أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجاة تميم - رحلة -كبش الفداء- التناص في رواية -هذه هي الأسماء-















المزيد.....


رحلة -كبش الفداء- التناص في رواية -هذه هي الأسماء-


نجاة تميم

الحوار المتمدن-العدد: 5149 - 2016 / 5 / 1 - 18:44
المحور: الادب والفن
    


قام الروائي تومي فيرينخا، في روايته الموسومة "هذه هي الأسماء"Dit zijn de namen بربط قصتين وجوديتين لكي تصبح قصة واحدة وذلك من خلال محاورة نصوص قديمة. فشيد بذلك علاقة تناصية مع نصوص سابقة ونص لاحق وعقد حوارا أسلوبيا بينهما.
التناص

نعلم أن الحوار بين النصوص قديم جدا وهذا التفاعل وتداخل النصوص فيما بينها قد يتم عن طريق سلسلة من العلاقات كالاستشهاد أو التلميح أو التعليق أو النقيضة أو المعارضة أو الاقتباس أو النقل أو السرقة أو التقليد وغير ذلك. فنجد عودة الملحمة الشعرية الإلياذة والأوديسة لهوميروس (القرن الثامن ق.م) في "أنياس" (القرن الأول ق.م) للشاعر الروماني فرجيل وفي رواية "طروادة" لِبُنوَا دو سنت مور (القرن الثاني عشر) وفي "اللوسياد" للشاعر البرتغالي لويس دو كامويس (القرن السادس عشر) وفي "الأوديسة" لجيمس جويس (القرن العشرين). ولا ننسى أيضا تأثير بلزاك في كتابات زولا وموباسون وفلوبير. ويبدو لنا واضحا "كيف تتفاعل اللغة مع الوعي الانساني وذلك من خلال تطبيق هذه الصبغة الحوارية للغة في الأدب."

كان وصول جوليا كريسيفا من بلغاريا إلى باريس عام 1965 بمنحة دراسية بداية لتبلور نظريات نقدية حديثة في تاريخ الأدب الفرنسي. لقد ساهمت بمعرفتها الواسعة وبحوثها في علوم الأدب، في دول الكتلة الشرقية، بإلقاء الضوء على أعمال كتاب كانوا مجهولين آنذاك؛ كترجمتها لكتاب ميخائيل باختين حول رواية تعدد الأصوات من الروسية إلى الفرنسية. وهي أول من أطلق مفهوم "التناص" Intertextualité في بحوثها التي نشرتها في Tel Quel وCritique ما بين 1966 و1969 وخصوصا بحثها "الكلمة، الحوار والرواية"(1966)، وقد استنبطت بدورها هذا المفهوم عن "الحوارية"Dialogisme لميخائيل باختين. إن كل نص، حسب كريستيفا، يُبنى على شكل لوحة فسيفساء من الإقتباسات، وكل نص هو امتصاص وتحويل لنص آخر. ومن يومها، تعدﱠ-;-دت الدراسات حول مفهوم التناص؛ بدءًا من رولان بارت ومرورا بأنطوان كومبايون في دراسته للاستشهاد Citation، وميشيل ريفاتير في دراسته للتلميح Allusion إلى أن تصل كتابات جيرار جنيت الى عمق هذه النظرية النقدية الحديثة حول التناص والمتعاليات النصية في كتابيه "أطراس" Palimpsestes ثم في "عتبات" "Seuils". وقد قسم هذه المتعاليات النصية إلى خمسة أنواع من العلاقات: التناص Intertextualité، المناص Paratexte، الميتانص Métatextualité، معمارية النص Architextualité والتعالق النصي Hypertextualité .
