أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم الحيدري - الفن وروح العصر















المزيد.....

الفن وروح العصر


ابراهيم الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 5146 - 2016 / 4 / 28 - 06:35
المحور: الادب والفن
    



يعتبر فالتر بنيامين (1892-1940) واحدا من كبار نقاد الادب والفن في القرن العشرين، الذي حظت اعماله النقدية في الادب والفن والثقافة اهتماما واسعا تخطى المانيا الى العالم باسره، بالرغم من انه عاش حياته القصيرة من دون ان يحصل على أية شهرة يستحقها على مؤلفاته القيمة ، وانهى حياته القصيرة بالانتحار عند الحدود الفرنسية - الاسبانية في 25 ايلول (سبتمبر 1940) بسبب هلعه الشديد من الوقوع في أيدي الغستابو الألمان وانغلاق جميع نوافذ الامل في وجهه .

كان فالتر بنيامين احد رواد مدرسة فرانكفورت النقدية ولكنه اختلف مع بعض روادها الأوائل وخاصة أدورنو حول ازمة الثقافة في المجتمع البرجوازي ودور أو وظيفة الفن فيه. فقد رأى اعضاء مدرسة فرانكفورت، بان الفن يعبر عن ايديولوجيا وله ظيفة سياسية هي المصالحة بين النظام القائم والجماهير. وبحسب أدورنو, فإن الفن الجماهيري هو "ثقافة مصنعة" لا تتحكم بالجماهير عفوياً فحسب, وانما تشيّئ ما يظهر منها كثقافة, وليس كحقيقة وواقع.
يعود هذا الخلاف الى النظرية الماركسية في الادب والفن التي ترى أن الفن والأدب الناتجين في أي تنظيم اجتماعي عفا عليه الزمن يمكن أن يظلا يمنحاننا متعة جمالية ويظلا معيارا ومثالا أعلى يستحيل بلوغه. وقد طرحت الواقعية الاشتراكية الأسئلة الأساسية عن تطور الأدب والفن وما تعكسه الثقافة من علاقات طبقية.
وتحيلنا نظرية الواقعية الاشتراكية الى مفهوم "الثقافة الشعبية" الى جانب فكرة الطبيعة الطبقية للفن باعتبارها خاصية أساسية مطلوبة في الفن والسياسة معا، حيث يحقق العمل الفني لكل فترة هذه الخاصية حين يعبر عن مستوى عال من الوعي الاجتماعي بالأوضاع الاجتماعية السائدة في عصر معين ويعطيها بعدا فيه إمكانية التقدم الاجتماعي.

