أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نازك الحلبي يحيى - صفرٌ كبيرٌ في الحريّة














المزيد.....

صفرٌ كبيرٌ في الحريّة


نازك الحلبي يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 5134 - 2016 / 4 / 16 - 11:45
المحور: كتابات ساخرة
    


يـومٌ لا يُنسـى...
كـان موعـد الإمتحـان الشهـري فـي الإنشـاء ، وكنـتُ غالبـاً أدخـلُ قاعـة الإمتحانـات بكامـل شغفـي لا بـل بأجنحـةٍ مـن الحمـاس أعبُـرُ بهـا امتحـان الأسئلة وأختبـر قدراتـي للوصـول الى النّجـاح.
كـان المـوضـوع عـن الحريّـــة !
عنـد المساحـة البيضاء أمامي اعتـدتُ أن أبـدأ امتحانـي بالتفكيـر لخمـس دقائـق وتسجيـلِ رؤوس أقـلامٍ وعناويـنَ للأفكـار قبـل البـدء بالكتابـة.
لكـن، في ذلك اليـوم طـال التفكيـر وامتـدّتِ الدقائقُ الخمـس ولـم تنتـه.
الورقـة لـم تتحـوّل الى "مسـودّة" وبقيـت نظيفـةً مـن الملاحظـات .
ضغطـتُ رأسي بيـن كفّـيّ ، كانـت الأفكـار تتصـارع وتتضـارب ولا تجـد مخرجـاً. استجمعـتُ معلوماتـي وقراءاتـي ولـم أحصـل على نتيجـة.
رأيـت الى رفاقـي في الصـفّ ، كلّهـم منكبّـون على أوراقهـم يكتبـون بسرعـة ، تساءلـتُ ماذا يكتبـون ، وراحـت كلمـة "حريّة" تتعاظـم وتتلاطـم مع صداهـا في دماغـي "حريّة" ، "حريّـة".. لتصبـح جـرسَ إنـذار ينبئُنـي بانتصاف وقـت الحصّـة.
أستـاذ اللغـة العربيـة كـان يـذرع ممـرات الصـف بعصبيّـة عاقـداً يديـه وراء ظهـره. مـن حيـن لآخـر يراقـبُ شـرودي ، تـارةً يبتسـم بمـرارة ويهمـس: "فكّـري.." وتـارةً أخـرى يعبـس ويسـأل بنظـرة مستغربـة: "مـا خطبُـكِ؟!" ... أقلـبُ شفتـيّ وأخجـلُ.
أحملـقُ فـي الورقـة البيضـاء حاجبـةُ نظـري بيـديّ الباردتيـن الملتصقتيـن بجبينـي السّاخـن. لا شـيء ينبـتُ في تلـك الحديقـة الجـرداء إلاّ بياضـاً فارغـاً...
كـدتُ أنسـى نفسـي على هذه الحـال الى أن تسمّـرَتْ قدمـاه من جديـد أمـام طاولتـي. تنـاول قلمـي الرّصـاص الجميـل المزيّـن بممحـاة كبيـرة في رأسـه على شكـل دبًّ ضاحـك وطـرق بـه علـى رأسـي: "فكّـري .."
فكّـرتُ وفكّـرت ... هـل الأستـاذ حـرُّ في أن يختـارَ موضـوع الإنشـاء هـذا ؟ أم إنّـه مقـرّرٌ سلفـاً لبرنامـج الصـفّ التّاسـع؟
هـل رفاقـي أحـرارٌ فيمـا يكتبـون أم هـم فقـط يُفرغـون أمتعة ذاكرتهم مما تعلّمـوه وقـرأوه ـ ولـم يختبـروه ـ عـن الحريّـة ؟!
لا بـدّ أنّ معظمهـم بـدأ بالجملـة الشعريـة :" وللحريّة الحمـراء بـابٌ بكل يـدٍ مضرّجـةٍ يُـدَقُّ .." ومـاذا لـو كنـتُ لا أحـبّ الأحمـر ، هـل لي الحريّـة بأن أكتـبَ رأيـي ... سيسخـرُ منّـي أستـاذي ويعيـد شـرح أهميّـة الحريـة وسبـل الحصول والمحافظـة عليهـا حتّـى ولـو بالدمـاء وأنّهـا الهـواء الذي تتنفّسـه البشريّـة ....
يـا للإنشـاء والأسلـوب الإنشائـي الذي لا أحبّـه ... يـا لهـذه الحريّـة التي لا أفقـه منهـا شيئـاً ... ولمحـتُ الجبـلَ يراقبنـي مـن خلـف زجـاج واجهـة الصـفّ المضيئـة بشمـسٍ ساطعـةٍ وسمـاءٍ صافيـةٍ تسخـرُ مـن حرّيتـي.
زهـرُ القنـدول والـوزّال في المـروج المواجهـة للمدرسـة يرسـل عطـرَه ويدعوني اليـه ... أغمضـتُ عينـيّ فوجدتنـي أركض بيـن الحقـول، أقطـف الأزهـار، ألاحـق الفراشات حتى النّهـر... ثمّ الى غابـة الأرز أتنشّـق السمـاء حتّى وصلـت الى أعلى قمـة في الجبل، غمـرتُ الفضاء ولم تصل فرحتي الى القلب...الدبّ ـ الممحاة... الحريّـة ... تململْـتُ فـي مقعـدي الضيّـق وطاولـتي القاسيـة حـادّةِ الزوايـا، تمنّيـتٌ لـو أستطيـع أن أحـرّك قدمـيّ أو أمشـي في الصـف بدلاً عن الأستـاذ ... الحريّـة ...مـن شـدّة التفكيـر استنزفْـتُ طاقتـي وشعـرْتُ بالجـوع ... الحريّـة ... تملّكنـي النّعـاس ... الحريّـة... لـم أعـد أذكـر كـم مـرّة طـرقَـتْ تلـك الممحـاة ـ الدبّ ـ نافـوخَ رأسـي ، لكنّـي أذكـرُ جيّـداً ساعـةَ رُنَّ الجـرسُ وتراكـض رفاقـي لتسليـم أوراقهـم الغنيّـة، أشفقـتُ على ورقتـي البيضـاء وكتبـتُ جملـةً واحـدة تمخّضَـتْ عن غبـاء تفكيـري المرهـق :" فاقـدُ الشـيء لا يعطيـه ".
وكـان صفـراً كبيـراً استحقيتـه فـي حياتـي.
ومضـى عمـرٌ إمتـدّ حتّـى اليـوم يبحـثُ عـن معنـى الحريّـة التي لم أجدهـا صدقـاً ... إلاّ فـي الفكـر.



#نازك_الحلبي_يحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نازك الحلبي يحيى - صفرٌ كبيرٌ في الحريّة