أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -48-















المزيد.....

حدث في قطار آخن -48-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5133 - 2016 / 4 / 15 - 21:33
المحور: الادب والفن
    


عندما استيقظ أحمد في صباح اليوم التالي، لم يكن مُوثَق اليدَيْنِ أو الرِّجلَينِ، لا أثر لعِصَابة سوداء على عينيه، نظر إلى المُنَبِّه على الطاولة الصغيرة بجوار السرير، كانت الساعة السابعة والنصف صباحاً، كان قد مضى على نومه عشرين ساعة بالتمام والكمال، ضَحِكَ بنقاءٍ مِلْءَ شِدْقَيْهِ، نهضَ، سحبَ البرداية، تناول منديلاً ورقياً، جفَّفَ به إطار النافذة الزجاجية المُتعرِّق، فتح النافذة، فتح الأباجور، كان الطقس صافياً، شعر بجوع خفيف، أشعل سيجارة بولمول، مجّها بولعٍ، كنبتةٍ تمُجُّ النَّدى، كنَّحلة تمُجُّ العسلَ، بلع ريقه، سمع موسيقى بطنه الخاوية وراح يستذكر لحظات الفرح والخوف التي عاشها في حفلة عيد ميلاد هينلوري...

"من يقول: أنّ الجسد بردود أفعاله وانفعالاته لا يأبّه للإيديولوجية السائدة في بيئة جغرافية ما مَدَنيّة -إنسانية أو شبه مدنية، هو شخص ما زال أعمى سيكولوجياً، أو يحاول أن يُخبئ الخلل الوظائفي لجسده بالكلمات، في الحالة الأولى ينبغي عليه أن يقرأ أو يسمع أو يشاهد أفلاماً، أما في الحالة الثانية فعليه زيارة الأخصائي."

خرج من الغرفة إلى دورة المياه، قضى حاجاته، رائحة القهوة تعبق في أرجاء البيت قادمة من المطبخ...

- صباح الخير يا أحمد، هل نمتَ جيداً؟ القهوة وأنا بانتظارك. جاءه صوت سابينه من المطبخ.
- صباح الخير يا سابينه، شكراً، لقد نمت نومة أهل الكهف!
- هل حلمتَ جيداً؟
- ما حاجتي للأحلام، لقد عشت معكم أياماً كما في الحلم... أين هي هنيلوري أما زالت نائمة!؟
- لا أعتقد، لقد سمعتها منذ قليل تهاتف أمها باللغة الروسية.
- أنا جائع سابينه، ألديك ما يؤكل؟
- بالتأكيد، سأعد شيئاً للفطور، لكن الخبز منذ ما قبل البارحة، هل يزعجك الأمر؟ هل تساعدني؟
- الخبز القديم ليس قاسياً، غياب الخبز هو القاسي... سأساعدكِ. أجاب أحمد.
- هنيلوريييي..... الفطور ينتظرك. صاحت سابينه.
عندما جلسوا إلى مائدة الفطور كانت قد جاءت هنيلوري.
- صباح الخير معاً...
- صباح الخير هنيلوري، كيف كان نومك؟
- رائع، شكراً للسؤال.

أمسك أحمد شريحة خبز مُسَخّنة، مسح سطحها بقليل من الزبدة الهولندية، فرش فوقها طبقة من مربى الفراولة، عضّ عليها باشتهاء ثم رشف من فنجان قهوته.
"عندما يجلس الشرقيّ إلى مائدة طعام على كرسي حول طاولة دائرية أو مربعة غالباً، أو على الأرض فيما يشبه المربع أو الدائرة غالباً، في كلتي الحالتين يجلس وكأنّه كيس من خيش يعبَّأ فيه الحبُّ، حبّ زيتون، عدس، برغل، فاصولياء أو ما شابه، وإذا امتلأ خُيّطَ..."

- ماهي مخططاتكما؟ سألت هينلوري.
- لديّ ما يجب إنجازه في المدينة، بعدها سأسافر إلى مكتبي في آخن، هناك مواعيد لا أستطيع تأجيلها! وأنتِ؟ أجابت سابينه.
- يجب أن أسافر اليوم إلى برلين، سألتقي هناك بأمي، لقد وصلت البارحة قادمة من موسكو، سنزور معاً في الغد مقبرة اليهود في حي فايسين-سي في برلين، سنزور أيضاً مشروع النصب التذكاري للمحرقة النازية في وسط مدينة برلين، على بعد مئات الأمتار من بوابة براندنبرغ التاريخية! سأمضي معها بعض الوقت حتى الخميس، سأكون هنا يوم الجمعة. قالت هينلوري.
- لكن أعمال بناء النصب التذكاري كما تسميه ما زالت في الطور الأول، لم ينتهي أكثر من 20% منها بعد... قرأتُ في الإنترنيت أن التدشين الرسمي سيحدث في بدايات 2005... ما زال لديكما أكثر من سنتين قبل التدشين المُقدّس! قال أحمد منفعلاً.
- معلوماتك صحيحة، لكن أمي تمتلك بطاقة دخول مفتوحة للزيارة في أي وقت...
- من أين تأتي أهمية هذا النصب؟
- إنه توثيق فني لستة ملايين يَهوديّ أوروبي قُتلوا على يد النظام الألماني النازي، إنه الاحتفال بالذكرى الستين لانتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا، إنه اعتراف واع من ألمانيا اليوم لأكبر وأبشع الجرائم التى ارتكبتها ألمانيا النازية، إنه انتصار للشعب اليَهوديّ العظيم الذي حاولت تدميره بأكمله، إنه التكريم لضحايا النازية، إنه اللون الرمادي للمقبرة المفتوحة...