غير ان النظرية النقدية التي اقترن اسمها بمعهد فرانكفورت للبحث الاجتماعي رفضت الواقعية الاشتراكية ووضعت النظرية النقدية كبديل أرحب من التحليل الاجتماعي الذي يتضمن عناصر هيغلية وماركسية وفرويدية.
ارتبط أسم بنيامين باسم أدورنو لفترة محدودة حيث نظر بنيامين الى الثقافة الحديثة نظرة مناقضة لنظرة أدورنو وذهب الى ان الاختراعات الحديثة في الفنون والسينما والإذاعة قد أسهمت بعمق في تغيير مكانة "العمل الفني" ، فإذا كان أدورنو قد رأى في ذلك انتقاصا من قدر الفن نتيجة معاملته معاملة السلعة التجارية، فإن بنيامين ذهب إلى أن وسائل الاتصال قد قامت بفصل الفن – نهائيا- عن مجال "الطقوس المقدسة" وفتحت أبوابه على السياسة. كما اختلف بنيامين مع أدورنو في نقطة اخرى هي الموسيقى، التي اعتبرها قوة دعائية نقدية. فقد ذكر أدورنو، بان بنيامين لم يكن مولعا بالموسيقى منذ سنوات طفولته الاولى. ومن يقرأ كتابات بنيامين يلاحظ موقفه من الموسيقى وبصورة خاصة في مقال له حول "المؤلف كمنتج" الذي اظهر بوضوح تأثره ببرشت حيث قال "وان تضيف الى الموسيقى كلمات"، وهو رأي يتضمن معنى سياسيا واضحا.
كما ان مفهوم" الفن الجماهيري" عند بنيامين يكشف في الواقع عن تأثره باراء برشت، الذي ارتبط معه بصداقة وطيدة، واعتبر اعماله المسرحية من أهم الاعمال الفنية واكثرها تاثيرا في الجماهير، بالرغم من خيبة امله من الستالينية، التي دفعته مؤخرا الى التمييز بين الماركسية والستالينية، على غرار ما فعل اعضاء مدرسة فرانكفورت. حيث رأى بنيامين بان الماركسية التقليدية "تتصور العمل مجرد تقدم للسيطرة على الطبيعة وليس تراجعا اجتماعيا، وقد برهن ذلك بالملامح التكنوقراطية التي انتعشت في ظل الفاشية. "فالعمل ينظر اليه بارتياح ساذج دوما، مع انه يتعدى استغلال الانسان للطبيعة الى استغلال الانسان للانسان نفسه".
ومع خيبة أمل بنيامين نفسه من صناعة السينما, فإنه بقي متفائلاً بوظيفة الفلم الثورية, فقد كتب مرة أن اعادة انتاج العمل الفني ستغير العلاقة بين الفن والجماهير, مثلما عمل بيكاسو وشارلي شابلن, اللذان تميزت أعمالهما بمضامين ثورية ونقدية. ومع انه اعتقد بأن المواقف النقدية والسمعية تتداعى معاً, فقد دعا, في الوقت ذاته, الى "تسييس اشتراكية الفن كجواب على فاشية تجميل السياسة".
وفي مفهومه لجدلية الصورة وروح العصر, قال بنيامين "إن الجمال الخالد لا يسفر عن وجهه إلا إذا تنكر بثوب العصر"، متأثرا ببودلير. وبهذا وضع الحديث تحت شعار الاتحاد بين الجوهري والعرضي, وهو السمة الحاضرة التي تربط بين الفن والموضة والجديد من جهة, وبين نظرة الشخص المعدم, العاطل من العمل والعبقري والطفل, الذي لا تتوافر له الحماية الكافية التي من الممكن أن تثيرها أساليب الإدراك التقليدية, من جهة أخرى.
وكان هابرماس أشار الى هذه العلاقة بقوله, إذا اعتقد بودلير بأن اجتماع الزمن والأبدية يتحقق في الانتاج الأصيل, فإن بنيامين حاول نقل هذه التجربة من المستوى الجمالي الى علاقة في المستوى التاريخي فابتكر مفهوم "الزمن الحاضر" وأدخل فيه شذرات من الزمن المسيحي أو "الزمن الغابر" الذي أصبح شفافاً حيث تمكن رؤيته في مظاهر الموضة, التي تذكرنا بالماضي. كما عارض بنيامين فكرة "الزمن المنسجم" والفارغ أو المملوء بفكرة التقدم التي تميز النظرية التطورية, ولكنه يعارض في الوقت ذاته, حبس التاريخ في المتحف وتحيّيد المعايير التي تحدثها التاريخانية, وهو بهذا يبرز استمرارية التاريخ ولا يريد وقف مسيرته.
ان مفهوم "الزمن الحاضر" عند بنيامين هو مزيج فريد من السريالية والتصوف المتجذر في الماضي, لأن انتظار الجديد المتوقع لا يتم إلا بفضل تذكر الماضي المقموع, وما يتحكم في فهم الماضي انما هو أفق مفتوح على المستقبل, وهو أفق التوقعات التي يحددها الحاضر. أما عمل التاريخ فيتحدد بمقدار ما يتراكم من خبرات وتجارب ماضية ضمن منظور المستقبل. وبهذا يصبح الحاضر الحقيقي مكان استمرار الموروثات المتجددة.
ولا يوضح بنيامين عمل التاريخ ولكنه يرتاب من التراث الثقافي المستمر الذي سيكون ملك الحاضر, وفي الوقت ذاته يسند الى الحاضر المتوجه نحو المستقبل مهمة التعايش معه واستذكار ماضٍ يتوافق معه حيث يمكن تحقيق التوقعات بفعل "أمل منقذ" بالتغير نحو الأفضل. والحال, ان الحاجة الى الخلاص انما تذكرنا بفكرة التصوف الدينية التي تعتبر الناس مسؤولين عن مصير الإنسان وحريته, وهي أفكار ليست سوى نوع من الحنين الى الماضي والى الطقوس الدينية التي تربط بنيامين بأيام طفولته الأولى.



#ابراهيم_الحيدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نمو الطبقة الوسطى وضمورها في العراق
- عولمة الثقافة وثقافة التصنيع
- ابن رشد وحقوق المرأة
- النقد والحرية
- الفن والثقافة الشعبية
- المحاصصة الطائفية والهوية الوطنية
- الدولة الريعية الشمولية تجعل السلطة أكثر قوة وتماسكاً
- هل العراقيون أهل شقاق ونفاق؟
- الأزمة المجتمعية وافرازاتها في العراق
- -الربيع العربي- ودولة المواطنة؟!
- تجليات جمال الغيطاني تراجيديا كربلاء
- الدولة المدنية والدولة الدينية
- علي الوردي وتحدي الحداثة
- إشكالية الركود الاجتماعي والاستبداد عند عبد الرحمن الكواكبي
- مجلس الاعمار ودوره الريادي في عملية التنمية في العراق
- هل هي دولة عشائر أم دولة مؤسسات ؟!
- الأزمة الاقتصادية العالمية من وجهة نظر مدرسة فرانكفورت
- مدرسة فرانكفورت ونظريتها النقدية
- «الطبل الصفيح» لغونتر غراس ...والاعتراف بالخطايا والذنوب
- حملات التحريض الديني والانخراط في الحركات الجهادية المتطرفة


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم الحيدري - الفن وروح العصر