أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي/ الشاعر وديع العبيدي: -بدون عيوننا نمشي .. ودون قلوبنا نرحل- 9-15















المزيد.....

استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي/ الشاعر وديع العبيدي: -بدون عيوننا نمشي .. ودون قلوبنا نرحل- 9-15


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1391 - 2005 / 12 / 6 - 10:45
المحور: مقابلات و حوارات
    


لم يشهد الوسط الثقافي العراقي على مر السنين هجرات جماعية، ونفياً قسرياً للأدباء والفنانين والمفكرين، كما حدث للمثقفين العراقيين خلال حقبة الحكم الدكتاتوري البائد الذي جثم على صدور العراقيين طوال خمس وثلاثين عاماً، مسَّ فيها الضر كل العراقيين الذين لم ينسجموا مع سلطة البعث القمعية، ولم يتماهوا مع نظامها الفاشستي، والذي حاول بالترغيب والترهيب أن يروّض الذاكرة الجمعية للناس ويدمجها في مشروعه القمعي القائم على مُصادرة " المُعارِض "، وتهميش " المُختلِف " وإقصاء " الكائن غير المُدَجّن " والعصي على الذوبان والانصهار في الفكر الاستعلائي " الشوفيني " الذي كان يراهن على خلخلة الثوابت الأخلاقية، والإجهاز عليها، ومحوها من الوجود، ليؤسس لتقاليد فارغة اسماها"قومية " تارةً و"ايمانيّة " تارة اخرى ، الأمر الذي أفضى إلى شيوع ظواهر قمعية متعددة في آنٍ معاً، منها النفي، والاقتلاع القسري، والتهجير العرقي وما إلى ذلك. ولم تقتصر الهجرة أو اللجوء على المثقفين العراقيين حسب، وإنما امتدت لتشمل قرابة أربعة ملايين مواطن عراقي لم يستطيعوا " التكيّف " مع أطروحات النظام الشمولي الذي سرق الوطن في رابعة النهار، وزجّ العراق في سلسلة من الحروب العبثية، وأثث الفواصل الزمنية بين حرب وأخرى، بالمقابر الجماعية، والاغتيالات، والتصفيات الجسدية، فلم يكن أمام المثقفين العراقيين سوى الهجرة واللجوء إلى المنافي الأوروبية والأمريكية والكندية والأسترالية. إن نظرة عجلى إلى ضحايا الأنظمة النازية والفاشية والشمولية تكشف لنا عدداً قليلاً من الكتاب والأدباء المنفيين الذين اضطروا لمغادرة أوطانهم أمثال برتولد بريشت، وتوماس مان، وهاينرش مان، وأينشتاين، وأنا سيغرز الذين فروا من نازية هتلر، ورافائييل ألبرتي، وبابلو بيكاسو، وفرناندو أربال الذين هربوا من فاشية فرانكو، وسولجنستين، ونابكوف الذين تملصوا من النظام الشيوعي الشمولي، وهناك أسماء أُخر لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة غادروا أوطانهم بسبب القمع والمصادرة الفكرية أمثال الصيني غاو سينغ جيان، والتشيكي ميلان كونديرا وسواهما. أما المثقفون العراقيون من قصاصين وروائيين وشعراء وفنانين ومفكرين وإعلاميين فقد بلغ عددهم بضعة آلاف غادروا العراق مضطرين إلى المنافي البعيدة تحت مسميات عديدة من بينها، لاجئٌ، و مُهاجِرٌ، ومهجَّرٌ،، ومُغتربٌ، ومنفيٌّ، وهاربٌ. وللوقوف عند هذه الظاهرة ارتأت " الصباح الجديد " أن تقوم باستفتاء عدد من الكتاب والأدباء العراقيين الذين يعيشون في مختلف المنافي العالمية لاستجلاء أبعاد تجاربهم الأدبية، وما تمخض عن التلاقح بين الثقافة العراقية والثقافات الأخر الآوية للمثقفين العراقيين.

