أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -47-















المزيد.....

حدث في قطار آخن -47-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5129 - 2016 / 4 / 10 - 07:14
المحور: الادب والفن
    


دخلوا الشقة، لم يتغير فيها شيئاً، الرائحة ذاتها، شعر أحمد بالحاجة إلى نومٍ طويل، بالكاد استطاع فتح أَجْفانه الثقيلة.
قالت سابينه: خذ حماماً سريعاً ريثما أعد لك سرير نومك، في الحمام ستجد كل ما تحتاج إليه.
قالت هنيلوري: في عمرك يا أحمدي، يا طفلنا العزيز، لدى كل إنسان أسبابه ليعتقد أن بإمكانه تعلم الطيران كما المشي! لعلك تناسيت أن طاقاتك محدودة!؟

أطرق أحمد رأسه إلى الأرض خجلاً. مشى إلى غرفة الحمّام، تمتم بصوتٍ غير مسموع كلمات للشاعر الألماني هاينتس كاهلاو:
"... ذات مساءٍ قادمٍ ستحكي الأَسماك للطُيُور عن أحلامها في التحليق عالياً، حينئذٍ ستستمع الأَسماك لأحلام الطُيُور في الغوص والتزحلق إلى الأعماق، اعتباراً من المساء القادم ستُحلِّق الطُيُور أعلى، ترتفع وتستدير بحريةٍ أكبر، بعد هذا المساء ستغوص الأَسماك إلى الأعماق بمرحٍ أكبر..."

عاد من الحمام، دخل غرفة نوم، حالما اِستلقى على السرير حتى قامت المرأتان بتعصيب عينيه بقطعة قماش سوداء، ربطتا يديه وساقيه بحبالٍ قماشية إلى قوائم السرير...
قالت هنيلوري: وحدها سُرْيالِيَّة النَّشْوَة الجنسية تجعل الحياة تدب في جسدك المرهق من جديد... أغمض عيونك ودع نفسك تتغنَّج... ووحدها هزات جماع متتالية تجعل كلتينا تنام...

لم يقاومهما، كل ما قاله كان جملة واحدة: سابينه، أرجوك أخبري مكتب شؤون الموظفين في الجامعة بأنني مريض، لن أستطيع العمل لا اليوم ولا غداً...
قالت سابينه: لا تقلق، سأفعل...

اِسترخى أحمد في سريره وهو يحلم بتفاصيل لوحة الريشة بأشخاصها الثلاثة، اللوحة المشتهاة للرسام الألماني-الأمريكي غيورغ غروستس الذي لم يرسم فقط لوحة الريشة ولوحة بعد الظهر، بل رسم البورتريه الأجمل للشاعر الألماني ماكس هيرمان نايسي...

اِسترخى أحمد وهو يقول: ما الذي تفعلانه معي بحق الله؟ هل نحن من أبطال فلم إباحي؟ هل وزعتما كاميرات التصوير في الزوايا المناسبة؟ هل تكسبان قوتكما من هندسة العلاقات المثلثية؟ أين هي الرموز التي توحي بتوجهاتكما؟ أنا لست الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر! وأنت يا سابينه لستِ الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار! ولا أنت يا هنيلوري، أنت لستِ رائدة الطيران الأمريكية أميليا إيرهارت... أنا لستُ من رواد تيار التعددية الحبيّة رغم أنني ومنذ مراهقتي أحلم بالمثلث العاطفي، برؤوس المثلث، أحلم بنقاط اِلتقاء الأضلاع، زواياها وتقاطعاتها.

