أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - من تقنيات التأليف والترجمة لصلاح نيازي















المزيد.....

من تقنيات التأليف والترجمة لصلاح نيازي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5124 - 2016 / 4 / 5 - 03:58
المحور: الادب والفن
    


استعان نيازي بالمنظورية والحواس والشروحات الإنكليزية

صدر عن"دار المدى" ببغداد كتاب جديد يحمل عنوان "من تقنيات التأليف والترجمة" للشاعر والناقد صلاح نيازي. يضمّ الكتاب بين دفتيه واحد وعشرين فصلاً إضافة إلى مقدمة وافية وحوار عن التقنيات الحديثة في الترجمة.
قبل أن نلج في تفاصيل هذا الكتاب المهم لابد من الإشارة إلى أنّ الرعيل الأول من المترجمين أمثال المنفلوطي، أحمد رامي ، فيتزجيرالد كانوا معنيين بنقل المعنى فقط، أما المترجمون المحدثون فهم معنيون بنقل التقنية التي كُتب فيها النص، ويبدو أن جبرا إبراهيم جبرا، وطه محمود طه، وعبد القادر القطّ وآخرين كانوا يكتفون بنقل المعنى ولا يعيرون بالاً للتقنيات الأمر الذي أوقعهم في أخطاء جسيمة لا يمكن غضّ الطرف عنها أو السكوت عليها لأنها جاءت مرتبكة ومُربكة في آنٍ معا وحتى لو كانت المعاني منقولة بشكل صحيح إلاّ أنها ظلت متخشِّبة وخالية من الروح.
يتمحور الكتاب على ثلاث من مسرحيات شيكسبير وهي "مكبث"، "هملت" و "الملك لير" إضافة إلى قصيدة لهيلدرلن ورواية "يوليسيس" لجيمس جويس والأخطاء الكثيرة التي وقع بها مترجمو هذه التحف الفنية لأسباب أخرى منها عدم معرفتهم بالمصطلحات، وعدم إحاطتهم بالمنظورية، وتقنية الحواس والألوان، وعدم استعانتهم بالشروحات الإنكليزية المتيسرة عن هذه الكتب التي غيّرت ذائقة الناس.
يتوقف نيازي في مستهل الكتاب عند "بعض وجوه استحالة الترجمة" متخذًا نماذج من الآي القرآني الكريم، والشعر العربي "السمعي" الذي يصل إيقاعه الداخلي إلى درجة لا تُضاهى من التنغيم لأن الكلمات، والصور الشعرية تتمرد على معانيها القاموسية المتحجرة وتنتقل إلى المعاني الإيحائية ذات التداعيات المتشعبة والرنين الخاص الذي قد يختلف من شخص إلى آخر.
ترد كلمة "ضيزى" في الآية الكريمة: "ألكمْ الذكر وله الأنثى، تلك إذًا قسمة ضيزى" (سورة النجم). وتعني قِسمة "جائرة" أو "منافية للحق" إلاّ أن اجتماع حروفها، كما يذهب نيازي، "بهذه الصورة المرعبة يثير في الأذن تداعيات صوتية في الاشمئزاز والتهكّم والحيف"(ص12) فكيف يفلح المترجم في العثور على المعنى المناسب لتداعيات هذه الكلمة وأصدائها السحيقة؟
تتكرر هذه التداعيات في كلمة "جرّاها = جراءها" التي استعملها المتنبي في بيته، ذائع الصيت: "أنامُ ملء جفوني عن شواردها / ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ" وهي لا تعني "بسببها" فقط وإنما تصرف الذهن إلى عملية الجرّ وكأن الشاعر يجرّ العالم وراءه. وهذه الصورة السمعية لها من الإيحاءات والتداعيات والأصداء التي تفلت من المترجم حتى إذا كان متضلِّعاً باللغة المُترجم منها واللغة المُترجم إليها.
يطرح نيازي تساؤلاً جوهريًا مفاده: متى تجوز الإضافات في الترجمة؟ ويجيب عليه: "من حق المترجم أن يضيف كلمة هنا، أو كلمة هناك، شرط ألا يخلّ في البناء العضوي للنص، أو إذا ارتأى أن الإضافة لمصلحة القارئ فهمًا وتأثيرا"(ص25).
سنتوقف عن بعض إضافات جبرا ولنرَ إن كانت تعزز البناء العضوي أم تخلخله؟ تتحدث الساحرة عن طبخة سحرية فتقول: "حراشف تنّين هذه / وأنياب ذيب كالقنطريب". أضاف المترجم كلمة "القنطريب" التي أضرّت بالنص، كما أن هذه الكلمة لا وجود لها في أشهر القواميس العربية المتداولة. يضيف المترجم نفسه تشبيه"كاللهاث" إلى كلام الساحرة الأولى التي تتساءل:"متى نلتقي ثانية نحن الثلاث / في بروق ورعود وأمطار كاللُهاث؟". تبدو كلمة "كاللهاث" قلقة ولا تنسجم مع قدرة الساحرات اللواتي ينتقلن بخفة وبلا عناء. فما جدوى هذه الإضافة المُربِكة؟