*أتصنِّف نفسك أديباً مُهاجِراً، أم مُهجَّراً، أم مُغترباً، أم منفيّاً، أم لاجئاً، وهل أن ما تُنجزهُ من نصوص إبداعية، مُستوحىً من الوطن أو" عش الطفولة، ومستودع الذكريات " بحسب غاستون باشلار، أم ناتج عن المخيّال الإبداعي للمكان الجديد بوصفة مَهجراً، أو مُغترَباً، أو منفىً لا يعتمد على صياغة المفهوم القائل " هذه بضاعتكم رُدّت إليكم "؟ وكيف تتعاطى مع مخزون ذاكرتك الفردية الماضوية " القبْلية " المُهدَدة بالتلاشي والانطمار نتيجة لتراكم الذاكرة البعْدية التي تتأسس في المنافي أو المُغترّبات الجديدة؟
-لكل من هذه المفردات ظروفه القانونية والإجرائية التي تجاهلتها الدول الطاردة والمضيفة في حالنا. لقد كنا مثل أبناء غير شرعيين لا يريد أحد الاعتراف بنا، وقد وصفت ذلك في عام 1992 بالقول: يتامى نحن في وطن بلا أبناء. تنقلنا بين البلدان وكل بلد يريد أن يتخلص منا بطريقته. " لابدّ أن يكون لنا وطن ما/ لا نستطيع البقاء هكذا دائما/ غرباء في بلادنا/ غرباء في بلادكم.". البلاد العربية منعت عنا كل شيء، الإقامة و العمل. أوروبا اعتبرتنا ولا تزال مجرد أيدي عاملة رخيصة لتغذية السوق الرأسمالية. ثمة لاجئين سلّموا إلى بلادهم وفق اتفاقيات وصفقات أمنية بصفتهم مجرمين سياسيين أو إرهابيين. وحتى الآن لا تعترف السلطات العربية بوثائقنا الأجنبية وتطالب بالوثائق الأصلية والأسماء والعناوين القديمة. فهذه المفردات لم تترسخ بشكل صحيح حتى الآن في الثقافة العامة والنظر اليها يتم عبر منظور النظام السياسي التقليدي.
عموماً العراقي غير ميال بطبعه لمغادرة بلده أو تغيير محل سكناه لو كانت الظروف طبيعية حتى ولو بالحد الأدنى. أي أن الهجرة غير واردة بالمعنى العام؛ وبناء على الظرف السياسي الشاذ للحالة العراقية فأن اصطلاح المنفى أكثر تحققاً في هذه الحال، ومعظم الأدباء والمثقفين العراقيين في الخارج لهم مواقف فكرية وسياسية لا تنسجم مع الحكم السائد. العراق مرّ بمجازر سياسية وعسكرية وتصفيات أمنية وفكرية كان كل عراقي فيها مهدداً. وتحضرني هنا عبارة الشاعر الدكتور صلاح نيازي " غادرت العراق لأموت في الخارج ". لقد حوّلت الأنظمة العسكرية والشوفينية الوطن إلى مقبرة كبيرة ومجازر لا تنتهي.
بيد أن المنفى يكون محدداً سنوات قليلة تنتهي بزوال القرار أو الظرف السياسي. المنفى العراقي كان طويلاً ومع تغير الأوضاع لا يستطيع الكثيرون العودة. وهذا يحول المنفى الطارئ إلى منفى دائم. أي حالة اغتراب عن المكانين. الاغتراب وقلق المكان وهو حالة نفسية معقدة. لأن الاستقرار والاندغام في البلد الثاني مهما كان لا ينسي الغريب ماضيه ولا يمسح ذاكرته ونزيف ذكرياته وحنينه. الموطن الأصلي غير قابل للتعويض. فالاغتراب هنا واقع بالمنظور الفكري والنفسي إضافة للمنظور الجغرافي بكل تفاصيله وتبعاته. ولديّ دراسة موسّعة في هذا الباب. أما نصوصي الإبداعية فهي تمثل على العموم، معطى نهائياً لجملة من التراكمات الماضوية والتفاعلات الراهنية والتصورات والرؤى المستقبلية فكراً ونفساً وسلوكاً. لكن هذا لا يمنع ظهور نصوص مركزة منفردة من حين لآخر، تكون خلاصة لحالة من الماضي أو الراهن ، حالة تكون بنت ذاتها أكثر من شيء آخر. النص الأدبي هو كذلك معطى ثقافي ومنتوج ذاكراتي وقد عبّر الناقد والشاعر حسن النصار عن ذلك في دراسة له عن " سلطان الكلام " بعبارة " الذاكرة الحضارية والذاكرة التواصلية ". ومع ذلك فأنا لا أضع خطوطاً أولية لبناء النص. كل نص هو خلاصة نفسية وفكرية لتفاعلات وإحتراقات لحظة كونية معينة تتلبّس المبدع رغماً عنه.