بعد قراءتنا لرواية فيرينخا، "هذه هي الأسماء"، Dit zijn de namen لاحظنا علاقات تناصية وحوارية في هذا النص السردي. فلنستقصى عن هذا التعالق النصي الذي يشمل أيضا المتعاليات النصية الأخرى ونكتشف والقارئ من خلال هذا البحث بعض وظائف هذا التناص، منها المعرفية والتعبيرية.
تتكون روايتنا من ثلاثة أجزاء ترمز إلى دورة الحياة من خلال فصول السنة وتحمل العناوين التالية : الخريف، الشتاء والربيع. وتنقسم هذه الأجزاء بدورها إلى فصول معنونة ومرقمة متواصلة. فتكون حصة الجزء الأول 24 فصلا، وحصة الجزء الثاني 14 فصلا أما الجزء الثالث فيحوي الفصل التاسع والثلاثين، الفصل الوحيد بعنوان "موسى الصغير".
يقوم الروائي فيرينخا بعرض قصتين متوازيتين تتناولا البحث عن السعادة وحياة أفضل من خلال التعمق في أولوية الانتماء وبداية الخليقة. يغطي المستوى الأول أحداث مجموعة من اللاجئين ضائعين في منطقة خيالية، على مشارف دولة اوروبية شرقية.
أما المستوى الثاني فيتناول الشخصية الرئيسة "بونتوس بخ"، ذي الثلاثة والخمسين عاما، ضابط شرطة متسلط وإنسان بائس. إنه شخصية مربكة ومتناقضة، يقف متأثرا أمام جثة فتاة ويعمل جاهدا لمعرفة هويتها وفي الوقت نفسه، يُوقف سائق شاحنة لرفضه دفع الرشوة فيعذبه ويرميه في السجن دون رحمة. إنه إنسان يجهل نفسه ولم يكن متراض معها. وهذا يبدو لنا في الجملة الاستهلالية التي يقول فيها الراوي: أن "بونتوس بخ" لم يصبح الرجل العجوز الذي كان يتمنى أن يكون عليه. ينقصه شيء، يبدو أن اشياءً كثيرة تنقصه." ص9. وما تراءى لنا هو أنه لم يجد بعد نفسه.
الوظيفة المعرفية: اغناء النص السردي
نتعرف، من خلال دورة الفصول، على بناء هذا السرد. ففي الجزء الأول الموسوم "الخريف"، يحكي لنا الراوي قصتين منفصلتين تماما عن بعضهما. يعلمنا، في الأولى، عن نفسية ضابط الشرطة "بونتيس بخ" الذي يعيش ويعمل في مدينة شبه ميتة، "ميخلوبول"؛ المدينة التي كانت في أحد الأيام مركزا تجاريا مزدهرا والآن لا يقطنها إلا أربعون ألف نسمة، يعانون من الفقر والرشوة المتفشية في المجتمع. أما الأمل في التغيير بهذه المدينة، التي هي من خيال الكاتب وتقع على مشارف جورجيا وتركيا، فقد فقده "بخ" إلى الأبد وهو نفسه ينتمي إلى هذه المنظومة الفاسدة. أحست الشخصية الرئيسة، بخ، بزحف الشيخوخة المبكرة عليه. فبرودة أطرافه وخصوصا قدمه اليسرى جعلته ينصت إلى جسمه ويواجهه. يستشهد الراوي بأحد الفلاسفة الصينيين الذي يقول أن الاسم هو ضيف الشيء الحقيقي، ص 10 وبهذا الاستشهاد الأول تكون بداية التناص في هذا السرد. فيكون الاعتماد على مصدر خارجي بمثابة تعزيز لأفكار الراوي وكذلك الشخصية الرئيسة. هكذا بدأ " بخ" يحس بأنه هو الضيف والشيء الحقيقي هو جسمه. وأن هذا الشيء الحقيقي "الجسم" بدأ يتنصل من الضيف. وكلما كبر في السن