أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - نجمٌ ... هوى















المزيد.....

نجمٌ ... هوى


خالد السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 5123 - 2016 / 4 / 4 - 15:29
المحور: الادب والفن
    


توفيت المصممة العراقية/ العالمية زهاء حديد، في 31 آذار 2016، في احدى مشافي الولايات المتحدة، اثر نوبة قلبية مفاجئة، وبهذا فقد العراق والعالم باسره احد مبدعيه المميزين، وفقدت العمارة العربية والعالمية واحدة من اشهر المعماريين واكثرهم حضورا في الخطاب المهني المعاصر!
لايمكن الحديث عن زهاء حديد بصفة "الماضي"، حتى ولو انها رحلت عن عالمنا هذا. انها وبعبقريتها التصميمية عالية المهنية، تبقى وتظل تعتبر من "الاحداث" الهامة التي بمقدورها ان تؤثر تاثيرا حاسما واكيدا على مجرى العمارة راهنا ومستقبلا، لما ما مثلته مقاربتها التصميمية من ابداع واصالة. فعمارة زهاء، وكما معروف نقدياً، ما انفكت تعتبر احدى تجليات مفاهيم ما بعد الحداثة، المفاهيم القادرة، تبعا لخصوصيتها المعوّمة، على إستيلاد مقاربات جديدة ومتجددة. فعمارتها تنزع للتعبير عن مرجعية تصميمية هي خليط بين توق توظيف الاشارات المجازية والسعي وراء الافصاح عن هوى التجريد. انها في هذه الحالة تتخطى حتى اطر مفاهيم المقاربة "التفكيكية"، المتخمة عادة بغرائبية الاشكال التصميمية والمتجاوزة "للتابوات" البصرية. لكن عمارتها مع هذا، (وربما بالإضافة الى هذا)، تظل امينة لتحقيق مفهوم "الازاحة" Displacement في دلالاته التفكيكية، فهي تنزع الى "فك ارتباط" العمارة من خاصية الاستقرار والتموضع. وهذا النزوع يظل بالطبع مشوب بالمفارقة. ذلك لان الامر كما يقول "بيتر ايزينمان" (وهو أحد مناصري المنهج التفكيكي المعماري)، يتطلع الى "نزع شيئا من موضعه هو بالاساس متموضع!". انها بالتالي، تدعونا الى نسيان وحتى هجر ما وسم العمارة السابقة من قيم ومبادئ، واحلال بدلا عنها قيم جديدة تكون متساوقة مع متطلبات العصر، عصر المعرفة المتجددة، والبيئة المعلوماتية المتحكمة بها الالكترونيات, انها باختصار تدفع في اتجاه الغاء قوانين الهندسة الاقليدية المألوفة، والتوجه نحو صياغات تكوينية تتحدى قوانين الجاذبية، وتكون متخمة بالالتواءات والانحرافات والهشاشة والتنافر والتشظي وعدم التناغم بين عناصرها التصميمة.
يتعين الاقرار بصعوبة ايصال المفاهيم "الزهائية" لغوياً الى المتلقي. فمفردات اللغة المألوفة تظل قاصرة عن استيعاب الحدث المعماري. يتعين رؤية عمارتها منفذة واقعياً، حتى يمكن إدراك مغزى تلك المفاهيـم وهي تعمل في تشكيل تنويعات الفضاءات المصممة. كما يمكن ايضاً تيسير الاحاطة بموضوعة مخططاتها، المخططات المرسومة بأسلوب خاص واستثنائي، والتي تعدّت بواعثها ضرورات العملية التنفيذية ومتطلباتها، لتشكل جنسا ابداعيا قائما بذاتها، يستحق فنياً، العرض والمشاهدة. (لنتذكر معرضها الاستعادي الضخم المنظم في متحف "غوغنهايم" النيويوركي، والذي يعد العرض فيه حظوة اعتبارية وامتيازا كبيرين للفنانين العارضين).
صممت زهاء كثيرا. صممت مشاريع ذات وظائف متنوعة، تشمل مجالات الاسكان، والترفيه، والابنية الثقافية والتجارية والادارية والدينية والنقل وغيره، ومواقع مشاريعها تغطي مناطق جغرافية شاسعة بخلفيات ثقافية واثنية متباينة. تدهشني -كما تدهش كثر-لغتها المعمارية المتجددة، التي تبدو فنتازية ذخيرة مفرداتها عصية على النضوب. ان اشكال تصاميمها جميعاً تقريباً، تبدو مختلفة، رغم التشابه التايبلوجي، كما انها متفردة وبعيدة عن سياق بيئة المكان. لكنها تشترك كلها في تكريس الانسيابية الفضائية والتشظي وتفكيك القيم المعمارية المألوفة، والاهم حضور الديناميكية وتعقيد جلي في الفورم المقترح.
يتراءى لكثر -يتراءى لي ايضاَ – بان زهاء معنية اساساً في تشكيل وترتيب الشكل الخارجي لمبناها، أكثر بكثير من الاهتمام في الداخل. لكنها تجيب عن هكذا تساؤل طرحه عليها الناقد الياباني "يوشيو فوتاغاوا" Y. Futagawa بان هذا ليس اسلوبها في التصميم؛ (GA Document, 99, Tokyo, Sept. 2007, p. 9). . وتضيف المعمارة في مكان آخر من المقابلة اياها < ...بالتأكيد، ثمة مصممون يستخدمون الكمبيوتر لتوليد الاشكال، لكن بالنسبة لي فهو لا يساعدني في خلق الافكار، انه محض اداة، اداة تسهم في تكوين فهم عميق للأشكال>. وهذا الفهم العميق للأشكال، يظل عرضة هو الآخر للتغيير والتطوير وصولا الى الاحساس بالقناعة في تحقيق "الاميج" المتخيل. ومرة آخرى، تشرح زهاء كيفية تعاطيها مع العملية التصميمية؛ <... لاأزال اعمل رسومات اولية Sketches ، لدى منها الجديد والجميل الكثير. انها بالقرب من مكتبي. معظمها تتضمن أفكارا تجريدية، والتي بها اسعى، عموماً، وراء امكانية تطبيقها في مشروع محدد. عندما يتم تطوير مشروع من قبل فريق عمل مكتبي على الكمبيوتر، استلم النسخة المطبوعة وابدأ في الرسم عليها مرة اخرى...> (المصدر السابق، ص.9).
وعبر العمل المضني، ومن خلال تحليل الرسوم الاولية والحوار مع فريق العمل، وعبر عمل نماذج تصميمية "موديل"، تتم دراسة معمقة للمشروع من جميع النواحي، ويتم بعد ذلك اتخاذ القرارات التصميمية المتسمة دوما بحضور مفردات تكوينية مميزة، صاغها فريق عمل مكتب زهاءـ تدعوها المعمارة "الريبرتوار" Repertoire. لكنها تعترف بانها احياناً تتحدى حتى هذه الذخيرة المفرداتية، التي لطالما طبعت تصاميمها بطابع خاص، والتي كانت وراء فرادة عمارتها. < ... بعد فترة طويلة من الزمن -تشرح المعمارة – أنك تتعلم من عملك وتطور "الريبرتوار" الخاص بك. في بعض الاحيان تكسر من حدة هذا الريبرتوار، وفي اوقات تضيف اليه؛ أنك بين الفينة وآخري تتحداه. ولهذا فان العمل مع الكمبيوتر لا يغير كثيراً من طريقة مقاربتنا للمشاريع. >.
نعرف ان ثمة "مكتبة زهائية" غنية، تشكلت وتجمعت من إصدارات متنوعة حول نشاط زهاء ما بعد الحداثي المتعدد الجوانب. ويضاف الى هذه المكتبة كل عام إصدارات جديدة وعديدة. ان منجزها المعماري والفني يغوي دور النشر في اماكن عديدة لإصدار كتب مختلفة عنها. فهي المعمارة "الانثى" المشهورة عالمياً، وهي الوحيدة من الجنس اللطيف الحائزة على جائزة "بريتزكر" المرموقة (2004)‘ وهذا فضلا بالطبع عن فرادة منجزها المعماري واستثنائيته في الخطاب. ويضفي أصلها غير الاوربي قدرا كبيرا من حب استطلاع عارم نحوها، هي المولودة في بغداد (1950)، وفيها اكملت دراستها الاولية، قبل ان تدرس الرياضيات لاحقا في الجامعة الامريكية في بيروت، ثم لتلتحق بعد ذلك عام 1972، في مدرسة "الجمعية المعمارية" {AA} بلندن. ومنذ تخرجها عام 1977، اختطت زهاء لنفسها مقاربة معمارية خاصة بها، لتضحى اليوم احدى اعمدة عمارة ما بعد الحداثة المهمين، إن كان في المجال المهني ام على الصعيد الأكاديمي.
ولئن رحلت زهاء حديد عن عالمنا، تلك المرأة البغدادية اللامعة، فأننا نود ان نشير ان حضورها وتأثيرها المهني محليا، سيظل لافتا ومؤثرا، عندما نعي أهمية الاستمرار في تنفيذ مشروعها البغدادي الهام وهو: "مبنى البنك المركزي" في الجادرية. انه أفضل تذكار لها، وأكثر قيمة لمدينتها التي ترعرعت في فضاءاتها، وامست تلك الفضاءات يوما ما منبعا لإلهامها ونجاحاتها المهنية. وسنظل نفاخر بها وبقيمتها المعرفية بكونها احدى "بنات" بغداد اللامعات، وبكوننا "نمتلك"، ايضاً، احدى تصاميمها المميزة. □-;-□-;-