أما كيفية التعامل مع المخزون الذاكراتي الماضوي فتلخصه طبيعة الشخصية العراقية وتقنية الشعرية العربية. الشخصية العراقية والعربية عامة شخصية ماضوية أكثر من كونها شيئاً آخر. ونحن ما نزال نعيش في الماضي البعيد والقريب بكل ما يمثله من إرث ومخزون وملابسات ورموز، سلبية كانت أم إيجابية. نردد أمثالاً وحكماً شعرية متوارثة. أننا نفعل ذلك رغماً عناً، بل أن حالة الهزيمة الحضارية الراهنة دفعتنا في الاتجاهين معاً: الحفر في الماضي للبحث عن تعويض نفسي مقابل من جهة، وإعادة صياغة الراهن صياغة جديدة؛ أما الاتجاه الآخر فهو البحث في الثقافة الجديدة وتعويض موت الذات الحضارية بولادة جديدة وهوية حضارية ثانية.
الذاكرة لا تخضع للعامل الجغرافي وهي مستمرة في تخزين الحاضر على أنه ماضٍ . أي أن المكان الجديد والغربة المستمرة تضيف إلى الذاكرة وتسهم في شحنها واستفزازها باستمرار، مما يجعل تداخل الأمكنة والحيثيات أمراً وارداً جداً. فالذاكرة تزداد غنى وعمقاً كتجربة إنسانية عميقة الأثر متعددة الأبعاد والمستويات. وقد تعيد الذاكرة إعادة إنتاج الماضي من خلال الاسقاط المباشر على الراهن في وعي الفرد أو لا وعيه. فمنظر الدانوب الذي يشق المدينة والجسور المتعاقبة عليه يعيدني إلى بغداد ولذا قررت البقاء في مدينة لنز وتفضيلها على العاصمة فيننا. ومرة حدثني صديق شاعر مقيم في ألمانيا أنه يشعر بعلاقة حميمة للمدينة المقيم فيها من خلال نهرها الصغير. إن هذا تعويض نفسي للاستمرار في أجواء المكان الأول. في مدريد دلّني القاص الدكتور محسن الرملي على مقهى خاص لأدباء الحداثة وآخر للكلاسيك وشبههما بمقهى حسن عجمي ومقهى الزهاوي. ويمكن رصد كل ذلك داخل نصوصنا بدون مشقة. مثل ذلك قصة " تلك الرائحة " التي نشرتها مجلة أحداق " التي أصدرها الصديق عدنان حسين أحمد في هولندا " في عددها الثاني وتتحدث عن عراقي يعمل في أوربا تتهيأ له رائحة الرز العراقي مع حلول الظهيرة فيدور في المعمل كأنه يبحث عن شيء أو يلاحق تلك الرائحة، أو شاي أبو علي الشهير في البصرة. كما تحضرني هنا قصص الأدباء عدنان المبارك ونصرت مردان وجاسم المطير ومحسن الرملي الناطقة بإرهاصات الذاكرة. والأمثلة كثيرة في هذا المجال.
