بعضهم بدءا-في تقديري- من سقوط القسطنطينية عام 1453م، وحرص الدولة العثمانية على نشر الإسلام في البلقان، فنتج عن ذلك أن تدين أكثرية البوشناق بالدين الإسلامي، في حين فشل العثمانيون في أسلمة الصرب، وهنا حدثت القطيعة..

لكن عادت البوسنة جزء من كيان يوجوسلافيا في عهد.."جوزيف تيتو"..(ت 1980م) الذي استمر حكمه 27 عام ، نقل فيها الرجل شعوب يوجوسلافيا إلى الحرية والتمدن –بمن فيهم شعب البوسنة، وسادت قيم العلمنة، واحترمت الدولة التنوع والتعدد الديني والقومي الذي ميز البلاد منتصف القرن العشرين، حتى أضحت يوجوسلافيا أحد أهم القوى في العالم مع مصر والهند في التجمع السياسي المعروف.."بدول عدم الانحياز".

الآن عادت العلمانية وبقوة في المجتمع البوسني، لكن على ما يبدو أن بها لمحة أتاتوركية من ناحية القضاء، حيث أصدر القضاء حكمه في (فبراير الماضي) بحظر ارتداء الحجاب وكل الرموز الدينية في المؤسسات القضائية، والرموز تعني ما يصنف أتباعه ويعرفون بتدينهم .."كالصليب المسيحي-والطاقية اليهودية-والحجاب الإسلامي"..وهو نفس القرار الذي اتخذ في فرنسا وبعض دول أوروبا منذ سنوات، وبسببه احتشد المسلمون في الشوارع احتجاجا على ما أسموه.."بالقمع الديني"..

هي حالة فصام عقلي يعاني منها المسلمون في الغالب، لأن مجتمعاتهم لا ترضى برموز وأديان ومعابد المخالفين في الدين والرأي، لذلك كان احتجاجهم يثير نوزاع السخرية من فرط جهلهم الذي تسببت فيه أنظمة الاستبداد والقمع الحاكمة منذ قرون وإلى الآن..

رغم أن القرار البوسني بمنع الحجاب يعتمد على قانون قديم منذ عام 2003 تقريبا، ولم يتم تطبيقه إلا الآن، وهو لا يختص الحجاب كمقدس ديني أو معنىً لذاته، بل لعمومية القرار الذي أصاب أيضا كل ذوي الأديان، وهذه مفارقة تعطي الحجة العقلية والمعنوية للمانعين، وتجعل من الاعتراض حجة منطقية لاعتراض الآخرين، وهذا قد يثير حساسيات دينية داخل مؤسسات الحكومة وخصوصا القضاء، لذلك كان المنع له وجاهة عقلية وقانونية.

لكن مع ذلك لا نخفي أن حجة الآخر وجيهة أيضا، إذ لا يتعلق منع الرموز بالنقاب الساتر للوجه، لكن الحجاب الذي يلبسه حتى الغجر مع كونهم غير مسلمين، وهذا يعني أن الحجاب ليس صفة إسلامية ..بل يمكن اعتباره عادة مجتمعية أو زي أخلاقي أو فردي يتعلق بالشخصية، علاوة على جانب الحريات والقناعات الشخصية الليبرالية التي لم تكن يوما في صالح المنع .

الحالة السياسية في البوسنة تتسم بالتعددية، وأبرز الأحزاب هناك أحزاب.."العمل –الديمقراطي الاجتماعي-وحزب الاتحاد"..وجميعها أـحزاب علمانية وضعت في برامجها أهداف قومية كالانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي، إضافة لتعزيز قيم الليبرالية وضمان حقوق وحريات الطوائف الدينية الكاملة، وهذا لب المبدأ العلماني الليبرالي، وهو أن تضمن الدولة والأحزاب على برامجها قدسية الآخر وحقه في اختيار معتقده وممارسته بحرية..

طبعا هذا لن يعجب ذوي النزعات المتطرفة الذين حلموا يوما أن تصبح البوسنة مركزا لنشر الإسلام المتطرف كما نشروه أجدادهم العثمانيين، وهي تكرار لمأساتهم من قبل مع باكستان، حيث دعوا لانفصالها من أجل تحقيق خلافتهم الموعودة بعيدا عن (قذارة الهندوس) حسب تعبيرهم، وتكرار لمأساتهم أيضا في كشمير التي أصبحت مجتمع تعددي إسلامي مميز، أو الشيشان التي خلعت ربقة السلفية والوهابية منذ زمن، وقريبا سوريا التي استعصت عليهم لأكثر من 5 سنوات..لكن بعد أن دمروا البلاد والعباد.

وثقتي أن ما من مجتمع يهدمه الإسلاميون المتطرفون إلا ويعود أقوى مما كان بعد أن استلهم التجربة وخاض بنفسه صراعا يعينه على البقاء والتحضر لقرون..ومجتمع البوسنة العلماني الآن أصبح طارد للمتطرفين الذين استوطنوه منذ التسعينات بحجة الجهاد، وآن الأوان لرحيلهم عن مجتمع لم يعد يقبل بالسلطة العابرة للحدود..أو بمن يكفرون بمعنى الوطنية والحوار..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة السيسي
- الثورة المضادة..إلى أين؟
- نهاية نظام ما بعد الحرب الباردة
- صراع السلطة في المملكة
- جمهورية مصر السعودية
- ولكم في تونس عبرة ياإخوان مصر
- خداع السيسي للمثقفين
- مظاهرات جمعة الأرض جرس إنذار
- حوار بين الأزهر وداعش (8)
- حوار بين الأزهر وداعش (7)
- حوار بين الأزهر وداعش (6)
- حوار بين الأزهر وداعش (5)
- حوار بين الأزهر وداعش (4)
- حوار بين الأزهر وداعش (3)
- حوار بين الأزهر وداعش (2)
- حوار بين الأزهر وداعش
- لماذا أعارض السيسي؟
- السعودية تستغفل سنة العرب
- هل ستقرر سوريا الانسحاب من الجامعة العربية؟
- السعادة وعلاقتها بالسياسة


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامح عسكر - العلمانية في البوسنة والهرسك