يفضي عدم الإحاطة بمعرفة المصطلحات إلى أخطاء جمّة فمصطلح Nature يترجمة جبرا بـ "الطبيعة" ولكن كل دارسي شيكسبير يتفقون على أن Nature تعني الحياة أو الشيء الحيّ فلاغرابة أن يقول جبرا: "وفي رأسه حُفرت عشرون طعنة / أصغرها موت الطبيعة" بينما الأصوب أن يقول: ". . . أصغرها كافية لقتل أي شيء حيّ". يجتهد جبرا في أن يترجم مصطلح Time بـ "الزمان" الذي يعني في نظر غالبية الدارسين "العالَم" أو "الناس" فيعتور ترجمته الغموض والتشوّش والإرباك. يترجم جبرا مصطلحات أخرى ترجمة حرفية لا تعني شيئًا بالمرة مثل He died full of his bread"مات مليئًا بخبزه" وهي تعني "مات منغمسًا في ملذاته". يحذِّر نيازي من المساس بالمصطلحات والمفاهيم والاقتباسات فلا يجوز أن يترجم جبرا "النخلة" بغصن الزيتون أو "دجاجة الحرش" بالعصفور أو كما ترجمها عبد القادر القطّ بديك الغابة.
يعزو نيازي معظم الأخطاء التي ارتكبها جبرا، وعبد القادرالقطّ، ومحمد عوض، وخليل مطران وغيرهم إلى عدم الإلمام بالمنظورية، والقصور في فهم تقنية الحواس والألوان، وعدم قراءة النصوص كوحدة عضوية متضّامة الأمر الذي يدفعهم إلى ارتكاب العديد من الأخطاء القاتلة التي لا يمكن إساغتها بأي حال من الأحوال.
يشيد نيازي بالفقيه والعالم الموسوعي فخر الدين الرازي الذي يعتبر تفسيره لسورة "التكوير" الأقرب إلى الإقناع والصواب لأنه قرأ الآية كوحدة عضوية متواشجة ساعدته في التأويل بمعيار المنظورية وإن لم يتوصل إليها نظريًا لكنه لامسها بالقرائن فلاغرابة أن يفسِّر "سُجرت" بيبُست، و "الخُنّس" بالكواكب، و "العشار" بالسحاب وهو التأويل الأقرب إلى الصواب.
يتمثل القصور في تقنية الحواس والألوان لدى جبرا بالكثير من الأخطاء التي ارتكبها في هذا الصدد فحينما يغضب مكبث من خادمه يصرخ قائلاً: "سخطك الشيطان عبدًا أسود يا وغدًا حليبي الوجه. من أين لك سحنة الإوزة هذه؟". لقد أضاف جبرا كلمة "عبدًا" وترجم Cream-faced حرفيًا "حليبي الوجه"، وأخفق في ترجمة الصيغة الاستفهامية الأخيرة من الجملة. والصواب أن يقول: "مسخك الشيطان أسود يا وغدًا ابيّض وجهه من الخوف. من أين جئت بقشعريرة الجلد هذه؟ كما ترجم Lily-liver d حرفيًا بـ "زنبقي الكبد" والصواب "رعديدًا" و Whey-face "يا وجهًا من لبن" التي تعني بالضبط "يا وجهًا بلون مصل اللبن".
الأخطاء التي وقع بها عبد الرحمن بدوي أكثر من أن تُحصى لأنه لم يلّم باستعماله للأفعال في القصيدة الموضوعية، ولم يلتفت إلى المنظور الزمكاني، ولم يعنَ بالرموز التي تزدان بها القصيدة فلاغرابة أن يحتشد النص بسوء الفهم والاخفاق المتواصل في ترجمة صوره الشعرية.
أما مزالق المرحوم طه محمود طه في ترجمته لـ "يوليسيس" فهي كثيرة بمكان قد تبدأ بسوء فهمه للمصطلحات، وتمرّ مرورًا طويلاً بالتقنيات، ولا تنتهي بما فاته من قصور في فهم الكلمات العامية ولا سيما الآيرلندية منها، فقد وصف جويس رئيس إحدى كليات دبلن بـ Tinned فترجمها طه "معلّبة" وهي تعني " "غني". كما ترجم On the baker s list. "لا يشبع من الأكل" بينما هي تعني"على ما يرام". وترجم Turn up like a bad penny. "كالعملة الرديئة تلّف وتدور" وهي تعني "تفاصيل مزعجة لا معنى لها". ترجم طه عبارة Gammon & Spinach بـ "سمك لبن تمر هندي" بينما هي تعني "ماجريات يومية عادية". نختم قائمة الأخطاء الطويلة بسبب ضيق المساحة بترجمته لعبارة Mity cheese بـ "الجبنة العظيمة" وصوابها "الديدان المفصلية". ومع ذلك فإن نيازي يعترف بشجاعة طه محمود طه حيث قال في مقدمته لترجمة (يوليسيس) "ولولاه. . لولا تدشينه لما كانت لدي أي شجاعة على الإقدام على الترجمة"(ص7- 8).