*كونك لاجئاً أو منفياً أو مُقتلعاً من الجذور، كيف تقيّم علاقتك بالوطن أو المعادل الموضوعي للمكان القديم، هل هي " علاقة ثأرية قائمة على التشفّي، وتصفية الحسابات " كما يذهب الدكتور سليمان الأزرعي، أم هي علاقة تفاعلية قادرة على تحويل التجارب السابقة واللاحقة إلى وعي حاد يتخلل تضاعيف النص الإبداعي المكتوب في الأمكنة الجديدة؟

- في أول مرة غادرت الوطن تحسست قدمي. شعرت أنني أحلّق في السّديم. وعندما وطئت الأرض الثانية كنت قلقاً كأنني واقف على عجين. هذا الشعور كان أقلّ وطأة في الداخل. المكان دالة نفسية كبيرة وركيزة أساسية في النص الأدبي حتى إذا لم ترد أو تذكر علناً فهي تدير دفة العمل الأدبي من مكمنها هناك في قعر الذاكرة. والشعور بفقدان المكان، يعطي زخماً إضافياً لتحسسه، فكيف عندما يكون المكان هو الوطن بكل ما يمثله من مخزون وذكريات وطفولة وإرث. لكن البعض هنا لا يميز بين الوطن والنظام السياسي. الوطن قيمة ثابتة مقدسة غير قابلة للتفريط. بينما النظام السياسي طارئ وهو سبب ابتعادنا عن الوطن واستمرار القطيعة. ضمن هذا الإطار كان البعض يحاول إساءة فهم ما نكتبه عن الوطن خلال التسعينيات. كلمة " التشفي " غير واردة أو لائقة في المقام الأدبي. عندما يجري للوطن شيء يقتلعنا من أماكننا سواء كنا في عمل أو زيارة أو طريق. وعندما وقع حادث جسر الأئمة كنت في زيارة شاعر نمساوي واستغرق ذلك معظم الجلسة. " التشفي " كلمة سهلة ومغرضة للإساءة ليس إلا. أما " تصفية الحسابات " فهي الأخرى من قاموس سياسي سوقي. نحن بحاجة لبناء ثقافة إنسانية قويمة خالية من العقد القومية والايديولوجية أو الشعور بالنقص والعدوانية. لدينا اليوم تراث ثقافي مهجري نعتدّ به، لا يشكّ في نقائه ووفائه وعراقيته. هذا التراث ثبّت قاعدة قيمية جديدة في النظر والتعامل مع الوطن والإنسان خارج المقاييس التقليدية وهذا ما لا يستسيغه البعض أو يفهمه. القاعدة الجديدة تتمثل في قدسية الوطن ومركزية الإنسان فوق أي طارئ آخر. لقد حان الوقت لدراسة أدب العراقيين قي الخارج ووضعه في متناول القراء لتلمّس أبعاده ومزاياه، واكتشاف الصلات الرحمية الجديدة لوطن عراقي تجاوز عقدة الجغرافيا. لقد تسامى العراق ليحلّ في كل ذات عراقية، وعندما ألتقي مع عراقي فكأنني قمت بزيارة للعراق. بل أن الاستمرار في الكتابة رغم ظروف الغربة هو استمرار الصلة بذلك الماضي الحاضر.

*هل تعتقد أن اللاجئين والمهجرين والمغتربين في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا قادرون على التماهي، ثقافياً، في المجتمعات الجديدة الآوية لهم، أو التكامل معهم من دون أن يتعرضوا إلى مسخ مدروس أو تشويه متعمد أو تذويب قسري أم أن المرء ينقلب إلى غيره، أو " يزدوج ويفقد وحدته النفسية" كما يعتقد المفكر عبد الله العروي؟ كيف تقي!م تجربتك الخاصة في هذا الصدد؟

- كل هذه الاحتمالات قائمة وممكنة مع التحفظ. أما "الازدواجية وفقدان الوحدة النفسية" فليست غريبة وجديدة على الكاتب والمثقف العربي. وقد شغلت جانباً كبيراً من الشغل النقدي لجيل الستينيات، سواء ببعدها الفلسفي الوجودي أو بعدها الثقافي الاجتماعي. بل أن الشخصية العربية عموماً هي شخصية مزدوجة كما قدمها نجيب محفوظ في الثلاثية. لأنها تعيش في اللغة وتتعامل في الواقع. اللغة كمنظومة فكرية قيمية شبه مثالية والواقع كبيئة متخلفة مليئة بالنواقص والشوائب. وقد أشار الدكتور محمد فهمي لشيء من ذلك عندما شخص أزمة العرب بالربط بين " تراث مقدس " و " واقع متخلف ". فالهوة بين أنماط وأدوات التعبير وبين أنماط وأدوات الحياة اليومية حالة كائنة لا علاقة لها بالهجرة. الهجرة " قد " تضيف مستوى جديداً من مستويات الازدواجية، ولكنها " قد " تساهم في تقليل الفجوة بين الفكر والسلوك عبر الاستفادة من خصائص الثقافة الجديدة ومزايا البيئة الجديدة. فالسطوة الاجتماعية وكثرة التابوات والخوف ترسخ إزدواجية الشخصية بينما زوالها يساعد في تقليل الازدواجية. هذا