زهر اللّوز -5-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

الحوار المتمدن-العدد: 5158 - 2016 / 5 / 10 - 14:29
المحور: الادب والفن
    

يلعب العالم أمام باب حديقتي. اليوم يوم التّصفيات.
تتعالى الصّرخات، تنتهي المباراة
أحبّ القراءة في الضّجيج. يشجّعني الصّوت على الحفظ
تمدّ شجرة اللوز عنقها إلى الشّارع
ما أجملهم!
سوف أشجع فريق العالم القائم إلى أن يربح
اتركي لي الحرّية في الرؤيا
افتحي الباب على مصراعيه
دعينا نتمتّع بأشياء أخرى غير خاسر وسهرمان
تحدّثت كثيراً عن أشياء لا تعني شجرة في سن المراهقة
بدأت شجرة اللوز التي تقع قرب الباب في حديقتي الخلفيّة تحتجّ على علاقتها المحصورة بي. فتحت الباب على مصراعيه، اختبأت خلف نافذة في الدّاخل. أرغب أن أرى العالم دون أن يراني.
انتهت المباراة . كان الوقت عصراً.
لا زال الباب مفتوحاً. شجرة اللوز تغنّي:
أحب البشر
أحب أن أصبح وارفة الظّلال
يجلس تحت أغصاني أطفال يلعبون ،يختبئون خلفي.
إذا كانت الشّجرة تريد أن يشاركها حياتها البشر. لماذا أعلنت أنا إضراباً عليهم؟
ربما لا يكونون بالصورة التي رسمتها لهم . عليّ أن ألتقيهم قبل أن أحكم عليهم.
سوف أجرّب العالم اليوم. إنّني أملك ذهناً منفتحاً، وعليّ عدم الحكم على العالم مسبقاً.
ذهني منفتح فيه ألف ثقب، أغلقت كلّها بالإسمنت المسلّح بقي ثقب واحد له باب ومفتاح. أضعت المفتاح .
استيقظ مكرود متأخراً ، سهر حتى الصّباح على التّلفاز. كان يتابع مسلسلاً يومياً اسمه القتل الحرام، والقتل الحلال.
ما رأيك يا عزيزي أن نخرج معاً اليوم فقد ذهبت سلمى إلى بيت جدتها، ولا زال لدينا الوقت الكافي قبل أن تعود؟
-. نعم سوف نخرج. سوف نذهب إلى المكتبة العامة . لم نزرها منذ أيام الخطوبة. كنت تطلبين مني أن نلتقي هناك.
وافقت على الفور. عندما كنّا نلتقي في المكتبة لم أكن أقرأ الكتاب الذي أستعيره. كان من الصّعب علي أن أدخل إلى ما بعد الصّفحة العاشرة، سوف أحاول أن أعرف ما استجدّ في العشر سنوات الأخيرة .
-هل هذه هي نفسها المكتبة التي كنا نأتي إليها؟
-نعم. هي كما تركناها.
تشبه المقبرة . كم كنّا نمتدح الثّقافة التي تعطينا إيّاها!
سوف أنتقي كتاباً أستعيره ،أقرأ فيه في المساء كي لا ألتقي بخاسر .
أستعرض الكتب.
كيف تصبح مليونيراً في شهر. عذاب القبر. خمس خطوات تجنّبك النّار. حكمة القائد. أم صلاح وصحتّك النفسية. صنع التّبولة بسبعة طرق مختلفة. البطل قصّة الكاتب العظيم أبو محروس، مخالفة ولي الأمر تدخلك النّار. صوت المرأة عورة.
حق الرّجل في التمتّع بالمرأة. حدّ الرّدة. أغاني عن القائد. أم قمامو والشّعرالفصيح. الكثير من الكتب. تغيّرت الكتب . أصبحت أكثر تنوّعاً .
استعرت قصّة الطفل المعجزة الذي أبكى الملايين ثم أضحكهم .
قبل أن نذهب عليّ أن أقرأ بضعة سطور من القصّة ، فهذه القصة تحديداً حصلت على جوائز عالميّة ومحلّية، وأصبحت فيلماً سينمائياً، تمّ إعادة طبعها سبعين مرة ، وترجمت إلى سبعين لغة.
قرأت السّطر الأول من الصّفحة الأولى حيث بدأ الكاتب بالإهداء. شعرت بحاجة للعودة للمنزل، والحاجة إلى البكاء.
-لماذا اقترحت علي أن نأتي إلى هنا يا مكرود؟
إنّني أبكي.
سوف أستمرّ في البكاء.
مكرود ينظر إليّ حائراً.
اجلب لي أمّي. أريد أمّي.
-حاضر أيتها الأميرة. تعالي نذهب إليها فالمكان قريب من هنا.
هل ترغبين أن أحملك يا طفلتي المدلّلة.
وصلنا إلى مكان فيه قبب ضخمة . وشواهد قبور.
دخلنا إلى مرقد أبو ثعلبة. المكان واسع. النساء تطبخ النّذور، الطّعام مجّاني، الخراف تذبح خارج المقام.
شعرت أنّني خروف قلت: ماع!
-هل سوف تذبحني نذراً يا مكرود؟
-هههههه. من أين تأتين بأفكارك. علينا أن نأكل فهذا الطّعام غير متوفر لنا.
-لن آكل أبناء جلدتي!
- طلبت منّي أن نأتي إلى أمّك ، ولا تعرفين قبرها. ذلك هو قبرها. شاهدته مهدّمة، وبضع حجرات فوقه. زوريها ريثما أشبع.
-متى ماتت أمي؟
ولماذا قبرها مهدّم، وأبو ثعلبة قبره عامر بالحياة؟
لماذا لم تخبرني عن موت أمّي؟
-قرّي عيناً حبيبتي، أصلح أن أكون أمّك وأباك. انتهيت من الطّعام. الحمد لله . رحمة الله عليك يا أبا ثعبة جعلك الله من عباده الصّالحين.
ألا ترين أنّ اليوم مرّ سريعاً معنا يا زوجتي؟ سوف نصل إلى المنزل بعد صلاة العشاء، أقيم الصّلاة كي يرضى عنّي ربي ، ثم أنام. الحمد لله يارب . رزقتنا قوت يومنا.
-بارك الله فيك يا زوجي! متى هبط الإيمان عليك فجأة ؟
-اصمتي!
أقول ذلك أمام وليّ الله الذي كان جالساً في الزاوية يأكل رأس الخروف. لديه وظائف برواتب محترمة. علينا أن نؤمّن مستقبل سلمى.
-أبكي الآن. إنّي أبكي.
خذني إلى بيتي .
أو اجلب لي أمّي
أريد أمّي.
وصلنا إلى المنزل .
كأنّني أضعت شيئاً. آه . لم يأت خاسر. أخشى أن يغادرني إلى الأبد.
جلست على دكّة قرب شجرة اللوز التي تقع قرب الباب في حديقتي الخلفيّة.
خلعت ثيابي. تعرّيت.
ربطت خصري بأفعى وجدتها قرب الباب. حيّة ابتسمت لي. عرفتها من عينيها. موسيقى تصدح في المكان، أرقص عارية أمام السّماء، تنخفض قامات الرّجال يصفّقون لي، أزداد حماساً، أمسك الأفعى ألوّحها بين يديّ، أقذفها إلى الأعلى وتختفي في السّماء ، أبقى أنا جالسة على الدّكة، والعالم يقدّم استعراضه أمامي، وينحني.

#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات