أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فراس جركس - ويسألونك عن الدواعش















المزيد.....

ويسألونك عن الدواعش


فراس جركس

الحوار المتمدن-العدد: 5147 - 2016 / 4 / 29 - 01:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إذا كانت كلمة ”داعش“ حديثة الولادة لغوياً، إلا أنها كفكر ومعتقد، عميقة ذات جذور ضاربة في التاريخ الإسلامي، تستمد نهجها من إرث راسخ كثرت فيه الآراء والأقاويل، وأصبح له تيارات متناقضة وفرق متباينة وطوائف متصارعة، وليست داعش إلا إحداها.

كغيره من الأديان، شكّل كتاب الإسلام موضع خلافات عميقة في تأويل نصوصه منذ عصره الأول، أبرز ما ساهم بذلك وجود آيات مُحكمات وأُخر متشابهات، وآيات ناسخة وأُخر منسوخة.
ورد في سورة (آل عمران /7): "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات مُحكمات هنّ أمّ الكتاب وأُخر مُتشابهات فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه ابتغاء تأويله وابتغاء الفتنة ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا كلٌ من عند ربّنا..."
دون الوقوف عند ما أثارته تلك الآية بخصوص جملة "والراسخون في العلم"، أهي استئنافية أم معطوفة، وما يُسفر عن تغيّر جذري في المعنى، ودون الوقوف عند معايير تمييز المُحكمات والمُتشابهات العديدة وتصنيفاتها، فإن مما قيل فيهما أن المُحكمات هنّ الناسخات والمُتشابهات هنّ المنسوخات.
جاء في سورة (البقرة/106): "ما ننسخ من آية أو نُنسها نأتي بخير منها أو مثلها...". والنسخ لغةً يعني الإلغاء والإبطال، أما اصطلاحاً فهو رفع حكم شرعي بدليل شرعي.

روى البخاري عن البراء أن سورة التوبة (براءة) آخر سورة نزلت. وبراءة، السورة الوحيدة بالقرآن التي لا تبدأ بالبسملة، وتتضمنها الآية الشهيرة باسم آية السيف. "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلّوا سبيلهم..."(براءة /5).
عن ابن عباس أنه سأل علي بن أبي طالب لمَ لمْ تُكتب بسم الله الرحمن الرحيم في براءة؟ قال: لأن اسم الله الرحمن وبراءة نزلت بالسيف.
يقول ابن كثير في تفسيره، اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم: أي من الأرض، وهذا عام، والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الأشهر الحرم لقوله:"ولا تقاتلونهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلونكم..."(البقرة /9). وقوله، وخذوهم: أي وأسروهم إن شئتم قتلاً وإن شئتم أسراً. أما قوله، واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد: أي لا تكتفوا بمجرّد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم في الحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طريقهم حتى تُضيّقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام.
وفقاً لشرح ابن كثير وللقائلين بالنسخ، فإن آية السيف غير محدّدة بمكان أو مقيّدة بزمان، وهي القاعدة لا المستثنى، وهي المُثبّتة الحكم، الماحية لأحكام الآيات المكيّة المتسامحة وما فيها من حريّات المعتقد.
فما جاء في سورة (الكافرون/6): "لكم دينكم ولي دين" يقول عنه القرطبي والغرناطي والثعلبي والشوكاني، أنه نُسخ بآية السيف. وكذلك حسب الجلالين، فإن ذلك كان قبل نزول آيات القتال.
نقل العوفي عن ابن عباس قوله: لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمّة منذ نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم. وفي نفس المعنى جاء قول الضحاك بن مزاحم.
تضاربت أراء القائلين بالنسخ عن عدد الآيات التي نسختها آية السيف. قال الحسين بن فضل أن هذه الآية نسخت كل آية في القرآن فيها ذكر للإعراض والصبر عن أذى الأعداء. وحسب رأي ابن عربي المعافري، فإن آيتي السيف والقتال( التوبة /5، 29) نسختا (75) آية. ليرتفع العدد عند أبو جعفر النحّاس إلى (122). أما ابن حزم فيعتبر أن آية السيف وحدها نسخت (114) آية في (48) سورة.
أي أنه لم يبق آية من آيات التسامح والصفح والتعايش وحرية المعتقد، إلا وأصبحت ملغية الحكم. فلا مجادلة "بالتي هي أحسن" ولا "لكم دينكم ولي دين".

الاجتهاد الأكثر غرابة ما قال به ابن باز في فتاويه، مستنداً إلى بعض أهل العلم حسب قوله الذي جاء فيه: "هذه الآيات (السيف والقتال) ليست ناسخة لقوله لا إكراه في الدين، لكن الأحوال تختلف، فإذا قوي المسلمون وصارت لهم السلطة والقوة والهيبة، استعملوا آية السيف وما جاء في معناها...وإذا ضعف المسلمون ولم يقووا على قتال الجميع فلا بأس أن يقاتلوا حسب قدرتهم...وإذا صار عندهم من القوة والسلطان والقدرة والسلاح، أعلنوها حرباً شعواء للجميع، وأعلنوا الجهاد للجميع. وهذا القول ذكره ابن تيمية، وهذا القول أظهر وأبين في الدليل، لأن القاعدة الأصولية أن لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع بين الأدلة، وهنا الجمع غير متعذر".

ذلك يكشف عن ازدواجية في السلفية الوهابية التي أول ما ساهم بنقلها لبلاد الشام حديثاً العمالة في الخليج والصحراء العربية، ثم وجدت مساحات واسعة لتتحرك بها خلال الثورة. تُظهر تلك الازدواجية الوئام والصفح والقبول بالتعايش المشترك والتغني بآيات التسامح وتسخيرها للتبشير في مراحل الضعف، ثم تُشهر السيف حين يصبح ذلك متاحاً على الجميع. وأول من تشملهم كلمة "الجميع" من يُصنّفهم السلفيون بالمرتدّين، أي غالبية مسلمي سوريا.
بهذا الطرح والمعتقد نصبح أمام تقية سلفية لا تختلف عن التقية الشيعية التي كلما وجدت متنفّساً أشهرت السيف صوب دمشق. فدمشق ليست فقط أحفاد معاوية وابن الوليد اللذَين مازال يراهما أصحاب العقول المتصحّرة كوابيساً في أحلامهم، إنما أيضاً أحفاد محي الدين بن عربي، القامة العالية المتّقدة بنور الحكمة والمعرفة والقيم السامية. ويتساوى حقد غلاة الشيعة والسلفية على ابن عربي وصوفيته وصفائه وعلى أتباع فكره والمقتدين به. فهو ناصبي وزنديق ومن أئمة الملاحدة عند الشيعة، وهو إمام الملحدين عند السلفيين الذين كتبوا مؤلفات عديدة في تكفيره. جاء في (الروض) لابن المقرّي:"من شكّ في كفر طائفة ابن عربي فقد كفر". إن غالبية المسلمين السنّة في سوريا إنما إسلامهم الإسلام الصوفي الذي أرساه ابن عربي وغيره من رموز المتصوّفين، وبالتالي فهم ملاحدة ومرتدّون بموجب التقيمات السلفية التي تضعهم على رأس قائمة المستهدفين بآية السيف. إذ يعتبرونها الآية التي استند إليها أبا بكر في حروب الردّة، وأن الأولوية تستوجب قتال المرتدين ثم التفرّغ للبقية.
ما يقوم به الدواعش في سوريا تحت شعار "بالذبح جئناكم"يوحي أنهم يسيرون على خطى المهووسين بشعار "يا لثارات الحسين"، ولم يبقَ إلا أن يقولوا "يا لثارات ابن تيمية". إذ يبدو أنهم لم ينسوا أن ابن تيمية مات في أحد سجون دمشق، ولم ينسوا أن الدمشقيين كرّموا ابن عربي بتسمية حيّ من أحياء مدينتهم باسمه، بينما لم يحظَ ابن تيمية بما هو أقل من ذلك.
ما سقط من ضحايا على يد داعش من السنّة يفوق بأضعاف أعداد من سقطوا من عصابات الأسد والميليشيات الشيعية. وبينما تلهث عمامة طهران كقحبة لبلوغ النشوة، وسبي دمشق، فإن عبيد الظلام يلهثون في الأماكن التي احتلوها لسبي النساء وتقسيم الغنائم و تشييد المعتقلات وفرز المواطنين ما بين مرتد وزنديق وكافر. فأصبحت سوريا ما بين عدوين غازيَين يمارس كل منهما القتل والتنكيل والتهجير، أو فرض معتقداته ترغيباً وترهيباً، لطمس هويتها واستعمارها ثقافياً من خلال دواعش التشيّع ودواعش التأسلف.


