أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - النظام العربي الإسرائيلي















المزيد.....

النظام العربي الإسرائيلي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1392 - 2005 / 12 / 7 - 10:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أراد بن غوريون ألا تكون إسرائيل دولة شرق أوسطية، متخلفة، بعيدة عن الحضارة الغربية. في الوقت نفسه أراد كل سياسي إسرائيلي أن تكون دولة اليهود معترفا بها من شعوب المنطقة ودولها. العنف وحده يتفصد من ثنايا هذه المفارقة التي لم تلبث أن انقلبت على نفسها. فحيث أرادت إسرائيل ألا تكون دولة من دول المنطقة آل أمرها إلى أن تكون واحدة منها: دولة قمعية، تقتل كثيرا، نازعة للاستقرار، تقوم على الاستثناء. وحيث أرادت أن تكون من المنطقة، أي أن تنال اعتراف الدول العربية وتعتبر دولة طبيعية، فإن عدوانيتها، وعدم اعترافها بالمساواة مع دول المجال العربي وشعوبه، وفرط تسلحها، وبثها ثقافة عنصرية حيال العرب والفلسطينيين ... غربتها عنها وأخرجتها عمليا منها.
لا تملك إسرائيل حس الانتماء للمنطقة، إنها في "الشرق الأوسط" دون أن تكون منه أو تريد أن تكون منه (على كل حال لا أحد يرغب أن يكون في "الشرق الأوسط"، ربما إلا الأميركيين، وبالتأكيد ليس العرب). هذا يدفعها إلى أن تعمل على أن تنتمي المنطقة لها (تغدو تابعة لها)، أو أن تتصرف كقلعة محاطة بالأعداء من كل جانب. لقد قادت رغبة إسرائيل في التفرد والاختلاف، لا في الشراكة والانتماء، إلى أن تغدو دولة شرق أوسطية تطمح إلى تأبيد ذاتها Israel forever بطريقة لا تفكر فيها دولة طبيعية، لكنها طريقة تشكل نسخة طبق الأصل عما تفكر به أنظمة عربية عديدة. لا شيء يشبهforever الإسرائيلية اكثر من أبدية الأنظمة العربية. ووراء كليتهما ثمة شعور قار بالهشاشة والطروء واللاشرعية.
من جهتها، الدول العربية، وبتناسب مع إخفاقها في التصدي لإسرائيل، استسلمت لنظم تقوم على الاستثناء والعنف والقرابة. لقد فشلت في آن واحد في لجم إسرائيل وإيقافها عند حدها، وفي اقتراح نموذج للسياسة والدولة أكثر عدالة وحرية من النموذج العدواني الإسرائيلي. بعبارة أخرى، اقترن العجز العسكري أمام العدو باستنساخ نموذج علاقته مع محيطه العربي، ونقله إلى علاقة أنظمة الحكم هذه مع شعوبها. ليس من المبالغة في شيء القول إن هذه العلاقة إسرائيلية تجمع بين كثير من العنف والكراهية ونزعة الخلود. والنموذج هذا، كما نعلم، يشبه تماما علاقة دولة جنوب أفريقيا العنصرية بكل من رعاياها السود والدول الأفريقية المجاورة. ولا نظننا نبالغ أيضا إن قلنا إن هذه العلاقة الإسرائيلية تفرز عنصريتها الخاصة بين حاكمين امتيازيين وغير منتخبين ومحكومين محرومين وبلا حقوق. الطائفية مظهر عارض للعنصرية هذه، اعني أن عنصرية الأنظمة لا تنبعث منها (من الطائفية)، بل تعثر عليها وتجعل منها منطلقا لتمييزيتها وركيزة لدوامها.
بالإجمال، ثمة نظام عربي إسرائيلي موحد، يجمع أنظمة الحكم العربية والكيان الإسرائيلي. هذا النظام ليس غير ديمقراطي فقط بل إن الديمقراطية غير ممكنة إلا ضده.
