أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني















المزيد.....

عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5122 - 2016 / 4 / 3 - 00:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من هو إيل؟ أتراه إله اليهود؟ أم هو إله الكنعانيين؟ أم هو إله الشعبين معا؟ هل هو نفس الإله في كلتا الثقافتين؟ أم هو تسمية واحدة لآلهة مختلفة كما هو الحال في كلمة الله المستخدمة لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين، علما أن الله الذي يؤمن به المسيحيون يرفضه اليهود والله الذي يؤمن به المسلمون يختلف في هويته وتعريفه عن الله الذي يؤمن به كل من المسيحيين واليهود؟

لا شك أن عبادة إيل كانت منتشرة لدى الشعوب الكنعانية في الألفيتين السابقتين للميلاد وما قبلها. فأيل هو رئيس آلهة كنعان بالمطلق، علما أن عبادته فقدت من زخمها مع مرور الزمن لصالح ابنه بعل. لكنه السيّد، هو الخالق ومعه كانت البدايات. كان إيل زوجا لشقيقته عشيرة. وبعض الروايات تذكر انه كان زوجا لشقيقاته الثلاثة. يُعرف إيل بالإله الأب نسبة لأبوته لآلهة كثيرين. لكنه أيضا الإله الثور نسبة لخصوبته الفائقة. يخلق إيل بطرق مختلفة. أحيانا يتكلم فتكون الخليقة. أحيانا يجبل الناس من طين وأحيانا ينجبهم من خلال علاقاته الجنسية. لا يختلف إيل كثيرا عن البشر. فهو مثلهم يتزوج وينجب ويقاتل ويشتهي ويجوع ويتآمر ويقتل ويفرح ويحزن ويشتاق. عندما رأى إيل زوجته عشيرة قادمة تحركت مشاعره حسب ما أوردته النصوص الاوغارتية " وإذ رآها، ارتخت شفتاه وضحك. أرخى قدميه على الكرسي وفرك أصابعه." في نقش آخر، نقرأ " عندما يشرق إيل، تذوب الجبال. سبّحوا اسمه في يوم الحرب."

لا يستطيع أحد أن ينكر ورود ذكر إيل في اليهودية. فكاتب العهد القديم لم يترك ذلك سرا. بل على العكس تغطي ثقافة إيل صفحات الكتب التاريخية والنبوية والشعرية في التوراة. فمن إسرائيل (الله يصارع) إلى ميخائيل (من مثل الله؟) إلى جبرائيل (جبروت الله). ومن إيل شداي أو الشدّاي (الرب الإله) الى إيل عليون أو العليون (الإله المرتفع) الى إيل حي أو الحي (الإله الحي). إذا هل نستطيع استنتاج أن اليهود عبدوا إيل الكنعاني بعد إضافة بعض التعديلات إليه؟ قد يكون الجواب نعم لو نحن توقفنا في دراستنا عند القشور. لكن لو أردنا الغوص في عمق النص، لرأينا مشهدا مختلفا تماما، مثلنا مثل السباح الذي يغوص في المحيط فيرى في عمق اليم صورة مختلفة تماما عن تلك التي رآها الناس على سطح المياه.

لو أنت قلت للمسلم واليهودي "أنت تعبد إله المسيحيين". لأجاباك فورا "ما هذا الهراء؟ نحن نعبد إلها واحدا فيما هم يعبدون إلها مثلث الأقانيم أو قل ثلاثة آلهة". ولو أنت قلت لليهودي "أنت تعبد إله الإسلام"، لأجابك فورا "أنت تهذي. فإله الإسلام لا يشبه يهوه بأي شكل من الاشكال"، بينما في الوقت ذاته يكون لسان حال المسلم "إله اليهود والنصارى شوهته نصوصهم وليس هو إلهنا بأي حال من الاحوال". وبالمناسبة، أذكر أن أندونيسيا على الأغلب أو ربما ماليزيا أصدرت قانونا في السنوات القليلة الماضية تمنع على المسيحيين استخدام كلمة الله في تسميتهم لإلههم، إذ أن كلمة الله خاصة بإله الإسلام. إن كانت الديانات الابراهيمية الثلاثة لا تتفق على هوية آلهتها وهي التي تتشارك في الكثير من رواياتها وكتبها وتاريخها وثقافاتها، فكيف لباحث محترم أن يخرج ليقول أنّ إيل العبري ليس سوى بتطور تاريخي وثقافي واجتماعي لإيل الكنعاني ضاربا بعرض الحائط كل الاختلافات اللاهوتية والثقافية والدينية والاجتماعية، وبانيا حجته على ورود اسم إيل في نصوص الثقافتين. إذا هنا يطرح السؤال نفسه من هو إيل؟ هل هو اسم واحد لكائنين مختلفين أم هو كائن واحد بوجهين مختلفين؟