انتشر استعمال المدلولات الهندسية والرياضياتية في وسائل الإعلام الإلكترونية الناطقة باللغة الإنكليزية بشكلٍ واسعٍ وذلك لوصف أشكال الشراكات والعلاقات العاطفية بين البشر... يُستخدم المثلث مثلاً للتعبير عن العلاقة بين أشخاص ثلاثة والمربع للشراكة بين أشخاص أربعة... الدلافين الثلاثة، الخواتم الثلاثة، الدوائر الثلاث، المثلثات الثلاثة وأيضاً الببغاء هي رموز معروفة للعلاقات العاطفية والجنسية المتعددة... وكذلك الوشاح أو العلم باللون الأزرق والأحمر والأسود، الذي يتوسطه الحرف اليوناني "بي" والمعروف رياضياً بالقيمة 3,14...

اِسترخى أحمد في السرير المثلث وهو يتذكر آخر ما قرأه للشاعر هاينتس كاهلاو:
سعيد وحزين أنا، لأنني أشعر.
عندما أشعر، أعلم أنني أعيش فعلاً.
أنت تجعلني أشعر كيف أعيش.
لذلك أحبك: سعيد وحزين.

تمتّم أحمد: اِفعلا ما شئتما بي، معكما أشعر، معكما أعيش، منكما أتعلم، لا همّ إنْ مت في الستين، لكن أتمنى ألا أموت قبل الثمانين، كي لا يحزن أحبائي على موتي، أنا نفسي لا أحزن على وفاة شخص تجاوز عمره الثمانين حولاً حتى لو كان من الشخصيات المميزة فكرياً. اِفعلا ما شئتما بي لكن لا تقسيا عليّ فأنا مُتعب! لم يعد ينقصني بعد هذا إلّا أن تضّعا على لساني بعض من فليفلة زنبور الست... في النتيجة لم يعد شيئاً يعنيني، حريق وماء أزرق، نار وزيت غار، حريق وبئر عميق...

"هاتفني ذات يوم صديق وقال غاضباً: لم أعد مؤمناً بمبدأ ضرورة واجب توعية وتنوير ومساعدة الآخرين الحمقى دون مقابل! إنهم يسرقون كلماتك وأفكارك وشخصيتك، ثم يبيعونها للغير، الأغبياء يتاجرون بها وكأنهم من أبدعوها... وأردف بالفصحى ضاحكاً: حريق وماء أزرق. عندما سألته مازحاً: من أين جاء هذا المثل الشعبي؟ لم يجبني."

***** ***** *****
"ذهبَ الأهلُ مساءَ خميسٍ لزيارةِ الجيران، بعد أنْ أَوصَياهما بحلِ وظائفهما المدرسية وعدم المشاغبة، وإلا سَتُسلَخ جلودهما عنهما وسَيُعمل من عيني وأذني كل منهما أربعة، الجو بارد والريح تصفر والكهرباء مقننّة كالعادة، كان التلفاز الأبيض-الأسود مازال تلك الأيام بضاعةً نادرة، وكذا ألعاب الأطفال في القرية...
من طبات الكازوز، من المطاط المتبقي بعد اهتراء البيجامات، من مكبات الخياطة الخشبية، من أسلاك الحديد الناعمة المتناثرة بالقرب من أماكن البناء وبعض الريش الملون... صنع الأطفال في القرى السورية الفقيرة هياكل سيارات أحلامهم ليسافروا بها بعيداً إلى المدينة... من الرولمانات المتآكلة، من المسامير المطعوجة، من قطعتي خشب مرميتين... صنعوا زحافاتهم، ليتَّزَحْلقوا سريعاً في شوارع طفولتهم المنسّية... من القصب اليابس، من ثمار الخرنوب، من خيطان الملاحف، من بقايا ورق الخياطة الشفّاف وأقمشة عتيقة... صنعوا طائرات ورقية، ليُحلِقوا بها عالياً في السماء القصية... وسط هذا الجنون، سرقوا بعض القروش وبخور المزارات... مضغوه سعداء وهم يصنعون هياكل سياراتهم، زحافاتهم و طائراتهم!
هذه وحدها كانت تسلية الأطفال الذكور في الشرق، في العقد الأول من عمر الحركة المجيدة مثلاً...

