أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سامي عبد العال - لماذا المرأة عورة...؟!















المزيد.....

لماذا المرأة عورة...؟!


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5148 - 2016 / 4 / 30 - 09:19
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


العورة كلمةٌ عربيةٌ قُّح، منحوتةٌ بنبرةٍ أخلاقيةٍ لا تخلو من حكم فوقيٍّ متعالٍ. تتداعى وراءها معاني: العيب، العَوَار، النقص، التَّشوُه، الخلّل، السوأة، العار. لكن إذا جاءت هكذا دلالة لماذا العورة تلتصق بالفضيحة نسوياً بوجهٍ خاصٍ؟! هل ما يتعلق بالمرأة عارٌ؟! بالطبع ثمة خطاب ديني (المتشدد والمعتدل) يعتبرها "كوكتيل فضائح". إذا ظهرت عورةٌ، إذا فكرت عورةٌ، إذا تأملّت عورةٌ، إذا عبرت عن رأيها عورة!! ليس هؤلاء متفردين في المسألة. ثمة آراء حتى للمثقفين والتربويين والمؤسسات تؤكد المعاني السابقة. هذا يثبت أن الفضيحة النسوية أكثر من مساحة انكشافٍ. إنَّها نمط تفكير يمسخُ العقلَّ إلى غريزةٍ، صورة ذهنية تهدم أيَّة عقلانية ولا سيما لو كانت ذكوريةً.
لو أردنا مُناخاً عقلانياً ينبغي معرفة: كيف تتشكل الفضائح كوعي جمعي؟! المرأة -كمقولة وكخيال- تخترق هذا الوعي. تتركه مهترئاً حتى لدي موضوعاته الصورية والميتافيزيقية. لأنَّ حدودها(أي المرأة) ليست الرغبةَ الحسية. إنَّ صورَ المرأة في ثقافة التحريم تغلِّف الأحاسيس بأساليب خادعةٍ. فيظن الإنسانُ أنَّها مادة قابلة للتغيير مادامت محددةً في إطارٍ. بينما باستطاعتها التبخُر لغوياً إلى درجة الاعتقاد الساري. وبذكورية المجتمع تتكثف الأفكار الحسيةُ خلال موضوعات تصبح المرأةُ أولَّ ضحاياها دونما اعتناءٍ بحقيقتها.
لدينا عدة مراحل للفضيحة النسوية توضح أساليب تكونها جمعياً.
أولا: انتشارُ الصورة الغرائزية للمرأة، أنماطها، دلالتها، تحولاتها، أخيلتها. وهذه النقطة في الثقافة الاسلامية تتعلق بموضوعات بيئية وبظروف تاريخية بالأساس. كما لا ينظر للمرأة إلاَّ كأنثى للرجل، كوعاءٍ للوطء، كموضوعٍ جنسيٍّ خالٍّ من إنسانيتهِ.
ثانياً: تصفية المضمون الحسي للأنثى استعارياً عبر فكرة ثابتةٍ. إذ تعتبر خطاباتُّنا المتداولةُ المرأةَ غوايةً محقرةً إلى درجة الإذراء. فرغم من كونها "زوجة الرجل" لكنها مصدر غوايته، شقائه. وهنا العلاقة يشوبها الازدواج: المتعة واللعنة، التبجيل والتحقير في نفس الوقت. والمرأة يعتبرها العربي نصفه الحلو لكنها طريقه المُر إلى الجحيم.
ثالثاً: تعميمُ الفكرة إلى طابعٍ فضائحي مرعبٍ. وذلك بسيادة المُناخ اللاهوتي في التواصل والعلاقات الإنسانية. فالخطابُ الديني ليس له مادةٌ دسمةٌ إلاَّ عورات المرأة. أظافرها، شعرها، طولها، عرضها، زواجها، صيامها، حيضها، عواطفها، أحلامها، خيالها، مصيرها، شيطانها، موتها، عذابها. ونسي أنَّها طاقة رمزية تتوحد بطبيعة الحياة في كل الديانات. وليست الديانات التوحيدية بأقل مما سبقها.
رابعاً: تداول التحريم خوفاً من (أو على) موضوعه الأصلي(النساء). حيث تمثل النصوصُ الدينية واقعاً بديلاً مثل الأيديولوجيا السلفية والوهابية. يبدو ذلك واضحاً تجاه رؤية النساء حتى لذواتهن. فهن يأخذن بأسباب التحريم الاجتماعي حاملاً الحرام الديني في كل تفاصيل حياتهن. حتى عواطفها، ومشاعرها تتقلب بفتاوي، وتخرج بأخرى، وتقنن بفتاوي غيرها... إلى مالا نهاية.