أصبح النوم، بالنسبة له، صديقا لا يؤتمن إليه. كان يوما يستمع لكلمة ألقاها أحد زملائه "دنيز" ولأول مرة يسمع عن الصيني العجوز كونفوشيوس Confucius الذي قال: "على اللغة أن تتطور، فإذا لم يكن استعمالها دقيق فإننا سنفهم شيئا آخر غير ما يقصد به." واعتبر بخ ذلك نقدا للمجتمع الذي يعيشون فيه وتحذيرا من الوضع الذي هم عليه. هذا ما جعل بخ يهتم بالفلسفة الشرقية والبوذية وقرأ للفلاسفة الصينيين؛ Confucius كونفوشيوس وZhuang Zi جوانغ زي وLao Tse لاو تزه. ولم يكن يتذمر عندما لا يفهم هذه النصوص. ص36
وفي إطار التعالق النصي، يتركنا الراوي أمام مقارنة؛ قال المسيح لنزاريت خلال ليلته الأخيرة مع أتباعه: "خذ هذه القطعة من الخبز، لأنها من جسمي." وينقل لنا الراوي ما تقوله صاحبة الخان لزبونها: "خذ هذا الجسم لأنه خبزي (أي مصدر رزقي)." ص 33 كما أن الراوي يستشهد بِجوانغ زي Zhuang Zi الذي يقول: "أن حياة الإنسان بين السماء والأرض هي مجرد انعكاس شعاع من خلال فتحة في الحائط: لحظة وتنتهي." ص50 ويقول أيضا بأن حياة اليهود تدور في السر، ظل عالم، بعيد عن عالم الآخرين."ص 52 أما الحاخام ( زلمان إدر) فيقرَ: "أن الغالبية منا لن تصل البلد المقدس." ص 173 "وأن الله لم يعتبرنا فقط الشعب المختار وإنما الشعب الملعون أيضا."ص 127 كما يستشهد (زلمان إدر) بحاخام ثاني: "الإنسان (الخوجة ) أفضل من اليهودي. فالاحتمال أكبر أن يكون مطيعا لأركان نوح السبعة من أن يمتثل لقوانين موسى الستمائة والثلاثة عشر." ص 123
الوظيفة التعبيرية: الوتر الحساس
في أحد الأيام، توفي آخر يهودي في مدينة " ميخلوبول" فبحث بخ على الحاخام الوحيد،( زلمان إدر) لاستشارته. فهذه المواجهة ذكرته بشمعدان "مينوراه" وبأغنية كانت أمه ترددها له وهو طفل. وهي عبارة عن أغنية حب باللغة العبرية: Ay, Rivkele, ven es veln zayn royzen, veln zey bliyen"" تقول: آه يا "ربيكا" الجميلة، إذا كانت هناك ورود، فإنها بالتأكيد ستزهر." ص55 وهذا يدل على استمرارية الحياة رغم صعوبتها وأن الأمل ركن مهم في تركيبتها. وكان ذلك السبب في تغيير مجرى حياة "بخ". هكذا أكد له الحاخام، رجل الدين الوحيد في المدينة، بأن أصوله يهودية وأن هذا الشمعدان السباعي أو "المينوراه" مهم جدا بالنسبة لليهود ومن الصعب أن يتخلوا عنه وهو يعيدهم إلى أصولهم. ص 144
بدأ بخ يتعلم الشعائر الدينية ولعل استحمامه في حمام قبو المعبد اليهودي، بمساعدة الحاخام، يطهر نفسه وروحه من كل أعماله السيئة ويستطيع أن يبدأ حياة جديدة تماما كما يتوق إليها اللاجئون. ويعلمه الحاخام عن حقه في الحصول على جواز إسرائيلي بمجرد ثبوت أنه يهودي، سواءً كان يرغب في ذلك أم لا. لكن لكي يتأكد من انتمائه للديانة اليهودية يجب أن تكون الجدة من طرف الأم يهودية. ص126 أما تعلم تعاليم الدين اليهودي