د. خالد السلطاني
معمار وأكاديمي



#خالد_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جامع -ست نفيسة-: ومضة التجديد ...-الحتمي-
- المعمار ابراهيم علاوي: مآلات الجيل الثالث
- عمارة مبنى التأمين في الموصل: جماليات الاستحضار المكاني
- تخطيط.. للجواهري
- صدور كتاب -محمد مكيه: مائة عام من العمارة والحياة-
- كتاب -عمارة الحداثة في بغداد: سنوات التأسيس-
- عمارة عقد -المرتجى .. والمؤجل-
- المفهوم الشعبوي للعمارة
- مئوية مدحت علي مظلوم: سينما -قدري الارضروملي-: توطين التعبير ...
- عمارة ما بعد الحداثة... البغدادية
- -نوستوس- المعمار (2-2)
- -نوستوس- المعمار (1-2)
- الناطحات: الأجمل والأكفأ
- يوميات -إحسان شيرزاد-: معنى ان تكون مثقفاً (2-2)
- يوميات -إحسان شيرزاد-: معنى ان تكون مثقفاً (1-2)
- -مدينة الحكايا-... المعمارية
- -عراقي-: عراق..-نا-
- جديد نيويورك المعماري
- آفاق ومرايا -الناصري-... وتخطيطاته المحفورة
- مشاهدات عائد من بغداد: -مدينة السلام- ... وحروبها (2-2)


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - نجمٌ ... هوى