أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب العربي - مفارقات مكلفة !! قصة قصيرة















المزيد.....

مفارقات مكلفة !! قصة قصيرة


رحاب العربي

الحوار المتمدن-العدد: 5127 - 2016 / 4 / 8 - 23:24
المحور: الادب والفن
    


منذ ضحى الجمعة يندمج ذلك الكهل السبعيني في حركة متثاقلة فرضها جسده الواهن في الاستعداد للتوجه الى الجامع لأداء صلاة الجمعة، يدخل في جدل استفزازي مع زوجته التي هي الأخرى تعاني من تقدم في العمر وتراجع في الصحة بعد أن ملأت البيت بدستة من الابناء والبنات ونصف عددهم تقريبا من الاحفاد.. يرفع صوته مناديا عليها:-
- اسمعي يا ولية وين بدلتي العربية؟ وين الطاقية؟ الفرملة وين حطيتها؟ ووووالخ من قائمة الأسئلة التي تفرضها بروتوكولاته المعتادة للتوجه الى المسجد يوم الجمعة.. سيل من الاسئلة التي لا معنى لها سوى رغبته في الإثبات لها ولمن بالبيت أنه لا زال موجودا بينهم، وانه لازال يحكم ولو في الجزء الذي يخصه بالبيت ومنهم تلك المسكينة التي لم يشرفها يوما الا نادرا بمناداتها باسمها صريحا..
يغادر البيت بعد زوبعته الصوتية المعتادة، وقد تدثر بابهى ما بقي له من ثياب تليق بسنه، وهي عادة ما تكون من بقايا ثياب أيام عزه، او من ثياب أبنائه التي لم تعد تعجبهم.. يمشي متثاقلا نحو الطريق العام الذي يبعد عن بيته قرابة خمسمائة متر، يستوقف سيارات العبرين ليصل الى جامعه المفضل يوم الجمعة الذي يبعد اكثر من خمس كيلومترات عن البيت، فقد أقنعه أحدهم أن إمام هذا الجامع يقدم خطبة مفيدة ومؤثرة، ومنذ سنوات ، ورغم انه لا يفهم ما يلقيه ذلك الإمام من طروح ويردده من احاديث وأقوال لشيوخ قدماء ومعاصرين عن الاسلام، إلا أنه كان يحرص على الصلاة في هذا الجامع ويتجشم المصاعب للوصول اليه ..
بعد وقوف على ناصية الطريق قد يطول وقد يقصر، يتكرم عليه أحد العابرين بمرافقته، يفتح باب السيارة يستلقي بتثاقل على المقعد المجاور للسائق، يسبقه بسيل من الشكر والدعاء للسائق بالخير والأجر ورحمة الوالدين.. و يسأل السائق ما اذا كان متوجها الى مسجد ابوبكر لأداء الصلاة؟ يجيبه السائق بالسؤال استغراب عما اذا كان لم يعرفه بعد؟ مشيرا الى أنه كثيرا ما رافقه الى ذلك المسجد!! يعالج شيخنا الموقف بضحكة لستر الثقوب التي بدأت تظهر على ذاكرته بوضوح مزعج، ويُحمِّل ضعف نظره المسؤولية في عدم التعرف عليه، ويعيد الترحيب برفيقه باطلاق سيل من الأسئلة عن الصحة والاهل، ممهدا الطريق لطرح سؤال مناور عن اسم عائلته بطرح اول اسم يحضر في ذهنه.. إلا أن السائق لم تنطل عليه المناورة فيعيد تذكيره بأنه من اسرة الحاج أحمد العجيلي المعروف في الحي..
يسارع الكهل الى اطلاق آهة تعبر عن ألمه من تهتك وتآكل ذاكرته، وينحرف بالحوار مع رفيقه الى شأن آخر يسيطر على وجدانه لتجاوز حالة الحرج، فيشير الى الأوضاع السيئة حد الانهيار التي تعيشها البلاد، مرجعا ذلك الى ابتعاد الناس عن الدين وتخليهم عن الصلاة بالمساجد وحظور الدروس الدينية.. يلتفت السائق اليه بنظرة خاطفة تعبر عن عدم اقتناعه بحصر اسباب الانهيار في تراجع الحس الديني لدى الناس وعدم حرصهم على ارتياد المساجد، ويشيعه بإمائة مجاملة من رأسه لإدراكه ان مسافة الطريق لا تكفي للدخول في حوار مع هذا الشيخ المنغلق على افكار زرعها في دماغه شيوخ مؤدلجون بدين طقوسي لا يمت للاسلام كدين عملي باي صلة ، تعمل مؤسسات الوهابية السعودية على تسويقه عبر العالم كدعاية لتلك الاسرة الفاسدة .. بعد وصولهما الى موقف السيارات المرتجل خلف الجامع ينبه الشيخ رفيقه السائق وهما يهمان بدخول صحن الجامع بأن لا ينسى أن ينتظره للعودة برفقته الى الحي.. يطمئنه السائق أنه لن يتخلى عنه وان مكانه محفوظ..
يرتفع الأذان الأول مناديا لصلاة الجمعة، ويعقبه بعد صعود الإمام الى المنبر الأذان الثاني ، يقف الإمام على المنبر ليلقي خطبة الجمعة التي عادة ما تأخذ فيها الصلاة على النبي والصحابة والتابعين وتابع التابعين والدعاء لهم بالرحمة وللمسلمين بالخير والنصر، والدعاء على الكفار من اليهود والنصارى والملحدين بالدمار وخراب الديار وتشتيت الذرية وجعل اموالهم ونساءهم غنيمة للمسلمين، قرابة ثلث مادة الخطبة، ويطرح بعد ذلك وبصوت جهوري تحوله تقنية الصوت - التي صنعها الكفار ولم يفلح مستعمليها من سدنة جوامعنا ادارتها- الى ضجيج يحول دون تتبع المصلين لما يلقيه ذلك الامام من استعراض لأحاديث نبوية صحيحة وضعيفة وحتى موضوعة ، وما