فلم يمر بسلام. إن هذه الكتب التي تشمل أربعة آلاف سنة من التاريخ القديم تحمل كل من المعتقدات الشعبية و القصص الأخلاقية ونصائح الحاخامات. ويجد بخ أحيانا أن بعض المعتقدات مضحكة؛ فلمعرفة بكارة الفتاة مثلا يجلسونها على برميل خمر وإذا اشتم الحاخام رائحة الخمر في فمها فإنها ليست بعذراء. واكتشف تضارب الآيات في الكتب القديمة وكذلك المعتقدات الغريبة؛ كما أنه وجد صعوبة في الالتزام بأكل الحلال. وأكد له الحاخام أن "المطبخ هو عبارة عن "كتدرالية" اليهود. ص124 وأنه لم يعد يهوديا بعد وفاة المرأة التي كانت تطبخ له. ويأتيه كذلك بنص من التوراة لإقناعه بالخضوع لعملية الطهور. وتنتابه شكوك ويدخل في نقاشات مع زميل له حول ذلك. ولم يكن واضحا له كيف وجدوا التوراة. ص168 ويستغرب لتضارب الآيات. ص169 ويعزز هذا النص السردي مقاطع من العهد القديم لشرح قواعد الديانة اليهودية ووجوب الطهور. وعرف بخ من الحاخام أن المعتنِق حديثا للديانة اليهودية يعتبر يهوديا من الدرجة الثانية.
يعلمنا الراوي أن أمل بخ الساذج ضعيف جدا في حصوله تلقائيا على أجوبة لأسئلته وذلك من خلال قراءاته لكتب التوراة. 206 لقد درس بخ كتب التوراة الثلاثة،" واستنتج من قراءاته أن الحاجة للمعاناة والتمتع بالألم يتسم بها شعب فقير، هو أيضا تثقله الآلام. فمعاناة الآخرين تخفف ربما عنه آلامه وهمؔ-;- وجوده". ص 207 .
في نفس هذا الجزء، يروي لنا سارد عليم القصة الثانية المنفصلة. قصة عشرة لاجئين غير شرعيين ومجهولي الهوية تخلى عنهم مهربون عند حدود وهمية بعدما وعدوهم بإيصالهم إلى الأرض الموعودة؛ الغرب. فتاهوا في الصحراء باتجاه الشرق، وكان الجوع والمعانات تهدد حياتهم وأنقصت عددهم إلى النصف. لم نتعرف على أسمائهم. فقد كان الراوي ينعتهم بالرجل الطويل، المرأة، الصبي، الأثيوبي (أو أفريقيا)، الصياد...
بعد الجزء الأول "الخريف"، ننتقل إلى الجزء الثاني الموسوم "الشتاء"، الذي يكون فيه السرد غير كرونولوجيا. وهنا يلتقي مستويا السرد عند وصول اللاجئين إلى مدينة بخ " مايخبولول". لقد زرع ظهور اللاجئين المفاجئ، في هذا الفصل القارس، الخوف والرعب في سكان المدينة. وصلوا، بعد رحلتهم الطويلة، منهكين. وكانت أجسامهم هزيلة وملابسهم رثة وهم في وضع لا يحسدون عليه. ولتهدئة الأوضاع، ألقى الضابط "بخ" القبض عليهم. فماذا يا ترى وجد بحوزتهم؟ فما على " بخ" إلا أن يحل هذا اللغز الذي حيره. وذهب به التفكير بعيدا بحيث وجد قاسما مشتركا بين بحثه عن جذوره وبين رحلة اللاجئين وخروج اليهود من مصر Exodus.
بنى تومي فيرنخا روايته على مقارنة بين هجرة اليهود من مصر وضياعهم في صحراء مصر وإصرارهم على الوصول إلى البلد الموعود وهروب اللاجئين من بلدانهم وهجرتهم ومعاناتهم خلال السفر المضني وذلك للوصول إلى بلد السعادة والأمن والآمان.