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شتاءٌ مُلتهب: معركة أوكرانيا من أجل الحرية
- عُطارد وحكاية الخلود في الجحيم الأبدي
- تقنية الشخصية المُنشطرة في رواية -عِشق- لمريم مشتاوي
- البطولة المضادة والأداء التعبيري في فيلم سافروجيت
- ستيف جوبز. . صانع الأجهزة الحميمة والباحث عن الاستنارة الروح ...
- الشاعر صقر بن سلطان القاسمي . . . ربّان الموجة المتمردة
- جولة في الأعمال الشعرية الكاملة لأديب كمال الدين
- سندريلا . . . الأميرة الغامضة
- حارس الموتى. . رواية تختبر حدْس القرّاء (القائمة القصيرة لبو ...
- لماذا سقطت أقنعة التنكّر والتمويه في فيلم -تاكسي طهران-؟
- تجليات كردية في فيلم -رسالة إلى الملك- لهشام زمان
- تعدد الأصوات السردية في -نوميديا- طارق بكاري
- الفتى الذي أبصر لون الهواء. . أنموذج ناجح لأدب الناشئة
- تجاور الأديان وهيمنة الحُب الروحي في ما وراء الفردوس
- قراءة نقدية في العقليتين الشفاهية والتدوينية
- مريم مشتاوي ومتلازمة القلب المنكسر
- عالم داعش . . من النشأة إلى إعلان الخلافة
- مراعي الصّبَّار. . . يوميات ليست بريئة من الخيال
- سافروجيت. . بطلة شعبية تغيّر وجه العالم
- خِصال دستويفسكي في قالب روائي هندي


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - من تقنيات التأليف والترجمة لصلاح نيازي