قاله شيوخ وائمة مسلمين قبل عشرة قرون في قضايا وحودث معاصرة لهم ليسقطها على ما نعيشه اليوم من مآس لا تمت إلى ذلك التاريخ بأية صلة، تستمر تلك الخطبة قرابة ثلث الساعة يصول ويجول خلالها ذلك الامام مهددا ومتوعدا الخارجين عن تعاليم شيوخه المتخندقين في قصور آل سعود ومقدما إياهم كمنقذين يجب اتباع تعاليمهم وعدم الخروج عليها والتي تنحصر في الولاء والطاعة الى ولاة الأمور حتى وإن كانوا مخطئين ومجرمين شريطة التزامهم بالصلاة واطلاق اللحي ولباس الزي الاسلامي.. تشرئب اعناق البسطاء من المصلين بإعجاب الى ذلك الإمام الذي يتلقى الوحي على شكل خطب مكتوبة تصله من الارض المقدسة عبر شبكات الاتصالات الدولية، إعجابا لا يعكس قناعتهم بما جاء في الخطبة بقدر ما يعكس كسل عقولهم ورضاهم بالعيش بقناعات غيرهم حتى وإن كانت غير مقنعة.. يختم الإمام الصلاة كالعادة بوصلة من الدعاء المتكرر عبر القرون في المساجد، يتفرق الجمع كل في سبيله وصور موائد الجمعة التي تكد زوجاتهم وبناتهم المحرومات من أجر صلاة الجمعة بفتوى شيوخ الظلام في إعدادها تداعب خيالهم وتقرقر لها أمعاءهم ..
ينتظر ذلك السائق رفيقه الشيخ في السيارة بقلق، حث خرج كل المصلين تقربا إلا هو لم يظهر، يتساءل بينه وبين نفسه عما يؤخر هذا الشيخ عن اللحاق به؟ هل ذهب مع شخص آخر دون ان يعلمني؟ أم إنه منهمك في إطراء الإمام على خطبته التي مؤكد انه لم يفهم منها شيء، كعادته في التقرب والتزلف لشيوخ المساجد لاعتقاده أنهم أهل بركة ويمكن ان يفيدوه ببركاتهم يوم الحشر!!
بعد قرابة عشر دقائق من الانتظار الممل، يعود السائق الى صحن الجامع باحثا عن رفيقه، فيجده كما توقع يتمسح بالإمام ويطري خطبته، فيما الإمام يجامله بابتسامات تعبر عن ضيقه بهذا الاطراء الزائد عن الحد.. يناديه السائق بصوت جهوري:
- ياحاج لم يعد عندي وقت أنا عندي ارتباط ، هيا كان بتروح..
يستيقظ الشيخ من حالة الذهول التي عادة ما تتملكه كلما صادف إمام أي جامع او شيخ دين يعرفه.. يشد على يد الإمام مودعا ومطالبا إياه بأن لا ينساه في الدعاء له في كل صلاة بالصحة ودخول الجنة.. يهرول مسرعا نحو السائق الذي بدا متبرما من عدم اهتمام رفيقه بالوقت.. يرتمي الى جانبه في السيارة، ملقيا بقصص عن عبقرية ذلك الإمام وأهمية خطبته التي لو فهمها الليبيون وأخذوا بها، ما كانوا ليصلو الى ما هم عليه اليوم من اقتتال وصراع وضياع.. ويسهب هذا الكهل في مدح الإمام وينسب له كرامات واقوال مشوشة عن الدين والعقيدة جمعها كما اتفق من دروس يحضرها من حين لآخر لهذا الإمام قبل الصلاة، فيما كان السائق منفصلا عنه بشكل كامل غارقا في التخطيط لتقسيم ما تبقى له من وقت لإنجاز بعض مشاغله وارتباطات اسرته الاجتماعية..
يتجاوز السائق الغارق في تقسيم ما تبقى له من الوقت الشارع الذي يقيم فيه ذلك الكهل الذي لم تنته قصصه عن الإمام وكراماته، يصيح في وجه السائق :
- وقف وقف، يرحم والديك ..وصلت بارك الله فيك، شكلك حتى انت معجب بالخطبة لدرجة نسيت اني وصلت الى زنقتي.. هيا تفضل معي.. الجود من الموجود لن تكلفنا شيء..
- بارك الله فيك يا حاج.. أي خطبة عجبتني تقصد؟ والله لم اعد اتذكر منها شيء سوى صداع صوت المكبرات وصياح الشيخ.. ربي يفتح علينا انشالله.. ملينا من هكذا خطب بلا معنى ولا تصلح لعلاج حالنا.. شيخك يا حاج جسمه في ليبيا وعقله في قصور شيوخ الوهابية في مملكة آل سعود.. نحن محتاجين لشيوخ ليبيين قلبا وقالبا ليعالجوا مشكلتنا.. بالسلامة..
وقف الكهل السبعيني جامدا في مكانه جراء صدمته من رد ذلك الشاب، بعد أن اكتشف أنه طيلة الطريق كان يحدث نفسه، وان مرافقه لم يتجاهل محاضرته هو فقط حول خطبة الجمعة، بل لم يسمع حتى تلك الخطبة العصماء لشيخه الذي يتلقى وحيه من شيوخ الوهابية.. اقفل السائق باب سيارته الذي تركه الشيخ المصدوم من الرد مواربا، وداس على البنزين مخلفا وراءه ذلك الشيخ واقفا في وسط الطريق يصارع مقارنا بين رد الشاب وخطبة الإمام، ليجد نفسه بعد دقائق الذهول تلك راقدا في في حجرة بمستشفى الحوادث ولفائف الضمادات الطبية تغطي ساقه ويده وبعض الجروح في وجهه.. فقد صدمته سيارة بينما كان يهم بقطع الشارع دون الانتباه الى سيل من سيارات العائدين من الصلاة يتسابقون وقد غطت صور موائدهم العامرة كالعادة بوجبة بازين او كسكسي متوجة بقطع من لحم خروف وطني او عجل اسباني للموسرين او دجاج لمتوسطي الحال على أنظارهم وحجبت عنهم رؤية ذلك الشيخ المصدوم بواقع لم يتوقعه ..