نعلم من السارد العليم ظروف اللاجئين الضائعين وقانون القوي الذي يأكل زاد الضعيف والتخلي عنه في وسط الطريق. وتطرق الراوي أيضا إلى المعاملة العنصرية التي اتخذها اللاجئون ضد اللاجئ الأفريقي ثم قتله. فقد كان "ينظر باقي اللاجئين للأثيوبي بحذر ويعتبرونه غريب الأطوار." ص 150 وتقول المرأة عنه: "إنه جنؔ-;-ي." ص 132 ويحملونه سبب ضياعهم وسوء حظهم.
والغريب في الأمر هو ما سيكتشفه "بونتوس بخ" عندما يلقى القبض على اللاجئين. لقد وجد رأس اللاجئ الأثيوبي داخل أمتعتهم، فبعد أن قتله أحدهم، حملوه معهم خلال رحلتهم تماما كما حمل يهود مصر عظام يوسف طيلة أربعين عاما وذلك لنفس الهدف؛ ليهديهم إلى الوطن الموعود. يبدو أن "آلهتهم لم تستجب لدعائهم فبدلوها بغيرها." ص 264 وهذا قد يفسر الرمز المشترك بين هاتين القصتين. وتحضرنا هنا نظرية، مفهوم "كبش الفداء"، للفيلسوف الفرنسي René Girard، رونيه جيرار، التي هي عبارة عن نظام تأويلي شامل وهدفها الأساسي هو شرح سير وتقدم المجتمعات الإنسانية. وتعتبر هذه نظرية من أكبر نجاحات الفيلسوف جيرار. ويقول أن هذه النظرية تساعدنا على فهم كيف تُبتلى مجتمعاتنا بالحاجة الملحة وغير الواعية لتعيين كبش فداء ليكون الضحية التي نحملها كل أخطائنا وذلك لإيجاد حل لأزمة المحاكاة الكونية. ويكون كبش الفداء، عادة، شخصا ضعيفا لا يقوى على التمرد، بريئا تتحامل عليه شريحة من المجتمع لتعفي نفسها من أخطائها وتخفي فشلها. وقد يكون كبش الفداء جماعة أيضا أو فردا، كتلميذ هش الشخصية في ساحة المدرسة أو مهاجر في بلد المهجر أو امرأة حامل في مكتب أو رجل سياسي، نعكس أهواءنا الانتقامية الشخصية عليهم وذلك لعجزنا واقعيا لبلوغ ثأرنا. والميثولوجيا وتاريخ الأديان كما السياسة كلها حافلة بأمثال لكبش الفداء.

لقد حمل اللاجئون رأس الاثيوبي أشهرا إلى أن وصلوا مدينة " ميخلوبول"، البلد الخطأ وليس البلد الموعود. بعد هذه الهجرة المضنية والضياع والعذاب يصلون مدينة ميتة ويجدون أنفسهم في السجن متهمين بتهمتي القتل والهجرة غير القانونية.
وفي هذا الجزء "الشتاء" أيضا، تضع المرأة اللاجئة مولودها يوم 19 ديسمبر- كانون الأول؛ يوم جديد وربما بداية سعيدة. يتغير سلوك "بخ" ويصبح حنونا ومتعاطفا جدا مع هذه الأم. يسهر بجانب سريرها ويواسيها. ويقرر، بعد وفاتها، أن يسمي الطفل "سعيد ميرزا" على اسم الصبي اللاجئ ص 267. اسم جميل يحمل كل ملامح الأمل. فلقب "ميرزا" يعني بالفارسية ابن الأمير أو ابن العُلوية وهذا الأمير السعيد هو الذي سيحمل الشعلة التي ستنير الطريق لأجيال المستقبل. هكذا ينقذ "بخ" الصبي اللاجئ من متابعة الشرطة له كلاجئ غير شرعي. ويترك في أرشيف المستشفى "سعيد ميرزا" آخر.