ما إنْ غادرَ الأهلُ بابَ البيتِ! حتى بدأ أحمد وأخاه عدنان الذي يكبره بالعراك، بعد أن اختلفا على توزيع قطع الراحة، تصافيا بعد أن وافق الأصغر على القسمة غير العادلة.
أَحضرا كيسَ الألعابِ الذي أخفياه خوفاً، بدأ عدنان بصنعِ الدواليبِ للسيارة ذات الهيكل المعمول من أسياخ الحديد الناعمة، أما أحمد فتوجب عليه تنفيذ الأوامر وتقديم ما يلزم عدنان من مواد، كانا قد ثقبا الطبات قبل يوم، أدخلَ عدنان المطاطة إلى ثقوب اثنتين وثلاثين طبة بعناية، ربطها بإحكام لتصبح قرصاً مرناً، ثم حشر في داخله المكب الخشبي.

إرْتَأى أحمد ذاك المساء، ويا ليته لم يفعل، إضافةَ طبتين إضافيتين للقرصِ المطاطي المُنجّز ليصبحَ أَكْثرَ جساءةً، فما كانَ من الكبير إِلا إهداءه صفعةً نارية باردة أصابتْ الخّد الأيمن وطرفاً من الإنف، نهض الصغير من جلسته ممتعضاً ليملأ جو الغرفة عويلاً، أمسك بفردة حذاء أبيه الثقيلة، رماها باتجاه أخيه، تفادها بكل ما أُوتِيَ من دهاء الطفولة، ليصيب الحذاء أحد ألواح زجاج النافذة، يتهشم الزجاج وتتناثر شظاياه، يعم الصمت جو الغرفة، يبكيان الخوف والترقب، يذهبان للنوم مكسوري الخاطر... استيقظا حوالي منتصف الليل عند عودة الأهل، على صيحات التهديد والوعيد ثم سقطا من جديد في كهف النوم...

في صباح اليوم التالي، صباح الجمعة، أيقظهما، أحضرَ حبلاً باهتاً، ربطهما وكأنه يكفنهما، برد الشتاء يلسعهما، قذف بهما إلى غرفةٍ صغيرة، خالية إلا من عنبر البرغل ونملية للطعام المتبقي، أقفل باب الغرفة ذا اللون الأخضر، بالمفتاح الكبير ومضى.
عند الظهيرة وبعد أن تناولَ كأسهُ الأول، رقَ قلبه، فتح باب الغرفة، فك وثاقهما، كانا قد تعرقا كفأرين في مخزن، صفعهما بكفه الثقيل، هددهما وأطلق سراحهما... هربا إلى سطح المنزل، اختلفا وتصايحا وتعاركا مجدداً، نهض من قيلولته غاضباً، صرخ بهما أن تعالا، صرخ بأم الأولاد طالباً حضورها وإحضار الفليفلة المطحونة والحادة، ربطهما إلى ساق شجرة التوت، أجبرهما على فتح فيههما، وضع على لسان كل منهما مسحة من مسحوق الفليفلة الحار... بكيا، طلبا الرحمة، رجته الأم أن يصفح عنهما... عبس بوجهها وقال بنبرة غضب: دعيهما يذهبا للجحيم، حرقة وماء أزرق... والفصل شتاء.
***** ***** *****



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -46-
- حدث في قطار آخن -45-
- حدث في قطار آخن -44-
- حدث في قطار آخن -43-
- حدث في قطار آخن -42-
- حدث في قطار آخن -41-
- حدث في قطار آخن -40-
- حدث في قطار آخن -39-
- حدث في قطار آخن -38-
- حدث في قطار آخن -37-
- حدث في قطار آخن -36-
- حدث في قطار آخن -35-
- حدث في قطار آخن -34-
- حدث في قطار آخن -33-
- حدث في قطار آخن -32-
- حدث في قطار آخن -31-
- حدث في قطار آخن -30-
- حدث في قطار آخن -29-
- حدث في قطار آخن -28-
- حدث في قطار آخن -27-


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -47-