أولا لا بد من ترداد ما ذكرناه في مقالة سابقة أن إيل كلمة كنعانية تعني الله. يجوز استعمال كلمة إيل بصفتها اسما نكرة تعني الإله أو اسم علم تعني الله. شاع استعمال كلمة إيل عند الكنعانيين بصفتها اسم علم يطلق على الإله الذكر زوج عشيرة ووالد بعل وأشقائه، بينما يرفض الكتاب المقدس تعريف الله باسم علم. فالله أعظم من أن يُعرّف باسم. لكي لا نكون مجرد أصحاب نظريات تطلق في الهواء، أدعو القارئ للعودة الى رواية موسى في لقائه مع الله في العليقة حيث دعاه لإخراج شعبه من العبودية في مصر كما وردت في سفر الخروج 3 الآيات 13 و 14 "فقال موسى لله ها أنا آتى إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم. فقال الله لموسى اهيه الذي اهيه وقال هكذا تقول لبني إسرائيل اهيه أرسلني إليكم." من اللافت للنظر أن الله لم يقل "أنا هو إيل" أو أنا هو إيل الذي حرّفه الكنعانيون وشوّهوه" بل كانت إجابة الله لموسى "أهيه الذي أهيه" والتي ترجمتها "أنا هو" أو "أنا هو الكائن" أو "أكون الذي أكون". ومن هنا تم اشتقاق كلمة يهوه التي ليست في الأساس اسم علم بل تحولت إليه بفعل الاستخدام، وهذه الكلمة في العبرية تعني فعل الكينونة. وإذا أردنا ترجمتها للإنكليزية نجد معناها " I AM ". وبالتالي يكون اسم الله I AM who I AM”".

لا يقف النقاد عند التشابه اللفظي بين كل من إيل العبري وإيل الكنعاني لتأييد نظرياتهم، بل أرفقوها ببعض العبارات المتشابهة بين النصين. مثلا بعل هو رب الجنود وإيل هو أيضا كذلك. إذا لا بد وأن يكون كلاهما واحد، بحسب النقاد. كلاهما يسكن في جبله المقدس. كلاهما رب السماوات والأرض. إذا كلاهما واحد. وهنا نسأل "هل من الغريب أن يؤمن كل من الشعبين أن إلههما هو إله السماوات والأرض؟ أليست هذه من المسلمات التي تتفق عليها كل الديانات؟ أليس من الطبيعي أن يؤمن أتباع كل ديانة أن إلههم هو رب الجنود بصفته الأقوى والأعظم؟" يتكلم النص الكنعاني عن أبناء ايل الذين هم بعل وموت ويم وغيرهم بينما يتكلم الكتاب المقدس عن أبناء الله بصفتهم الملائكة. وهنا نقول ان النقاد عن جهل او سوء نية لم يستطيعوا التمييز بين كلمة "الأبناء" الذين أنجبهم إيل بفعل علاقاته الجنسية وبين الملائكة الذين هم مخلوقات الله والذين يطلق عليهم الكتاب المقدس مجازا تعبير "أبناء الله" للدلالة على قدسيتهم. لذلك ندعو الباحثين لفهم المصطلحات التوراتية قبل الشروع برمي التهم جزافا. فات النقاد أن شعبين يتكلمان اللغة ذاتها لا بد لهما وأن يستعملا نفس العبارات والاصطلاحات للدلالة على فهمهما المختلف للأمور. فالجنة مثلا وإن كانت وردت في النصين المسيحي والإسلامي، إلا أن وصفها ومكانها وزمانها مختلف في كل من النصين. الجنة في المسيحية هي المكان الذي أوجد فيه الله آدم وحواء على الارض وقت الخلق (في العراق الحالي). بينما الجنة في الإسلام هي مكان سماوي يتواجد فيه المؤمن بعد الموت وهي أشبه بجنائن فيها الكثير من الفاكهة وتكثر فيها الحوريات. ومع أن المسيحي المشرقي، وبفعل تأثره بالحضارة الاسلامية، أخذ يستعمل كلمة الجنة للدلالة على المكان الذي سوف يذهب إليه بعد الموت، لكن ذلك لا يجعل من المكانين مكانا واحدا بأي شكل من الاشكال. يذكر الدكتور غبرييل صوما، ذو الأصول الآرامية، والمدرّس للغات السامية في جامعات أمريكا، أن السريان والكلدان والاشوريين، يستعملون كلمة "قريانو" عندما يقرأون نصوصا من كتبهم المقدسة في الكنائس. مثلا يقول القارئ على الهيكل "قريانو اغارتو باولوس شليحو" (أتمنى ألا أكون أخطأت كتابة النص السرياني) ما معناه "قراءة من رسالة القديس بولس الرسول". لا يستطيع القارئ إلا وأن يلاحظ التشابه الكبير بين كلمتي قريانو السريانية والقرآن العربية. لكن هل يعني هذا التشابه في استعمال المفردات أن كلا الكتابين واحد؟ يكون من الغباء الجواب بنعم. فالقرآن مختلف بفحواه ومضمونه ولاهوته وتعليمه مائة وثمانين درجة عن رسائل بولس الرسول. والقول أن الكتابين واحد أو ذات أصول واحدة هو نوع من الهراء بغض النظر عّمن أخذ كلمة قرآن أو قريانو ممّن! كذلك القول أن اليهود أخذوا ديانتهم عن الكنعانيين لأن الشعبين يستعملان مصطلح رب الجنود هو أيضا هراء. مرة أخرى نقول ان اللغة العبرية مشتقة من الكنعانية وبالتالي ليس مستغربا أن يكون إيل هو رب الجنود الذي يقود شعبه للحرب فيما يهوه هو رب الجنود السماوية أي الملائكة. فإيل العبري لم يكن له يوما جيش يحارب معه أو عنه. كذلك سكنى الإلهين في جبل مقدس لا يجعل منهما واحدا. فإقامة بعل صفون في جبله المقدس كان يفهم إقامة حرفية عند الكنعانيين، أما سكنى الله في جبل صهيون هو مصطلح يهودي للدلالة على قدسية هذا الجبل وقدسية مدينة اورشليم المتواجدة عليه. ولم تكن التوراة غامضة في هذا الموضوع، بل أعلنت وبصراحة أن الله روح وأن سكناه لم تكن يوما بين البشر.