كان "بخ"، في الجزء الثالث والأخير الموسوم "الربيع" والذي يشمل فصلا واحدا بعنوان " موسى الصغير"، يتحدث مع الصبي اللاجئ "سعيد ميرزا" وهما يطلان من أعلى أحد القمم المرتفعة ويدله على طريق البلد الموعود وكيف الوصول إليه. ولكي يبلغ هذا البلد المتقدم ويسمح له بالهجرة إليه، يجب على "سعيد ميرزا" أن يعتنق الديانة اليهودية ويتعلم اللغة العبرية.
كنا نعتقد ان الشخصية الرئيسة "بخ" له اسم وبلد ووظيفة وبذلك فهو إنسان معلوم الهوية. لكن اتضح لنا أنه لم يجد نفسه حتى بعد اعتناقه الديانة اليهودية. أما اللاجئون المتبقون والذين عانوا ما عانوا، لم يصلوا البلد الموعود بل المدينة الميتة، "مايخبولول". فقد تركوا ماضيهم في بلدانهم وهاجروا مجهولين الأسماء والهوية. ولم تنكشف اسماؤهم وهويتهم إلا خلال تحقيق الضابط "بخ" معهم. وهل يا ترى، وجدوا أنفسهم حقا؟
إن ولادة الطفل من الأم اللاجئة تؤكد لنا استمرارية الحياة. أما وفاتها بعد وضعها لمولودها فهي، حسب الحاخام، "تضحية تجعل العالم ينبعث من جديد." ص 275. ويقول تومي فيرينخا في أحد المقابلات عن موت الشخصية - الأم أن "من الموت تنبثق الحياة"، أو "يُخرج الحي من الميت"؛ بعبارة مشابهة لمحمد شكري في مقدمة كتابه "الخبز الحافي".
المناص والتوثيق
يشكل عنوان الرواية "هذه هي الأسماء" مقطعا من جملة من الإنجيل: "هذه هي أسماء أبناء اسرائيل". وقد يذكرنا الرمز المشترك بين أسطورة شعب موسى واللاجئين بالاستياء العام من ظروف دول عديدة ما زالت تتخبط لكي تجد طريقها إلى الديمقراطية والازدهار الاقتصادي وما يحمله هؤلاء اللاجئون هو عبارة عن عجز وتحطم وانهيار يكون بمثابة دافع إلى الوصول إلى بر الآمان وغد مشرق. وللتنويه يفتتح فيرينخا روايته بجملة تمهيدية. " قال المعلم: ما دام والديك على قيد الحياة، لا تسافر بعيدا. وإذا سافرت فيجب أن تبلغهم بوجهة سفرك".
إن اختيار "فيرينخا" لاسم الشخصية "سعيد ميرزا" يمثل جهدا توثيقيا مهما، يبرز مدى تعمقه في دراسة تفاصيل الرواية. اسم له مدلولات متعددة. ومن أهمها جعل الحضارات والديانات تُلهم بعضها البعض وتمتزج مع بعضها لصالح الإنسانية. علما أن فيرينخا استعان، لكتابة هذه الرواية، بخمسة مصادر، اشار إليها في نهاية الرواية.
كتب تومي فيرينخا هذه الرواية بأسلوب سلس. وبرع في تجسيد معاناة اللاجئين خلال رحلتهم الشاقة وحاول حث القارئ على طرح أسئلة إنسانية معمقة أكثر حول عالم الآخر، راسما بذلك صورة قاتمة عن معاناة الغير سواء بهوية أو بدونها.