الغريب، أن يبقى سؤالاً يتردد والدهشة تغمر وجوه السائلين: من أين أتى الدواعش؟

أتوا من إرث ثقيل ككبائر المعاصي، نحمله كحمّالة الحطب، فيرهقنا ويجرحنا ويأسرنا ويقتلنا، ولا نزال نقول: اجتهد فأخطأ فله أجر، وما أكثرهم من مجتهدين.
أتوا من ثقافة مكبوتة استنهضها الذين نصّبوا أنفسهم وكلاء لله، وتجد لها مواطئ أقدام في المناطق المضطربة ضمن الأوساط المسحوقة، التي طالما عانت البطالة و الجهل والتسكع، فيجدون في تلك التنظيمات وإديولوجياتها مضاداً حيوياً ليأسهم ورداً ساحقاً على فشلهم بالحياة بانتصار من أجل السماء.
أتوا من تاريخ يؤاخيه السراب، يصوّر الدول الإسلامية التي تعاقبت على أنها رياض من الجنة حكّامها ملائكة، فاض بها العدل كما يفيض الضوء بالنهار، فيتوق المغشي على أبصارهم وبصائرهم للعودة لها.
أتوا من إسلام الظلمات الذي ما زال يغتال إسلام النور. فكأن الحلّاج مازال يُصلب ويُحرق بتهمة التجديف، وابن سينا يُطارد بتهمة الزندقة، وابن الهيثم يُكفّر ويُنكّل به وتُحرق كتبه، والفارابي تلاحقه تهمة الكفر والزندقة، والكندي مثله، والجاحظ والرازي وابن الرواندي وابن رشد والمعرّي...كأن ابن المقفّع ما زالت تُقطع أطرافه وتُشوى أمام عينيه والتهمة دائماً التجديف.حتى القرطبي، كأن الحنابلة اليوم يرجموه ويموت قهراً وكمداً، فقط لأنه لم يعترف بأحمد ابن حنبل أنه من العلماء.

المُقدّسات عموماً، بمصادرها ومراجعها، أشبه بمستودع كبير فيه ما تشاء من التحف والعاديات. كافة التنظيمات والأحزاب السياسية التي تتنقب بأخمرة الدين المتعددة بأشكالها وألوانها، تدخل ذلك المستودع، تسبر أعماق مقتنياته، لتُخرج ما يناسبها، فتمسح عنه الغبار وتلمّعه باسم القداسة أمام عيون الجماهير الغفيرة العدد، الفقيرة المعرفة، فتصبح مُلبّية مُندفِعة ، ممسوخة بالجهل، منسوخة بالسيف.



#فراس_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على أرصفة الصحافة الصفراء
- داعش وأخواتها/ تقاطعات مصالح على حساب الدم السوري
- سوريا على مذبح النبوءات
- قطعان الأسد لا تمنح شرعية
- من ثورة الكرامة إلى حروب خط الصدع


المزيد.....




- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فراس جركس - ويسألونك عن الدواعش