إن كان ثمة تشابه لغوي في النصوص العبرية والكنعانية مما تسبب بتشويش ذهن البعض، ونكرر مرة أخرى أن ذلك أمر طبيعي نظرا لتشابه اللغة والثقافة، إلا أن الاختلافات بين إيل العبري والكنعاني جوهرية ومفصلية حيث لا تدعو للشك بأن كلا من الكائنين مختلفان وليس ما يجمع بينهما سوى الاسم والاسم فقط، تماما كما أن المسيحي والمسلم واليهودي الذين يتكلمون العربية يستعملون كلمة الله كل للدلالة على إلهه مع أن لكل من هذه الآلهة هويته الثابتة والمختلفة. إن شاء الله، سوف نتناول في المقال القادم هذه الاختلافات كي يتم وضع النقاط على الحروف.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أما يكفي أيها السيف دماء؟
- شبهة وردود-2- ما لي ولك يا امرأة؟
- هل مسموح أن يتعرض أبو سليم للإذلال؟
- شبهة وردود-1- يسوع سارق الحمير
- عهد قديم وعهد جديد-11- حمورابي وموسى
- عهد قديم وعهد جديد-10- جولة على معتقدات القارة الفتيّة
- عهد قديم وعهد جديد-9- قراءة في الهندوسية
- هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟
- مرحبا أيها الحب!
- عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية
- كافر أنا
- عهد قديم وعهد جديد -7-جولةعلى آلهة حوض البحر الابيض المتوسط
- رأيت يسوع- قصة خيالية
- منطق آلهة سادية أم بشاعة وسادية القدماء؟ رد على مقال الاستاذ ...
- عهد قديم وعهد جديد -6-الحرب على كنعان، إبادة جماعية أم دينون ...
- حسناء باريس... وردة ذبلت أم أشواك دامية؟
- عندما يكون الدم ثمن الحرية
- إنسان يموت وكلب يعيش
- عهد قديم وعهد جديد -5- إسمع ما يقوله إيل الثور الإله، سيّدك
- عهد قديم وعهد جديد -4- وسمع الإله دعائي وباركني


المزيد.....




- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- المتطرف -بن غفير- يعد خطة لتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى ...
- فيديو/المقاومة ‏الإسلامية تستهدف قاعدة ميرون -الاسرئيلية- با ...
- -شبيبة التلال- مجموعات شبابية يهودية تهاجم الفلسطينيين وتسلب ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف مقر قيادة الفرقة 91 الصهيونية في ث ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني