أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - توب الفرح يا توب














المزيد.....

توب الفرح يا توب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5129 - 2016 / 4 / 10 - 23:12
المحور: الادب والفن
    



جلس الشاعرُ مُطرقًا يفكّر. كان يبحثُ عن مطلعٍ آسر لأغنية جديدة يكتبها. ولكنْ، هيهات أن يُلبّي شيطانُ الشِّعر نداءنا وقتَ ننادي. حين نلاحقُ الشِّعرَ؛ يراوغُ ويروغ ويزوغ ويتأبّي ويتدلّل ويفرّ، ثم يتبخر ويختفي. وحين ننساه ونعرضُ عنه، يلاحقُنا ويطارد أفكارنا، ويرسل إلينا مراسيلَ إلهام تُلهمنا، حتى نتمكنَ منه ونقنصَه، فتصيرُ القصيدة.
وبينما الشاعرُ مستغرقٌ في غمرة إطراقه وتلاحُق أفكاره، ترفّق به شيطانُ الشعر فأرسل ملهمَه في ثوب أحد السابلة. مرّ تحت شرفة الشاعر بائعٌ جائل راح يهتف: “توم الخزين يا تووووم". فوثب الشاعرُ الغنائي الكبير "مرسي جميل عزيز" من مقعد مكتبه وهتف، كما هتف أرخميدس قبل ثلاثة وعشرين قرنًا: “وجدتُها!!!”
قنصَ الشاعرُ عصفورةَ الشِّعر الحرونَ من مناجاة البائع المتجوّل لبضاعته. عصفورة الشعر العصيّة التي لا تسقط في شِباكنا بيسر، شأنُها شأنَ النفائس العزيزة. وكانت مناجاةُ بائع الثوم على بضاعته: (توم الخزين يا تووووم)، إلهامًا لمفتتح، ولازمة، إحدى أجمل أغنيات المطربة المصرية "أحلام" ذات الصوت الشجي الدافئ، على نغم الموسيقار "محمود الشريف"، وبزغت للوجود أغنية الأفراح الأشهر: “توب الفرح يا توب”. وأصبحت كلُّ عروس تُزفُّ على نغمات تلك الأغنية مدينةً لبائع الثوم الذي تصادف ومرّ من تحت شرفة الشاعر في لحظة الانصهار والكتابة.
أخبرني بتلك القصة الطريفة خالي "محمد أبو بكر"، الرجل ذو المرجعية المحاسبية الصارمة، في معرض حديثه عن فكرة "الدائن والمدين"، لا في البنوك والمؤسسات المالية وحسب، بل بوصفها القاعدة التي يقوم عليها العالم بأسره. وبالقطع أتفقُ مع هذا الطرح، فالجميعُ في حال من الأخد والعطاء طوال الوقت. وحركات الدائن والمدين لا تتوقف فوق الأرض على مدار الثانية. ليس بين البشر وحسب، بل حتى بين البشر والكائنات الأخرى. فقابيل مَدينٌ للغراب بفكرة مواراة الموتى التراب. والعصفورُ دائنٌ للأخوين رايت بفكرة الجناحين والطيران. والخليل ابن أحمد الفراهيدي مَدين لطارقي النُّحاس في استخلاص منظومة العَروض والوزن في الشعر العربي. وجرسُ الكنيسة تدينُ له البشريةُ في ابتكار السلّم الموسيقي.
جميعُنا دائنٌ وجميعُنا مدينٌ في نفس اللحظة. جميعنا خادمٌ ومخدومٌ. فأنا حين أجلسُ إلى طاولة الرسم الهندسي، وأصمم أحد المباني، بوصفي "مهندسةً" بالدراسة، أكون "خادمةً" لمن سيقطنون البناية بعد تشييدها. وظيفتي معرفة احتياجاتهم اليومية وتلبيتها على لوحة التصميم من أجل صالح حياتهم ورفاهيتها. وبعدما تقطن البنايةَ مجموعةٌ من البشر، سيكون الطبيبُ فيهم "خادمًا" لي حين أمرض وأرتاد عيادته. والقبطانُ منهم سيكون "خادمًا" لي حين أركب سفينته لأسافر. وهكذا.
وبعد، فإنك حين تذهب إلى المسرح في المساء من أجل بعض المتعة والترفيه، بعد انتهاء عملك كخادم، عليك أن تنتبه أنك تزور الممثلين في ذروة وقت عملهم وخدمتهم. الممثل فوق خشبة المسرح "خادمٌ" للجمهور طوال فترة العرض، مثلما كل واحد من الجمهور سيغدو خادمًا له ولغيره حين يذهب إلى عمله في الصباح.
إنها فكرة الدولة والتكامل الاجتماعي بين الوظائف والأعمال. كلٌّ منّا يكون في لحظة ما إما خادمًا أو مخدومًا. بل سبقت هذه الفكرة مفهومَ الدولة. بدأ الإنسانُ في تطبيقها منذ وطأت قدماه الأرض. خاصةً في المجتمعات النهرية الزراعية. على طول ضفاف النهر، أزرعُ أرضي في الجنوب، وتأتي أنت لتساعدني من الشمال، وحين تصعد المياه لأرضك في الشمال مع حركة المياه، آتي إليك وأساعدك في زراعة أرضك وجني المحصول، وهكذا. أنت خادمٌ عندي في لحظة، وأنا خادمٌ عندك في لحظة أخرى.
في هذه اللحظة، وأنا أكتب هذا المقال، أقوم بعملي كـ"خادمة" للقارئ، وإلى جواري العظيم محمد عبد الوهاب يقوم بدوره في "خدمة" روحي وهو يشدو: "عندما يأتي المساء". كلُّنا خادمٌ، وكلُّنا مسؤولٌ عن مخدوميه.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا اسمها -آنجيل-؟
- لماذا هرب الجمل؟
- دولة الأوبرا تزدري الطبيعة!
- لابد من الموسيقى
- أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش
- عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف
- سوطٌ لكل امرأة
- كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره
- هل نلغي الدستور؟
- الكود الإنساني للأطفال
- تيمور السبكي... ونحن والدستور
- اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - توب الفرح يا توب