خامساً: اعتبار التحريم شكلاً نهائياً للمرأة دون اختلافٍ عن الأصل. أي: فرض نمط ممسوخٍ من المرأة على كلِّ أنثي. امرأة خانعة ومطيعة وترسف في تعاليم الإرادة الذكورية باسم الدين. أكبر ما فعلّه الرجل أنَّه رسم صورة للمرأة حلت مكان طبيعتها كنوع من اغتصاب وجودي لحقيقتها. وذلك في الأساس مدفوع باعتبارها عورةً، يجب أن تغطى، أن تعدل، أن تولد من جديد. فلابد من خلقها في حدود صورة على مقاس الذكور.
وبهذا تصبح المرأةُ عورةً مضاعفةً باستعمال الدين وطرائق التفكير وسلطة المجتمع. وإذا نهى الدين عن الاقتراب منهن كان الناس أكثر تشدداً وغلظة. يتجلى ذلك عند متداولي اللغة والنصوص المقدسة ومثقفي الغوغاء ولاعقي أنامل السلطة. مع أنَّ النساء أقربُ إلينا إنسانياً وطبيعياً وبإمكاننا معرفتهن لأننا نعرف أنفسنا. هذا قبل الدوران الثقافي المتعدد للفضيحة حتى حلت كدينٍ مختلفٍ. وأيُّ قدحٍ في معرفتنا الإنسانية بهن يفترضُ قدحاً في أنفسنا بالتوازي.
الفضيحةُ موقف أخلاقيٌّ يدعو إلى التصديق الغوغائي مع انعدام أية رؤية نقدية أو فاحصة. إذن هي حالة عمياء blind caseمن الاعتقاد الشائع Common sense. لا يلجأ إليها صاحبُها إلاَّ مع فقدان المنطق والقدرة على التمييز. وهي تفترض وجود رأي الجمع، الخوف من الآخرين، الجهل المقلوب علماً. وتنشأ كالنيران محاطة بمحرمات فوق مستوى الشبهات. ولأن شأن المرأة تكتنفه أسرارٌ متراكمةٌ حتى عن نفسها، فلن تكون في العلن إلاّ فضيحة وكارثة. الخوفُ من الأسرار تعادله حتماً إمكانيةُ الافتضاح:" اللي يخاف من العفريت يطلع له". هكذا نقول وراء الكوارث الاجتماعية" فتش عن المرأة". ولا أدري ما علاقة المرأة بالكارثة إذا كان المجتمعُ متخلفاً؟
جانبٌ كهذا تجاوز كافة هوامش الحرية لدينا. إذ يلاصق المجتمع العربي المرأة أينما ذهبت. تتابعها عيون لا تكف عن الترقب. فتفترض أنَّ سلوكَّها حليةٌ ماكرةٌ لمغافلة الآخرين. سلفاً هي قيد الاتهام بحكم قانون لا تملكه. ويجري عليها دون دفاعٍ ولا استئناف. أيُّ امرأة تمشي جمعاً لا فرداً مع المفارقة المطلوبة: فاقد الشيء هو من سُيعطيه. فالثقة التي سحبت من المرأة يجب أن تحققها بالولاء لعيون تنتظر السقوط. من هنا فالثقة تجاه النساء ناقصة ومثقوبة عقلاً وسلوكاً وجسداً. وستُحاط بكم المحاذير الخطرة القادرة على ملاحقتها حتى خدرها. أشار الفقهاء أنَّها أكبر فتنة في طريق الاسلام، معتبرين إياها نعجة الشيطان. وأي فتنة ستسببها لهي أخطر أنواع الفتن على الأمة. يحدثُ هذا كما لو كانت كائناً قاصراً، وأن رأسها علبة كرتونيةٌ فارغةٌ بلا عقلٍّ!!
موضعُ العورة في الحياة اليومية موضعٌ حسيٍّ يُساء فهمه. ويمثل وصفاً أخلاقياً خارج اللياقة إذا كشف عما يشين. لأنَّ المرجعية الاسلامية لوصفه تفترض منظومة قيميةً تأخذ بالنهي الغيبي عما يبدو كذلك. كما أن انطباق الحكم العام على حالات جزئية فيه كلام. ويمكن أنْ تطال المنظومةُ الفكر الحر بطريقة جسد النساء. فيتم اعتبار كل فكر حر فضائحياً طالما يخالفها. الفضيحةُ هاهنا ليست محط غريزة وشهوة لكنها ما يكشف جسداً اجتماعياً أو سياسياً للنظر الناقد. والعقل كفاعليةٍ يظهر مواضعَ العفن والتخلف في المجتمع. ولهذا يسعي أصحابُ "المرأة عورة" إلى اعتبار العقل كذلك!!
