أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم عامر - بين التشريع المدنى .. والتردى صوب الهاوية















المزيد.....

بين التشريع المدنى .. والتردى صوب الهاوية


كريم عامر

الحوار المتمدن-العدد: 1391 - 2005 / 12 / 6 - 10:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مع الصعود الغير مسبوق للنجم السياسى لبعض التنظيمات الراديكالية الإسلامية ، وفى ظل مخاوف شديدة من التأييد الجارف الذى بدأوا يحوزونه بين الجماهير العربية ، تطفو على السطح إحدى قضاياهم الشائكة ، والتى تعد أحد الأهداف الرئيسية التى يرمون إلى تحقيقها لدى وصولهم إلى سدة الحكم ، وهى قضية تطبيق مبادىء الشريعة الإسلامية كنظام للحكم .
وعلى الرغم من إتساع مفهوم هذا التطبيق عند بعض المفكرين الإسلاميين ، إلا أنه يختزل فى أذهان الكثرين من العامة وبعض رجال الدين وأمراء التنظيمات المتطرفة - على حد سواء - فى تطبيق العقوبات الإسلامية ، والتى تندرج فى مؤلفات الفقه الإسلامى تحت مفهوم " الحدود " .
وعلى الرغم من أن القوانين المدنية الحديثة قد قررت العقوبات التى تتناسب مع الجرائم المرتكبة ، والتى تعمل - أساسا - على إعادة تأهيل الإنسان المجرم إجتماعيا ، إلا أن هذا الهدف لم يكن له أدنى وجود لدى واضعى تصورات الحدود الإسلامية ، والتى تركز بؤرة إهتمامها على الإنتقام من الشخص المجرم والعمل على منعه - عن طريق الإيلام البدنى أو إزهاق الروح - من إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى ، ولذا فإن المطالبين بتطبيق الحدود الإسلامية يبررونها بالزعم أن العقوبات الوضعية ليست رادعة ، وبأن عقوبات الشريعة الإسلامية ستساهم فى ردع هؤلاء المجرمين وثنيهم عن الإقدام على إرتكاب جرائمهم مرة أخرى نظرا لقسوتها الشديدة وإيلامها العنيف !! .
وقد لا يكون من المثير فى الأمر هذا الحرص الأعمى على تطبيق هذه العقوبات المخالفة لكافة الأعراف والمواثيق الإنسانية ، وقد لا يكون من المثير أيضا هذا الإصرار اللامتناهى على تطبيق عقوبات وضعت قبل أربعة عشر قرنا فى زمن كان من المألوف فيه معاقبة الجناة - أوالمشتبه بهم - بقطع رؤوسهم أو بفقأ عيونهم أو بجدع أنوفهم وآذانهم أو ببتر أياديهم وأقدامهم .. أو بصلبهم والتمثيل بجثثهم ، وإنما الذى يدعو للدهشة والعجب هو محاولتهم الدؤوبة تبرير هذا الأمر تبريرا عقلانيا بالزعم أن الضرورة وراء هذا التطبيق هى ردع المجرمين وثنيهم عن إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى !! .
ولكن الحقيقة التى تدحض تبريراتهم السقيمة تلك هى أن هذه العقوبات ربما تكون مانعة من إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى ولكنها ليست رادعة بالمفهوم الإجتماعى للعقوبة ، فالسارق الذى تقطع يده لن يقدم على سلب ممتلكات الغير مرة أخرى بسبب العجز الذى أصيب به فى العضو الذى يستخدم فى السرقة وليس لأنه قد زجر وإرتدع عن فعل هذا الأمر ، وبالمثل ، فقاطع الطريق لن يفعل ذالك مرة أخرى عندما يقتل أو تقطع يده ورجله من خلاف للسبب سالف الذكر أيضا .