من جانب. الجانب الآخر.. إن اجتماع الثقافتين: الغربية والعربية في بودقة الشخصية حالة هي الأخرى كائنة في بلاد العرب؛ وثقافتنا المعاصرة هي نتاج تلاقح وما تزال مراجعنا الثقافية والعلمية غربية من خلال الترجمة أو الأخذ المباشر. في البلدان الغربية يستخدم اصطلاح [أدب المهاجرين] وتوضع أنطولوجيات ودراسات وجوائز في هذا الصدد. وهو أدب يؤثر ويتأثر، يتماحك ويتلاقح مع الآخر. أي أنه تيار ضمن التيارات الأوروبية الثقافية غير منعزل عنها وله جمهور واسع بين القراء. لقد أبدع جبران في المهجر وكتابه " النبي " جزء من التراث العالمي بينما هو أقل شهرة لدى العرب وممنوع في غير بلد. والأمثلة كثيرة في هذا الصدد. نحن لا نزال نكتب باللغة العربية والعامية العراقية ونحتفظ بكثير من عادات أهلنا والأطعمة الشعبية. وعندما أكتب بالألمانية فبعض الرموز وأنماط التفكير والأحكام التقليدية تتسلل داخل النص. النص أرض مفتوحة لتلاقح الثقافات والدماء والثقافة الإنسانية جغرافيا بلا حدود وعندما نتماهى في الآخر فأننا نتماهى بخصوصياتنا المحلية ونرفعها إلى مرتبة العالمية وليس العكس. وأنا أشعر بالفخر عندما أقدم نصا للقارئ الأوروبي أو النمساوي لأني أختزل أمتاراً من المسافة التي تفصل أبناء وطني وما يعانونه عن نظر العالم. للسنة الثانية نشرت لي نصوص في كتاب سنوي يضم نصوص أدبية مختارة من قبل لجنة تحكيم نمساوية، نص العام الفائت كان قصة بعنوان " عالمان وحالمان " تحدثت فيه عن أخي الشهيد في معارك الفاو عام 1986.
* على مدى خمس وثلاثين سنة شهد العراق في حقبة الحكم الدكتاتوري البائد ثلاث هجرات ثقافية كبيرة، هل تعتقد أن المشهد الثقافي العراقي قد أثرى من خلال هذه الهجرات، وأفاد منها، أم أنه فقد بعض خصائصه، وسماته، ونكهته المحلية، وما الذي أضافه المبدع العراقي المنفي إلى المشهد الثقافي العراقي؟
- بالتأكيد أثرى المشهد الثقافي العراقي من هذه الهجرات أفقيا وعمودياً من خلال الوعي والانتشار. وهذا ما جعل بعض أدباء المنفى أكثر حضوراً من أقرانهم في الداخل رغم قرار التغييب المفروض على أسماءهم وكتاباتهم مثل الشاعر الكبير مظفر النواب الذي يمثل مدرسة شعرية مستقلة وإضافة نوعية في ثورة الحداثة الشعرية عراقيا وعربياً. لكن أدب وثقافة المنافى لا يزال قيد الإهمال والتجهيل ولا بدّ أن يصار إلى وضع آلية لإعادة طبعه ونشره طبعات أكادمية وشعبية لتأخذ مكانها المرموق ولا شكّ أن أثر ذلك سيكون جميلاً ويجد فيه الإنسان العراقي الكثير مما يتوق إليه عبر عقود الكبت والحرمان والاضطهاد. وأودّ هنا تركيز الإجابة بالنقاط التالية: إن أدب المنفى العراقي أدب جدير وزاخر ولكنه رهن الإهمال والتجهيل.انه جزء مكمل للأدب العراقي غير منفصل عنه ويصح أن نطلق عليه صمام الأمان أو العمق الاستراتيجي، فعندما زاد الحصار الفكري والايديولوجي على الثقافة العراقية كانت ثقافة المنفى تفتح الجسور نحو الداخل وتتحدى الخطاب الايديولوجي المريض عبر المجلات العراقية والمواقع الأليكترونية وتهريب الكتب والمجلات التي تستنسخ بخط اليد وتوزع من الشمال إلى الجنوب. المنفى رغم قسوته ودوران الكثير من دول الجوار والدول الأوروبية في فلك أموال النظام السابق، واصل الأدباء العراقيون الكتابة والنشر والطبع على نفقاتهم الخاصة بحيث احتلوا صدارة المشهد الثقافي العربي طيلة التسعينيات حتى اضطر بعض الدول العربية ومؤسساتها لاتخاذ إجراءات لمحاصرة الإبداع العراقي وتحجيمه. تصدر أدباء المنفى للمشهد الثقافي ولد منافساً كبيراً للمشهد الثقافي الرسمي في الداخل واستطاع تحجيمه من السوق العربية، ورغم الجوائز السنوية العديدة التي راحت المؤسسة الإعلامية توزعها في التسعينيات في القصة والرواية وغيرها فأن المشهد الثقافي العراقي كان برمته يتكون من أدباء المنفى.الثقافة العراقية في كل عهودها هي ثقافة المؤسسة، أما في الخارج فقد تحول كل كاتب إلى مؤسسة لإنتاج نصوصه وإيصالها للقارئ وبالجهود الشخصية.
