أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - شادي كسحو - جينالوجيا الحقيقة الدينية















المزيد.....

جينالوجيا الحقيقة الدينية


شادي كسحو

الحوار المتمدن-العدد: 5159 - 2016 / 5 / 11 - 10:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



1-
يتعهد المُطلق بكل شيء...
2-
في ذاتها، كل حقيقة ما هي إلا تجربة خاصة في الوجود، أو ما هي إلا حالة عارضة أو إجابة مؤقتة، لا تلبث أن تنّحل أو تتداعى تحت وقع حقائق أخرى، أكثر إلحاحاً أو أكثر عمقاً أو أكثر راهنية. لكن الإنسان وكما عودنا على الدوام يتدخل في هذه اللعبة، مانحاً بعض الحقائق شكلاً ورونقاً متعالياً وميتافيزيقياً، إذ ذاك تتحول الحقائق إلى مُعتقدات ومن ثم إلى مُطلقات، فتفقد بعدها الإنساني، لتأخذ مكانها في الزمن وتتخذ أشكالاً كما الأصنام، ويكون الطريق نحو التعفن والسقوط قد ُأنجز، وهنا تكون الحقائق الدينية على أهبة الولادة.
ما السقوط؟ ما التعفن؟ ما الانقراض؟ سوى الركون إلى مجموعة من الحقائق المطلقة الناجزة، حيث كل شيء واضح ومعروف، ولا أحد يشعر بالدهشة أو ينتابه أدنى شعور بالشك.
ما من أمة أو عقل استكان إلى مثل هذه الحقائق، إلا وتم رميه إلى مزبلة التاريخ، تم رميه لأنه فضل الراحة على القلق، وفضل البلادة على الدهشة، وفضل المراوحة في المكان على الحركة والفعل.
قلَب الأديان من رأسها وحتى أخمص قدميها، فلن تجد إلا الإقصاء والنفي والنبذ. الكل يعمل تحت نفس اليافطة، والكل يمارس نفس الهواية، القتل والاستعباد والاستعلاء والتحقير. والحجة دائما جاهزة: قال الله قال الرسول.
من وجهة نظري الخاصة، لا يؤمن بالحقيقة الدينية المطلقة إلا أولئك الذين يفضلون السباحة على الشاطىء عوضاً عن الولوج إلى البحر، ولا ينافح عن مطلق ديني أو اديولوجي، إلا ذاك المستكين الذي يفضل القار والثابت على النشيط والمتحرك. وعندما أقابل شخصاً يتكلم بإسم هذا الإله أو ذاك، أسارع على الفور بالتشكيك والارتياب، فالحقيقة هي بالنسبة لي، "حالة" condition ولم تكن في أي يوم من الأيام بنية أو نظام، لذلك فهي بالنسبة لي، حركة دائمة وصيرورة لا تنقطع ووجود لا يكف عن التغير والجريان.
3-
ما من دين أو ايديلوجية دينية إلا وتعتقد أنها الأنقى والأصفى والأصح. تلكم هي كبرى اللعنات التي عرفها الانسان على مر العصور ، إنها "لعنة التفوق" أو مرض الاعتقاد بأن أفكارنا وأسئلتنا ورؤانا للعالم، هي الأفكار الوحيدة والممكنة والصحيحة في كل زمان ومكان، تلك النظرة البائسة التي تتعامل مع الحقائق، ليس بوصفها حدثاً زائلاً قابلاَ للدحض و التشكيك والتكذيب، وإنما بوصفها نظاماً مطلقاً ومغلقاً، ليس للحقيقة وحدها وإنما للحق أيضاً.
4-
