أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - فاطمة ناعوت - العصفورُ المتوحّد














المزيد.....

العصفورُ المتوحّد


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5139 - 2016 / 4 / 21 - 07:55
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


هل شاهدتم من قبل عصفورًا متوحّدًا. العصافيرُ تطيرُ في أسراب، وتبني أعشاشها لتعيش مع صغارها. العصافير كائنات اجتماعية. تعيش في جماعات، لا فرادى. نحن الذين نجعلهم متوحدين. نحبسها في أقفاص ضيقة ثم نطالبها بالشدو لكي نستمتع بزقزقتها، دون أن ننتبه أن صدحها هذا قد يكون ألمًا أو ضجرًا أو وحدةً أو فقدًا لدفء الأسرة. لكنني أعرف عصفورًا، اختار بإرادته أن يكون متوحّدًا، رغم دفء الأسرة، ودموع أمٍ لا تجفّ، وقلب أبٍ ينزف. كيف يمكنني أن أرسم ذلك العصفور؟
سأسرقُ فكرةَ جاك بريفير، الشاعرِ الفرنسي. يعلُّمنا بريفير في قصيدة جميلة كيف نرسمُ عصفورا. نأتي بورقة بيضاء وريشة رسم. أولا نرسمُ قفصًا ونترك بابه مفتوحًا. ثم نرسم داخل القفص شيئًا يحبّه العصفور. شيئًا حلوًا وبسيطًا ونافعًا للعصفور. ثم نعلّق اللوحةَ على شجرة. بعد هذا نختبئ خلف الشجرة صامتين دون حراك. ننتظر. يومًا، أسبوعًا، أسابيعَ، سنواتٍ. لابد سيجيء العصفورُ يومًا ما. حتمًا سيجيء. وبمجرد أن يدخل العصفورُ القفصَ؛ نخرجُ من مخبئنا ونبدأ بهدوء في رسم باب القفص، قضيبًا في إثر قضيب. ونحذر تمامًا أن نمسَّ الطائرَ بريشتنا. نغلقُ باب القفص. بعد هذا نرسمُ شجرةً. ثم نتخيّر أجملَ أغصانها ليتدلّى منها القفص. سوف نرسمُ أيضا أوراقًا خضراءَ وأشعةَ شمسٍ لكي يفرحَ العصفور. إن لم يصدحِ العصفورُ فتلك علامةٌ على إخفاق اللوحة. وإن غرّد وزقزقَ فاللوحةُ ناجحة. وقتها فقط نقدرُ أن ننزعَ ريشةً من جناح العصفور، ونوقّع باسمنا في ركن اللوحة السفليّ.
لكنني لستُ جاك بريفير، لهذا لن أرسمَ عصفورًا. العصفورُ صعبٌ جدًّا! لأن ريشَه ملوّن. ولأنه حُرٌّ. ولأنه يطير. لا أعرف أن أرسمَ شيئًا يطير. كيف ترسمُ شيئًا يطير؟! ريشةُ الله وحدها تقدر. أو ربما خيال بريفير. أقدرُ أن أرسمَ بالأبيض والأسود شيئًا يمشي على الأرض. شيئًا جميلا وشاحبًا كان يحلمُ أن يكون عصفورًا وأخفق. لم يقدر أن يطيرَ ويزقزق كعصفور. ولم يقدرْ أن يسعى ويحكي كإنسان. وقف على الخطّ المتأرجح بين الطيران وبين السعي. بين الزقزقة وبين الكلام. سأرسمُ طفلًا نحيلًا أسمرَ صامتا. طفلا وسيمًا يشبه أباه الوسيم. سأسميه عُمَر. جميلٌ لكن لا يتكلم. شعره أسودُ فاحمٌ. وفي عينيه السوداوين العميقتين تمرّدٌ ورفضٌ للعالم. لم يكبر بما يكفي ليدركَ أن العالمَ بالفعل يستحقُّ أن يُتجنَّب. لكن حدسَ الفنان داخله أخبره. هل أخبرتكم أنه فنان؟ سأرسمه وهو ينتحي من غرفته مكانًا قصيًّا، جوار النافذة التي أمامها شجرةٌ وفوقها بلبلٌ يغرّد ثلاثَ مرات في اليوم. ينتزعُ من مكتب أمّه رزمةَ أوراقٍ بيضاءَ ويفتح علبة الألوان من مكتب أبيه. في لوحاته رسالةٌ تتكرر. تنينٌ ضخم يُطلق من لسانه لهبًا. وفي الركن السفلي إنسانٌ خائف جدًّا ووحيد. يرتعد. إنسان قزمٌ. شعاعُ هلعٍ يمتد من عينيه حتى لسان التنين. لن أقدر أن أرسم لوحتَه في لوحتي. فأنا لستُ فنانة مثل عمر الجميلُ المتوّحدُ المكتفي بريشته عن العالم. لكن سأرسمُ في أقصى اللوحة سيدةً عجوزًا حزنٌ في عينيها. أرسمها وهي تنحني أمام طبيبة الأطفال تقبّل يدها وتقول: هل تُشفين عمر؟ فتجيب الطبيبة: "عمر مش مريض، ده متوّحد. وكمان فنان.” هي على الأرجح جَدة الطفل. أما أمُّه فلن تظهر في لوحتي. لأنها الآن تتوارى في غرفتها. فوق سريرها كتبٌ كثيرة عن أمراض الطفولة والتوحّد وتأخر البناء اللغوي. ومواقف النفري. ونبيّ جبران. وغريب كامي. وكثيرٌ من المناديل الورقية. هي تعرف أنها لم تتسبب في صمت عمر الأبدي. وتعلمُ أنها أنفقت سبعَ سنوات تقرأ وتقرأ، كي تنجح فيما أخفق الأطباءُ فيه. لم تقرأ صحيفةً ولم تطالع كتابًا إلا إذا حمل شيئًا عن الأوتيزم. مرّت حروبٌ وثوراتٌ واشتعل العالمُ لكنها لم تفتح تليفزيونَ ولا مذياعًا ولا صحيفة لتعرف لماذا تتحارب الشعوب؟ وكيف يقتلون الأطفال؟ فكل حرف يدخل عينيها في غير التوحد خيانةٌ لعمر. وحين يغدو عمر صبيًّا وسيمًا وصامتًّا، تكون قد سلّمت بيأسها وكفّت عن البكاء. فتحوله إلى أيقونة جَمال وشِعر وعذوبة. تتأمل رفضَه العالمَ وتحاول أن تقلّده. تقلد صمتَه. وتشرنقه. تقلد رفضَه الزحامَ والتزاحم. لأن في رفضه نبالةً. وفي صمتِه صخبُ مجرّةٍ بأسرِها!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أولاد الوزّة
- سامحيني يا سمراء | أم الشهيدة والأرنب المغدور
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!1
- قفص العيب
- مَن هُم خصومُنا؟
- اسمُها زَها حديد
- ثغرة في قانون ازدراء الأديان
- كنتي سيبيه يمسكها يا فوزية!
- توب الفرح يا توب
- لماذا اسمها -آنجيل-؟
- لماذا هرب الجمل؟
- دولة الأوبرا تزدري الطبيعة!
- لابد من الموسيقى
- أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش
- عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف
- سوطٌ لكل امرأة
- كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره


المزيد.....




- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - فاطمة ناعوت - العصفورُ المتوحّد