لكن كيف لعقلٍّ ليس موضوعاً ملموساً أنْ يصبح عورةً؟ عندئذ لا محيص عن اعتبار العقل قدرةً غير مألوفةٍ على التفكير الحر. وهذه ليست متوافرة لدى غالبية الناس. فإذا فكر إنسانٌ بتلك الطريقة ستناله كلُّ الأوصاف المشينة. لأنَّه لا يبدي ما يجعله طيعاً بالنسبة لغيره من أصحاب السلطة السائدة. فالعقل ليس مادةً حتى يخضع لنسق صارمٍ. وإذا كانت الأخلاقُ تؤثر عليه فلأن الواجب الاخلاقي يلزمنا بحكم كليته الإنسانية كما يرى كانط. وبالتالي يتعامل العقل مع الأشياء كوظيفة معرفية وحسب. إنَّه يستنتج، يحلل، يربط، يستنبط، يبتكر علاقات.
فهل يتدين العقلُ كي يرتدي نقاباً كحال الجسد؟ بالطبع لا. وحين تمثل العورةُ كشفاً لجسد المرأة فالقضية أن الجسد الأنثوي- خصيصاً- نسق من القمع. هو لا يتجلى إلاَّ بوجود ما يحرمه إجمالاً ولا يجدي معه العقل. ولهذا كان الفقهاء مشاركين في كشفه من حيث لا يفقهون. لأنَّ العورة تفترض جسداً ظاهراً وعيناً ترمق عن كثبٍ. فلماذا يتدخل الفقهاء كطرف ثالث مؤكدين ذلك العري؟! على أن الجسد قد يُفهم في حدود دلالة رمزية أمام الآخرين. فيصبح جميعه تأويلاً استعارياً خارج اليومي والحركي.
"إذا بُشِر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم". هذا النص القرآني يحمل نصاً ثقافياً، كتابة على كتابة بطريقة التحبير فوق حروف قديمة. فالوجه هو مرآة الإنسان الفعلية ضمن المجتمع. ولذلك هو لوحة العادات والتقاليد في بيئة قاحلةٍ تأد الأنوثة. الوجه مرسوم وبرتوكول اجتماعي عميق في الحفريات الدينية. فلما قتل قايين(قابيل) أخاه هابيل، قال له الربُ كما جاء في سفر التكوين:" لماذا سقط وجهُك". نفس الوجه يلونه السواد نتيجة بشراه الأنثوية. إذن الوجه تعلوه الفضيحة لمجرد ميلاد الأنثى. ليفضل العربي البدوي السواد على رؤيتها كجزءٍ منه. وهو يعاقر غوايتَّها كنوعٍ من العهر الخارجي. بيد أنَّه يصاب بالتشوّه والعار إذا كانت في عقر داره. القضايا واحدةُ تلتقي لدي العار في كيان امرأة. إنَّ سقوطَ الوجهِ يعادلُ سواده. فتتبع الفضيحة(العورة) لا يختلفُ كثيراً عن القتل العمد.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحريم في المجال العام
- الموت كفعلٍّ سياسيٍّ
- رأسمالية الوهم
- نهاية العمل أم نهاية العالم؟!
- حيوان الثقافة


المزيد.....




- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...
- دراسة: النساء أقلّ عرضة للوفاة في حال العلاج على يد الطبيبات ...
- الدوري الإنجليزي.. الشرطة تقتحم الملعب للقبض على لاعبين بتهم ...
- ” قدمي حالًا “.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة في الب ...
- دراسة: الوحدة قد تسبب زيادة الوزن عند النساء!
- تدريب 2 “سياسات الحماية من أجل بيئة عمل آمنة للنساء في المجت ...
- الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سامي عبد العال - لماذا المرأة عورة...؟!