ليس من باب الصدفة أن تَفوز هذه الرواية، بعد مرور سنة على صدورها، بجائزة ليبريس للآداب يوم 4 أكتوبر- تشرين الأول 2013. لقد اعتبرتها لجنة التحكيم "رواية البحث المُضني". كما أنها أثنت على أسلوب الرواية الرائع وموضوعها الجريء ووجدت أنها تتمتع بعمق فلسفي وقوة ودقة، بالإضافة إلى الأسلوب المتماسك والصور الجميلة. وبهذه المناسبة، هنأ عبد القادر بنعلي، الكاتب والروائي الهولندي المغربي الأصل، تومي فيرينخا في تغريدة على تويتر قائلا بأن الرواية عبارة عن تواز بين الدين والهجرة. ويعتبرها القراء أيضا بحثا مضنيا عن الوجود.
"هكذا تُوجت الأحداث المظلمة والحساسة حول الهجرة والدين في هذه الرواية"، هذا ما قاله الكاتب فيرينخا الذي درس التاريخ والصحافة وعرف نجاحا كبيرا، خصوصا، بعد صدور روايته الرابعة التي رأت النور كذلك باللغة الفرنسية، بنفس العنوان " Joe Speedboot". وقد ترجمت أعماله إلى لغات عديدة منها العبرية والكورية والفرنسية والإنجليزية. وقد تم تكليفه بكتابة كتاب يكون بمثابة هدية أسبوع الكتاب بين 8 و16 مارس- آذار 2014. وكانت ثمرة هذا التكليف رواية بعنوان "شابة جميلة".



L´intertextualié, études réunies et présentées par Nathalie Limat-Lettelier et Marie Miguet- Ollagnier, Paris, 1998, p.325
Yra van Dijk, Maarten de Pourcq, Draden in het Donker-;- Intertekstualiteit Theorie en praktijk, Nijmegen, 2013, p.28
انظر:عبد القادر بقشي، التناص في الخطاب النقدي والبلاغي، أفرقيا الشرق، الدارالبيضاء، 2007.
Julia Kristeva, Séméiôtiké, Recherches pour une sémanalyse, Seuil, Paris, 1969, p85
Gérard Genette, Palimpsestes, Seuil, Paris, p.8-12
Patrick Brady, le Bouc émissaire chez Emile Zola, Heidelberg, 1981, p.16 &
René Girard, Le Bouc émissaire, Grasset, Paris, 1982



#نجاة_تميم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتراب الكاتب الملعون
- الغيرية في رواية -هروب الموناليزا، بوح قيثارة-
- اشكالية الهوية في الرواية الهولندية ``Bad Boy``
- بين التمرد والرهبنة - الهوية النسائية في قصص أليس مونرو
- الذات والوعي الاجتماعي - السيرة الذاتية لمحمد شكري أنموذجا
- الأسلوب الروائي وهيكلة البنية النصية في رواية الكاتب الهولند ...
- رواية -السجادة الحمراء- تُناقش في نادي الكِتاب في هولندا
- المونولوج الداخلي في رواية -سوق مريدي- لقاسم حول
- فؤاد التكرلي وسرﱠعقدة أوديب
- القرين في سرديات المهجر (3)رواية -صوت أمي- لعبد القادر بنعلي ...
- القرين في سرديات المهجر (2) رواية -صوت أمي- لعبد القادر بنعل ...
- القرين في سرديات المهجر رواية -صوت أمي- لعبد القادر بنعلي أن ...
- ميشيل هولبك بلزاك زمانه
- آخر الكتاب الثلاثة الكبار في هولندا
- الأدب العجائبي:(2) الفانتاستيك الداخلي
- الأدب ألعجائبي: أهو واقع أم خيال؟(1)
- مليون نسخة من رواية -أوروخ- مجانا بالمكتبات العامة في هولندا
- مفهوم الباريسيا وشجاعة قول الحقيقة عند ميشيل فوكو Parrèsia
- Aimé Césaire شاعر الزَنْوجة
- كلود ليفي-شتراوس وعيد ميلاده المائة


المزيد.....




- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجاة تميم - رحلة -كبش الفداء- التناص في رواية -هذه هي الأسماء-