ليس هذا النظام ثمرة تفاهم مباشر بين الدول العربية وإسرائيل أو تواطؤ بينهما. الواقع أن ملامحه الراهنة تكونت عبر مواجهات عنيفة وبدأت ترتسم بعد حرب تشرين 1973، حين تبين أن الجيش الإسرائيلي يمكن أن يقهر، لكنه ممنوع أن يقهر، وأنه لا يمكن بحال السماح للعرب بالانتصار على إسرائيل. كانت السياسة العقلانية الممكنة حيال هذا الدرس هي تسوية من نوع ما، لا يمكنها أن تكون عادلة، لكنها قد تستمد تبريرها المحتمل من التحول نحو استراتيجية مدنية لبناء الدولة والمجتمع، أي منافسة إسرائيل والتغلب عليها في المجالات السياسية والثقافية والأخلاقية؛ أو الاستمرار في حرب لا تفضي إلا إلى هزائم ثقيلة. هذا الخيار الأخير غير معقول، لكنه هو بالضبط الذي رست عليها أنظمة حكم كانت غير منتخبة فأضحت فاشلة وطنيا. لماذا؟ لأن وظيفة الحرب تحولت من مواجهة العدو والسعي إلى إلحاق الهزيمة به إلى إضفاء شرعية على الأنظمة الفاشلة هذه، وتسهيل تحكمها بالمجتمعات المحكومة، وتقييد التعدد الداخلي فيها، وتسويغ أنظمة استثناء أبدية. بعبارة أخرى، أضحت الحرب وظيفية، موجهة نحو الداخل. الواقع أن الحرب صارت نظام سياسة تعبوية وقانون تحكم وثقافة طوارئ وخطاب استنفار، وكفت في الوقت نفسه أن تكون حربا مادية مع العدو المفترض. الحرب هذه وهم طبعا، لا تقع أبدا لكنها موجودة دوما، بل هي الشيء الوحيد الموجود. هذا ما نسميه وهم الميدان، وقد جعل حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية، طوال عقود، ميدانا للوهم.
وهكذا انتهت النظم العربية إلى أن تكون مثالا للاستثنائية والشذوذ من حيث أرادت العدالة عبر مواجهة المعتدين. وهي تميل أكثر وأكثر إلى أن تشبه الكيان الغريب بقدر ما تصر بلاغيا على مواجه مستحيلة معه وتأسر مجتمعها في وهم الميدان. ونميل إلى إقامة صلة بين ما تتعرض له كياناتها من احتمالات تفكك وانهيار وبين إدمانها وهم الحرب. فهي لا تستطيع أن تستثمر في هذا الوهم ومردوداته المحتملة من الشرعية دون أن تقع ضحية وهمها، أي دون أن تصنع حروبها المناسبة، وتمارس العنف على شعوبها، وتطبع الاستثناء في حياة رعاياها المناكيد، وتحطم النسيج البشري والإنساني لمجتمعاتها. إن وهم الحرب يتيح لحم التناقض بين الطوارئية والخلود، بين الاستثنائية والبقاء إلى الأبد؛ لكنه لا يدوم هو نفسه دون حروب وحُريْبات أضحت هي الأخرى مستحيلة. إذا بدا أننا نعيش في المستحيل فلأننا نعيش فعلا في المستحيل: حرب داخلية مستمرة تعوض حاجة تقتضيها الشرعية إلى حرب مستحيلة ضد العدو، وإرادة جمع الطارئ والأبدي تدفع نحو تحطيم وعي الإنسان أكثر ربما من تحطيم أكبر عدد من الناس، وإن اقتضى ذاك على الدوام هذا. في المآل النهائي الذي نرى وقائعه تترى أمام عيوننا، قوضت قدرة مجتمعاتها لا على إنتاج التغيير بل ربما على محض تحمل وقوعه.
على أن الدول التي أقامت تسوية مع إسرائيل لم تتجه نحو وضع أفضل. هذا لأن تحولها نحو تسوية يستحيل أن تكون عادلة، كما قلنا، لم يكن انعطافا نحو استراتيجية مدنية. لقد تحول نظام الحكم المصري إلى حراسة صلحه مع إسرائيل بدلا من أن يحرس هذا الصلح تحوله نحو سكة البناء المدني.
بالنتيجة قام الصلح بدور مماثل لدور الحرب في الدول غير المصالحة: منح "طبقة" الدولة استقلالا عن المجتمع غير مؤسس اجتماعيا واقتصاديا، الأمر الذي يقف عائقا في وجه التحول الديمقراطي ويضعف قدرة المجتمع على التأثير على الدولة. على أن استقلال الدولة هذا لم يكن مرتبطا بالصلح بحد ذاته، بل بوقوع الصلح هذا في سياق تحول النظام نحو الرعاية الأميركية الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية. ومن المفهوم أن علاقة متينة مع الأميركيين تعفي من الحاجة إلى علاقة وثيقة مع المجتمع المصري، وتضعف الروابط بين إعادة إنتاج النظام لنفسه وتلبية مطالب الشعب المصري.