#رحاب_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبناء معتوهات يعتلون منابر الاسلام!!
- مأساة الأزيديات هل تشعل ثورة المرأة الشرقية؟!!
- التسول مهنة أنثوية.. لماذا؟؟
- الإرهاب في ليبيا يستبيح هناء البراءة..
- نظرة المجتمع للانثى ك-وباء-
- ماذا عن واقع المراة الليبية يا سيميرة؟!!
- هناك ميادين الجهاد..
- في ليبيا: اسلام بلا مسلمين!!
- عشاق الخوازيق يسدون الطريق
- قمع الرأي ثقافة عصية على الزوال في ليبيا !!
- الاخوان في ليبيا.. بعد السلطتين التشريعية والتنفيذية يسعون ل ...
- تساؤلات أمام جريمة بنغازي المروعة
- السعودية تمنع الدعاء على اليهود والنصارى !!وماذا تبقى لهم؟
- مشهد ديمقراطي بمقاس حزب العدالة والتنمية .
- مرسي يستنسخ مسرحية القذافي -السلطة بيد الشعب- !!!!
- الاقطاعيون الجدد يبددون تضحيات شهداء ليبيا..
- الشرق الاوسط..بوق للنكرات!!
- حكومة عرف الديك الليبية
- الشعب يريد.. طاغية جديد
- ظاهرة القذافي ..أسطرة الأزمة والهروب من المسؤولية


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب العربي - مفارقات مكلفة !! قصة قصيرة