- هل أمكِ يَهوديّة؟
- وأنا يَهوديّة أيضاً يا أحمد! الأديان متعددة والأخلاق احدة، أليس هذا ما قاله الشاعر الإنكليزي جون راسكن؟

- وما الذي يجعل والدتك تحوز على بطاقة الدخول الدائمة، ألمجرد أنّها يَهوديّة؟ أم هي عضو مهم في المجلس المركزي لليهود الألمان؟
- أعتقد لا هذا ولا ذاك يا أحمد، أمي هي إنسانة صادقة وصديقة شخصية للمهندس المعماري الأمريكي بيتر أيزنمان، السيد أيزنمان رجل عبقري، إنه من رواد العمارة التفكيكية، تصاميمه معقّدة، لا يُمكن فهمها من عامة الناس دون القراءة عنها قبل زيارة أماكن عرضها...
- لا تبالغي كثيراً، هناك حقيقة هندسية تقول: حلم المعماري هو كابوس المهندس الميكانيكي والمدني...
- لا أبالغ، هذه حقيقة.


"دخلَ إلى قاعة المحاضرات في الجامعة، عدة دقائق قبل موعد بدء المحاضرة، بينما هو منشغل بترتيب أوراقه، سمعَ حديثاً شيقاً لثلاثة طلاب، جلسوا في المقاعد الأمامية يأكلون شيئاً ويتناقشون فيما بينهم بمرحٍ حول تصميم الجسد البشري وعمن يكون المصمم المبدع...
قال الأول: أعتقد أنّ مُهندس الميكانيك هو الذي صَمَّمَ الجسد! لكم أنْ تفكروا قليلاً بدقة عمل المفاصل والجهاز العظمي ومدى الإبداع في التشكيل.
قال الثاني: لا أوافقك الرأي، أعتقد أنّ مُهندس الإلكترون هو الذي صَمَّمَ جسد الإنسان! علينا أن نفكر قليلاً بآلية عمل الدماغ والجملة العصبية لتتضح حقيقة من يختبئ خلف هذا الإبداع.
رد عليهما الطالب الثالث قائلاً: كلاكما على خطأ، أعتقد أنّ مُهندس العمارة هو من قام بذلك! ومن يكون غيره بهذا الغباء؟ ألا تلاحظون أنّه لم يفكر أبعد من أَنْفِهِ؟ ألا ترون كيف قام بوضع نظام الصرف الصحي في منتصف حديقة الملاهي والمتعة!؟"

- هل تعرفين المعمارية العراقية زها حديد؟ إنها تعيش في بريطانيا... سأل أحمد متباهياً، ثم ابتسم في سره...

"سألوها: قولي يا فلانة! أينَ يعمل زوجك الشرقيّ؟
أجابتهم: يا الله من فضولكم! يا الله ما أثقلكم! ألم أقل لكم سابقاً: أنّ صديقه ضابط في الجيش الفرنسيّ..."

- لا، لا أعرفها يا أحمد، لا تعنيني، لم اسمع باسمها سابقاً...
- ألأنها شرقية؟ ألأنها ليست يَهوديّة؟ هل السيد أيزنمان يَهوديّ؟ اِسم عائلته مُركّب!
- لقد اِنْحَطَّ مستوى الحديث، أشعر بعدوانية كلماتك، من فضلك دعنا نتوقف عن هذه المُهَاتَرَة.

"عندما بدأ الضَّجَرُ يغزو المدينة كما الجراد، أخذ بطرح تساؤلات سرية جديدة على نفسه دون أنْ يتجرَّأ على طرحها كتابةً حتى في دفتر مذكرات خاص... تساؤلاته هذه المرة تشبه: لماذا يخاف الشرقيّ من أسئلته؟ هل إسرائيل دولة؟ هل هذه الدولة ديمقراطية؟ ما هو معيار ديمقراطيتها؟ هل ينبغي التصالح مع إسرائيل أم ينبغي تصفية الحسابات معها؟ كيف تبدأ تصفية الحساب، ومن أين؟ هل مازال لنظرية دمقرطة أحد بلدان الطوق أي معنى؟... حتى الأصدقاء الموفدين الذين سافروا للدراسة في البلدان الاشتراكيَّة حدّثوه بولع عن بعض الطلبة المهذبين القادمين من إسرائيل، عن أهمية جوازات سفرهم، عن اعتزازهم بدولتهم، عن إمكانياتهم العلمية وعن اهتماماتهم الفنية والمعرفية... حتى الزملاء والنساء الذين تعرّف إليهم في الغرب تكلموا باحترامٍ عن دولة إسرائيل وعن ناسها الحميميين... قالت صديقته مانويلا يوماً: إذا أردتَ أنْ تفهم العالم، أنْ تفهم ما دار ويدور وسيدور حولك، يَتَوجَّب عليك أنْ تبدأ بقراءةِ تاريخ اليهود في ألمانيا حصراً، باللغة الألمانية، أنْ تستوعب إنجازاتهم العِمْلَاقة على الصُعُد الاِقتصادية والتجارية والفنّيّة والأَدَبيَّة والموسيقيَّة والْمَسْرَحِيّة والعِلْمِيّة والتَّربويّة الاِجتماعية والفَلسَفيّة والعسكريَّة المخابراتيّة... بداية الطريق تكمن في تأسيس جمعية مستقلة تُعنى بترجمة الفكر اليَهوديّ حصراً..."

"إنهم قلة، أولئك الذين يعلمون ماذا يعني فعل ترجمة أدبية، إنّها عمل إنساني في الدرجة الأولى، ثقافي، ثلاثي البعد، عميق ومرهق... عمل لا يَتَطلَّب فقط إجادة لغتين متناقضتين، بل معرفة سياسية وتاريخية وأدبية ونفسية، عمل يَتَطلَّب الصبر وهدوء الأعصاب والقدرة على التركيز والبحث والقراءة والإلمام بثقافة الشعب الآخر... ليس فقط الشاعر الحقيقي والروائي الحقيقي والناقد الحقيقي من يتحّمل المسؤوليات الكبيرة لمعنى الأدب في المجتمع العالمي، بل يُضاف إلى رأس القائمة المترجم الأدبي الحقيقي، إنّه الروائي النادر الذي لا يضاهى... الترجمة الأدبية من اللغة الألمانية إلى اللغة الأم هو عمل مقدور عليه، أمّا الترجمة العكسية فهو عمل شاق يفوق كل تصور."

- عذراً هنيلوري، لم أقصد السخرية، وحده الفضول ما يدفعني للسؤال، لكني أطرحه أحياناً بطريقة جافة، لعل السبب يكمن في عدم إجادتي لمُنَمْنَمات اللغة...
- أنت تعيش في الغرب، إذاً أنت تعترف بشكل بَديهيّ وقانونيّ بحق إسرائيل في الوجود، دولة وشعب، وكذلك تعترف بحق فلسطين في الوجود، دولة وشعب، إذاً أنت من أنصار التعايش السلمي والإيجابي بين دولتين متجاورتين، إذاً أنت مع التداخل الثقافي والحضاري بين الشعبين، حتى لو لم تعِ ذلك يا أحمد. قالت هنيلوري.

- إذا كانت دولة إسرائيل دولة غير ديموقراطية ومُعادية لشريحة بشرية في الشرق قد تُعادل حوالي ستين بالمئة أو أكثر، فإنه ينبغي أيضاً على الشرقيّ المقيم في الغرب والمنتمي لهذه الشريحة مُعاداة دولة وشعب ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وشبيهاتهم من بلدان، وعدم التعاطي معهم أبداً، وعدم العيش على أراضيهم والعمل في مؤسساتهم وحقولهم، لأنهم في الحقيقة أصدقاء حتى العظم مع الدولة الإسرائيلية ومع شعبها اليَهوديّ الخلّاق بنظرهم، ولأن معظم سكان هذه البلدان مُؤمن بالبنية السياسية الديموقراطية لدولة إسرائيل... لا يجوز أن يكون الصديق السياسي والإنساني لعدوك هو صديقك، ينبغي على الشرقي أن يفكر باتخاذ القرار المناسب كي يهدأ باله! أو ينبغي عليه الاهتمام بالوضع الداخلي لبلده والتوقف تكتيكياً عن الترويج لفكرة العدو، الكيان الصهيوني ومن ورائه الماسونية العالمية، العدو الذي لا يمكن الانتصار عليه إلا عن طريق العلم وبناء سلطة سياسية ديموقراطية وطنية في أحد بلدان الطوق... قالت سابينه بنزق.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -47-
- حدث في قطار آخن -46-
- حدث في قطار آخن -45-
- حدث في قطار آخن -44-
- حدث في قطار آخن -43-
- حدث في قطار آخن -42-
- حدث في قطار آخن -41-
- حدث في قطار آخن -40-
- حدث في قطار آخن -39-
- حدث في قطار آخن -38-
- حدث في قطار آخن -37-
- حدث في قطار آخن -36-
- حدث في قطار آخن -35-
- حدث في قطار آخن -34-
- حدث في قطار آخن -33-
- حدث في قطار آخن -32-
- حدث في قطار آخن -31-
- حدث في قطار آخن -30-
- حدث في قطار آخن -29-
- حدث في قطار آخن -28-


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -48-