ما نريده أن الرعاية هذه كان لها دور مماثل لدور كل من الحرب الباردة، ووهم الميدان، والريع البترولي، في تعزيز استقلال الدول عن المجتمعات، وتاليا رسوخ نظام زبوني أو محاسيبي في المنطقة، يقوم على القوة الأميركية وعلى الولاء لها وعلى الاستثناءات. هذا النظام هو ما نسميه النظام العربي الإسرائيلي أو "النظام الشرق أوسطي".
إن دراسة النظام العربي الإسرائيلي تمر حتما بنقد وهم الميدان بكل تجلياته، بما فيها العقيدة القومية التقليدية التي ارتدت عقيدة مواجهة بلا مواجهة، وبما فيها العقيدة الإسلامية الجهادية التي تسير على درب تلك. نقد وهم الميدان ضروري كي نرى أن لا حرب في الميدان غير حرب الحكام على المحكومين.
إيديولوجية المواجهة تخفي استقرار أسس النظام وتحجب نظاميته العميقة. لكن نظاميته هذه ينبغي ألا تخفي قيامه على عنف هائل ومستمر لديكتاتوريات محلية، ولسلطة إقليمية دكتاتورية وعنصرية معا (إسرائيل)، ولسيادة دولية امبراطورية ودكتاتورية هي الأخرى. إن اللااستقرار الشهير للشرق الأوسط هو ثمرة الفعل المتآزر لهذه الدكتاتوريات الثلاث.
لا مجال لدمقرطة هذا النظام الذي يقوم على العنف والاستثناء والزبونية دون تقويضه، دون تفكيك عرى التفاهم بين دكتاتوريات ثلاث عنيفة واستثنائية.
هذا نظام يقوم اليوم على تفاهمات علنية أو ضمنية راسخة (وإن لم يتأسس عليها، بقدر ما استدعاها) تصون استقرار التفاعلات القائمة بين عناصره على تفوق إسرائيلي وسيادة أميركية ودكتاتوريات عربية. النظام الداخلي في أي من الدول العربية ليس نظاما داخليا منذ أكثر من ثلاثين عاما، إنه شأن دولي، أو بالتحديد أميركي إسرائيلي، وبدرجة اقل أوربي. والولايات المتحدة ليست خارج هذا النظام لتجلب له الديمقراطية. إن لا ديمقراطيته ولا ديمقراطية مكوناته وثيقة الصلة بنوعية العلاقة غير الطبيعية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية. إن النقد الجدي والجذري الحقيقي للسياسة الأميركية في "الشرق الأوسط" هو ذاك الذي يرتكز على كون الولايات المتحدة قبل كل شيء قوة معادية للديمقراطية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاومة أم الاستسلام؟ بل التغيير
- نظرة إلى أصول سياسة الإنكار السورية
- حوار مبتور مع جريدة منحازة
- نقد -إعلان دمشق- ونقد نقده
- معارضة، إسرائيل، أميركا، مخابرات، شيبس، إلخ
- هل من سبيل لإبطال المخاتلة الطائفية؟
- الكتابة السياسية وسياسة الكتابة
- بين فراغ النماذج وضعف الطالبين، أي تغيير في سوريا؟
- -إعلان دمشق-: أوفاقٌ في زمن الانشقاق!؟
- عن نقد السياسة الأميركية ونقد نقدها
- المسألة المدنية: ضد العنف والتعصب والريعية
- المأزق العربي الأميركي المتبادل
- نحو جامعة متقدمة وديمقراطية: المسألة الجامعية وقضية الطلاب ف ...
- أربع تنويعات على فكرة التسييس
- فحص الضمير الوطني السوري
- العقيدة والهوية ونزع العلمانية
- أخلاق بلا أخلاق
- أوجه اللاعقلانية في السياسة السورية
- لماذا لن ينجح تصدير الديمقراطية من أميركا للعرب؟
- تسمية الأشياء بغير أسمائها: الإعلام محصنا ضد الحقيقة


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - النظام العربي الإسرائيلي