إن ظروف الحرية والحاجة الموضوعية أنتجت مشاريع ريادية تخدم صميم الثقافة العراقية مثل موقع القصة العراقية والشعر العراقي والمواقع الأدبية والبحثية الأخرى ناهيك عن المجلات ودور النشر والمراكز البحثية والأكادمية المميزة وهي إضافة نوعية تخدم الواقع والمستقبل الثقافي العراقي.
إن قاعدة المنفى العراقي وتراثه اليوم ضمانة فكرية لحماية ثقافة العراق من أي محاولة للمسخ والتشويه مستقبلاً، وما يمنع نشره هنا سيجد مكانه اللائق هناك. وهي قاعدة لم تكن بهذا الرسوخ قبل الآن.
أن الكثير من أدب المنفى لا يزال بعيداً عن التداول العراقي والبحث والدراسة، وعندما يتم ذلك سوف يرفع الغبار عن إبداعات جديرة ونصوص عالمية نفرح بها جميعاً. " بدون عيوننا نمشي ودون قلوبنا نرحل" من قصيدة " الوقوف على أبواب تدمر " من مجموعة أغنية الغبار..
قال المغني..
إلى أين تمضي بدون عيون
ونحن زرعنا على وجه بغداد أعيننا من سنين
ونحن خلعنا على قلب بغداد أضلعنا إذ خرجنا..
والقصيدة منشورة في جريدة " صوت الشعب " الأردنية عام 1992 وجريدة المرآة العربية في كندا 1995.

الكاتب في سطور
وديع العبيدي، من مواليد،، جلولاء، العراق،1960.
صدر له في الشعر: وطن الحب، ما قالته النخلة للعشاق، تأملات قبل السفر، أغنية الغبار، سلطان الكلام، منفيون من جنة الشيطان، الدخول في خبر كان. وفي مجال النقد والسيرة: يوسف عزالدين حياته وشعره، جنى الأزراق من أدب عبد الرزاق/ أحفاد جلجامش.. راهنية الشعر العراقي 1980-2000.
رئيس تحرير مجلة " ضفاف ".يقيم في النمسا منذ عام 1993.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -استفتاء الأدباء العراقيين من المنافي العالمية /مهدي علي الر ...
- (استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر كريم ...
- رسام الكاريكاتير الجنوب أفريقي زابيرو جونثان شابيرو ينال الج ...
- استفتاء الأدباء العراقيين: زهير كاظم عبّود: إن العراق حاضر ف ...
- الإرهاب الأسود يغيّب المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي روّج أ ...
- تقنية - الوسائط المتعددة - في مسرحية ( أين ال - هناك -؟ ) تم ...
- فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يزور هولندا بعد ثلاثة قرون: هول ...
- عزلة البلَّور
- د. نصر حامد أبو زيد يفوز بجائزة - ابن رشد للفكر الحر - لسنة ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر باسم ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية: د. حسين الأنص ...
- الناقد عدنان حسين أحمد ل - الحوار المتمدن -: أنا أول من يخوّ ...
- المخرج المسرحي المغربي الزيتوني بو سرحان ل - الحوار المتمدن- ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر سنان ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية - الحلقة الثان ...
- الروائي العراقي محمود سعيد ل -الحوار المتمدن -:الرواية الجيد ...
- الروائي محمود سعيد ل - الحوار المتمدن -: المقلٍّد دون المقلّ ...
- اعتقال سبعة أشخاص بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في هول ...
- لا بد للديمقراطية أن تنبع من الوطن ذاته، لأنها ليست حبة نبتل ...
- البرلمان الهولندي يدرس اقتراح منع ارتداء الحجاب الكلي في الد ...


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي/ الشاعر وديع العبيدي: -بدون عيوننا نمشي .. ودون قلوبنا نرحل- 9-15