وعندما نتناول أهداف العقوبة فى القوانين المدنية نجد فى مقدمتها العمل على إعادة تأهيل الإنسان المجرم ودفعه إلى الإنخراط فى مجتمعه ، فعلم العقاب يتعامل مع المجرم بإعتباره إنسانا يفتقر إلى التأهيل الإجتماعى ، ولذا فإن العقوبة التى يقررها المشرع المدنى تسلبه حريته مؤقتا وتفصله خلال هذه المدة عن مجتمعه ليتم تأهيله حتى يكون مستعدا للعودة إلى المجتمع والإنخراط فيه بعد إنقضاء مدة العقوبة ( نظريا .. على الأقل ) ، بينما الشريعة الإسلامية تتعامل مع المجرم بوصفه عضوا مسرطنا يلزم بتره بأسرع مايمكن حتى لا ينقل العدوى للآخرين !! ، وهى نظرة وحشية وقاصرة فى ذات الوقت ، فهى تهمل الأسباب والدوافع وراء إرتكاب الجريمة وتتعامل مع الإنسان المجرم على أنه قد ولد ليصبح مجرما مهملة كافة الظروف والعوامل التى ساعدت على تقوية النزعات الإجرامية لديه على حساب النزعات الإجتماعية والإنسانية ، فبصرف النظر عن البيئة التى نشأ فيها المجرم وبغض النظر عن حالته الإقتصادية ووضعه الإجتماعى والظروف التى دفعته لإرتكاب الجريمة ، تتعامل معه الشريعة الإسلامية منذ البداية بمنطقها المريض : " أول الدواء الكى !! " ، وتقوم إما بإزهاق روحه ، أو ببتر يده أو قدمه ، أو جلده أو رجمه ، إلى آخر تلك العقوبات الشنيعة التى ينادى بعودتها خفافيش الظلام الدمويون الرجعيون الذين يهيبون بنا التردى بمعيتهم فى غياهب العصور الإسلامية المظلمة .
إن العقوبات فى الشريعة الإسلامية لا تمثل ضرورة إجتماعية بقدر ماهى نزعة إنتقامية ، فالشريعة الإسلامية تقوم - على سبيل المثال - بإزهاق روح القاتل العمد ( إن لم يكن والدا للقتيل !! ) فى تطبيق صريح لقواعد الثأر والإنتقام الموروثة عن عادات وتقاليد القبائل البدوية الصحراوية ، بينما نظم العقوبات الحديثة والتى ترى فى العقوبة ضرورة إجتماعية توصلت إلى أن المجتمع لم يهب الإنسان الحياة حتى يكون من حقه سلبه إياها ، وهى - أى الحياة - على خلاف الحرية ، إن سلبت من شخص يستحيل إعادتها إليه إن ثبتت براءته فيما بعد ، وبالتالى فهى تتعامل مع القاتل ( على حسب حالته ) بإعتباره إنسانا يفتقر إلى التأهيل الإجتماعى الذى يعود بعد حصوله عليه عضوا نافعا وفعالا فى مجتمعه .
وبالنظر إلى أثر العقوبات الإسلامية على الأفراد داخل المجتمع ، نجدها تربى لديهم بذور الخوف والرعب ، وتجعل السلبية ومجاورة الحائط طريقتهم المثلى فى الحياة ، وتجعلهم يخشون تطبيق هذه العقوبات على أنفسهم وذويهم حتى وإن كانوا - طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية - يستحقونها ، ففى ظل إعلان تطبيق هذه العقوبات تسود بين الناس عادة التستر على الجناة ، ويصير من رابع المستحيلات قيام أحد ذويهم بإبلاغ السلطات المختصة عنهم لإدراكهم التام أن هذه العقوبة ستضر بهم أكثر مما تفيدهم ، ولذا فهم يتحملون عبء وجود إنسان مجرم غير مؤهل إجتماعيا بينهم على أن يسلموه للسلطات المختصة التى سوف تعامله بكل قسوة ووحشية وستحوله فى نهاية المطاف إلى جثة هامدة أو إلى هيكل بشرى عاجز بدنيا أو مريض نفسيا ، الأمر الذى يؤدى الى تعطيل تطبيق أحكام القانون ، ويجعل الحياة السرية الشاذة للأفراد داخل المجتمع تنمو وتذدهر على حساب الحياة الطبيعية السوية وإحترام القانون والنظام العام .
ولكن الأمر يختلف عند النظم العقابية الحديثة لإختلاف الهدف المرجو من العقوبة ( الإنتقام الأعمى فى الشريعة الإسلامية .. فى مقابل إعادة تأهيل الإنسان المجرم فى القوانين العلمانية ) ، فجميع المحيطين بالمجرم يعلمون جيدا أن الهدف من العقوبة هو إصلاح حاله وإعادة تأهيله ، كما أنهم يدركون جيدا أن مصلحتهم تكمن فى إبلاغ السلطات عنه كى يأمنوا شره فى ذات الوقت الذى يدركون فيه أن من مصلحة المجرم ( على المدى البعيد ) إعادة تأهيله بتوقيع العقوبة القانونية المقررة عليه حسب نوع الجريمة المرتكبة ، كما أن العقوبات البدنية وعقوبة الإعدام قد بدأت تختفى من معظم القوانين المدنية ، مما ينفى وجود أية مخاوف بخصوص السلامة البدنية والنفسية للإنسان المجرم الأمر الذى يجعل التجاوب مع القوانين المطبقة هى السمة السائدة عند أفراد المجتمع .