ما من صديق للحقيقة الدينية أكثر من التشابه والتماثل والتطابق وما من عدو للحقيقة عينها أكثر من التعدد والتنوع والاختلاف. من هنا كان على المبشر الديني أن يكون ذا نفس امبراطوري، بمعنى أن يمتلك الوهم والقدرة الكافيين ليس للتشريع لنفسه فحسب وإنما للبشرية جمعاء. علينا أن ننتبه هنا، إلى أن امبراطورية المبشر الديني وكونيته، ليست خطيئة أصلية فيه، بل هي حالة تصحر روحي يصيب حضارة هي على أهبة الزوال، إنها الوهم اللاهوتي أو السذاجة الوجودية التي تجعله يظن أنه موكل برسالة كونية، أو أن يقرن على نحو كوميدي زوال الأرض بزوال يقينياته، إنه محض حيوان عدمي أو شيخوخة روحية، لا ينتج عنه إلا التطرف والتطرف المفرط أيضاً.
5-
في بنية النظام الديني لإنتاج الحقيقة تشكل فكرة "عالم الحقائق" مجرد نكرة فلسفية أو ما لا يجب أن يكون . فالحقيقة الدينية الواحدة والواحدية، لا تطرح نفسها كتجربة تاريخية في الوجود، أي أنها لا تنظر إلى نفسها كإمكان يمتلك تناهيه الخاص ضمن مروحة الحقائق الأخرى التي تجاورها، بل تطرح نفسها كصلاحية دائمة وضامن وحيد لا يقبل النفي أو السلب ولا يجوز بالطبع أن يدخل في أي نقاش قد يعرضه للمناقشة أو التشكيك. إن الحقيقة الدينية وفق هذا الفهم، تهب لنفسها ضرباً من الحصانة الذي لا يجوز لأحد امتلاكه سواها، إنها تتحول هنا، ليس إلى إرادة قوة كما كان يعتقد نيتشه على نحو طريف، بل إلى ما يمكن أ أسميه " قوة القوة" ليس لأن العقل الإنساني لا ينبغي له بلوغها، بل لأن العقل لا يستطيع بالأصل أن يطالها. فهي أرقى من أن تُمس وأسمى من أن يتم الإحاطة بها، إنها بكلمة واحدة: الحقيقة الوحيدة التي تقع فوق السيلان والتغير والصير.
6-
كلما تأنسنت الحقائق الدينية، كلما تناسلت تناقضاتها الداخلية التي عجلت في هلاكها. وهذا بالضبط ما يفسر كل الحيف والظلم والإرهاب الذي يضمره أرباب الحقيقة الدينية للفيلسوف أو صاحب الذهن النقدي.
إن الحقيقة الدينية ذات بنية هلامية وغير متماسكة، لذلك فهي بحاجة ماسة إلى مبدأ يضمن لها تماسكها الداخلي حتى لو كان هذا المبدأ على حساب الانسان ذاته. من هنا جاء الرعب والخوف والفزع الذي يملىء الأدبيات الدينية طولاً وعرضاً. إنني أنبه هنا إلى أن "حضور المخيف" في بنية الخطاب الديني ليس حدثاً لغوياً طارئاً، بل هو حدث أصلي تم استحداثه دينياً كمبدأ تماسك واستراتيجيا بقاء.
لا يمكن إذن تصور حقيقة أو ايديلوجية دينية بلا تصور مفرط عن الجحيم، وذلك لأن هذا التصور سيكون مصدراً اساسياً لتصنيع العبيد الذين سيشكلون عصب هذا الدين وواجهته الكاريكاتورية.
ونيتجة كل ذلك سيتم التضحية بالحرية والانفتاح على محراب العبودية والتقديس. فما أن تنفتح الحقيقة الدينية على الحرية حتى تدمر وحدتها وتماسكها. فالحرية ليست ضد العبودية فحسب، بل هي مرادف للتمرد ورفض المقدس. والتمرد على المقدس أشد وبالاً على الأديان حتى من الشيطان نفسه، فهو يسهم في زعزعتها وخلخلتها لأنه يفضح أسرارها ويهدد صلابتها ويسرع في تآكلها.
7-
تنطوي الحقائق الدينية على مبدأ آخر يجعل إمكانية المعرفة الدينية ضرباً من الاستحالة. وهو أمر يتعلق بالحدس الديني الأصلي أو ببنية التساؤل الديني ذاته.
فالحقائق الدينية تقع قبل السؤال لا بعده، ومعنى ذلك أن هذه الحقائق لا تستمد ماهيتها من أسئلة موجهة إلى الوجود وحوله، بل تستمد نسغها من بنك الأجوبة الجاهزة ذو المصدر الإلهي أو السماوي الذي يشكل مصدراً لمدخراتها الدائمة في صياغة أسئلتها ورؤيتها للعالم، هاهنا بالضبط لايعود للتساؤل الديني أي معنى، ما دام أنه لا ينفتح على الوجود وإنما يؤكد فقط الحقائق التي سبقته، إن حركته دائماً إلى الخلف، مادام أنه يدور في ذات الحلقة التي خرج منها، وهكذا يتدحرج السؤال إلى عتبة التأكيد الساذج محولاً الحقائق الدينية التي ينافح عنها ليس فقط إلى مجرد بنك من الأجوبة الناجزة، بل إلى مجرد أجوبة فارغة بلا ذات تسأل.
8-
لا يسفك دم أو يبيح محرم إلا متعصب لحقيقة دينية أو اديولوجية. أنا أشير هنا إلى أن الحقائق المطلقة، قد تصبح في غاية الخطورة لاسيما عند الانتقال من حيز الانطولوجيا إلى حيز السوسيولوجيا. ذلك أن كل سلب على مستوى الفكر هو إلغاء وإقصاء ونفي على مستوى الواقع، فالآخر المجافي والمنافي للحق عقدياً وفكرياً هو ذات الآخر، الذي يجب طمسه وتعديمه واقعياً. فالحقيقة المطلقة التي لا تعترف إلا بنفسها ضامناً وحيداً لكل وجود وموجود، هي ذاتها، السيف والدبابة المشرعة على رقاب الناس في كل حدب وصوب. السكاكين كثيرة والمطلق واحد.
9-
على أية حال، لست أعتبر الحقيقة شيئا سيئا ًفي ذاته، فالسؤال، أي سؤال إنما يبحث في نهاية المطاف عن حقيقة تريحه وتتوسل معانيه، لكن ما يخيفني حقاً هو اعتبار الحقيقة التي بحوزتنا نهاية المطاف، أو بالأحرى تأبييد الحقائق، أنا أتحدث هنا عن تلك العقلية أو الذهنية التي تتعامل مع الحقيقة لا بوصفها حدثاً زائلاً سيتم تجاوزه وتخطيه، وإنما بوصفه جواباً جامعاً مانعاً لا يجوز لأحد التفكير في امتحانه ومساءلته ومن ثم مجاوزته.
يبدو لي في المحصلة، أن ما يجب أن يأخذه المفكر الراهن في عين الاعتبار ليس التداعي نحو حقيقة علمية أو أخرى فلسفية أو دينية؛ وإنما نزع الطابع الإطلاقي والمقدس عن كل الحقائق التي بحوزتنا؛ فالمشكل الأولي – بالنسبة لمجتمعاتنا العربية على الأقل - ليس تغيير وعي الناس وما يدور في عقولهم، وإنما تفكيك النظام الديني والايديلوجي لإنتاج الحقيقة ذاتها.
لا يتعلق الأمر إذن بجعل الحقيقة مجرد وهم كما كان يعتقد نيتشه، فذاك هو عين الوهم ما دام أن الانسان هو الكائن الوحيد الذي يبحث عن الحقيقة، وإنما بالنظر إلى الحقيقة عينها، كــ كائن فلوت ولا نهائي لا يجوز لأحد أن يتبناه لصالحه الخاص.



#شادي_كسحو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات فلسفية -1-
- ضد الذات أو في مديح المواطنة
- لعنة الإصلاح
- مثالب الفلاسفة
- هذيان متماسك (شذرات)
- في اللامكان قراءة في شخصية السندباد
- عذراء الكلمات تأملات في الشذرة والكتابة الشذرية


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - شادي كسحو - جينالوجيا الحقيقة الدينية