أضف إلى ذالك أن الشريعة الإسلامية - فى حد ذاتها - تخنق حرية الفرد وتتدخل فى أشد أموره خصوصية ، فهى تمنعه من إعتناق العقيدة التى يقتنع بها إن كانت مخالفة للإسلام وتعاقبه على ذالك بالقتل ، وفى ذات الوقت فإنها تضع قيودا على أمور كثيرة تدخل فى نطاق حرية الفرد ، فتعاقبه على تناول الخمر حتى وإن لم يصل إلى درجة السكر بالجلد ، وتصنف الممارسة الجنسية الإرادية بين فردين خارج النطاق المعترف به دينيا على أنه جريمة ( زنا - لواط - سحاق ) وتعاقب الأفراد على ذالك بالجلد أو بعقوبة أخرى أشد بشاعة هى الرجم ، كل ماسبق وأمور أخرى تعمل على تضييق الخناق على بنى البشر ، الأمر الذى يساعد على تفشى الأمراض النفسية المستعصية فيما بينهم ويعمل على طمس هوية الإنسان الفردية وتحويله إلى مسخٍ شاذٍ بشعٍ ومشوهٍ يصبح وبالا على مجتمعه وعالة على أهله .
إن التمسك بالتشريعات الدينية كنظام للحكم لن يجلب لمجتمعاتنا سوى الإنهيار والتفكك ، وعلى النقيض من ذالك نجد أن التمسك بالقوانين المدنية العلمانية القائمة على العدل والحرية وإحترام حقوق الإنسان هو السبيل الأمثل للخروج من النفق المظلم الذى نتخبط فى غياباته ، ولنا فى أوروبا الحديثة أسوة حسنة فى ذالك عندما تخلت عن سلطة رجال الدين وتمسكت بالقوانين المدنية فصارت بالنسبة إلينا كالنجوم فى السماء .. نتمناها ولا نصل إليها لأننا لا نمتلك الشجاعة الكافية للتخلى عن الإرث الدينى الثقيل الذى وضعنا فى ذيل قائمة الأمم ، وحولنا إلى فئة مستهلكة ، نتغذى على فتات موائد الأمم الحرة المتقدمة ، فلم يبق لنا فى مثل هذا التوقيت الحرج سوى الإقتراع على أحد خيارين ، فإما أن نهمش الدين تماما من حياتنا ونقصر دوره على الجانب الروحى منها داخل دور العبادة الأمر الذى سيجعلنا نخطو خطوات واسعة وجريئة نحو الأمام ، وإما أن نزداد به تمسكا ونستسلم معه لجاذبية الهبوط نحو هاويته السحيقة .. إلى أسفل .. إلى أسفل .. بلا قرار .. بلا قرار .. بلا قرار!! .



#كريم_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وإجتزت الإمتحان ... بنجاح
- حقيقة الإسلام كما شاهدتها عارية فى محرم بك
- هوية الفرد فى المجتمع الإنسانى
- لن أسير مع القطيع !
- قضاة ... أم خيالات مآته ؟؟!!
- بايعوا الرئيس مبارك ... أميرا للمؤمنين !! .
- رسالة الى السيد الرئيس
- إنطبعات متظاهر
- الدفاع عن المرأة ... دفاع عن الذات
- تعليم الإناث وأثره فى إنهيار الفكر الذكورى .
- فتش عن القاعدة
- النظام الأسرى بين المساواة والقوامة .
- من واقع رسالة طالب أزهرى : الأزهر والقاعدة ... وجهان لعملة و ...
- إعدام الشريف إعلان حرب ضد مصر
- صيفى ... ولكن حافظى على حجابك !
- الزواج والبغاء ، إطلاقات متباينة لسلوك واحد !
- ثورة العبيد .... ضد الحرية !
- حركة كفاية ... ومواجهة الإستبداد
- عفوا أختى الفاضلة ... لقد غيبوا وعيك
- هل نحن ولدنا أحرار ؟؟!!


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم عامر - بين التشريع المدنى .. والتردى صوب الهاوية